رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من المعروف عن الصوم أنه تدريب عملي للتقدم في الحياة الروحية، وهو مستحب جداً للذي يحب أن يجدد عهده مع الله، بصدق المحبة والتوبة الدائمة، وعلى هذا الأساس يعتبر أنه ليس مجرد فترة محدودة تنتهي ويبدأ غيرها في موسم آخر أو مناسبة كنسية أخرى، بل هو ممتد ليشمل الاتصال بكل فتراته، لأنه صوم حي قوامه محبة الله وقاعدته التوبة الإيجابية التي يعمل فيها الله لتجديد النفس والانتعاش الروحي للإنسان ليدخل الإنسان في أزمنة ربيع النفس والتجديد المستمر … والصوم ليس كما هو منتشر في أفواه الناس التي تظن أن الصوم حرماناً أو كبتاً أو مجرد جوع وعطش أو حتى تكفير عن ذنب او خطية، فليس الصوم بهذه الصورة المشوهة ولا هو جهاد ضد النفس أو تعذيب للجسد، وليس هدفه صحة الجسد أو إضعافها ولا شيء من هذا القبيل على الإطلاق كما تعهدنا من أفواه بعض الخدام الذين يحاولون إقناع الناس بالصوم بطرق عقلانية لا روح فيها … بل الذين يصومون بمثل هذا الشكل عادة بل وغالباً يفقدون معناه الروحي ولا يجنون منه سوى ما يُفيد الجسد أو لمصلحة الذات لينتفخ الإنسان ويتكبر ويظن نفسه أفضل من الذين لا يصومون !!! وعند انتهاء الصوم تكون المحصلة شهوة الأكل وكأن الانتهاء من الصوم هو فرصة للتنعم في شهوة البطن وإعداد كل ما لذ وطاب ليعوض الإنسان فترة الصيام التي حُرم منها من كل ما تشتهيه نفسه !!! المعني الأرثوذكسي للصيام الكنسي السليم : الصوم ليس حرماناً من بعض الأطعمة التي وهبها الله للإنسان، إنما هو زهد اختياري الصوم ليس إذلالاً للجسد، إنما هو إنعاش للروح الصوم ليس تقييد ولا سجناً للحواس وكبت الغرائز، وإنما هو إطلاق وعتق وحرية داخلية وانطلاق بغير معطل نحو التأمل العميق في الله. الصوم ليس كبتاً لشهوة الطعام أو قتل غرائز الإنسان، بل هو تخليه إرادياً عن الشهوة المشروعة ليسمو بها ويعلو نحو حب الله. الصوم الأرثوذكسي لا يحمل معنى الحصر والضيق والحرمان والحزن والكآبة، بل يهدف لسرور القلب واتساعه في المحبة نحو الله الذي يتفرغ لعبادته معلناً عطشه لكلامه الحي وغذاءه المُحيي للنفس، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله . الصوم ليس فريضة إنما هو احتياج ولا غنى عنه لكل نفس تحب الله وتعشق الوجود في حضرته. الصوم ليس أمر متعلقاً بالجسد بقدر ما هو متعلّق بالروح والملكوت الصوم أكبر مُعين لتهذيب الحواس وصديق مُلازم لكل الفضائل الإلهية، والدخول في معرفة أسرار الله في سر التقوى والمحبة. الصوم ليس تكفيراً عن الذنوب والخطايا بقدر ما هو إعداد النفس للاتصال بخالقها الذي وحده قادر بروحه أن ينقي النفس ويُقدسها لتؤهل لدخول حضرته وتعاين مجده بانفتاح عيون القلب الداخلية ونقاوة القلب [ طوبى لأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله – أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به – الكلام الذي أكلكم به هو روح وحياة – ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ] الصوم الأرثوذكسي الحي : الصوم في ذاته ليس له أي معنى، فهو إذا لم يُقترن بالصلاة وقراءة الكلمة ويُختم بالإفخارستيا، يُصبح عقاباً جسدياً يقود للجفاف الروحي وضيق الخلق والعصبية الدائمة وعدم القدرة على تحمل أحد… وكما قال أحد الآباء المُعاصرين: [ فإذا شبهنا الصوم بجمر النار فالصلاة هي اللُبان، ولن يُجدي نفعاً أحدهم بمفرده ! أما إذا تآزرا واتحدا فإن عبيق رائحة بخورهما يفوح جلياً الصوم يُهدئ حركات الجسد ويحد كثيراً من توقد الحواس وشهواتها ويضع حداً لثرثرة اللسان، وبذلك يكون الصوم قد مهد تمهيداً مهماً لعمل الصلاة وانطلاق الروح من عبودية الجسد وحواسه لتأمل حقائق الأبدية والحياة الأخرى ولا نقصد بالصلاة الوقوف ورفع اليدين وتركيب بعض الكلمات، إنما نقصد الصلاة ذات التمهيد وذات الأثر البعيد والقريب، وذلك بتحديد فصول للقراءة لفترة الصوم وتجزيئها على الأيام وتعيين أوقات للقراءة التأملية، لا للحفظ ولا للبحث ولكن لاستيعاب مقاصد الإنجيل والخضوع لصوت الوحي حينما يحدثنا من وراء مادة الإنجيل، ثم نستخدم هذه القراءة لمتابعة تأملنا بقية النهار ما بين تحقيق وتطبيق. فتصير حياتنا حسب قول داود النبي في المزمور الأول: " في ناموسه يهذ نهاراً وليلاً " (مز1: 2) ] طبعاً ما أروع ترتيب الكنيسة – لو تتبعناها – في القراءات الكتابية، لأنه فعلاً موضوعة بالروح، ولنا أن ننهل منها قوة لحياتنا وهذيذ دائم حي ليومنا …. وهبنا الله عمق الصوم الأرثوذكسي الحي لا الشكلي المظهري، بل بالروح والحق حتى تحل علينا قوة الله ونتواجد في محضره بالتقوى والخشوع ورؤيته في داخلنا بالروح، النعمة معكم |
|