رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما مدي معرفتنا لله Monday, 14 September 2009 البابا شنودة الثالث - الاهرام كثيرون من الذين يقولون إنهم يعرفون الله تماما المعرفة ويعبدونه, يكونون في الواقع لايعرفون الله معرفة حقيقية! ذلك لأن هناك انواعا من المعرفة فيما يتعلق بالعلاقة بين الله والإنسان.أبسط الأنواع هو المعرفة العقلية التي يقول فيها الشخص: نعم أنا أعرف أن الله هو الخالق العظيم الذي خلق السماء والأرض وماعليهما من سائر المخلوقات السمائية والأرضية, الله الأزلي وحده, الذي لايحده مكان, القادر علي كل شيء.. الله غير المحدود في كل صفة من صفاته فهو فوق الزمان وفوق المكان. وهو كلي المعرفة. فهو يعرف مافي باطن الأرض, وما في أعماق الجبال ويعرف مافي قلوب الناس, وما في أفكارهم ومافي نياتهم. هذه المعرفة العقلية وحدها لاتكفي. لأن كل ماتفعله هي أن تملأ العقل أفكارا, وقد يبقي القلب فارغا لامشاعر فيه ولاحب, ولاعاطفة ولا أحاسيس إنها حالة إنسان قرأ عن الله أو درس, دون أن تكون له صلة خاصة بالله. إنها معرفة العقل لا القلب.. معرفة العلماء في الدين وليست معرفة العابدين وحتي هذه المعرفة العقلية أمامها مجال للزيادة والنمو, بالدراسة أو بالتأمل وهي عند البعض تتحول الي نطاق من الجدل في الدين, وفي الحوار في الأمور الخاصة بالله جل جلاله. أما معرفتنا الحقيقية بالله فهي المعرفة الاختبارية لنا في حياتنا. وهي التي لو تكون عن طريق الكتب أوالمحاضرات أو شتي أنواع التعلم, بل هي عن طريق معاملات الله لنا.. عن إحساناته لنا في احتياجاتنا, ولمسنا حكمته في تدبيره لحياتنا واحتماله لنا في أخطائنا, أو معاقبته لنا أو مغفرته, أو فتحه أمامنا لأبواب التوبة.. مع سائر مانراه من صفات الله الجميلة.. سواء من تعامل الله معنا أو مع غيرنا.. أو من تدبيره الإلهي للأحداث. إن خبرتنا مع الله تعطينا معرفة اكثر وكلما نعرفه نحبه ونمجده وتزداد معرفتنا له بالأكثر, ويزداد إيماننا به. ونري فيه القلب الكبير الذي يحنو, والذي يرشد.. فتزداد معرفتنا به, ويتعمق اعتمادنا عليه.. ومع أن الله قد يكشف لنا ذاته بأنواع وطرق شتي, إلا أننا نحتاج أيضا ان نصلي في خشوع قائلين له: أعطنا يارب علم معرفتك.. علي ان معرفتنا لله ـ وإن كانت تبدأ هنا علي الأرض ـ ولكنها لابد ستستمر ايضا في الأبدية إلي أن تصل الي كمالها.. فنحن مهما عرفنا عن الله, ومهما درسنا عن صفاته الجميلة المجيدة, فكل مانقوله إننا نعرف فقط بعض المعرفة. لأننا ونحن في هذا العالم محوطون بضباب هذا الجسد الماديء فلن نصل الي معرفة كاملة بالله تبارك اسمه. ولكننا حينما نخلع هذا الجسد فأرواحنا الشفافة سوف تعرف اكثر في العالم الأخر. ولكن هل ترانا سنعرف حينذاك كل شيء عن الله؟ كلا لأننا مخلوقات محدودة, والله غير محدود ومن المحال ان المحدود يعرف كل شيء عن غير المحدود! فهل في الأبدية ستظل معرفتنا عن الله قاصرة؟ كلا بل الله سوف يوسع قلوبنا وعقولنا لكي تتسع لمعرفة أكثر عنه. فتبهرنا تلك المعرفة العجيبة عن الله في عظمته وبهائه, وجماله وكماله.. حتي أننا لانستطيع أن نحتمل أكثر.. ونقضي بعض الوقت في انبهار بما قد كشفه لنا ثم نفيق ولست أدري متي! ونحن نتأمل في ما رأيناه وعرفناه, شاعرين بسعادة لاتوصف وماقد ذقناه من معرفة وما أطيبه.. ثم يعود الله فيوسع قلوبنا وأفكارنا حتي تقوي علي احتمال المزيد من المعرفة, حسبما تستطيع طبيعتنا البشرية المحدودة.. ومع كل مايكشفه لنا الله عن ذاته يظل كما هو الله غير المحدود, ونظل كما نحن الطبيعة البشرية المحدودة التي لاتستطيع ان تحتمل معرفة كل شيء عن الله, إنما يكشف لها الله عن ذاته بقدر فتنمو في معرفة الله علي قدر ماتحتمل.. إذا نحن في الأبدية تنمو في معرفة الله. ولكن إلي قدر معين بل إن صفة واحدة من صفات الله لانستطيع ان ندركها كلها في كمالها مهما مر الوقت وطال. لقد سبق ان الله جل جلاله قد أعطانا من قبل معرفة عن طريق الوحي وعن طريق الكشف الإلهي, وأعطانا معرفة عن سمائه وملائكته ومجده.. وأعطانا من المعرفة مايكفي لأن نحب الحياة معه, ونحب تسبيحه وتمجيده بالقدر الذي يكفينا وبالقدر الذي تحتمله طبيعتنا.. فإن كان الله في الأبدية سيعطينا ايضا معرفة الجمال الذي يحيط بملائكته الأطهار وبسمائه, وبالنور الذي يحيط بهذا كله فكيف اذا يكون الجلال والجمال المحيطين بذاته وبعرشه!! وإن كنا هنا علي الأرض لم نستطع معرفة الكواكب والنجوم والمجرات فكيف سندرك معرفة خالق هذه كلها. بل إن كنا علي الأرض حيث نعيش لانعرف ما في باطن الأرض من أسرار, ولامايوجد في أعماق البحار, ونظل ننقب حتي نعرف بعض المعرفة.. بل فليعذرني القارئ إن قلت اننا حتي لم نعرف أنفسنا! فما الذي نعرفه مثلا عن الروح, وعن كنهها, وعن مغادرتها للجسد.. وإن كنا لانعرف ماهو الجسد الروحاني الذي سنقوم به.. وإن كنا لم نعرف الإنسان ومايتعلق به من أسرار.. فهل في جرأة نسأل كيف سنعرف الله في الأبدية؟! كل ما أستطيع أن أقوله إننا سننمو في المعرفة, ونعرف عن السيد الرب الإله أشياء ما كنا نعرفها من قبل. وسوف نبهر بما نصل إليه من معرفة تسعدنا في العالم الآخر. حتي أننا نزدري بكل معرفة أخري.. ويكون مانعرفه عن الله وعن الأبدية هو مصدر سعادة لنا في السماء لاتقارن بأية متعة أخري بل أنها هي النعيم الأبدي وليس يماثلها شيء من متع هذا العالم التافه الذي نعيش فيه الأرضي. نشكرك يارب علي ماتعطينا إياه من فضل معرفتك. |
|