رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عندما رأى يوحنا المعمدان الرب يسوع مقبلاً إليه قال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يوحنا1: 29)، وهذا يُلخِّص الغرض الأساسي من التجسد الإلهي والذي عبّر عنه بولس الرسول في اختباره الشخصي بالقول في 1تيموثاوس1: 15 «صادقة هي الكلمة ومُستَحِقَّةٌ كلَّ قبولٍ: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليُخلّص الخطاة»، وهذا أكّده أيضًا الرب يسوع بالقول «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى20: 28). ولكن إن كان هذا هو الغرض الأساسي للتجسد، فعلينا ألا ننسى جانبًا آخر وهام في مشهد التجسد؛ وهو أن المسيح يسوع عاش في أرضنا حياة إنسانية كاملة، منذ أن حُبِل به في بطن العذراء مريم وحتى موته ودفنه في القبر. وكثيرًا ما تركِّز كلمة الله على إبراز حياته الإنسانية. وهنا يأتي السؤال: لماذا؟ والإجابة بكل بساطة، أن الله يريد أن يقدِّم للبشرية النموذج الكامل والرائع للحياة الإنسانية الصحيحة، كما أرادها هو منذ البداية؛ لذلك أعلن مسرّته الكاملة بوضوح حينما صار صوت من السماء قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرتُ» (متى3: 17). لقد مرَّ الرب يسوع - له المجد - كإنسان في أرضنا، في المراحل العمرية الأساسية التي نمر بها، ليضع أمامنا النموذج والمثال الصحيح للحياة البشرية في مراحلها المختلفة. ولهذا نقرأ ما كتبه كاتب رسالة العبرانيين «من ثَمَّ كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء» (عبرانيين2: 17)، وكذلك «ناظرين إلى... يسوع» (عبرانيين12: 2). كما يكتب بطرس الرسول «تاركًا لنا مثالاً لكي تَتَّبِعوا خطواته» (1بطرس2: 21). وكما قال هو نفسه- له المجد- في متى11: 29 «تعلّموا مني». إننا بحق سوف نفقد الكثير، والكثير جدًا، لو اكتفينا فقط بتأملنا في الرب يسوع كالفادي والمُخلّص على الصليب. لذلك دعونا معًا نذهب في جولة تفصيلية نتبع فيها خطوات هذا السيد العظيم في مراحل حياته على الأرض، إنسانًا عاش بيننا: طفلاً.. ثم صبيًا.. ثم رجلاً.. ثم خادمًا. دعونا نثبِّت النظر عليه، ونتعلم منه؛ وعندئذ سنجد راحة لنفوسنا. طفل مضجع في مذود لوقا2: 12 عندما جاء ملء الزمان المحدَّد من قِبَل الله، ذهب الملاك جبرائيل إلى مدينة الناصرة التي في الجليل، ليبشِّر العذراء مريم بأن الروح القدس سيحلّ عليها، وأن قوة العلي ستظلّلها، وأنها ستحبل وتلد ابنًا وتسميه يسوع، وهو بالحقيقة ابن الله. وعندما اقترب وقت ولادة يسوع حدث اكتتاب (أي تعداد سكاني) في البلاد، وكان على العذراء مريم ويوسف أن يذهبا إلى بيت لحم، مدينة داود، لكي يكتتبا هناك. وهناك تمت أيامها لتلد. فتّشا على مكان للولادة فلم يجدا، وكان البديل الوحيد المتوفر هو ”مذود“، أي مكان مبيت الأبقار، كما يسجِّل لنا ذلك لوقا البشير «فولدت ابنها البكر وقمَّطَته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضِعٌ في المنزل» (لوقا2: 7). يا له من مشهد غريب! من هو هذا المولود في مذود؟! إنه الذي بشَّرت الملائكة بولادته، ثم ترنَّمت مسبِّحة: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المَسرّةُ» (لوقا2: 8-14). ثم جاء الرعاة ليروه، ومجَّدوا الله وسبحوه على ما رأوا في المذود. لقد كان ممكنًا أن يولد في قصر الملك، كما ظن المجوس الذين أتوا من المشرق مفتشين على هذا الملك العظيم (متى2)، لكنه اختار أن يفتقر مع أنه غني. لماذا؟! ليرتبط بالإنسان، ويصل إليه أيًّا كان وضعه، وفي أي مستوى يعيش فيه. لم يشغله أو يهمه كثيرًا أين وُلد، بل كان يهمه أن يتمِّم مشيئة أبيه الذي أرسله. والآن ماذا عنك أنت؟! هل سُئلت مرة عن المكان الذي ولدت فيه، فأصابك الخجل من ذكره، وحاولت الهروب من الاجابة؟ هل استخدم عدو البشرية هذا الشيء كحجر عثرة في حياتك، ليعطِّل انطلاقك ونجاحك في حياتك الزمنية أو الروحية؟ لماذا لا تحوِّل نظرك عن هذا الأمر، وتتذكَّر سيدك العظيم الذي وُلد في أفقر وأقل مكان من وجهة النظر البشرية، لكن هذا لم يؤثر على انطلاقه وتتميم الخطة الإلهية العظيمة لمجيئه إلى أرضنا؟ الناصرة حيث كان قد تربى: لوقا4: 16 بعد أن وُلد الطفل يسوع في مذود بيت لحم، انتقل، مع مريم أمه ويوسف النجار، إلى مدينة الناصرة التي في الجليل، مدينتهم الأصلية التي كانا يعيشان فيها. وكانت هذه المدينة من المدن المُحتقَرة في المقاييس الاجتماعية في ذلك الوقت، وكان يوسف، الذي يُنظر إليه أنه الأب البشري له، يعمل نجارًا. لذلك عُرف عن يسوع أنه «ابن النجار» (متى13: 55). وعندما نتأمل بتدقيق، نستطيع أن نستنتج أن الطفل يسوع عاش في مستوى اجتماعي ومادي منخفض. فعندما أتى وقت ختانه ثم تقديمه للرب، بحسب الناموس، نقرأ «ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سُمِّيَ يسوع... صعدوا به إلى أورشليم ليقدّموه للرب كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يُدعى قدوسًا للرب. ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب: زوج يمام أو فرخي حمام» (لوقا2: 21-24). وعندما نرجع إلى ناموس الرب، بخصوص هذا الأمر، نقرأ في لاويين12: 1-8 «وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته... ومتى كملت أيام تطهيرها لأجل ابن او ابنة، تأتي بخروف حولي محرقة وفرخ حمامة أو يمامة ذبيحة خطية إلى باب خيمة الاجتماع... وإن لم تنل يدها (أي كانت فقيرة أو إمكانياتها المادية قليلة) كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام، الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية». هذا كان وضع سيدنا العظيم عندما جاء إلى أرضنا. فماذا عنك أنت؟ هل ينتابك الأنين أو التذمّر لكونك في عائلة محدودة الدخل أو فقيرة ماديًا بالمقاييس الاجتماعية العالمية؟ هل يهاجمك الشعور بعدم الاكتفاء أو الحرمان عندما تختلط بالمحيطين بك؟ حوِّل نظرك عن الزمان الحاضر، واعلم أنه «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟». حوِّل نظرك إلى هذا السيد العظيم، الذي افتقر وهو غني، لكي نستغني نحن بفقره؛ وبعدها سنختبر عمليًا ما اختبره سليمان قديمًا أن «الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس». |
25 - 06 - 2012, 05:38 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
أما يسوع فكان يتقدم عاش الطفل يسوع مع مريم أمه ويوسف النجار، الذي اعتبره الكثيرون أبوه كما نقرأ القول في متى13: 55 «أ ليس هذا ابن النجار؟» وفي لوقا4: 22 «أ ليس هذا ابن يوسف؟»