رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من أراد أن يصير فيكم عظيماً الاربعاء 13 فبراير 2013 القس رافائيل ثروت كاهن كنيسة مارمينا بفم الخليج ماذا يجرى عندما يتولى رجل السلطة ؟ إنه يجد نفسه أمام إمتحان عسير ، ولا سيما إذا كان تسلمه لزمام السلطة مفاجئاً وسريعاً . فإذا تضاعف راتب شخص عشر مرات فى السنة ( 2صم 3:2 ، 5 ) ، ( أخ 12:11 ) يواجه إمتحاناً أخلاقياً كبيراً . وإذا كان رجل قد تعرض للمطاردة والإضطهاد والمضايقة عدة سنين ثم صار فجأة قائداً لا ينازعه أحد فإن من شأن ذلك أن يظهر من أى معدن هو . وهذا هو ما حدث لداود النبى . فبعد سنين كان فيها طريداً شريداً أصبح هو الملك على سبط يهوذا الذى هو منه ، وله من العمر ثلاثون . ثم بعد سبع سنين صار ملكاً على جميع إسرائيل . أن توليه السلطة سيجعله يسير فى أحد طريقين - إما نحو الأردأ وإما نحو الأحسن. رد فعله على وفاة سلفه بينما داود ورجاله يخلصون زوجاتهم وأولادهم من العماليقيين ، كان الفلسطينيون قد زحفوا على بنى إسرائيل وهزموا جيشهم على جبل جلبوع ، وقتلوا الملك شاول وبنيه الثلاثة بمن فيهم يوناثان . ولما بلغ نعيهم داود وهو فى صقلغ ، حزن حزناِ شديداً حتى مزق ثيابه من فرط الأسى ولم يذق طعاماً حتى المساء وانتحب على يوناثان وشاول معاً . إن حزن داود ، رغم بغضة شاول الشديدة له ، كان حقيقياً. فقد كان يرفض أن يمد يده إلى مسيح الرب ومع أن صموئيل ، لما مسحه ملكاً ، أعلمه بما سيصير إليه أمره ، فإنه لم يضع يده على السلطة بخلع شاول والآن أيضاً وقد مات شاول ، ما يزال قلبه مرتبطاً بالولاء له . وقد عبر عن ذلك فى المرثاة التى نظمها عن شاول ويوناثان وعلمها لرجاله . يمكنك أن تقرأ المرثاة فى ( 2صم 19:1-27 ) . عزيزى ... ماذا يمكن أن تتعلمه من الدرس السابق؟ صبر يدل على نضج بالغ فى الحكم لما خف حزن داود ، ظل تصرفه يتسم بالحذر مما يبين أن الاختبار الذى كان له فى صقلغ مازال ماثلاً فى ذهنه بكل قوة. فقد سأل الرب قائلاً : " أأصعد إلى إحدى مدن يهوذا ؟ فأتاه الجواب أصعد " ( 2صم 1:2 ) . وإذ هو متردد بعد ، سأل : " إلى أين أصعد ؟ " ولما وجهه الله إلى حبرون ، صعد إليها ، وبعدما استقر فى ربوع حبرون ، جاء إليه شيوخ يهوذا السبط الذى هو منه ، وطلبوا إليه أن يكون ملكاً عليهم . ولم يوافق على تسلم الملك إلا نزولاً عند رغبتهم . وسبع سنين أخرى واظب داود على الصبر . ذلك أن أبنير ، قائد جيش شاول سابقاً ، أخذ الأمير ايشبوشث إلى محانيم ونصبه ملكاً على الأسباط الأحد عشر الأخرى . وشرع هذا النظام المنافس فى الشمال يشن الحرب على يهوذا ، إلا أن داود لم يفعل ما يتعدى الدفاع عن النفس متى هوجم. ولما ازداد قوة وخصومه ضعفاً ، رأى أبنير أنه قد ساند الرجل المغلوط وراح يتودد إلى داود . فأصغى داود إليه ، لكنه أوضح له أنه مازال على وفائه نحو بيت شاول ولن يشترك فى انقلاب عسكرى يطيح " أيشبوشث " ولو عاونه أبنير . فهم أبنير مراد داود . أفتح كتابك المقدس وأقرأ ما قاله أبنير لشيوخ إسرائيل فى ( 2صم 17:3-19 ) . صحيح أن الحركة الشعبية العامة كانت بطيئة ، ولكنها كانت تستحق الإنتظار سبع سنين كى تبلغ أوجها . فإن عشرات الألوف من المحاربين والقادة ، من جميع أسباط إسرائيل على كلتا ضفتى الأردن ، وفدوا إلى حبرون وقد " أتوا بقلب تام ... بقلب واحد لتمليك داود على كل إسرائيل " . ومن الواضح أن هؤلاء يمثلون جميع بنى إسرائيل ويعبرون عن رغبتهم الجماعية ( 1أخ 38:12 ) . إن القوى العسكرية والدعم الشعبى الذى لقيه منذ البداية يبينان أنه كان يستطيع - لو شاء - أن يخضع البلد كله بقوة السلاح ، لكنه انتظر حتى يختاره الشعب بعدما مسحه الله . ولما دقت الساعة ، اعتلى العرش لا بمعركة دامية بل باحتفال دينى ثبت مسح صموئيل له منذ مدة طويلة وبذلك كان توليه الملك ميثاقاً ثلاثياً أطرافه الله والشعب والرجل نفسه . نظرية سابقة لعصرها إن الطريقة التى بها يتسلم المرء زمام القيادة تؤثر إلى مدى بعيد فى ما يحدث بعد ذلك . وثمة سبع طرائق على الأقل بها يتولى القادة مناصبهم : فمنهم . من يصبح قائداً لأنه يتطوع للقيادة ، ومن تدفعه الأحداث إلى الطليعة . ومن يمثل نموذجاً للأب عند مريديه الراغبين فى تلقى التوجيه الصارم . ومن يتفوق على كل منافسيه على نحو واضح . ومن يشعر فى داخله بأنه مدعو من الله . ومن تنتخبه الأكثرية . وقد كان داود سابقاً لعصره ، وأكثر حصافة من أغلب أهل زمانه دون شك ، لأنه وإن توفرت فيه أكثر من صفة من الصفات السابقة - اختار أن يتولى القيادة بواسطة الطريقة الأخيرة ، أى أنه صار ملكاً على كل إسرائيل من طريق الإجماع باختيار الشعب . وتتوضح روعة ما فعله داود إذا نظرنا إليه فى إطار الملوك المستبدين فى الدول الشرقية المجاورة آنذاك ، فقد عاش داود فى زمن كان الملوك فيه يحكمون حكماً أوتوقراطياً ، ولم يكونوا مسئولين أمام أحد . فكانت كلمة الملك هى القانون . وفى بعض البلدان المجاورة ، كمصر وآشور ، كان الملوك يَدْعَون الألوهة . من أين استقى داود فكرة تولى الملك بإجماع الشعب ؟! لقد أخذ هذه الفكرة من شريعة الله . فقبل إمتلاك بنى إسرائيل لأرض كنعان بزمن طويل ، علم الله أنهم ذات يوم سيريدون ملكاً ، ورسم لهم القاعدة التى يجب أن يعملوا بها إذ قال: " فإنك تجعل عليه ملكاً الذى يختاره الرب إلهك " ( تث 15:17 ) . فاختيار الله يأتى فى الدرجة الأولى ، ثم يصدق الشعب عليه باختيارهم . وتمضى الشريعة فتقدم إرشادات واضحة محددة لحفظ الملك من الكبرياء ... ( تث 16:17-20 ) . وهكذا فعل داود عملاً منه بشريعة موسى. عزيزى ... تذكر إنه ينبغى أن تستمد السلطة كلياً من أولئك الذين سوف تُمارس عليهم قيادتك " من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً . ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً " (مر43:10-44) |
|