رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث مقدمة الكتاب يسرني أن أقدم لك أيها القارئ العزيز هذا الكتاب عن حياة الفضيلة والبر، الذي يضم 31 مقالًا في الموضوع: ذلك لكي تعرف ما هي حياة الفضيلة؟ وكيف تكون؟ وما مصادرها؟ وما نوعياتها؟ وما مستوياتها؟ وما هو الفرق بين الجسداني، والمستوي النفساني، والمستوي الروحاني. وتقرأ أيضًا عن حياة الفضيلة بين الهدف والوسيلة، ومقاييس الفضيلة من حيث التعريف والهدف والوسيلة. كما أنها تقاس بنوع اهتمامات الإنسان.. وتتأثر الفضيلة بالقراءة والسمع وباقي الحواس. وأحدثك في هذا الكتاب أن البر الداخلي هو المعني الحقيقي للفضيلة، وليس المظهر الخارجي. وأن الفضيلة لابد أن يكون لها ثمر يدل عليها.. والفضيلة هي الحياة بالروح، وهي البعد عن الإثنينية.. ولابد من التكامل في حياة الفضيلة والبر. فضيلة واحدة لا تكفي، ومن اللازم أن ترتبط بفضائل أخري، ولا تتناقض مع فضيلة أخري.. والفضيلة لها اختبارات تمتحن بها، كما يلزمها ضبط النفس. وإن نجح الإنسان في اختبارات الفضيلة، ينال أكاليل في الأبدية هو إكليل البر. وبعد حديث طويل عن حياة الفضيلة، أفردنا لك بابًا هامًا عن عوائق الفضيلة. نعم إنها عوائق، ولكنها ليس موانع، إذ يمكن الانتصار عليها. وأوردنا لك من هذه العوائق، الذات، والتساهل مع الخطية. والطريق التي تبدو للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت. كذلك من عوائق الفضيلة المحبة الخاطئة للنفس. وبحثنا أيضًا موضوع الجسد، وهل هو عائق للفضيلة؟ ومتى يكون عائقًا؟ وتحدثنا عن طريق الانتصار ليصل الإنسان إلي حياة الفضيلة، وكيف يجب أن تقاوم حتى الموت، مجاهدًا ضد الخطية، ولا يحب ذاته المحبة التي تهلكها.. ختامًا، لا أريد أن أطيل عليك في هذه المقدمة، فأمامك الكتاب اقرأ منه كما تشاء إنه مجموعة محاضرات ألقيناها متفرقة علي مدي سنوات عديدة، وفي مناسبات مختلفة. ثم جمعناها لك معًا، لكي تكون موضوعًا واحد، هو وضع حياة البر أمامك، لكي تعيشها. أسال الله أن يعطيك نعمة وإرادة، لكي تحيا هذه الحياة. أكتوبر 1994 البابا شنوده الثالث |
20 - 01 - 2014, 02:32 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
الفضيلة، ما هي؟ كيف تكون؟ وما مصادرها؟ تعريفات ما هي الفضيلة؟ وما معني عبارة "إنسان فاضل"؟ + ربما عبارة "إنسان فاضل "تعني أنه إنسان خير، يحب الخير ويعمله. ويحب البر. + والفضيلة قد تعني النقاوة، أو السير في طريق الله. + وقد تعني قوة في النفس، تمكنها من انتصار علي كل نوازع الشر وإغراءاته. وتمارس الحياة البارة. * وربما تعني الفضيلة الارتفاع فوق مستوي الذات. * بحيث يخرج الإنسان عن دائرة ذاته، ويعيش لغيره. يخرج من الاهتمام بنفسه، أو التركيز علي نفسه، للاهتمام بالآخرين.. من محبته لنفسه إلي محبته لله والناس. نقول هذا الآن الخطية كثيرًا ما تكون إنحصارًا حول الذات. إنسان يريد أن يرفع ذاته، يمتع ذاته، يشبع رغبات ذاته. * الفضيلة أيضًا هي ارتفاع فوق مستوي اللذة: * لأن غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذة حسية، أو لذة نفسية. فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النفس، وتصبح لونًا من إشباع الذات، وبطريقة خاطئة. فالذي يحب المال أو المقتنيات، إنما يجد لذة في المال وفي المقتنيات. وكذلك من يحب الزينة، ومن يحب الطعام. ومن يحب المناصب أو الشهرة، إنما يجد لذة في كل هذا. ومن يحب الجسد يجد لذته في الجسد، ومن يحب الانتقام لنفسه، يجد لذة في ذلك. الخطية إذن هي سعي وراء اللذة. والفضيلة هي ارتفاع فوق مستوي اللذة، ألي أن تجد إشباعًا لها في السعادة