· لقد عاش حياة بسيطة عادية متضعة في مدينة الناصرة «وجاء (يسوع) إلى الناصرة حيث كان قد تربّى» (لوقا4: 16)· وقضى سيدنا العظيم حياته الأولى في مدينة الناصرة؛ يتعلّم ويعمل في النجارة مع يوسف، فيُقال عنه: «أليس هذا هو النجار ابن مريم؟» (مرقس6: 3)· لقد افتقر الغني من أجلنا، تشارك معنا في كل شيء، ليرفع من وضعنا، ويصحِّح المفاهيم البشرية الخاطئة لتقييم الإنسان، مؤَكِّدًا ما نقرأه بعد ذلك «اختار الله جُهّال العالم ليخزي الحكماء· واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء· واختار الله أدنياء العالم، والمزدرى، وغير الموجود، ليُبطل الموجود· لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه» (1كورنثوس1: 27-29)· ويمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين نتأمل ببعض التفاصيل فيهما: أولاً: مرحلة الطفولة - من الولادة وحتى سن اثنتي عشر سنة ويمكن تلخيصها في العبارة «وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئًا حكمة وكانت نعمة الله عليه» (لوقا2: 40) 1- كان ينمو ويتقوّى بالروح: إن هذه المرحلة هي مرحلة النمو الجسدي والعقلي، ويجب علينا الاهتمام بذلك حتى لا تتأثر حياتنا مستقبلاً، ولنَصِل إلى النضوج الصحيح جسديًا وروحيًا· 2- ممتلئًا حكمة: حيث أن ذهن الإنسان هو المُحرّك الرئيسي لحياته «لأنه كما شعر (افتكر) في نفسه هكذا هو» (أمثال23: 7)؛ لذلك من المهم جدًا ليس الاهتمام فقط بنمو ونضوج الجسد، بل بنضوج العقل أيضًا؛ ليس عن طريق كمية المعلومات التي نحفظها بل عن طريق ممارستها وتطبيقها بأساليب صحيحة· 3- كانت نعمة الله عليه: لقد عاش الطفل يسوع في شركة مستمرة مع الله، وانطبق عليه القول في مزمور91: 1 «الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت» وكانت كلمة الله غالية عليه لذلك كُتب عنه «وشريعتك في وسط أحشائي» (مزمور40: 8)· في عالم يسيطر عليه عدو الخير بأفكاره وطرقه الهدّامة نحتاج أن نعيش دائمًا في داخل دائرة نعمة الله· ثانيًا: مرحلة الشباب - من سن الثانية عشر وحتى سن الثلاثين سنة وتتلخص في القول «وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس» (لوقا2: 52) تبدأ هذه المرحلة في حياة سيدنا العظيم بالقصة المعروفة لدينا والمذكورة في لوقا2: 40-52، عندما ذهب مع مريم أمه ويوسف إلى الهيكل في العيد كما كان يفعل قبل ذلك في مرحلة الطفولة· وفي طريق رجوعهما إلى الناصرة فتشا عليه بين الرفقة فلم يجداه، ثم بحثا عنه لمدة ثلاثة أيام ولكن في أماكن خاطئة فلم يجداه؛ وأخيرًا دخلا الهيكل، كمحاولة أخيرة، ففوجئوا به جالسًا وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته· فلما أبصراه اندهشا، وقالت له أمه: «لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين»، فكان ردّه الواضح «لماذا كنتما تطلبانني؟ أ لم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟»· ثم بعد ذلك «نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعًا لهما»· دعونا نقف هنا قليلاً لنتأمل في هذه الحادثة بدروسها العظيمة: 1- وجداه جالسًا·· وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم: لم ينشغل الفتى يسوع بمظاهر العيد واحتفالاته، ولا بأن يكون وسط الرفقاء والأقارب؛ بل كل ما كان يشغله هو كلمة الله وتعلُّمها· لقد كان بحق «في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح» (مزمور1: 2 ،3)· 2- ينبغي أن أكون فيما لأبي: إن مرحلة الشباب هي مرحلة تكوين الشخصية، وهكذا أراد الفتى يسوع أن يؤكِّد أن الأهمية الأولى في الحياة ليست لأمور الزمان، التي أصبحت مشغولية الكثيرين، بل إن العلاقة مع الله والسير معه وبحسب مشيئته، هي الأولوية الأساسية· وبحق كُتب عنه «أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت» (مزمور40: 8)· 3- نزل معهما·· وكان خاضعًا لهما: مع أن مريم أمه ويوسف لم يفهما الكلام الذي قاله لهما، لكنه نزل معهما وكان خاضعًا لهما· إنه يضع هنا أساسًا واضحًا لمفهوم الخضوع والطاعة للسلطات المُرتّبة من عند الله بدايةً من الأبوين· ربما يكون هذا صعبًا على الطبيعة البشرية التي تحب الاستقلالية وفعل الإرادة الذاتية ولا سيما في مرحلة الشباب· ومع أن رأي الآخرين قد لا يكون صحيحًا تمامًا، ولكن هنا نتعلم أن هذا ليس مبرِّرًا للتصميم على ما نريده أو التمرد والعصيان، بل من المهم أن نتعلم الطاعة من بداية حياتنا في الأمور الصغيرة، الأمر الذي سيسهِّل علينا الطريق للطاعة الصحيحة في المستقبل، والتي ستقودنا للنمو والنضوج الحقيقي· ولا ننسَ قول الكتاب في أفسس6: 1-3 «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق»· 4- كان دائم التقدم في المجالات الآتية: أ) الحكمة: وهي أساس الحياة الصحيحة الناجحة «إذا دخلت الحكمة قلبك ولذّت المعرفة لنفسك فالعقل يحفظك والفهم ينصرك» (أمثال 2: 10 ،11)· إنها بحق أعظم من كل كنوز الأرض (أمثال8: 11)· ولكن بالطبع علينا أن نُفرِّق بين الحكمة الأرضية النفسانية الغاشة، والحكمة الإلهية الصحيحة النازلة من فوق؛ والتي نستطيع الحصول عليها فقط في مخافة الله (أمثال9: 10)· ب) القامة: لقد كان يتقدم في المكانة في جميع مجالات الحياة، فلم يكن هناك مجال لتضييع الوقت في أمور الحياة الوقتية الزائلة، والتي اختبرها سليمان قديمًا وقال عنها: «الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جامعة2: 11)· لقد عاش حياة جدّية، ليس كما يعيش معظم الشباب، فهذه هي المرحلة التي يتعلم فيها الإنسان ويتدرب لكي يتأهل لحياته المستقبلية· وبحق كُتب عنه «هوذا عبدي يعقل·· ويتسامى جدًا» (إشعياء52: 13)· ج) النعمة عند الله والناس: لقد عاش سيدنا بحق «مملوءًا نعمة» لقد اهتم بحياته الزمنية أمام الناس، وكذلك علاقته ووضعه أمام الله· لقد تحقق فيه القول «هوذا فتاي الذي اخترته· حبيبي الذي سُرّت به نفسي··· لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته· قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ» (متى12: 18-20)· هذه كانت حياة سيدنا العظيم في مرحلة الشباب فماذا عنك أنت يا أخي الشاب وأختي الشابة؟ أ لم يأتِ الوقت لنتحول عن الأفكار البشرية والنماذج الخاطئة المحيطة بنا، ونثبِّت النظر فيه، ونتعلم منه عمليًا؟ وهكذا تكون النتيجة «تجدوا راحة لنفوسكم»· |
||||
25 - 06 - 2012, 05:38 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
ورجع يسوع بقوة الروح
عاش الرب يسوع الثلاثين سنة الأولى من حياته على الأرض مع يوسف النجار ومريم العذراء - اللذين اُعتبرا أبواه الأرضيان - وكان طابع هذه المرحلة «وأما يسوع فكان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس» (لوقا2: 52)· ونأتي الآن إلى المرحلة الثانية من حياته - له المجد - على الأرض، والتي فيها انطلق في حياته وخدمته الجهارية لتنفيذ الخطة التي جاء من أجلها· وقد بدأت هذه المرحلة بحادثتين هامتين، نريد أن نقف عندهما قليلاً: أولاً: المعمودية من يوحنا المعمدان لقد جاء يوحنا المعمدان قبل الرب يسوع، كارزًا بضرورة التوبة القلبية والرجوع الحقيقي لله وليس بمظاهر التدين الخارجي، وكانت معمودية الماء هي العلامة العلنية على ذلك· وخرج إليه الكثيرين واعتمدوا في نهر الأردن معترفين بخطاياهم· وهنا نقرأ القول «حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا، ليعتمد منه» (متى3: 13)· وهنا يأتي السؤال: لماذا اعتمد الرب يسوع وهو غير محتاج لذلك؟! وهذا ما قاله له يوحنا المعمدان «ولكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليَّ؟» (متى 3: 14)· والإجابة: 1) لإعلان الطاعة لوصايا الله: لقد كانت معمودية الماء هي الطريقة التي وضعها الله في ذلك الوقت كبرهان عملي للتوبة الحقيقية القلبية· لذلك، وبالرغم من عدم احتياج الرب يسوع لهذه المعمودية، لأنه الذي كُتب عنه أنه «ليس فيه خطية» و«لم يعرف خطية» و«لم يفعل خطية»؛ لكنه كان خاضعًا لكل ترتيب إلهي في الحياة، وهذا ما أكَّده في ردِّه على يوحنا المعمدان «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نُكمِّل كلَّ بِرٍّ» (متى3: 15)· فماذا عنا نحن؟؟ هل نحن غيورون على تنفيذ وصايا الله وتعاليمه مهما كلَّفَنا الأمر؟! 2) الاتحاد مع الأتقياء الطائعين لله: إن جميع الذين اعتمدوا في ذلك الوقت أعلنوا بوضوح طاعتهم لله، لذلك كانت مسرة الرب يسوع أن يكون في وسطهم ومعهم· لقد كان شعاره بحق «القديسون الذين في الأرض والأفاضل، كل مسرتي بهم» (مزمور16: 3)· فماذا عنك أنت؟ مع من تَجِد مَسَرَّتك وتجد الشركة الحقيقية في حياتك؟! 