رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المرأة التي لمستها يد المسيح لهذه المرأة، كما أسلفنا، اسمان، فريسكا وهو اسمها الأصيل، وقد ذكر في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس، ويعني القديمة ، وبريسكلا أي «القديمة قليلاً» وهو اسم التدليل الذي كانت تنادي به، والتدليل القوي، فيما نعرف، هو الذي يستطيع إثارة العاطفة واسترضاءها معًا، إذكاء الشعور وتهدئته في الحين نفسه، ومن أخص غرائز المرأة أنها لا ترضي الاعتراف بقدمها وعجزها، ولاشك أنه مما يعز على فريسكا كأنثى أن تدعي قديمة، ولذا كانوا يتندرون معها باسمها الثاني «بريسكلا» أو كأنما يريدون أن يقولوا لها في لغة من الألفة والود والتدليل، إنك يا بريسكلا لست قديمة تماماً، ولكنك قديمة إلى حد ما! «قديمة قليلاً» على أن هذا الاسم يشير أيضًا إلى أنها امرأة كانت على شيء كبير من قوة الأنوثة وجاذبيتها، فلا يمكن أن تدلل الا المرأة التي تترك في القلوب أثرا عظيمًا، لا يأتي إلا عن سحر الشخصية.. هذه المرأة نراها في سفر الأعمال زوجة لرجل يهودي اسمه أكيلاً بنطي الجنس، وأغلب الظن أنها ليست يهودية، بل كما يفهم من اسمها، كانت رومانية، ويرجح البعض أنها كانت تنتمي إلى الطبقة الارستقراطية العالية في عاصمة الرومان، وذلك لأن هذه الطبقة أكثر من غيرها كانت تدعو رجالها ونساءها باسمين، كما أنها كانت على حظ كثير من الثقافة الغالية، الأمر الذي يظهر في قدرتها أن تبصر مواطن الضعف في خطيب عظيم كأبلوس، كما تشترك مع زوجها في توجيهه واقناعه... هل عرفت بريسكلا المسيح قبل التقائها ببولس!؟ وهل أمنت بمخلصنا في مدينة روما في الكنيسة التي لم يكن لبولس يد في انشائها؟ أم أن لمسته القوية المخلصة لم تنلها سوى في مدينة كورنثوس، حيث التقت مع زوجها بالرسول العظيم هناك؟ أغلب الظن أن بولس كان هاديها إلى المسيح، وأغلب الظن أن يد العناية الرفيقة أعدت هذا اللقاء الذي خرجت منه بريسكلا امرأة مسيحية عظيمة ممتازة، ياليد العناية العجيبة تنسج في منسج الزمن نسيج لقائنا مع الله، فتبعث بهذا من هنا وذاك من هناك، حتى نلتقي في نقطة التماس الرابطة كما تلتقي الخيوط، أو قل في تعبير أدق، أنها تقذف بنا في الحوادث والأحداث كما يقذف الصانع الماهر بكرة الخيط وهو يعمل على المنوال، كانت بريسكلا وأكيلا زوجين آمنين هادئين في مدينة روما، ولكن رجلاً يهودياً اسمه كريستس أحدث في المدينة شعباً، الأمر الذي جعل كلوديوس قيصر يطرد اليهود جميعًا منها في عام 52 للميلاد. فخرج أكيلا من المدينة مطرودا تصحبه زوجته، واستقر قليلاً في مدينة كورنثوس ريثما يتأهب للانتقال منها إلى مدينة أخرى أو إلى مسقط رأسه، كما يظن البعض، هذا في الوقت الذي كانت فيه العناية تدفع بولس دفعًا إلى المدينة عينها، فالاضطهاد وحده هو الذي نقله من فيلبي إلى تسالونيكي إلى بيرية إلى أثينا، وفي عاصمة اليونان كان الرسول وحيدا محتد الروح مكروب النفس، فأثر أن ينتقل منها إلى كورنثوس، لعله يستطيع تخفيف ما يعاني من ضيق نفسه واضطرابها، ونحن نعلم أنه كان في كورنثوس شديد الاضطراب والخوف، وفي حاجة إلى مؤنس وصديق يشد أزره ويتقاسمه همومه، ذهب بولس كعادته إلى المجمع وأرباب الحرف الواحدة في الصلاة كانوا يجلسون معًا، هناك عرف أكيلا وبريسكلا لكونه من صناعتهما، ومن هناك دخل بيتهما، واشترك معها في العمل، ومن شركة الحرفة انتقلا على يديه إلى معرفة المخلص. أي جوته ياشاعر الألمان! ليست الطبيعة وحدها هي نسيج الله في منسج الزمن كما تعودت أن تقول، بل إن خلاصنا أيضًا هو النسيج الرائع البديع الذي تنسجه يد الله، ولمسة الله. |
|