رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في الليل على فراشي طلبت مَنْ تحبه نفسي (نش 3: 1) تقول عذراء النشيد "في الليل علي فراشي، طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته" (نش 3: 1). وقلنا ان هذا يدل علي أنها تجتاز مرحلة من التخلي. وهنا عبارة (علي فراشي). تدل علي الكسل والتهاون. ذلك أن الحياة الروحية، ليست كلها متعة دائمة مع الله. فقد تتخللها أحيانا فترات من الضعف والفتور، والمحاربات التي ربما يسقط فيها الإنسان، ويفقد محبته الأولي (رؤ 2: 4). وكما يقول الكتاب " الصديق يسقط سبع مرات ويقوم " (أم 24: 16). فالشيطان يحسد اولاد الله. وقد يحاول أن يغربلهم كالحنطة (لو 20: 31). كما فعل مع الاباء الرسل! لذلك لا تستطيع النفس البشرية أن تحتفظ بثباتها في الرب كل حين، وتقول علي الدوام " شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني " (نش 2: 6). لعل هذا يذكرنا بما قيل في سفر التكوين " مدة كل أيام الأرض: زرع وحصاد، وبرد وحر، وصيف وشتاء، ونهار وليل، لا تزال" (تك 8: 22).. فأن وقعت في يوم برد، ومر بك ليل، لا تتضايق. بل استمر ثابتا في الرب. انتظر بعد الليل نهار، وبعد البرد حر. كلمة (الليل) كما تشير إلي الظلام روحيا، تشير أيضا إلي هدوء الليل. هدوء الليل وسكونه، وبعده عن الضوضاء وعن المشغوليات، حيث تهدأ الطبيعة بعيدا عن شغب الليل وضجيجه، ويفرغ الإنسان عن دوامة العمل، ومن دوامة الأخبار، ويخلو إلي ذاته، لكي يخلو بذلك مع الله: يتحدث معه، ويتمتع به. لذلك قال أحد الأباء "الليل مفروز لعمل الصلاة، وللعمل مع الله" أي أنه مخصص بهدوئه للعمل الروحي، إذ يصلح سكونه لذلك. قيل عن اليسد المسيح إنه كان يقضي الليل كله في الصلاة (لو 6: 12). وقيل في المزمور " في الليالي أرفعوا أياديكم أيها القديسون و باركوا الرب" (مز134). وكانوا الأباء المتوحدون ينامون قليلا في النهار ويسهرون الليل كله في الصلاة. كما حكي عن القديس الأنبا أرسانيوس الكبير الذي كان يقف للصلاة وقت الغروب، والشمس وراءه. ويظل في صلاته حتى تطلع الشمس من أمامه.. قال أحد الروحيين: أكسبوا صداقة الليل حتى تكون لكم حياة روحية في النهار. تجترون فيها ما اختزنتم من روحيات أثناء الليل. حتى علي الفراش ينشغل الإنسان بالله، فيصير فراشه مقدسا.. كما قال داود النبي " كنت أذكرك علي فراشي، وفي أوقات الأسحار كنت أرتل لك" (مز 63).. أنا يا رب لك باستمرار. في ليلي وفي نهاري. كنت قائما وراكعا علي فراشي. إن الليل قد لا يكون كله مظلما وحالكا. وداكن العتمة. فأحيانا توجد فيه بعض أضواء.. نور السماء ونور النجوم لإضاءة الليل. و كلما نذكر أن الله افتقد الليل في ظلامه، وخلق الله القمر والنجوم لإضاءته، ولتخفيف ظلمته. حينئذ نتعزي.. مبارك أنت يا رب. إنك لست إله النهار فقط، وإنما إله الليل أيضا. علي الرغم من ظلامه، لا تتركه رعايتك.. لولا رعايتك لليل، ما استطعت – في خطيئتي وكسلي – أن أفول " في الليل علي فراشي طلبت من تحبه نفسي".. طلبت من تحبه نفسي: وكأن هذه النفس – من علي فراشها – تقول للرب: حقا إنني في ليل. ولكنني لست بعيدة عنك. وقد تكتنفني الظلمة من الخارج. ولكن روحك لا يزال في الداخل ينير أعماقي. أنا في الليل. ولكن هذا الليل لابد وراءه فجر، ووراءه نهار أنا في حياة الخطية والفتور والكسل. ولكني مع ذلك مازلت أطلب من تحبه نفسي. هذا الليل لا يجلب اليأس، لأنه