3) صورة رمزية لعمل الخلاص الذي سيتمِّمه: إن المعمودية هي التغطيس الكامل في المياه ثم الخروج خارجًا منها، وهنا يرسم الرب أمامنا أنه لا حياة جديدة صحيحة إلا بموته ودفنه ثم قيامته مرة ثانية، وهذا ما نقرأه بعد ذلك في رومية6: 3-4 «كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيمَ المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جِدَّة الحياة»· فهل تمتعت بعمله من أجلك؟ وهل أنت الآن إنسان جديد في المسيح؟! بعد صعود الرب من الماء انفتحت السماوات، ونزل روح الله في صورة حمامة عليه، وسُمع صوت قائلاً «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت»· ونرى في ذلك أمرين: 1· مسحة الروح القدس: إن المسحة تُعبِّر عن التعيين والفرز الإلهي لعملٍ وخدمةٍ خاصة، وهذا ما قاله بطرس الرسول عن المسيح في أعمال10: 38 «يسوع الذي من الناصرة، كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة»· وقد صار للمؤمنين الحقيقين إمتياز هذه المسحة بعد التمتع بالولادة الجديدة من الله وهذا ما يكتبه بولس الرسول في 2كورنثوس1: 21 «ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله»· فهل تمتعت بذلك فعليًا؟ وهل تعرف ماذا يريد الرب منك في هذه الحياة؟! 2· هذا هو··· الذي به سررت: لقد انفتحت السماوات وصار الصوت «هذا هو··· الذي به سررت»؛ لقد أعلن الآب مسرَّته الكاملة بابنه كل أيام حياته على الأرض وهذا ما كتبه إشعياء قديمًا عنه في «مُختاري الذي سُرّت به نفسي» (إشعياء42: 1)· فماذا عني وعنك؟ ماذا سيكون تقرير السماء عني الآن وعن حياتي هنا على الأرض؟! ثانيًا: صيامه أربعين يومًا في البرية رجع الرب يسوع من الأردن بعد المعمودية إلى البرية، حيث أمضى أربعين يومًا صائمًا في خلوة خاصة استعدادًا لانطلاقته في خدمته الجهارية· دعونا نتأمل في هذه الفترة لنتعلم منها الكثير: أ) الخلوة وأهميتها إنها فترة خاصة ندخل فيها في شركة منفردة مع الله، حيث فيها يتجدَّد الذهن عمليًا فيتطابق فكرنا مع فكر الله؛ وعندها نستطيع أن نختبر إرادته في حياتنا، ونتأيد بقوة بروحه في إنساننا الباطن· وهذا ما نقرأه عن الرب يسوع في نهاية هذه الفترة «ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل» (لوقا4: 14)· قال بحق أحد رجال الله إن أولئك الذين كان لهم أكبر التأثير في العالم، هم أولئك الذين قضوا وقتًا طويلاً أمام الله، بل صار هذا هو الطابع المميِّز لحياتهم · فماذا عنك أنت؟ هل هذا طابع حياتك؟! ب ) الصيام إنه فترة محدَّدة يتم فيها الامتناع عن الطعام والشراب وكافة مُتع الحياة، حيث يتحد الجسد مع الروح للتفرغ التام للصلاة وسكب القلب أمام الله· يحتاجه المؤمن الحقيقي، والخادم بصفة خاصة، من وقت إلى آخر، للاعتكاف والتعبُّد للرب، حتى يتأيد بالقوة في الإنسان الباطن، ويختبر عمليًا يد الرب العاملة معه· وهذا ما حدث فعليًا في حياة رجال الله أمثال: موسى ودانيال ونحميا وبولس· فماذا عنك أنت؟ هل للصوم مكان في حياتك؟ أما الحادثة التالية في حياة الرب، وهي التجربة من إبليس، فهي في غاية الأهمية ومليئة بالدروس العملية، لذا نفرد لها مقالنا القادم - إن تأنى الرب· |
||||
25 - 06 - 2012, 05:46 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
التجربة على الجبل عندما خلق الله الإنسان الأول، وضعه في جنة عظيمة بها كل ما هو شهي للنظر وجيد للأكل، وسلّطه على جميع أعمال يديه. ولكن بعد ذلك بقليل، جاء الشيطان، إبليس المخادع والعدو، ليحرم الإنسان من كل هذا التمتع عن طريق إيقاعه في التعدي على وصية الله. وللأسف فشل الإنسان، وسقط، وصار عبدًا للخطية ولإبليس. وبنفس الطريقة، عندما جاء الإنسان الثاني آدم الأخير الرب من السماء حاول إبليس، بتجارب متنوعة، أن يوقعه في الخطإ، هادفًا لإفساد خطة الله في مجيئه إلى الأرض. وهذا ما يفعله حتى الآن مع جميع أولاد الله، ولا سيما الذين اختارهم لخدمته. دعونا نتأمل في تفاصيل هذه التجارب لنتعرَّف كيف انتصر عليها سيدنا العظيم. أولاً: طرق إبليس في التجربة: يستخدم إبليس طرقًا مختلفة في محاولة الإيقاع بنا في الخطإ والتعدي على الله، منها: 1- استغلال ضعفنا أمام احتياجاتنا الطبيعية نقرأ القول «فبعد ما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة، جاع أخيرًا. فتقدَّم إليه المُجرِّب» (متى 4: 2، 3). لقد جاء له المجرِّب عندما وصل الرب يسوع كإنسان إلى حالة الضعف الجسدي الشديد، محاولاً إيقاعه في استغلال قدراته الشخصية لإشباع احتياجاته الطبيعية، بِغَضِّ النظر عن طاعته لله والسلوك بحسب مشيئته. وهذا ما يفعله معنا في الوقت الحاضر، وهو ما فعله مع الإنسان الأول عندما أوقعه في فخ «شهوة الجسد». 2- بريق الأمجاد العالمية نقرأ القول «لك أُعطي هذا السلطان كله ومجدهنَّ» (لوقا 4: 6). وهنا يحاول تعظيم أمجاد العالم وبريقه أمام الإنسان، فيحرفه تدريجيًا عن طاعته لله والخضوع لسيادته الكاملة في حياته، وبهذا يدخل إلى حياته، ويضعه تحت سيادته وسيطرته. 3- الحصول على مجد ذاتي عن طريق الأمور الدينية نقرأ القول «إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك وأنهم على أيديهم يحملونك» (لوقا 4: 9-11). كثيرًا ما يعمل الله أمورًا معجزية في حياة الكثيرين، أو يستخدمهم بصورة خاصة لتتميم مقصدًا معيَّنًا، وهنا يحاول إبليس إيقاعهم في تعظيم أنفسهم، والحصول على مجد ذاتي أمام الآخرين، والانخداع في القدرات الذاتية. وهكذا يبدأ الانحراف عن الخضوع لسيادة الله في الحياة وقيادته الكاملة، وهذا ما حدث في الجنة أيضًا عندما قال للإنسان «تنفتح أعينكما وتكونان كالله». 4- الاستخدام الخاطئ لكلمة الله نقرأ قول إبليس «لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك وأنهم على أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» (لوقا 4: 10، 11). لقد حذف من اقتباسه عبارة «في كل طرقك» (مزمور 91: 11)، والتي تفيد أن العناية الإلهية هي في طرق الحياة الطبيعية اليومية، وليست لتصرفات استعراضية. وهذا ما يفعله حتى الآن مستخدِمًا الكتاب المقدّس بطريقة ملتوية، سواء بالحذف، أو الإضافة، أو التحريف؛ لتغيير المعنى أو القصد، وهذا أساس معظم الضلالات التي دخلت المسيحية منذ البداية. وبحق قال الرب يسوع «لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله» (مرقس 12: 24). 5- التشكيك في كلمة الله وصلاحه بدأ إبليس تجربته بالقول «إن كنت ابن الله فقُل لهذا الحجر أن يصير خبزًا»، ثم كرر القول «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل». لقد أعلنت السماء سابقًا، وبكل وضوح، بعد معمودية الرب يسوع «هذا هو ابني الحبيب»؛ لكن إبليس يحاول - من جهة - التشكيك في صدق أقوال الله، ومن الجهة الأخرى التشكيك في صلاح الله واهتمامه بالرب يسوع كإنسان على الأرض، سواء في تسديد الاحتياج الطبيعي للطعام، أو حفظه إذا طرح نفسه من فوق جناح الهيكل. وهذا ما يفعله حتى الآن لزعزعة ثقتنا في كلمة الله ومواعيده لنا. أ لم يكن هذا هو ما بدأ به تجربته للإنسان الأول في الجنة قديمًا بقوله «أ حقًا قال الله؟»؟! ثانيًا: كيفية الانتصار على تجارب إبليس: إن كان إبليس لا يهدأ للإيقاع بنا مُستخدِمًا حيلاً كثيرة، كالحية الماكرة، لكن لنا الوعد بالنصرة الكاملة عليه إن كنا نتبع خطوات سيدنا الكريم كإنسان كامل عاش في أرضنا: 1- التمسك بالمكتوب يتكرر القول «مكتوب» في كافة ردود الرب يسوع على إبليس. لقد كانت كلمة الله مكانتها الكبيرة في حياته كإنسان على الأرض وتم فيه القول «وشريعتك في وسط أحشائي» (مزمور 40: 8). 2- الطاعة الكاملة لله لقد عاش - له المجد - كإنسان، حياة الطاعة الكاملة لأبيه، مهما كانت الظروف. وكان شعاره «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا 4: 34). وهكذا تطابقت إرادته مع إرادة أبيه تمامًا، فلم يجِد إبليس ثغرة واحدة ليدخل منها. 3- الامتلاء بالروح القدس يُذكر عن سيدنا الكريم «أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس» (لوقا 4: 1). وهكذا كإنسان كامل، كان يُقاد بالروح القدس في كل شيء. أليس هذا ما نحتاج نحن إليه كمؤمنين حتى نُحفظ من التشويش ومن خداع إبليس الماكر؟! وهذا ما نقرأه في غلاطية 5: 16 «اسلكوا بالروح فلا تكمِّلوا شهوة الجسد». هذا سيدنا الكريم أيام جسده على الأرض فماذا عني وعنك؟ دعونا ننظر إليه ونتعلم منه عمليًا حتى نختبر حياة النصرة الحقيقية والانطلاقة الصحيحة في حياتنا متمّمين نصيحته الغالية «تعلّموا مني.. فتجدوا راحة لنفوسكم». |
