رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك. تشير عبارة "اليَومِ الثَّالِث" إلى الأيام الثلاثة بعد لقاء يسوع مع نثنائيل وهو من قانا الجليل (يوحنا 1: 51)، ودعوة فيلبس (يوحنا 1: 43-51)، ودعوة واختيار التلاميذ الأولين (يوحنا 1: 35-51)، وهو اليوم السادس من الأيام التي تمّت فيها الحوادث الأولى خاصة تأدية يوحنا شهادته أمام اللجنة اليهودية (يوحنا 1: 19). وهكذا يفتتح يسوع إنجيله في اليوم السابع بعد عماد يسوع في بيت عنيا عبر الأردن (يوحنا 1: 28) على غرار سفر التكوين بأوَّل تجلِّ مجده من خلال معجزة عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 11). بدأ يسوع عمله خلال أسبوع للدلالة على الخلقية الجديدة، وينتهي هذا الأسبوع بكشف كيانه العميق وإيمان التلاميذ في قلب عرس يُعلن مجي الملكوت. وهذا الأسبوع يعود بنا إلى أسبوع الخلق الأوّل: لقد بدأ الله يخلق، بواسطة الكلمة المُتجسّد، شعباً جديداً يعلن كلمته. أمَّا اليوم الثالث في العهد القديم فيأخذ الرقم ثلاثة، يأخذ الرقم ثلاثة أهميّة كبيرة في العهد القديم، فهو يرتبط دوماً بعدد أيّام المحنة التي يليها الخلاص: إخوة يوسف يتحرّرون في اليوم الثالث (التكوين 41، 18)، إسرائيل يسير ثلاثة أيام نحو الحرّية؛ (خروج 15، 22) يبقى يونان ثلاثة أيام في بطن الحوت، (يونان 2، 1)، ينتظر الشعب لمدّة ثلاثة أيّام تجلّي الرب على الجبل قبل إعطائهم الوصايا العشر التي هي أساس عهدهم مع الله وعلاقتهم به. (خروج 19، 10. 16). وأمَّا في الديانة المسيحية فيدل اليوم الثالث على قيامة الرب حيث" قام الرب في اليوم الثالث، كما في الكتب"؛ وأعلن مجد ألوهيته كابن الله المنتصر. والقيامة هي سر فرحنا وقمة تجلي يسوع على الأرض وانتصاره على الموت. ويُعلق القديس كيرلس الكبير قوله "في اليوم الثالث لا يخلو من معنى رمزي، فالعدد الثلاثي يشير إلينا بالبداية والوسط والنهاية. فقد جاء يسوع المسيح بنفسه إلى كنيسته في المرحلة الثالثة ليقيم عرسه معها. المرحلة الأولى هو عصر الآباء ما قبل الناموس، والثانية عصر الأنبياء في ظل الناموس، والثالث هو عهد النعمة حيث أشرق النور الحقيقي على العالم ليُبدِّد ظلمته. يحتفل بالزفاف في اليوم الثالث، أي في العصر الأخير من العالم". أمَّا عبارة "قانا الجَليلِ" فتشير إلى كفرقانا (كفر كنّا) التي تبعد نحو 9 كم الشمال الشرقي من الناصرة وعلى بعد 18 كم غرب بحيرة طبريا؛ وقد ورد اسم قانا الجليل في إنجيل يوحنا أربع مرات (يوحنا 2: 1، 11؛ 4: 46؛ 21: 2). وفيها تمَّت أيضا الآية الثانية، وهي شفاء ابن خادم الملك (يوحنا 4: 46 -54). وأضاف يوحنا الإنجيلي "الجليل" تمييزا لها عن قانا ألتابعة لسبط أشير في شرقي صور (يشوع 19: 28)، وعن قانا التابعة لسبط إفرايم في منطقة السامرة (يشوع 16: 8). ويُعلق القديس كيرلس الكبير "أن الاحتفال لم يتم في أورشليم بل خارج اليهودية (يوحنا 3)، في قانا احدى قرى جليل الأمم. ومن الواضح جدًا أن مجمع اليهود رفض العريس السماوي، ولكن كنيسة الأمم قبلته بقلب متهلل". وقد بُنيت كنيسة في العهد الصليبي في قانا الجليل في موضع العرس وآثارها باقية حتى الآن. والبعض يعتقد أن قانا، هي القرية اللبنانية جنوب بيروت في قضاء صور. وأمَّا عبارة "عُرسٌ" في الأصل اليوناني γάμος وبالآراميّة חֲתֻנָּה ومعناها "المشروب"، فتشير إلى الزِّفافُ والتزويجُ، إذ درجت عادة تقدمة الخمر للمدعوّين. والاحتفالات بالعرس تدوم مدة أسبوع (متى 22: 1-10). أوجد الله الزواج سُنَّة حيث يترك الرجل أباَه وأمَّه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً (تكوين 2: 20-24)؛ ويأخذ العرس دوماً رمزيّة العهد الذي أقامه الله بينه وبين إسرائيل (ارميا 51: 1)، وقد شبّه الكتاب المقدس علاقة الله مع شعبه (أشعيا 54: 5)، ثم علاقة المسيح مع كنيسته، بالعرس، وبعلاقة العريس بالعروس (متى 9: 15)، وملكوت السماوات يشبه العرس (متى 2:22-14)، بدأ يسوع خدمته العلنية في عرس قانا الجليل، وفي نهاية خدمته عند نهاية العالم نجد "عُرسُ الحَمَل" (رؤيا 7:19-9). وقد أيّد المسيح سُنَّة الزواج من خلال وجوده على الأرض (متى 19: 5-6) فالمسيح هو عريسنا؛ أمَّا عبارة "أُمُّ يَسوعَ" فتشير إلى مريم العذراء التي يُسمّيها يوحنا الإنجيلي باسم ابنها البكر (لوقا 2: 7) كما هي العادة في شرقنا. ولكن أهمية هذا اللقب ليوحنا الإنجيلي لا تكمن في شخصها التاريخيّ فحسب، بل تتخطّاه إلى ناحية الدّور الّذي لعبته في مخطّط الخلاص الإلهيّ، فهي التي قبلت كلمة الله وحملته وأعطته للعالم، وهي قادرة أن تطلب من ابنها وربّها أن يتمّم النقص البشري بخمر الفرح الإلهيّ دوماً. فلا عجب أن يوحنا لم يذكر اسم مريم كما انه لم يذكر اسمه ولا اسم أخيه يعقوب. أمَّا عبارة "هُناك " فتشير إلى مريم التي سبقت ابنها يسوع إلى العرس في قانا، وذلك لكي تساعد أهل العريس. قد تكون مريم هناك ليس كأحد المدعوين وإنما كأحد أفراد الأسرة أو لن اصحب العرس من المُقرّبين لمريم. من كان قريبا من الله كان قريبا من الناس. وهل أقرب إلى الله من مريم؟ فهي قريبة جدا منا. |
|