الروحية. والسعادة غير اللذة، والفرح غير اللذة. اللذة غالبًا مرتبطة بالحس، بالسجد والمادة، أما السعادة والفرح فيرتبطان بالروح.. ولذلك الفضيلة إذن تكون إرتفاعًا فوق مستوي المادة أيضًا.. مصادر الفضيلة 1- أول مصدر هو الحكمة والإفراز والمعرفة: وهكذا علمنا أبونا القديس الأنبا أنطونيوس. والعلماء والفلاسفة يركزون علي كلمة (المعرفة). والمقصود بها المعرفة الحقيقية. وهي المعرفة التي تميز بين الخير والشر، ويسميها البعض Gnosticism (الغنوسية). وهكذا يقول الكتاب: "الحكيم عيناه في رأسه. أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا14:2). وهكذا نري في مثل العذراى الحكيمات والجاهلات (مت25)، أن الحكيمات كن يرمزن إلي حياة البر، بعكس الجاهلات. لأن الحكيم الحقيقي بالضرورة يسلك في حياة الفضيلة. بينما لأبد أن نصف الخاطئ بأنه جاهل، مهما كان من العلماء! إنه جاها بطبيعة الأشياء، جاهل بطبيعة الخير والشر، جاهل بمصيره الأبدي، جاهل بما تجلبه الخطية من نتائج. جاهل لا يعرف خيره من شره، ولا نفعه من ضره! ولا يقصد المعني السطحي من كلمة (جاهل)، التي تعني أنه لم يتعلم في مدارس أو علي أساتذة.. إنما هو جاهل من جهة الحكمة الإلهية، وجاهل من جهة المعرفة الحقيقية.. ومثل هذا الأنسان يحتاج إلي نوعية وإلي إرشاد.. وقد قال السيد المسيح عن الذين صلبوه، إنهم "لا يدرون ماذا يفعلون" (لو34:23). وهكذا وصفهم بالجهل.. وقال الرسول عنهم.. "لأنهم لو عرفوا، لما صلبوا رب المجد" (1كو7:2). حتي الإلحاد، يصفه الكتاب بالجهل، فيقول: قال الجاهل في قلبه ليس إله (مز1:14). حتي لو كان هذا الإنسان من فلاسفة عصره. إنه جاهل! الحكمة تدعو الإنسان إلي السر في الطريق السوي.. فتاة مثلًا تحب شابًا من غير دينها، محبة تؤدي إلي (الزواج) منه.. فيأتي مرشد ليقول لها: أنت تسيرين في طريق مسدود، لا تعرفين إلي أين ينتهي بك.. إنك تضيعين نفسك، وعائلتك، وأخواتك البنات، وربما الأولاد أيضًا!! المسألة تحتاج إلي معرفة بنوع الحياة، وبالنتائج.. وكلما يتعمق الإنسان في الحكمة، علي هذا القدر يتعمق في فهم الأمور. ويعرف ما ينبغي أن يكون. غير أن مصادر الفضيلة، ليست هي مجرد الحكمة والمعرفة. قد يعرف الإنسان الخير ولا يسلك فيه! هنا نتعرض للمصدر الثاني من الفضيلة، وهو: 2- قوة الإرادة والعزيمة: قد لا يستطيع إنسان أن يسلك في طريق الفضيلة، لأنه مغلوب من نفسه، لأنه ضعيف الإرادة. وكما يقول الكتاب: "لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده، إياه أفعل" (رو19:7). ولهذا فإن كثيرين -لكي يحيوا في الفضيلة- يسلكون في تداريب روحية لتقوية إرادتهم. إن الضعف يسبب الوقوع في الخطية. والوقوع في الخطية يؤدي إلي مزيد من الضعف. كل منهما يكون سببًا ونتيجة للآخر.. ولذلك نقول عن الإنسان الفاضل، إنه إنسان قوي.. قوي في الروح، وفي الفكر، وفي العزيمة، وفي التنفيذ، وفي التدريب،إنه قوي في الانتصار علي الحروب الخارجية، وفي الانتصار علي النزعات الداخلية. الذي تستعبده عادة رديئة، هو إنسان ضعيف. والذي لا يستطيع التحكم في لسانه، ولا التحكم في أعصابه. ولا التحكم في فكره، هو إنسان ضعيف. وبسبب هذا الضعف يبعد عن الفضيلة.. حتى إن تاب عن الخطية، يعود إليها مرة أخري. 3- من مصادر الفضيلة أيضًا: المبادئ والقيم: الإنسان الروحي المتمسك بالمبادئ والقيم يحيا حياة الفضيلة. لأن القيم التي يؤمن بها تحصنه، فلا يستطيع أن يخطئ، مهما حورب بالخطية. يقول لك: لا أستطيع أن أفعل هذا الشيء، ولو كان السيف علي رقبتي. لا أستطيع أن أكسر مبادئي. أما الإنسان الخاطئ، فلا قيم عنده. أي أن الفضائل لا قيمة حقيقية لها في نظره، حتى يحافظ عليها!! إنه يكذب لأن الصدق لا قيمة له في نظره. ويزني لأن العفة لا قيمة لها في نظره. ويخون لأن الأمانة لا قيمة لها في نظره.. وهكذا مع باقي الفضائل. وبسبب ضياع القيم، يقع في الاستهتار واللامبالاة.. لا الوقت له قيمة، ولا المواعيد لها قيمة، ولا الواجبات لها قيمة، ولا النظام العام، ولا القانون، ولا التقاليد.. ولا شيء علي الإطلاق...! 