||||
25 - 06 - 2012, 05:50 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
ناظرين إلى يسوع رجع الرب يسوع، بعد اعتزاله في البرية لمدة أربعين يومًا، إلى مدينة الناصرة، ومنها انطلق لبقية المدن بقوة الروح القدس ليتمِّم الإرسالية العُظمى التي من أجلها أتى إلى الأرض. ومن المفيد والهام جدًا أن نتأمل في حياته، كالإنسان الكامل الذي عاش حياة فريدة، تاركًا لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. وعندما نتأمل في حياة السيد العظيم - كما ذُكرت في الأناجيل الأربعة - يلفت نظرنا بعض العادات التي تميّزت بها حياته - له كل المجد - وهي: 1- الصلاة: «وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون... وجثا على ركبتيه وصلى» (لوقا22: 39-41). 2- حضور المجمع: «وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت» (لوقا4: 16). 3- التعليم: «اجتمع إليه جموع أيضًا وكعادته كان أيضًا يعلِّمهم» (مرقس10: 1). دعونا الآن نتأمل في النقطة الأولى التي اتسمت بها حياة السيد وهي الصلاة. أولاً: متى نُصلي؟ يتساءل الكثيرون: متى نصلي؟ وهل هناك ساعات محدَّدة للصلاة؟ نتعلم من سيدنا العظيم أن الصلاة هي حديث القلب مع الله الموجود لنا ومعنا كل وقت، وبابه مفتوح لنا كل اليوم نهارًا وليلاً. وبحقٍّ علَّمنا قائلاً: «ينبغي أن يُصلّى كل حين ولا يُمَل» (لوقا18: 1). لذلك نقرأ عنه - له المجد - أنه كان يصلي في: أ-الصباح الباكر: «وفي الصبح باكرًا جدًا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك» (مرقس1: 35). ب- أثناء النهار: «وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي» (لوقا5: 16). ج-أثناء الليل: «وقضى الليل كله في الصلاة لله» (لوقا6: 12). ثانيًا: أين نُصلي؟ حيث أن إلهنا موجود في كل مكان، فهو بحقّ رب السماء والأرض، ولا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي، لذا نستطيع أن نأتي إليه في أي مكان نوجد فيه.. منفردين داخل بيوتنا.. أو معًا كمجموعة مؤمنيين نجتمع تحت رياسته.. أو أينما كنّا. وهذا ما نراه في حياة سيدنا؛ كان يصلي في: أ-موضع خلاء: «مضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك» (مرقس1: 35). ب-الجبل: «مضى إلى الجبل ليصلي» (مرقس6: 46). ج- البراري: «كان يعتزل في البراري ويصلي» (لوقا5: 16). ثالثًا: كيف نُصلي؟ حيث أن الصلاة هي الحديث الخاص بين الإنسان والله، لذا فالمهم وضع القلب والكيان الداخلي وقت الصلاة. أما الوضع الخارجي فيرتبط بحالة المُصلّي وأسلوب تعبيره عن احترامه وتقديره عندما يخاطب إلهه. لذلك يذكر عن الرب: أ- «جثا على ركبتيه وصلّى» (لوقا22: 41). ب- «رفع عينيه نحو السماء وقال أيها الآب» (يوحنا17: 1). رابعًا: لماذا نُصلي؟ لقد أساء الكثيرين فهم سبب الصلاة. فالبعض يعتبرونها فرضًا واجبًا لنوال رضا الله عليهم، والبعض الآخر جعلها شكلاً من أشكال العبادة الطقسية، لكن دعونا نتأمل في بعض دوافع الصلاة كما ظهرت في مثالنا الأعظم: أ-الخلوة الشخصية مع الله: «وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي» (لوقا5: 16). ب- قيادة الله في الخدمة: «وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس... وكان يُقتاد بالروح» (لوقا3: 21-4: 1). ج- اتخاذ قرارات هامة: «وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي... ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمّاهم أيضًا رُسلاً» (لوقا6: 12، 13). د-احتياجات وطلبات خاصة للآخرين: «قال يسوع ارفعوا الحجر... ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي...» (يوحنا11: 39-41). هـ- طلب مجد الله في الحياة: «أيها الآب مجِّد اسمك، فجاء صوت من السماء مجَّدت وأمجّد أيضًا» (يوحنا12: 28). و- التجارب والمواقف الصعبة: «ولما صار إلى المكان، قال لهم: صلّوا لكي لا تدخلوا في تجربة. وأنفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلّى...» (لوقا22: 40-46). ز-التشفع في الآخرين: «وقال الرب: سمعان سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك» (لوقا22: 31، 32). م-جميع المؤمنين واحتياجاتهم المتنوعة: «من أجلهم أنا أسأل... أن تحفظهم من الشرير... قدّسهم في حقك... ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم» (يوحنا17: 9-20). خامسًا: ما هي الحالة التي يجب أن يكون عليها المُصلّي؟ ما أكثر الذين يصلّون نهارًا وليلاً ولكن صلاتهم لا ترتفع فوق رؤسهم، لأن الله يهتم بحالة القلب الخارجة منه هذه الصلوات. دعونا نتعلم من سيدنا حتى تكون صلواتنا مقبولة عند إلهنا: أ-التسليم الكامل: «يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (متى26: 39). ب-الحرارة واللجاجة: «وإذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عَرقَه كقطرات دم نازلة على الأرض» (لوقا22: 44). ج-الثقة الكاملة في الله: «ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي» (يوحنا11: 41، 42). د-الغفران لإساءة الآخرين: «فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا23: 34). هذه بعض الدروس العملية التي نتعلمها من سيدنا العظيم التي معها سوف نتمتع بعلاقة صحيحة مع إلهنا، وتظهر نتائج صلواتنا بصورة عملية منها: أ-التغيير الشخصي: «وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيّرة ولباسه مبيضًا لامعًا» (لوقا9: 29). ب-الاستجابة الواضحة: «فجاء صوت من السماء مجَّدتُ وأُمجِّد أيضًا» (يوحنا12: 28). لتكن طلبتنا المستمرة «يا رب علمنا أن نُصلي» (لوقا11: 1). |
||||
25 - 06 - 2012, 05:54 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