ليس مظلما كله. وحتى إن كان مظلما، أنت قادر يا رب أن تنيره , لأنك أنت النور الحقيقي. إنني أحيانا أقع في الخطية، ولكنني مع ذلك لست أحبها. بل أحبك أنت. وينطبق علي حالتي قول القديس بولس الرسول " الشر الذي لست أريده، أياه أفعل.. " (رو 7: 19، 15). الخطية بالنسبة إلي هي عمل خارجي، وليست في داخلي. هي ضعف مني وعجز وإهمال. وأفعلها بحكم العادة، وبضغط ظروف خارجية. ولكنها لا يمكن أن تكون كراهية مني لك يا رب وخيانة!!! إنني مهما أخطأت وسقطت، فمازلت أحبك يا رب. ما زلت أطلبك. وأنا علي فراشي. أما الخطية فإنني أجاهد لكي أتخلص منها. وأحيانا لا أجاهد، ومع ذلك أود من كل قلبي أن أتخلص منها. وأحيانا لا أجاهد، ومع ذلك أود من كل قلبي أن أتخلص من كل ضعفاتي وخطاياي. وأكون سعيدا يا رب إن انتشلتني منها مثل " شعلة منتشلة من النار" (زك 3: 2). وحينئذ اسمع منك نشيدك الحلو " اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19: 9). " في الليل علي فراشي طلبت من تحبه نفسي " قد تكون إحدي زيارات النعمة أفتقدتني بها محبتك. قد يكون عملا لروحك القدوس الذي لا تنزعه مني. قد تكون ثورة مني علي الخطية التي حطمتني، وألقتني علي فراشي.. قد يكون طلبي لك شيئا من هذا كله وغيره، سواء بإرادتي وبتوجيه منك. نطقت أنا، ونطق روحك علي فمي. ولكن الأمر اليقين هو أنني أطلبك من كل قلبي. وكلما أفتقدتك في حياتي ولم أجدك، يزداد طلبي لك، لأنك الوحيد الذي تحبه نفسي. سواء كنت أعمل في بيتك , وكنت في كسل علي فراشي. علي أن رقادي علي فراشي، هو فترة مؤقتة ومحددة من حياتي، لابد أن تنتهي بإنتهاء هذا الليل. إنني متمرد علي هذا الفراش. وإن كنت لا أستطيع أن أقوم منه، فأنت يا رب تستطيع أم تقيمني منه. إنني حاليا راقد علي فراشي، ويرن في أذني قول المرنم " قوموا يا بني النور، لنسبح رب القوات " قومي يا نفسي، لكي تلاقي " من تحبه نفسي". من تحبه نفسي: إنها نبضة القلب نحو الله. عبارة تكررت كثيرا في سفر النشيد. تقولها عذراء النشيد في داخل نفسها، وتصرح بها أمام الناس, وهي تبحث عن الله قائلة " هل رأيتم من تحبه نفسي؟" (نش 3: 3). إنه الله الذي تحبه النفس. فالكتاب يقول: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 5). مسكين هو الإنسان الذي يعلِّق قلبه بغير الله. لابد سيتعب. الله هو الكائن الوحيد، الذي إن أحببته، تجده معك في كل مكان، في كل مناسبة. فلا تشعر بالغربة عنه وبالانفصال عنه في أي وقت. أما أي شخص آخر تحبه، وأي كائن آخر، فمن الجائز أن تنفصل عنه، بالسفر وبالموت وبالأحداث. يفصلكما المكان والزمان. كذلك يتميز الرب عن جميع المحبين بالمحبة الكاملة الحقيقية. كثير من الناس لا تثبت محبتهم. قد يتغيَّرون، وتبرد محبتهم وينحرفون. ويصدقون فيك الأقاويل، وتؤثر عليهم عوامل خارجية.. أما الله فثابت في محبته حتى لو تغيَّرنا نحن. ومحبته مقدسة، تسمو بالإنسان وتهدف إلى منفعته وخلاصه. تقول عذراء النشيد: "مَنْ تحبه نفسي"، وهي تقصد المحبة التي تملأ كل القلب والفكر، وكل محبة أخرى تكون داخلها. فالقلب الطاهر يحب جميع الناس، دون أن تنقص محبته الكاملة لله. سعيد هو الإنسان الذي ينادي الله دائمًا بعبارة "يا مَنْ تحبه نفسي"، دون أن يبكِّته ضميره على أنه خان هذه المحبة في شيء.. اسأل نفسك إذن: هل هل محبة الله هي الغالبة المُسَيطرة في حياتك؟ هل هي القائدة لكل تصرّفاتك وأفكارك، وكل معاملاتك..؟ |
|