4- من مصادر الفضيلة أيضًا مخافة الله: الإنسان الذي توجد مخافة الله في قلبه، ولا يخطئ.. ولهذا قال الكتاب "بدء الحكمة مخافة الرب" (أم10:9). ونجد في هذه الآية الحكمة والمخافة معًا.. الإنسان الروحي، يخاف أن يكسر وصايا الله. ويخاف اليوم الذي يقف فيه أمام الديان العادل (عب31:10). ويخاف العقوبة: بل يخاف أن يفقد طهارته وأن يفقد الصورة الإلهية. ويخاف أيضًا علي سمعته. ويخاف أن يكون عثرة لغيره. وبالمخافة، يسلك في طريق الفضيلة وبممارسة الفضيلة وحبها. وهكذا يسلك فيها حبًا لا خوفًا. غير أن البعض من الذين لا يفهمون الترتيب الطبيعي للفضائل، يبعدون عن المخافة بفهم خاطئ للآية التي تقول: "لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي الخارج" (1يو 18:4). فمن الناس قد وصل إلي هذا المحبة الكاملة لله، التي تطرح الخوف ألي الخارج؟! علينا أن نبدأ بالمخافة أولًا. والكتاب يقول "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط17:1). (ويقول أيضًا تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (في12:2). ولنثق أن هذه المخافة هي التي ستوصلنا إلي المحبة. 5- مصدر أخر للفضيلة هو الموهبة الإلهية. فالفضيلة علي نوعين، نوع يولد الإنسان به، بطبع هادئ طيب: ونوع يجاهد الإنسان لكي يصل إليه. أما عن النوع الذي يولد الإنسان به، فهو كمثال يوحنا المعمدان، الذي قيل عنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو15:1). ومثال أرميا النبي الذي قال له الله "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خلقت من الرحم قدستك. جعلتك نبينًا للشعوب" (أر5:1). وكما يوق المثل العامي "مالك متربي؟ قال من عند ربي".. ومن الذين جاهدوا حتى يصلوا إلي الفضيلة، القديس موسى الأسود الذي يجاهد..، ينال بلا شك أجرًا سماويًا عن جهاده. وانتصاره. وهؤلاء وضعهم السيد الرب في سفر الرؤيا تحي عنوان "من يغلب" (رؤ3:2). حتى الذي يولد بالفضيلة، يحتاج أيضًا إلي جهاد، لكي يغلب.. لأن عدو الخير لا يشاء أن يتركه في راحة. بل يحاربه محاولًا أن يفقده فضائله. فالذي ولد بفضيلة، يلزمه أن يثبت فيها، ويصمد أمام حروب العدو وكما قال الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا "تمسك بما عندك، لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ11:3).. وأيضًا يجاهد حتى يصل ألي الكمال في فضيلته. أنه جاهد للنمو. وجهاد يدخل به من الباب الضيق حسب وصية الرب (مت13:7). 6- من مصادر الفضيلة، النعمة: نعمة الله التي تساعد الإنسان وتقوية، لكي يسلك ويثبت في طريق الله. كما قال بولس الرسول "بنعمة الله أنا ما أنا. وبنعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15). ولأهمية هذه النعمة، فإن الكنيسة المقدسة تطلبها لنا في كل اجتماع قائلة "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله وشركة الروح القدس، تكون مع جميعكم آمين" (2كو14:13). علي أننا يجب أن نتجاوب مع عمل النعمة. ونشترك مع الروح القدس في العمل. ذلك لأن نعمة الله العاملة معنا، لا تهبنا الفضيلة إلا باشتراكنا معها، وقبولنا لها. ولذلك يقول الرسول "النعمة العاملة معي". وليست العاملة وحدها. الروح القدس يعمل فينا، ونحن نعمل معه. نشترك معه في العمل. 