ناظرين إلى... يسوع ونحن نتأمل في النموذج الكامل - الرب له المجد - كإنسان عاش في أرضنا، يلفت نظرنا - كما تكلمنا سابقًا - أن يُذكر عنه بعض العادات الثابتة المتكرِّرة في حياته، وهي: الصلاة، حضور المجمع، التعليم. وقد تأمّلنا سابقًا في موضوع الصلاة والآن سنتأمل ببعض التفصيل في الموضوع الثاني وهو “حضور المجمع”. أولاً: ما هو المجمع؟ كان لدى اليهود قديمًا الهيكل في أورشليم، حيث كانت تقدَّم الذبائح والتقدمات، بحسب الشريعة الموسوية. ولكن بعد سبي الشعب وتشتيتهم، أقاموا أماكن ليجتمعوا فيها للصلاة وقراءة كلمة الله والتعليم، في كل مدينة تواجدوا فيها؛ وهذه سُميت بـ“المجامع”. وعندما تجسَّد الرب كانت هذه المجامع متواجدة في معظم المدن التي جال فيها. لذلك نقرأ كثيرًا عنه أنه «دخل إلى المجمع» (مرقس1: 21). وبعد صعود المسيح إلى السماء استمر التلاميذ والمؤمنون في الذهاب إلى الهيكل والمجامع للكرازة بالمسيح المخلّص؛ لكنهم قوبِلوا بالرفض الشديد وطُردوا خارجًا (أعمال2: 46؛ 5: 42؛ 6: 15؛ 13: 14، 15). فصاروا يجتمعون في البيوت (أعمال1: 13؛ 12: 12...). ثانيًا: ما هو الغرض من حضور الاجتماع؟ كثيرون يحضرون الاجتماعات لأهداف مختلفة؛ لكن دعونا نرى ماذا تعلّمنا كلمة الله عن ذلك: 1- للتمتع بحضور الرب في الوسط: لقد وعد الرب يسوع المجتمعين أنه «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي (أو إلى اسمي) فهناك أكون في وسطهم» (متى18: 20). وهو المكتوب عن بالنبوة «أخبر باسمك إخوتي» (مزمور22: 22). 2- لتقديم السجود والعبادة: لقد قال الرب يسوع للمرأة السامرية «الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له» (يوحنا4: 23). والرب ينتظر منا مثل هذا السجود. 3- لتعلُّم كلمة الله: دخل الرب يسوع الهيكل وهو صبي في الثانية عشر من عمره، ونقرأ عنه أنه كان «جالسًا في وسط المعلّمين يسمعهم ويسألهم» (لوقا2: 46). ثم عندما بدأ خدمته نقرأ عنه «دخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ؛ فدُفع إليه سفر إشعياء النبي...» (لوقا4: 16-22). ثم نقرأ عن المؤمنين في بداية تكوين الكنيسة أنهم «كانوا يواظبون على تعليم الرسل» (أعمال2: 42). 4- الشركة الروحية: حيث أن المؤمنين الحقيقين قد انفصلوا عن العالم الحاضر الشرير، فلا يمكن أن تكون لهم شركة فعلية معه، وينطبق عليهم القول «أيّة شركة للنور مع الظلمة» (2كورنثوس6: 14). لذلك أوجد الله لهم دائرة شركة جديدة، ليتمتعوا فيها معًا بالشركة الحقيقية المشبعة. فنقرأ عن المؤمنين الأوائل أنهم «كانوا يواظبون على... الشركة» (أعمال2: 42). ونقرأ قول المرنم قديمًا «هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معًا... هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد» (مزمور133: 1-3). 5- صُنع ذكرى موت الرب: نقرأ في الاناجيل أن الرب يسوع، في الليلة الأخيرة من حياته على الأرض، اجتمع مع التلاميذ في العلّية، وبعد أن تناولوا العشاء الأخير للفصح «أخذ خبزًا وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم؛ اصنعوا هذا لذكري. وكذلك الكأس...» (لوقا22: 19، 20). وهذا ما ابتدأ المؤمنين يفعلونه من البداية إذ يذكر عنهم أنهم «كانوا يواظبون على... كسر الخبز» (أعمال2: 42). ولهذا نحن نجتمع في أول كل اسبوع لنتمِّم وصية الرب. ثالثًا: ما هي الحالة الصحيحة التي يجب أن نكون عليها في الاجتماع؟ كثيرون يحضرون الاجتماعات ويواظبون عليها، ولكن هل نحن في الحالة الصحيحة ونحن داخل الاجتماع؟ 1- الاحترام والتقدير للرب الحاضر في الوسط: عندما ظهر الرب قديمًا لموسى في العليقة قال له: «لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» (خروج3: 5). ويكتب لنا إشعياء النبي قديمًا عن الرؤيا التي رآها «رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة: باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس» (إشعياء6: 1-3). ويكتب المرنم قديمًا «قدِّموا للرب مجد اسمه. اسجدوا للرب في زينة مقدسة» (مزمور29: 2). 2- الإنصات والتركيز لفهم كلمة الله: عندما دخل الرب يسوع الهيكل وهو صبي جلس وسط المعلمين «يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته» (لوقا2: 46-47). ثم عندما دخل المجمع بعد ذلك في بداية خدمته وابتدأ يُعلِّم نقرأ عن الحاضرين «وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه... وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه» (لوقا4: 20-22). 3- قلب متضع صادق راغب في التغيير: ذكر الرب يسوع مثلاً عن إنسانين صعدا إلى الهيكل ليصلّيا واحد فريسي والآخر عشار (لوقا18: 9-14)، حيث نرى الفريسي وكبرياءه واعتداده ببرِّه الذاتي، أما العشار فأقرَّ بحالته باتضاع وإنكسار، طالبًا التغير الحقيقي. وكانت النتيجة أنه نزل مُبرّرًا دون هذا الفريسي. ويكتب لنا إشعياء قديمًا «يقول الرب: وإلى هذا أنظر؛ إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» (إشعياء66: 2). 4- البُعد عن الرياء والمظهر الخارجي المتعارض مع الحالة الداخلية الفعلية: واجه الرب يسوع الكتبة والفريسيين في نهاية خدمته على الأرض، لأنهم كانوا يهتمون بالمظهر الخارجي والعبادة الظاهرية في الهيكل والمجامع، دون الاهتمام بالحالة الداخلية الفعلية للإنسان «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقّون خارج الكأس والصحفة، وهما من الداخل مملوآن اختطافًا ودعارة... تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا» (متى23: 25-28). أخيرًا؛ ليتنا نفحص أنفسنا جيدًا متسائلين: هل نحن نقدِّر الاجتماع حول الرب؟ وما هو هدف وجودنا في الاجتماع؟ وما هي حالتنا الداخلية ونحن في حضرته؟ ليكن لسان حالنا ما كتبه المرنم قديمًا «ما أحلى مساكنك يا رب الجنود، تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي» (مزمور84: 1، 2). |
||||
25 - 06 - 2012, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
ناظرين إلى يسوع ما زلنا نتأمل في حياة سيدنا - له المجد - كإنسان عاش على أرضنا، وخاصة في بعض العادات التي ذُكرت عنه وهي: الصلاة، حضور المجمع، التعليم. وقد تكلمنا سابقًا عن الصلاة وحضور المجمع، والآن سنتأمل قليلاً في الموضوع الثالث وهو “التعليم”. أولاً: ما هي أهمية التعليم؟ لقد رأينا سابقًا كيف بدأ سيدنا العظيم حياته الإنسانية، وهو في سن الثانية عشر، جالسًا في الهيكل «وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم» (لوقا2: 46). كما نقرأ عنه في نبوة إشعياء (50: 4) «أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين». وهذا يلفت نظرنا إلى أهمية التعليم في حياتنا، ونلخصها في الآتي: 1- إدراك مشيئة الله لحياتنا والسير فيها: وهذا ما ذُكر بروح النبوة عن سيدنا في تجسده في مزمور40: 7، 8 «حينئذ قلت هنذا جئت بدرج الكتاب، مكتوب عني: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت، وشريعتك في وسط أحشائي». 2- الانتصار على أكاذيب إبليس وحروبه: نرى هذا واضحًا عندما واجه الرب إبليس المجرِّب وهو في البرية، بعد أن صام أربعين يومًا. لقد كان سلاحه الرئيسي ضد عدو البشرية «مكتوب... مكتوب... ومكتوب أيضًا» (متى4: 1-11). 3- حفظ الإنسان نفسه من الضلال والسقوط: أمام الضلالات المنتشرة في العالم والأكاذيب التي يروِّجها إبليس، نحتاج إلى التعليم الصحيح لحفظنا من الضلال والسقوط؛ وهذا ما حذَّر منه الرب قائلاً «أليس لهذا تضلون: إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؟» (مرقس12: 24). 4- حياة النجاح المستمر في كافة الاتجاهات: هذا ما نقرأه في المزمور الأول عن الرجل الناجح «في ناموس الرب مسرّته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً... كل ما يصنعه ينجح» (مزمور1: 2-3). 5- التأهيل الصحيح لمساعدة الآخرين ومعونتهم: هذا ما نقرأه بالنبوة عن السيد في إشعياء50: 4 «أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أُغيث المعيَ بكلمة». وهذا ما ينصح به أيضًا بولس الرسول ابنه تيموثاوس «كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع... لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهّبًا لكل عمل صالح» (2تيموثاوس3: 16، 17). ثانيًا: ممن نتعلم؟ حيث أن هناك أهمية قصوى للتعليم، فيكون من الهام جدًا اختيار المصدر الصحيح للتعليم. فكم من كثيرين ضلّوا بعيدًا وتعثّرت خطوات حياتهم لسيرهم وراء معلّمين يقول عنهم الكتاب: 1- معلمون يتكلمون بأمور ملتوية: هذا ما نبَّه عليه الرسول بولس المؤمنين في خطابه الوداعي في أعمال20: 30. وهدف هؤلاء المعلمون ليس مصلحة الآخرين بل أنفسهم «ليجتذبوا التلاميذ وراءهم». 