إنّ شكّ النفس يجرح قلبي أكثر من الخطايا التي ارتَكَبَتْها
624– 18 آذار 1936. طلبتُ مرة إلى الرب يسوع أن يأخذ المبادرة ويغيّر بعض الأمور، أو أن يأتي بحدث خارجي ما، أو أن يدفع بهنّ إلى طردي من الدير، لأنني وجدتُ من الصعب أن أغادر الجمعية من تلقاء نفسي. وبقيتُ أتألّم من جرّاء ذلك طوال ثلاث ساعات. لم أستطع أن أصلّي ولكن واظبتُ على الخضوع لإرادة الله.
في اليوم التالي قالت لي الأم الرئيسة [بورجيا] إنّ الأم الرئيسة العامة [مايكل] ستنقلني إلى فارسو. أجبتُ الأم: «لا ينبغي، ربّما، أن أذهب إلى هناك، بل أن أغادر [الجمعية] مباشرة من هنا». رأيتُ في ذلك العلامة الخارجية التي طلبتُها من الله. فلم تجب الأم الرئيسة. ولكن استدعتني مجدَّداً بعد حين لتقول لي: «أتعلمين يا أختي؟ اذهبي على كل حال ولا تقلقي من إضاعة الرحلة حتى لو اضطررتِ أن ترجعي فوراً». أجبتُها: «حسناً سأذهب». رغم أنّ الألم قبض على قلبي لأنني أدركتُ أنّ القضية ستتأجّل من جرّاء هذه الرحلة. غير أنّني حاولتُ أن أكون مطيعة رغم كل شيء.
625- بينما كنتُ أصلّي عند المساء قالت لي أمّ الله: «يجب أن تكون حياتك شبيهة بحياتي هادئة وخفيّة، باتّحاد متواصل مع الله، تسعين إلى التواضع وتحضّري العالم لمجيء الله الثاني».
626- طوال زياح القربان عند المساء كانت نفسي، لبعض الوقت، متّحدة بالله الآب. شعرتُ أنني بين يديه كطفل صغير وسمعتُ هذه الكلمات في داخلي: «لا تخافي شيئاً، يا ابنتي، ستتبدّد كل الصعوبات على قدميّ». خالج نفسي، عند سماع هذه الكلمات سلام عميق وهدوء داخليّ كبير.
627- لمّا كنتُ أتذمّر لدى الله من أنّه لا يساعدني وأنني أُتْرَكُ وحدي دون أن أعلم ما العمل، سمعتُ هذه الكلمات: «لا تخافي أنا دائماً معكِ». بعد سماع هذه الكلمات خالج نفسي مجدَّداً سلام عميق. وسيطر عليّ وجوده تماماً حتى أنني كنت أتحسّسه. وفاض نور على روحي وشارك جسدي أيضاً بهذه الحالة.
628- عشيّة اليوم الأخير قبل ذهابي إلى فيلنيوس كشَفَتْ لي إحدى الراهبات العجوزات عن حالة نفسها. قالت لي إنها كانت تتألّم داخليًّا منذ سنين عديدة وأنه كان يتراءى لها أنّ كل اعترافاتها هي باطلة وإنّها تشكّ فيما إذا كان الله قد غفر لها أم لا. سألتُها عمّا إذا تحدّثت إلى معرّفها عن ذلك. أجابت أنها تحدّثت مرات عديدة إلى معرّفيها … «ولا شيء يريحني ويبدو لي في كل حين أنّ الله لم يغفر لي». أجبتها: «يجب أن تُطيعي معرّفك، يا أختي، وكوني بطمأنينة تامة، لأن ذلك هو مجرّد تجربة». ولكن طلبَتْ إليّ والدمع في عينيها أن أسأل يسوع إذا كان قد غفر لها، وإذا كانت اعترافاتها جيّدة أم عاطلة. أجبتها بشدّة: «إسأليه أنتِ بذاتك يا أختي، إن كنتِ لا تصدّقين معرَّفيكِ»، ولكنها قبضت على يدي ولم تدعني أغادر قبل أن أعطيَها جواباً. ومكثت تطلب إليّ أن أصلي من أجلها وأن أُعلِمَها ما قد يقول لها يسوع. ولم تدعني أترك، وهي ما تزال تبكي بمرارة وقالت لي: «إني أعلم أنّ يسوع يتحدّث معكِ يا أختي». بينما هي متكبّشة بيدي ولم أستطع إلى الهرب سبيلاً، وعدتُها بأن أصلّي من أجلها. في المساء، وقت زياح القربان، سمعتُ هذه الكلمات في نفسي: «قولي لها إنّ شكّها يجرح قلبي أكثر من الخطايا التي ارتَكَبَتْها». ولمّا نقَلْتُ لها ذلك أخذت تبكي كطفلة وخالج نفسها فرح كبير. وأدركتُ أنّ الله أراد أن يعزّي هذه النفس من خلالي. لقد أتمَمْتُ إرادة الله رغم أنّ ذلك كلّفني غالياً.
