|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وكثيرون -في المقابل- قرر الدير قبولهم فلم يأتوا يلح الشاب أو الفتاة شهورا عديدة مستعجلا الآباء في الدير، وقد تصل فترة التردد على الدير بما فيها من التدريبات والنقاشات والمحاورات والزيارات المتتابعة للدير، ما يزيد عن السنة، فإذا ما وافق الدير أخيرًا وقرر قبول ذلك الشاب، فوجئ الشاب أن الأمر قد تحول فجأة بهذا القرار إلى مفاجئة غير سارة! فقرر من جانبه ألا يأتي، وفي حالات أفضل قليلا جاء الشاب وأقام لمدة يوم أو ليلة أو أسبوع على الأكثر ثم عاد أدراجه ليبدأ رحلة مؤلمة، بسبب الشعور بالفشل وقد يرافقه هذا الشعور طوال حياته، وقد رأينا كيف عاش أكثر هؤلاء أسرى تبكيت الضمير حتى بعد زواجهم وإنجابهم وراحوا يروون ذلك لزوجاتهم وأولادهم، وكأنهم يقولون لأولادهم: "هزمنا في معركة وليتكم تحققون ما لم نستطيع نحن تحقيقه" (أو هزمنا في اليدان وليتكم تخوضون تجربتنا). هنا نستطيع القول بأن القرار نفسه يكشف الشخص، أو بمعنى أدق يجسم للشخص حجم "المشروع"، وخطورة القرار المقدم عليه، تماما مثل قفزة الثقة التي يجب على المتقدم لكلية الشرطة اجتيازها، إنه يعرفها ويسمع عنها منذ صغره كما أنه متأهب لها وقد اجتاز العديد من الاختبارات البدنية والصحية والنفسية في سبيل الالتحاق بالكلية بينما يتبقى أن استعداده للمغامرة والشجاعة، فتكشفه هذه القفزة!! (يصل البعض إلى آخر ذلك اللسان الذي يقفزون من فوقه، فتسمر أقدامهم وتتحول أجسادهم إلى قوة جبارة للرفض، وقد يضطر الضابط المشرف إلى دفعه نحو الماء حتى يجتاز الاختبار ولو بشكل ما). ويظهر بالتالي أن هدف ذلك الشاب المقدم على الرهبنة، لم يكن أبعد من بوابة الدير إلى الداخل، وربما دخل في تحد مع نفسه من أجل تحقيق هذا الهدف وهو الحصول على موافقة الدير باعتبارها العقبة الكؤود، فبذل الكثير من الجهد لقاء تحقيق ذلك (أصول الحياة الروحية / ص 55)، وربما أشيع بين أخوته من الخدام وأقاربه وزملائه في العمل خبر رهبنته، فامتدحوه كثيرا، فلم ير بديلا عن أن يحقق لهم ذلك، هذا وقد وصل عدد الذين حصلوا على موافقة الدير (دير البرموس) بالالتحاق بالرهبنة ثم عدلوا عن رغبتهم إلى عشرة شبان وذلك خلال السنوات العشر الماضية. عن المتقدمين للرهبنة يقول القديس أنطونيوس أن البعض أتوا إلى الطريق بموجب ناموس المحبة الكائن في طبيعتهم، وعندما جاءتهم كلمة الله قبلوها بفرح ودون شك مثل إبراهيم أب الآباء والذي يعد نموذجا في الاقتراب إلى محبة الله، ويرى القديس أيضا أن هناك أيضا من يسمعون كلمة الله المكتوبة عن مجد الأبرار وآلام الأشرار فتتيقظ نفوسهم ويدخلون إلى الطريق (ولعله هو نفسه ينتمي إلى هذا النوع) وأما النوع الثالث فهو الذي يأتي بعد تأديبات من الله فيقدم توبة ويدخل إلى معرفته (رسائل القديس أنطونيوس/ الرسالة الأولى/ بيت التكريس 1984م / ص12، 11). ولاشك أن هناك عملا للروح القدس داخل الشخص الذي يترهب، فالرهبنة هي عمل إلهي إذا لا يستطيع إنسان بقدرته العقيلة والنفسية أن يقدم على طريق ثل هذا ما لم يسنده الروح القدس، فيستخف بكل شيء في العالم ويدير له ظهره في اتضاع، فالرهبنة ليست كلاما فلسفيا جميلا ولكنها خبرة وواقع يعاش ويتحقق، وقد عرفت بلاد الهند قبل المسيحية وليونى ناسك (أصول الحياة الروحية/ ص 86)، مما يعكس الميل الطبيعي لدى الإنسان للعزلة والتأمل، ولكن ذلك كان في إطار نفسي فقط، في حين أن النسك والترويض المسيحي في إطار الرهبنة له دافع آخر وهو سمو الروح، فإن الحاجة إلى واحد اختارته مريم أخت مرثا، وإذا كان هناك راهب أول تبعه جميع الرهبان والراهبات المسيحيين فهو بلا شك السيد المسيح الذي فتح لنا طريقا بالبتولية والنسك والطاعة حتى الموت. |
|