2- معلمون مستحكة مسامعهم: إنهم المعلمون الذين يكلّمون الناس بما يعجبهم ويريحهم، وليس بما يريده الله للنفوس التي تسمع؛ والنتيجة أنهم «يصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات» (2تيموثاوس4: 4). 3- معلمون كذبة: هؤلاء الذين يدّعون المعرفة ويخدعون البسطاء و«يدسّون بدع هلاك»، ودافعهم الطمع والربح القبيح (2بطرس2: 1). لذلك دعونا نرى ماذا يقول سيدنا عن مصدر التعليم الصحيح: 1- علمني أبي: عندما تعجب اليهود مما يعلمه المسيح أجابهم قائلاً: «تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني» (يوحنا7: 15-16)، وعندما لم يفهموا ما يقول قال لهم: «لست أفعل شيئًا من نفسي بل أتكلم بهذا، كما علمني أبي» (يوحنا8: 28). 2- تعلموا مني: بينما نُحاط بأنواع المعلّمين الكثيرين، الذين قد يحوّلوا مسامعنا عن الحق الصحيح، ليتنا نتحول إلى سيدنا العظيم وهو يقول لنا «تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم» (متى11: 28). 3- الروح القدس.. هو يعلمكم: في نهاية حياة سيدنا بالجسد على الأرض، وقبل أن ينطلق إلى السماء، وجَّه نظر تلاميذه لحقيقة مجيء الروح القدس وسكناه في المؤمنين، ومن ضمن أعماله التعليم والتذكير بكل ما قاله الرب لنا «وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم» (يوحنا14: 25، 26). 4- علموهم.. ما أوصيتكم به: لقد أقام الرب في الكنيسة معلّمين ورعاة، وأعطاهم مواهب خاصة بالروح القدس؛ وعلينا أن نميّزهم ونستفيد من استخدام الروح القدس لهم. وهذا ما كلف الرب به تلاميذه بعد قيامته من الأموات قائلاً «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به» (متى28: 19-20). وهذا ما فعلته الكنيسة الأولى إذ كُتب عنهم «وكانوا يواظبون على تعليم الرسل» (أعمال2: 42). ثالثًا: كيف نتعلم بطريقة صحيحة؟ كثيرون يسمعون كلمة الله ويدرسونها، ولكن ينطبق عليهم القول «مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون» (متى13: 13). أما التعليم فيمكن تلخيصه في الآتي: 1- الاستماع بتركيز واهتمام: وهذا ما نراه في سيدنا العظيم عندما دخل الهيك،ل وهو في عمر الثانية عشر، وجلس وسط المعلمين «يسمعهم ويسألهم، وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته» (لوقا2: 46-47). 2- حفظ الكلمة في القلب: إن التعليم الصحيح ليس فقط تخزين المعلومات في العقل، بل نقل ما نتعلمه في عقولنا إلى قلوبنا وكياننا الداخلي، حيث هناك «مخارج الحياة». لذا يقول المرنم «خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك» (مزمور119: 11). ويكتب إرميا النبي: «وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (إرميا15: 16). 3- اللهج المستمر في كلمة الله: من المهم جدًا أن تكون كلمة الله دائمًا في فكري طوال اليوم، نفكر فيها ونتأمل فيها بصفة مسمترة، فتحفظنا دائمًا في الطريق الصحيح وتمنع عنا أفكار العدو الكاذبة. هذا ما يقوله المرنم في مزمور1: 2 «في ناموس الرب مسرّته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً». 4- تنفيذ ما نتعلمه عمليًا في حياتنا اليومية: ختم الرب يسوع موعظته الشهيرة على الجبل بتقسيم الذين يسمعون أقواله إلى مجموعتين «رجل عاقل» و«رجل جاهل»؛ وما هو الفرق بينهما؟ الرجل العاقل هو الذي يسمع ويعمل بما يسمعه. أما الرجل الجاهل فهو الذي يسمع، وقد يتلذذ بالكلمة، كما فعلت الجموع في ذلك الوقت، وكتب عنها «بهتت الجموع من تعليمه»؛ ولكن يقف الحال عند هذا ولا يعمل بها (متى7: 24-28). وفي الختام ماذا عني وعنك؟ هل نحن متعلمون من الله؟ لتكن صلاتنا المستمرة «يداك صنعتاني وأنشأتاني فهّمني فأتعلم وصاياك» (مزمور119: 73). |
||||
25 - 06 - 2012, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
ناظرين إلى يسوع ما زلنا نتأمل في حياة سيدنا - له المجد - كإنسان عاش على أرضنا، وخاصة في بعض العادات التي ذُكرت عنه وهي: الصلاة، حضور المجمع، التعليم. وقد تكلمنا سابقًا عن الصلاة وحضور المجمع، والآن سنتأمل قليلاً في الموضوع الثالث وهو “التعليم”. أولاً: ما هي أهمية التعليم؟ لقد رأينا سابقًا كيف بدأ سيدنا العظيم حياته الإنسانية، وهو في سن الثانية عشر، جالسًا في الهيكل «وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم» (لوقا2: 46). كما نقرأ عنه في نبوة إشعياء (50: 4) «أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين». وهذا يلفت نظرنا إلى أهمية التعليم في حياتنا، ونلخصها في الآتي: 1- إدراك مشيئة الله لحياتنا والسير فيها: وهذا ما ذُكر بروح النبوة عن سيدنا في تجسده في مزمور40: 7، 8 «حينئذ قلت هنذا جئت بدرج الكتاب، مكتوب عني: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت، وشريعتك في وسط أحشائي». 2- الانتصار على أكاذيب إبليس وحروبه: نرى هذا واضحًا عندما واجه الرب إبليس المجرِّب وهو في البرية، بعد أن صام أربعين يومًا. لقد كان سلاحه الرئيسي ضد عدو البشرية «مكتوب... مكتوب... ومكتوب أيضًا» (متى4: 1-11). 3- حفظ الإنسان نفسه من الضلال والسقوط: أمام الضلالات المنتشرة في العالم والأكاذيب التي يروِّجها إبليس، نحتاج إلى التعليم الصحيح لحفظنا من الضلال والسقوط؛ وهذا ما حذَّر منه الرب قائلاً «أليس لهذا تضلون: إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؟» (مرقس12: 24). 4- حياة النجاح المستمر في كافة الاتجاهات: هذا ما نقرأه في المزمور الأول عن الرجل الناجح «في ناموس الرب مسرّته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً... كل ما يصنعه ينجح» (مزمور1: 2-3). 5- التأهيل الصحيح لمساعدة الآخرين ومعونتهم: هذا ما نقرأه بالنبوة عن السيد في إشعياء50: 4 «أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أُغيث المعيَ بكلمة». وهذا ما ينصح به أيضًا بولس الرسول ابنه تيموثاوس «كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع... لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهّبًا لكل عمل صالح» (2تيموثاوس3: 16، 17). ثانيًا: ممن نتعلم؟ حيث أن هناك أهمية قصوى للتعليم، فيكون من الهام جدًا اختيار المصدر الصحيح للتعليم. فكم من كثيرين ضلّوا بعيدًا وتعثّرت خطوات حياتهم لسيرهم وراء معلّمين يقول عنهم الكتاب: 1- معلمون يتكلمون بأمور ملتوية: هذا ما نبَّه عليه الرسول بولس المؤمنين في خطابه الوداعي في أعمال20: 30. وهدف هؤلاء المعلمون ليس مصلحة الآخرين بل أنفسهم «ليجتذبوا التلاميذ وراءهم». 2- معلمون مستحكة مسامعهم: إنهم المعلمون الذين يكلّمون الناس بما يعجبهم ويريحهم، وليس بما يريده الله للنفوس التي تسمع؛ والنتيجة أنهم «يصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات» (2تيموثاوس4: 4). 3- معلمون كذبة: هؤلاء الذين يدّعون المعرفة ويخدعون البسطاء و«يدسّون بدع هلاك»، ودافعهم الطمع والربح القبيح (2بطرس2: 1). لذلك دعونا نرى ماذا يقول سيدنا عن مصدر التعليم الصحيح: 1- علمني أبي: عندما تعجب اليهود مما يعلمه المسيح أجابهم قائلاً: «تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني» (يوحنا7: 15-16)، وعندما لم يفهموا ما يقول قال لهم: «لست أفعل شيئًا من نفسي بل أتكلم بهذا، كما علمني أبي» (يوحنا8: 28). 