ثالثًا: تحليل الموقف:
هناك الكثير من الاحتمالات لتحليل الأمر، لمعرفة سبب جوع الإسرائيليين وتذمرهم بعد مدة بسيطة من خروجهم من أرض مصر.. والتالي هو بعض الأفكار حول الأمر، وقد يكون الجوع لأحد الأسباب التالية أو لأكثر من سبب منهم مجتمعًا..
عدد الخارجين من مصر: "سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ مِنَ الرِّجَالِ عَدَا الأَوْلاَدِ" (خر 12: 37؛ عد 11: 21)، فإن كانت الأسرة تتكون من ثلاثة أو أربعة أفراد (بحساب النساء والأطفال وكبار السن)، يصبح العدد يقارب أو يزيد عن 2 مليون شخص.
الغالبية العظمى الذين خرجوا للتو من أرض السخرة والعبودية كانوا من المُعدمين، لا يملكون مواشي ولا أغنام ولا غيره، وتلك المواشي المأخوذة -وإن كانت كثيرة- فهي لا تُعَبِّر عن ممتلكات كل أسرة، أي أن عددها كان محدودًا بالمقارنة مع عدد الشعب.
بما أن عدد المواشي لم يكن يتماشى مع عدد الشعب، فمن المنطقي ألا تكفي لتغطية احتياجات الملايين التي تأكل يوميًّا، فهي -مع كثرتها- لا تغطي العدد الضخم الذي خرج من مصر. وبعملية حسابية بسيطة، فقد أظهرت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" عام 2017 م.(2) أن الفرد في إسرائيل يستهلك ما يقرب من 80 كجم. من اللحوم سنويًّا (أو 96 كجم. بتقدير عام 2009 م.). وإن تم قسمة هذا الرقم على ثلاثين يومًا (مدة السفر حتى الجوع)، وضربه في عدد الشعب (2 مليون)، يصبح وزن اللحوم التي أكلها الشعب في شهر هي (13,200,000: أي 13 مليون و200 ألف كجم. تقريبًا)! وإذا كان وزن البقرة 453 كجم.، يصبح وزنها بعد الذبح 195 كجم. (والباقي هو الجلد والشعر والحوافر والدهون والأمعاء والعزم والدم وباقي الأعضاء الداخلية..). وقد رأينا أيضًا حسب (خر 29: 13-14؛ لا 3: 3-4) أن بعض الأعضاء داخل الحيوان لا تؤكل، وربما هذا الأمر كان معروفًا من قبل نزول شريعة مكتوبة ولك أن تقوم بتجميع هذه الأرقام التقريبية لترى كم عدد الماشية (من بقر، ثيران، ماعز، خراف.. إلخ). يجب أن يتم ذبحه يوميًّا لإطعام 2 مليون شخص!
لاحظ أيضًا أنه لم يكون لديهم رفاهية الحصول على أطعمة أخرى كثيرة بجانب اللحوم، فأين هي الخضراوات والفاكهة والقمح الكثير (الخبز) والبذور (مثل الأرز والفول..) وغيره الذي يكوِّن باقي محتويات كل وجبة من الوجبات الثلاث اليومية؟ كل هذا غير متاح في فترة التيه (الأولى على الأقل). بل إن هذا يجعلهم بتأكيد يستهلكون اللحوم بمعدل أكثر من الطبيعي، حيث لا يوجد أمامهم غيرها.
من غير المُستَبْعَد أن يكون كثير من الشعب قد تأثَّر بعقائد المصريين في عبادة الحيوانات أو تقديسها، وخاصة لأنهم قضوا في مصر 430 سنة (خر 12: 40)، ورأيناهم بعد فترة صغيرة يعبدون العجل الذهبي (خر 32)! وقد يكون هذا جعل بعضهم يمتنعون عن ذبح كثير من الحيوانات التي كانت معهم؛ فكلهم كان قد وُلِد في السبي والعبودية والنشأة على تلك العقائد والعادات المصرية القديمة.