أ. حلمي القمص يعقوب
- متى عرف الإنسان طقس تقديم الذبائح؟
ج: الذبائح قديمة بقدم البشرية، وجاءت طبقًا للأوامر الإلهية. كما أنها كانت تعبّر عن احتياجات الإنسان الحقيقية للفداء، وفكرة الذبيحة نابعة من موت الحيوان البريء نيابة عن الإنسان المذنب، فيحصل الإنسان على الصفح والمغفرة، ونستعرض معًا يا صديقي موضوع الذبائح باختصار سواء خلال عصر الآباء، أو خلال عصر الشريعة.
1ـ الذبائح خلال عصر الآباء:
ويظهر تقديم الذبائح في عدّة مواقف مثل:
أ ـ كان آدم وحواء في الفردوس عريانان ولم يخجلا لأن نعمة اللَّه كانت تسترهما، فعاشا في حالة من الطهارة والبرارة مثل الأطفال الصغار في براءتهم، ولم يشعر أحدهما أنه عريان يحتاج لشيء يستره، ولكن عقب الخطية مباشرة أحس الاثنان بالعري وشعرا بالخجل يغطيهما، فأرادا أن يسترا عريهما بأوراق الشجر ولم يفلحا.. فماذا كان الحل؟ لقد فشل الإنسان في هذا، أما اللَّه ففي حنانه الأبوي ذبح ذبيحة، وأخذ جلد الذبيحة، وصنع أقمصة من هذا الجلد: "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمِصَةً من جِلدٍ وألبَسهما" (تك 3: 21) ولم تكن الذبيحة لهدف أكل لحمها، لأن آدم لم يكن يعرف أكل اللحوم الحيوانية، ولذلك فإن القصد الأول والأخيـر من الذبيحة هو ستر عري آدم، وهنا استلم أبونا آدم طقس الذبيحة، وأدرك أن العري الناتج عن الخطية لا تستره أوراق الشجر ولكن تستره الذبيحة.. يا ليتني في كل مرة أرتدي ملابسي أتذكَّر الخطية التي تعريني من نعمة اللَّه.
ب ـ سار هابيل على نفس الدرب، وتمَّم طقس الذبيحة، وقدَّم من أبكار غنمه ومن سمانها فقبل الرب ذبيحته. أما قايين الذي استهان بطقس الذبيحة وقدّم من ثمار الأرض فلم يقبل الرب تقدمته: "فنَظَر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانِهِ لم ينظر" (تك 4: 4، 5).
)
ج ـ عقب الطوفان سار نوح البار على ذات الدرب أيضًا فقدَّم ذبائح من البهائم الطاهرة والطيور الطاهرة: "وبنى نوح مذبحًا للرب. وأخَذَ من كل البهائم الطَّاهرة ومن كل الطُّيور الطاهرة وأصْعَدَ مُحرقاتٍ على المذبح. فتنسّم الرب رائحة الرّضا. وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان" (تك 8: 20، 21).. إذًا الحيوانات والطيور الطاهرة وغير الطاهرة كانت معروفة قبل إعطاء الشريعـة، والحقيقة أن كل الحيوانات وكل الطيور هي من خلقة اللَّه القدوس، ولكن إذ أراد اللَّه أن يُعلّم الإنسان البدائي الفرق بين ما هو صحيح وما هو خطأ، علَّمه عن طريق الحيوانات والطيور، فأطلق على بعضها أنه طاهر فيجوز الأكل وتقديم ذبائح منها، ودعى البعض غير طاهر فلا يجوز الأكل ولا تقديم ذبائح منه.
د ـ نسج أيوب الصديق على نفس المنوال، وكان يخشى أن يكون أولاده قد أخطأوا وجدّفوا على اسم اللَّه، فكان يقدم الذبائح فديةً عنهم، وكان رب الأسرة قبل عصر الشريعة يعتبَر هو كاهن الأسرة، لذلك كان يحقّ له أن يقدّم الذبائح كما فعل نوح وأيوب والآباء البطاركة الأولون: "وكان لمَّا دارت أيام الوليمة، أن أيوب أرسل فقدَّسَهم (أولاده) وبكَّر في الغَد وأصعَدَ مُحرقاتٍ على عددهم كلهم، لأن أيوب قال: ربما أخطأ بنيَّ وجدَّفوا على اللَّه في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام" (أي 1: 5).
هـ ـ سار الآبـاء البطاركة إبراهيـم وإسحـق ويعقـوب فـي ذات الدرب، فكان كل مكان يحلّ فيه إبراهيم يبني مذبحًا للرب ويُصعِد الذبائح والمحرقات لذلك تجد عبارة: "بنى هناك مذبحًا" (تك 12: 7، 8، 13: 18) وعندما ظهر اللَّه لإسحق ووعده بأن يباركه ويكثر نسله "بنى هناك مذبحًا ودعاه بِاسم الرب" (تك 26: 25) وبنى يعقوب مذبحًا للرب في شكيم ودعاه: "إيل إله إسرائيل" (تك 33: 20) كما أوحى اللَّه ليعقوب قائلًا: "قُم اصْعَد إلى بيت إيل وأقِم هناك، واصنع هناك مذبحًا للَّه الذي ظهر لك حين هَرَبت من وجه عيسو أخيك.. وبنى هناك مذبحًا، ودَعَا المكان إيل بَيت إيل" (تك 35: 1، 7) وقبل أن ينزل يعقوب إلى أرض مصر: "ذَبَح ذبائح لإله أبيه إسحق" (تك 46: 1).
2ـ الذبائح في عصر الشريعة:
حدَّدت الشريعة الذبائح العامة التي تُقدَّم صباح ومساء كل يوم، والتي تُقدَّم كل يوم سبت، وفي رأس الشهر، وفي الأعياد. كما حدَّدت الشريعة الذبائح الشخصيَّة التي يقدِّمها الأفراد مثل ذبائح المحرقة والسلامة والخطية والإثم وتقدمة الدقيق (لا 12: 1 ـ 8) وذبيحـة تطهير الأبرص بعد شفائه (لا 14: 1 ـ 20) وذبيحـة المصـاب بسيـل بعـد انقطاع سيله (لا 15: 1 ـ 15).