بين الزيجة والبتولية وأوضح القديس ميثوديوس أنه بالرغم من حديثه عن البتولية إلاَّ أنَّ هذا لا يعني رفض الزيجة، لأنَّ الرب بعد أن علَّم عن البتولية، لم يلغِ إنجاب الأطفال، لأنه ”مع أنَّ القمر يُمكن أن يكون أبهى وأعظم من النجوم إلاَّ أنَّ نوره لا يلغي أنوار النجوم الأخرى“، بل يرى أنها حماقة أن نعتبِر إنجاب الأطفال خطية ”لأنَّ الله نفسه ما زال يصنع ويُشكِّل بشرًا“. وبالرغم من أنَّ البتولية هي الكمال إلاَّ أنها ليست العمل الوحيد الصَّالِح، فرغم أنَّ العسل أحلى وألذ من الأشياء الأخرى، إلاَّ أنَّ هذا ليس سببًا يجعلنا نعتقِد أنَّ الأشياء الأخرى، الممزوجة بحلاوة الفاكهة الطبيعية، مُرَّة، ويتخِذ القديس ميثوديوس من القديس بولس الرَّسول شاهدًا على صحة كلامه هذا، لأنَّ الرَّسول يقول: ”مَنْ زَوَّج (يتزوج) فحسنًا يفعل ومَنْ لا يُزوَّج (يتزوج) يفعل أحسن“ (1كو 7: 38) فهذه الآية في تحديدها لِمَا هو أفضل وأحسن وأحلى، لم ترفُض أو تلغِ الأقل حلاوة أو صلاحًا بل تُرتبهُما لتُوضِح نَفَع واستخدام كلٍّ منهما، لأنَّ البعض لم يُعطوا أن يعيشوا في بتولية، بينما رفض البعض الآخر أن يخضعوا لشهوتهم بسبب الرغبة في الإنجاب، لذا يتأمَّلون في تجلِّي الجسد إلى شِبْه الملائكة عندما ”لا يُزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائِكة الله في السماء“ (مت 22: 30) كما يقول الرب، ويُوضِح ميثوديوس هنا أنَّ البتولية لم تُعطَى للجميع بل للذينَ يستطيعون أن يحفظوا ”زهرة البتولية اليانِعة دومًا التي لا تذبُل أبدًا“، لأنها كانت عادة الكلِمة النبوية أن تُشبَّه الكنيسة بزهرة مُغطَّاة وببُستان مُلون مُزيَّن ليس فقط بزهور البتولية بل بزهور الإنجاب والطهارة أيضًا لأنه مكتوب ”جعلت الملِكة عن يمينك بذهب... منسوجة بذهب ملابِسها، بملابِس مُطرَّزة تحضر إلى الملِك“ (مز 45: 10، 13-14). ويعرِض القديس ميثوديوس فِكْر القديس بولس الرَّسول عن البتولية والزواج، ويحِث العذارى قائلًا: ”انظُرنَ كيف كان يسعى راغبًا بكلّ قُوَّته أن يكون جميع المُؤمنين في المسيح أطهارًا وأنقياء، مُجاهِدًا بِمُحاججات كثيرة ليُظهِر كرامة العِفة كما قال: «وأمَّا من جهة الأمور التي كتبتُم لي عنها فَحَسَنْ للرجُل أن لا يمِسَّ امرأةً» (1كو 7: 1)، فالرسول هنا يُوضِح أنه أمر صالِح أن لا يمِسْ الرجُل امرأة، ولكن بعد ذلك لمعرفته بضعف البعض، سمح لهؤلاء الغير قادرين على استعباد أجسادهم وقمعها أن يتزوجوا لأنَّ ذلك أفضل من أن يسقطوا في هُوَّة الزِنا، ويُسمِّي القديس ميثوديوس حديث بولس الرَّسول هذا إذنًا Permission، فيقول أنَّ الرَّسول بعد أن أعطى هذا الإذن أضاف على الفور: «لئلاَّ يُجرِّبكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم » (1كو 7: 5). ويرى أنَّ هذه الكلِمات تعني «إذا لم تستطيعوا بسبب شهوتكم ونعومة أجسادكم أن تعيشوا في بتولية تامة، فإني أسمح لكم أن تتزوجوا لئلاَّ، بعد أن تنذِروا البتولية الكاملة، يُجرِّبكم الشِّرِّير دومًا وتتحرَّقون باشتهائِكم زوجات الآخرين»“. وبعين إنجيلية يتأمَّل القديس ميثوديوس في حديث مُعلِّمنا بولس الرَّسول ويطلُب من العذارى أن يفحصنَ جيدًا كلِمات الرَّسول ويُلاحِظنَ أنها ليست للجميع، فالرَّسول أوضح سبب حديثه هذا لأنه بعد أن قال ” حَسَنْ للرَّجُل أن لا يَمَسْ امرأة“ أضاف فورًا ”لكن بسبب الزِنا، ليكُن لكلّ واحد امرأته وليكُن لكلّ واحدة رجُلها، لِيُوفِ الرَّجُل المرأة حقها الواجِب وكذلك المرأة أيضًا الرَّجُل، ليس للمرأة تسلُّط على جسدها بل للرَّجُل وكذلك الرَّجُل أيضًا ولكنني أقول هذا على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر“ ( 1كو 7: 1-7). ويُقدِّم القديس ميثوديوس مُعلِّمنا بولس الرَّسول كمِثال ونموذج، على اعتبار أنه يُفضِّل العِفة وضبط النَّفْس... ويستمر في الاستشهاد بتعليمه: ”فأُريد أن تكونوا بلا هم غير المُتزوج يهتم فيما للرب كيف يُرضي الرب، وأمَّا المُتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يُرضي امرأته، إنَّ بين الزوجة والعذراء فرقًا، غير المُتزوجة تهتم فيما للرب لتكون مُقدسة جسدًا وروحًا، وأمَّا المُتزوجة فتهتم فيما للعالم كيف تُرضي رجُلها“ (1كو 7: 32-34) ويُعلِّق القديس ميثوديوس على هذه الآيات قائلًا: ”من الواضِح هنا، بلا أدنى شك، أنه أفضل كثيرًا أن يهتم الإنسان فيما للرب وفيما يُرضيه من أن يهتم فيما للعالم وفيما يُرضي زوجته، لأنَّ مَنْ هو ذاك الذي من الحماقة والغباء بمكان بحيث لا يفهم ولا يرى في هذه الكلِمات المديح الكثير الذي يمدح به بولس العِفة؟ لأنه يقول : «هذا أقوله لخيركم ليس لكي أُلقي عليكم وهقًا بل لأجل اللياقة والمُثابرة للرب من دون ارتباكٍ» (1كو 7: 35)“.