629- لمّا دخلتُ إلى الكنيسة، ذات المساء، لأشكر الله على كل النِّعَم التي أغدقها عليّ في هذا البيت، غمرني حضوره فجأة. شعرتُ أنّني كطفلة بين يديّ أفضل أب وسمعتُ هذه الكلمات: «لا تخافي أنا دائماً معكِ» وخالج حبّه كل كياني. وشعرتُ أنني دخلتُ في صداقة حميمة معه لا أستطيع أن أجد كلاماً للتعبير عنها.
630- حينئذ رأيتُ أحد الملائكة السبعة حولي مشعًّا كما في السابق بشكل نور. كنتُ أراه قربي دون انقطاع وأنا سائرة في القطار. كنتُ أرى ملاكاً جالساً في كل كنيسة نمرُّ بقربها، محاطاً بنور أكثر شحوباً من نور الملاك الذي كان يرافقني في سفري. وكان كل واحد من الملائكة الذين يحرسون الكنائس يحني رأسه للملاك الذي يرافقني.
لمّا دخلتُ باب الدير في فارسو، توارى الملاك. شكرتُ الله على صلاحه وهو يعطينا ملائكة ليرافقونا. آه! كم هو قليل عدد الناس الذين يفكّرون بهذا الأمر وهو أنّ لديهم هكذا ضيف بقربهم، شاهداً لهم، في الوقت نفسه، لكل شيء. تذكروا أيها الخطأة، أنّ لكم كذلك شاهداً لكل أعمالكم.
631- يا يسوع! إنّ صلاحك يفوق كل إدراك وأنّ رحمتك لا تنضب. الهلاك هو للنفس التي تريد أن تهلك. ولكن التي تريد الخلاص، هناك محيط رحمة الله الذي لاينضب، لنستقي منه. كيف يمكن لأناء صغير أن يحتوي محيطاً لا يُسْبَر.
632- بينما كنتُ أغادر الراهبات، وأنا على وشك الرحيل اعتذرَتْ مني إحداهنّ اعتذاراً شديداً، لأنّ مساعدتها لي في واجباتي كانت ضئيلة، ولأنها لم تكتفِ فقط أن تتوانى عن مساعدتي، بل حاولت أن تضع العراقيل في دربي. غير أنني كنتُ، أعتبرها في أعماق قلبي، محسنة لي لأنها ربّتني على الصبر إلى حدّ جعل مرّة راهبة عجوزاً تقول: «إنّ الأخت فوستينا هي إمّا مجنونة وإمّا قديسة، لأن، بالحقيقة، شخصاً عاديًّا لا يسمح لغيره أن يتصرّف دائماً نحوه بهذا الشكل وبدافع الحقد». تلك الراهبة حاولت أن تضع الصعوبات في عملي إلى حدّ نجَحَتْ، رغم جهودي، في أن تُفسِد كلّ ما أتقنتُ القيام به كما أقرّت هي بذلك قبل ذهابي، وطلبَتْ مني السماح عنه. لم أرد أن أستقصي نواياها واعتبرتُ تصرّفاتها تجربة من لَدُن الله.
633- يأخذني الذهول من حسد الآخرين. لمّا أرى خير الآخر، أفرح له وكأنّه خيري أنا بالذات. فرح الآخرين هو فرحي وآلامهم هي آلامي، وإلاّ لما استطعتُ أن أتواصل مع الرب يسوع. إنّ روح يسوع هي دائماً وضيعة ووديعة وصادقة. كل خبث وحسد وفظاظة مخبّأة في ابتسامة إرادة حسنة هي أشبه بشياطين صغيرة وذكيّة. إنّ الكلمة القاسية الصادرة عن حبّ صادق لا تجرح القلب.