رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هدف أثناسيوس الرسولي من تصوير حياة معلمه الأنبا أنطونيوس أن يوضح نوعية الحياة القدسية التي يسعى نحوها طالب الكمال المسيحي. وللوصول إلى هدفه أوضح حامي الإيمان القويم أن هذه النوعية ما هي إلا سلم يحتم على الراغب فيها الصعود المستمر، وهذا الصعود معناه أن الساعي نحو القداسة يتعرَّض في كل درجة أعلى إلى سقوط أشد قسوة. وقد وضع القديس أنطونيوس نصب عينيه وجوب السعي المتواصل والصعود المستمر رغم كل المخاطر التي اعترضته، لذلك نستطيع القول بأنه كان "متحولًا"، من يوم إلى يوم، ولقد أنهكه هذا التحول التصاعدي إلى حد جعله يرتمي بكليته على قوة السيد المسيح ويتخذ منه السلاح والذخيرة. وهذا الارتكان التام على فاديه أوصله إلى التطابق معه مما جعله يعمل أعمال فاديه -أي أنه أصبح في مقدوره شفاء المرضى بل وإقامة الموتى أيضًا. فالتحول التصاعدي المتواصل جعل من أنطونيوس صورة من السيد المسيح إلى حد ما، وليس هناك من بلغ جرأة أثناسيوس الرسولي في وصفه لرجل أو امرأة سما به (وبها) التحول حتى جعله مخلوقًا تألَّه(1). ومع جرأته فقد أوضح بجلاء الحد الفاصِل بين الكلمة الذي صار جسدًا، وبين أي إنسان استطاع بلوغ التأله عن طريق التحول التصاعدي، فهو قد بَيَّن صراحة أن أنطونيوس احتاج إلى قوة الله المتأنس ليصِل إلى التأله، في حين أن الله المتأنس هو الله بطبيعته ارتضى أن يتجسد، فما هو للسيد المسيح بطبيعته قد وهبه لمحبيه بالتبني- وهذا ما عبر عنه كل الآباء الإسكندريين ترديدًا لما ورد في أقوال الرسل من أن فادينا أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له. وإن الصورة المليئة حيوية التي صورها حامي الإيمان، لمعلمه العظيم ما زالت إلى الآن النموذج الأعلى لكل من يستهدف السعي نحو الكمال: إنها النموذج الصريح لكل من يَتَلَهَّف على الوصول إلى درجة التأله". |
|