2- تعلموا مني: بينما نُحاط بأنواع المعلّمين الكثيرين، الذين قد يحوّلوا مسامعنا عن الحق الصحيح، ليتنا نتحول إلى سيدنا العظيم وهو يقول لنا «تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم» (متى11: 28). 3- الروح القدس.. هو يعلمكم: في نهاية حياة سيدنا بالجسد على الأرض، وقبل أن ينطلق إلى السماء، وجَّه نظر تلاميذه لحقيقة مجيء الروح القدس وسكناه في المؤمنين، ومن ضمن أعماله التعليم والتذكير بكل ما قاله الرب لنا «وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم» (يوحنا14: 25، 26). 4- علموهم.. ما أوصيتكم به: لقد أقام الرب في الكنيسة معلّمين ورعاة، وأعطاهم مواهب خاصة بالروح القدس؛ وعلينا أن نميّزهم ونستفيد من استخدام الروح القدس لهم. وهذا ما كلف الرب به تلاميذه بعد قيامته من الأموات قائلاً «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به» (متى28: 19-20). وهذا ما فعلته الكنيسة الأولى إذ كُتب عنهم «وكانوا يواظبون على تعليم الرسل» (أعمال2: 42). ثالثًا: كيف نتعلم بطريقة صحيحة؟ كثيرون يسمعون كلمة الله ويدرسونها، ولكن ينطبق عليهم القول «مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون» (متى13: 13). أما التعليم فيمكن تلخيصه في الآتي: 1- الاستماع بتركيز واهتمام: وهذا ما نراه في سيدنا العظيم عندما دخل الهيك،ل وهو في عمر الثانية عشر، وجلس وسط المعلمين «يسمعهم ويسألهم، وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته» (لوقا2: 46-47). 2- حفظ الكلمة في القلب: إن التعليم الصحيح ليس فقط تخزين المعلومات في العقل، بل نقل ما نتعلمه في عقولنا إلى قلوبنا وكياننا الداخلي، حيث هناك «مخارج الحياة». لذا يقول المرنم «خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك» (مزمور119: 11). ويكتب إرميا النبي: «وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (إرميا15: 16). 3- اللهج المستمر في كلمة الله: من المهم جدًا أن تكون كلمة الله دائمًا في فكري طوال اليوم، نفكر فيها ونتأمل فيها بصفة مسمترة، فتحفظنا دائمًا في الطريق الصحيح وتمنع عنا أفكار العدو الكاذبة. هذا ما يقوله المرنم في مزمور1: 2 «في ناموس الرب مسرّته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً». 4- تنفيذ ما نتعلمه عمليًا في حياتنا اليومية: ختم الرب يسوع موعظته الشهيرة على الجبل بتقسيم الذين يسمعون أقواله إلى مجموعتين «رجل عاقل» و«رجل جاهل»؛ وما هو الفرق بينهما؟ الرجل العاقل هو الذي يسمع ويعمل بما يسمعه. أما الرجل الجاهل فهو الذي يسمع، وقد يتلذذ بالكلمة، كما فعلت الجموع في ذلك الوقت، وكتب عنها «بهتت الجموع من تعليمه»؛ ولكن يقف الحال عند هذا ولا يعمل بها (متى7: 24-28). وفي الختام ماذا عني وعنك؟ هل نحن متعلمون من الله؟ لتكن صلاتنا المستمرة «يداك صنعتاني وأنشأتاني فهّمني فأتعلم وصاياك» (مزمور119: 73). |
||||
25 - 06 - 2012, 05:57 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني كتب الحكيم قديمًا في أمثال29: 18 «بلا رؤيا يجمح الشعب، أما حافظ الشريعة فطوباه». ومن هذا نفهم أن وجود رؤيا وأهداف واضحة في حياة الإنسان تحدِّد مسار حياته وتحفظه من التخبّط والضياع. وهذا ما نتعلمه بكل وضوح من حياة سيدنا العظيم عندما جاء وعاش بيننا كإنسان على الأرض. أولاً: ما هو مفهوم الرؤيا؟ هو الموضوع الرئيسي الذي يسيطر على تفكير الشخص، ويتحكم في أسلوب حياته ومسارها، حاضرًا ومستقبلاً، وهذا ما نسمعه من السيد حين قال «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمِّم عمله». هو الشيء الذي يحدِّد أولويات الشخص، ويجعله يضحّي بأي شيء آخر في سبيل تحقيقه. وهذا ما فعله السيد عندما «علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا انصرف أيضًا إلى الجبل وحده» (يوحنا6: 15). هو الشيء الذي يجعل الشخص مستعِدًّا لتحمل أي تكلفة في حياته حتى يتممه، مهما كانت كبيرة وعظيمة، وهذا ما نسمعه من سيدنا وهو يصلي في بستان جثسيماني «يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (متى26: 39). ثانيًا: من أين تأتي الرؤيا؟ 1- العالم الذي نعيش فيه: إن العالم الذي نعيش فيه ويسيطر عليه إبليس، عدو البشرية، يحاول جاهدًا تحويل تفكير الإنسان وقلبه إلى أهداف خاطئة مدمِّرة لحياته وهذا ما سقط فيه سليمان قديمًا، وكتب اختباره الشخصي «قلت أنا في قلبي هلمَّ أمتحنك بالفرح فترى خيرًا... ثم التَفَتُّ أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطلٌ وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جامعة2: 1-11). ويمكن تلخيص الرؤيا العالمية الباطلة في ثلاثة أمور قد حذر منها الرب يسوع بأقوال كثيرة: الغِنى: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يُفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون» (متى6: 19) وكذلك «لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها» (لوقا9: 25). التمتعات الزمنية: «لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون، أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس؟» (متى6: 25). المركز العالمي: «أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبدًا» (متى20: 25-27). 2- الله أبونا: إن الرؤيا الصحيحة الآمنة، التي تُسعد الإنسان وتحفظه في الطريق الصحيح، تأتي من عند الله أبونا؛ لذا نقرأ «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يعقوب1: 17). وهذا ما عاشه سيدنا - له المجد - على الأرض حيث قال «لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا6: 38). ثالثًا: ما هو طريق إدراك هذه الرؤيا الصحيحة؟ إن كانت الرؤيا الصحيحة مصدرها الله أبونا، فكيف يمكننا التأكد من أن لنا هذه الرؤيا في حياتنا وأننا نعيش عمليًا لتحقيقها؟ أن نفرغ أنفسنا بالكامل من أي أهداف شخصية بشرية، ونعيش حياة التسليم الكامل لإلهنا. وهذا ما عبَّر عنه سيدنا بالقول «لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني» (يوحنا5: 30) وهذا ما تمثل به بولس الرسول «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطية2: 20). الشركة المستمرة مع الرب. حيث فيها نتمتع بقيادة الروح القدس لنا في كل شيء، وهكذا نُحمى من خداع إبليس وتضليله. وهذا نراه واضحًا في حياة سيدنا عندما جاءه إبليس ليجربه في البرية فأجابه بالقول «للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» (متى4: 10). التجديد المستمر للذهن، عن طريق اللهج في كلمة الله. وهذا يحفظنا من تأثير الأفكار العالمية المحيطة بنا وهذا ما أشار له السيد بالقول «إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم» (يوحنا7: 17). رابعًا: كيف تتحقق الرؤيا عمليًا في حياتنا؟ لقد أنهى سيدنا العظيم حياته على الأرض بصلاته للآب بالقول «أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 2). وهنا يأتي السؤال: ما هي الخطوات العملية التي علينا اتباعها حتى نتمِّم الرؤيا الصحيحة ومشيئة الله في حياتنا؟ تنفيذ الخطوات السابقة حتى نتأكد أننا نسير طبقًا لمشيئة الله في حياتنا وينطبق علينا ما جاء في رومية12: 2 «لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة». وهذا ما عبَّر عنه سيدنا بالقول «لم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حينٍ أفعل ما يُرضيه» (يوحنا8: 29). ترجمة الرؤيا إلى أهداف محدَّدة، عملية، واقعية، يمكن تحقيقها بخطوات واضحة. وهذا ما نراه واضحًا في سيدنا العظيم فنسمعه يقول «أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف»، ثم يقول «لي خرافٌ أُخَرُ ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضًا فتسمع صوتي وتكون رعيةٌ واحدةٌ وراعٍ واحدٌ». وأيضًا «وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل» (يوحنا10: 10، 11، 16). وضع برامج واضحة في الحياة، مع ترتيب الأولويات لتنفيذ هذه الأهداف، وعدم ترك الأمور العاجلة تطغي على الأمور الأساسية الخاصة بتنفيذ هذه الأهداف. وهذا ما نراه واضحًا في حياة السيد، فعندما سمع بمرض لعازر لم يذهب في الحال بل نقرأ «مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين». وأيضًا عندما دعاه إخوته للذهاب إلى أورشليم في العيد كان رده عليهم «اصعدوا أنتم إلى هذا العيد. أنا لست أصعد بَعدُ إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يُكمَل بعد». وأيضًا قال لتلاميذه «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهارٌ. يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمَلَ» (يوحنا11: 6؛ 7: 8؛ 9: 4). هذا ما نتعلّمه من سيدنا وقدوتنا الكاملة عندما عاش في أرضنا، فماذا عني وعنك؟ هل بحق نعرف رؤية الله لحياتنا على الأرض؟ هل لنا أهداف واضحة تتفق مع هذه الرؤيا ونعمل لتحقيقها في حياتنا؟ ليتنا نراجع أنفسنا ولتكن صلاتنا «اختبرني يا الله... وأهدني طريقًا أبديًا» (مزمور139: 23، 24). |
||||
25 - 06 - 2012, 05:57 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني كتب الحكيم قديمًا في أمثال29: 18 «بلا رؤيا يجمح الشعب، أما حافظ الشريعة فطوباه». ومن هذا نفهم أن وجود رؤيا وأهداف واضحة في حياة الإنسان تحدِّد مسار حياته وتحفظه من التخبّط والضياع. وهذا ما نتعلمه بكل وضوح من حياة سيدنا العظيم عندما جاء وعاش بيننا كإنسان على الأرض. أولاً: ما هو مفهوم الرؤيا؟ هو الموضوع الرئيسي الذي يسيطر على تفكير الشخص، ويتحكم في أسلوب حياته ومسارها، حاضرًا ومستقبلاً، وهذا ما نسمعه من السيد حين قال «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمِّم عمله». هو الشيء الذي يحدِّد أولويات الشخص، ويجعله يضحّي بأي شيء آخر في سبيل تحقيقه. وهذا ما فعله السيد عندما «علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا انصرف أيضًا إلى الجبل وحده» (يوحنا6: 15). هو الشيء الذي يجعل الشخص مستعِدًّا لتحمل أي تكلفة في حياته حتى يتممه، مهما كانت كبيرة وعظيمة، وهذا ما نسمعه من سيدنا وهو يصلي في بستان جثسيماني «يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (متى26: 39). ثانيًا: من أين تأتي الرؤيا؟ 1- العالم الذي نعيش فيه: إن العالم الذي نعيش فيه ويسيطر عليه إبليس، عدو البشرية، يحاول جاهدًا تحويل تفكير الإنسان وقلبه إلى أهداف خاطئة مدمِّرة لحياته وهذا ما سقط فيه سليمان قديمًا، وكتب اختباره الشخصي «قلت أنا في قلبي هلمَّ أمتحنك بالفرح فترى خيرًا... ثم التَفَتُّ أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطلٌ وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جامعة2: 1-11). ويمكن تلخيص الرؤيا العالمية الباطلة في ثلاثة أمور قد حذر منها الرب يسوع بأقوال كثيرة: الغِنى: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يُفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون» (متى6: 19) وكذلك «لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها» (لوقا9: 25). التمتعات الزمنية: «لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون، أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس؟» (متى6: 25). المركز العالمي: «أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبدًا» (متى20: 25-27). 2- الله أبونا: إن الرؤيا الصحيحة الآمنة، التي تُسعد الإنسان وتحفظه في الطريق الصحيح، تأتي من عند الله أبونا؛ لذا نقرأ «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يعقوب1: 17). وهذا ما عاشه سيدنا - له المجد - على الأرض حيث قال «لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا6: 38). ثالثًا: ما هو طريق إدراك هذه الرؤيا الصحيحة؟ إن كانت الرؤيا الصحيحة مصدرها الله أبونا، فكيف يمكننا التأكد من أن لنا هذه الرؤيا في حياتنا وأننا نعيش عمليًا لتحقيقها؟ أن نفرغ أنفسنا بالكامل من أي أهداف شخصية بشرية، ونعيش حياة التسليم الكامل لإلهنا. وهذا ما عبَّر عنه سيدنا بالقول «لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني» (يوحنا5: 30) وهذا ما تمثل به بولس الرسول «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطية2: 20). الشركة المستمرة مع الرب. حيث فيها نتمتع بقيادة الروح القدس لنا في كل شيء، وهكذا نُحمى من خداع إبليس وتضليله. وهذا نراه واضحًا في حياة سيدنا عندما جاءه إبليس ليجربه في البرية فأجابه بالقول «للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» (متى4: 10). التجديد المستمر للذهن، عن طريق اللهج في كلمة الله. وهذا يحفظنا من تأثير الأفكار العالمية المحيطة بنا وهذا ما أشار له السيد بالقول «إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم» (يوحنا7: 17). رابعًا: كيف تتحقق الرؤيا عمليًا في حياتنا؟ لقد أنهى سيدنا العظيم حياته على الأرض بصلاته للآب بالقول «أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 2). وهنا يأتي السؤال: ما هي الخطوات العملية التي علينا اتباعها حتى نتمِّم الرؤيا الصحيحة ومشيئة الله في حياتنا؟ تنفيذ الخطوات السابقة حتى نتأكد أننا نسير طبقًا لمشيئة الله في حياتنا وينطبق علينا ما جاء في رومية12: 2 «لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة». وهذا ما عبَّر عنه سيدنا بالقول «لم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حينٍ أفعل ما يُرضيه» (يوحنا8: 29). ترجمة الرؤيا إلى أهداف محدَّدة، عملية، واقعية، يمكن تحقيقها بخطوات واضحة. وهذا ما نراه واضحًا في سيدنا العظيم فنسمعه يقول «أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف»، ثم يقول «لي خرافٌ أُخَرُ ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضًا فتسمع صوتي وتكون رعيةٌ واحدةٌ وراعٍ واحدٌ». وأيضًا «وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل» (يوحنا10: 10، 11، 16). وضع برامج واضحة في الحياة، مع ترتيب الأولويات لتنفيذ هذه الأهداف، وعدم ترك الأمور العاجلة تطغي على الأمور الأساسية الخاصة بتنفيذ هذه الأهداف. وهذا ما نراه واضحًا في حياة السيد، فعندما سمع بمرض لعازر لم يذهب في الحال بل نقرأ «مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين». وأيضًا عندما دعاه إخوته للذهاب إلى أورشليم في العيد كان رده عليهم «اصعدوا أنتم إلى هذا العيد. أنا لست أصعد بَعدُ إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يُكمَل بعد». وأيضًا قال لتلاميذه «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهارٌ. يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمَلَ» (يوحنا11: 6؛ 7: 8؛ 9: 4). هذا ما نتعلّمه من سيدنا وقدوتنا الكاملة عندما عاش في أرضنا، فماذا عني وعنك؟ هل بحق نعرف رؤية الله لحياتنا على الأرض؟ هل لنا أهداف واضحة تتفق مع هذه الرؤيا ونعمل لتحقيقها في حياتنا؟ ليتنا نراجع أنفسنا ولتكن صلاتنا «اختبرني يا الله... وأهدني طريقًا أبديًا» (مزمور139: 23، 24). |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نحن ناظرين إلى... يسوع |
ناظرين إلى يسوع ممجداً |
ناظرين إلى يسوع مصلوباً |
ناظرين إلى يسوع |
ناظرين الى يسوع |