7- قال بعض الآباء: الفضيلة بطبيعتها مغروسة في النفس: وهكذا تكون الخطية مجرد مقاومة لهذا الغرس الإلهي.. ولهذا تجد ضمير أي إنسان أيا كان، من أي دين من الأديان، بوذي، براهمى، كنفوشيوسى.. من أي دين، تجد الفضيلة مغروسة فيه.. إنها الشريعة الطبيعية غير المكتوبة، التي وضعها الله فينا. توضح لنا الخير، وتدفعنا إليه، وتبكتنا إن لم نسلك في طريق الفضيلة.. لذلك نجد أن الذي يخطئ، يشعر بالخجل والخزف والارتباك.. هذا هو الذي يحدث للطفل، حينما يخطف شيئًا ليس له، أو حينما يرتكب خطأ لا توافق عليه القيم المغروسة فيه بالفطرة.. وهذا ما يحدث للكبار أيضًا. لهذا يحبون أن يرتكبوا الخطية في الخفاء، في الظلمة، دون أن يلاحظهم أحد.. لأنهم يقاومون شيئًا مغروسًا في أعماقهم، وذلك قيل عنهم: "أحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو19:3). بقي أن أحدثك عن نوعية الفضائل: السلبية والإيجابية، الداخلية والخارجية، وكذلك تكامل الفضائل وأمور أخري. تحدثنا عن تعريف الفضيلة، وعن مصادرها ونضيف هنا: فنقول عنها إنها: شركة الروح القدس الروح القدس يسكن فينا (1كو16:3). وهو يعمل فينا. وفي نفس الوقت يعمل بنا. ولذلك لابد أن نشترك معه في العمل. ولا يمكن أن نأخذ من عمل الروح فينا موقفًا سلبيًا. ذلك فالفضيلة هي شركة مع الروح القدس. هي نتيجة لقوة عمل الله. الذي يقابله تجاوب من إرادة الإنسان. لأنه إن كان الإنسان لا يريد، فلا يمكن أن تتم الفضيلة. وهكذا وبخ الرب مرة شعب أورشليم، وقال لهم "كم مرة أردت.. ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا "ً (مت23: 37،38). محبة الخير الفضيلة ليست مجرد عمل الخير، إنما هي بالأكثر محبة الخير. لأن بعض الناس قد يعملون الخير خوفًا من العقوبة، أو من أجل السمعة وتجنبًا لكلام الناس. أو يعلمون الخير حبًا في المديح، أو رغبة في نوال مكافأة، أو مجاراة لجو معين.. ولكن ليس في كل ذلك فضيلة.. إنما الفضيلة هي حب الخير، حتى إن لم تفعله لسبب خارج عن إرادتك. ولذلك نقول في أوشية القرابين، ضمن من نطلب لهم بركة العطاء "والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم". ولكن إن مجدت إمكانية لعمل الخير، لأبد أن تعمله. وهكذا تجتمع نية القلب، مع الإرادة مع العمل. لأن النية وحدها لا تفيد الآخرين. والعمل هو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة. الفضيلة لا تقف عن حد، إنما هي سعي نحو الكمال. سعى نحو الكمال فالذي يعمل الفضيلة يود أن ينمو فيها. ويستمر في النمو حتى يصل إلي الكمال الممكن له كإنسان، أعني الكمال النسبي. ولذلك كما قال الرب في العظة علي الجبل "فكونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5). والسعي إلي الكمال، قد يحتاج إلي التدرج. والآباء الروحيون كثيرًا ما يدربون أولادهم في نطاق هذا التدرج. لأن الطفرات السريعة كثيرًا ما تؤدي إلي المجد الباطل والافتخار، وأحيانًا تكون لها نتائج عكسية. لكن الآباء الروحيين يحبون أن يثبت أولادهم جدًا في كل خطوة يخطونها، حتى إذا ما صارت طبيعية عندهم، يتدرجون منها إلي خطوة أخري، ولا يصبحون في خطر من نكسة ترجعهم إلي الوراء. أما إذا أرادت النعمة أن ترفع الإنسان مرة واحدة إلي فوق، فهذه هبة إلهية غير عادية. وتأتي هذه الفضيلة بالممارسة في الحياة. وإنما يتحدث الكتاب عن السلوك فيقول "لا دينونة علي الذين هم في المسيح، الساكن ليس حسب الجسد، إنما حسب الروح" (رو1:8). وأيضًا" من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2).. إذن الفضيلة هي سلوك بالروح. قد يبدأ بالحب. وقد يبدأ بالمخافة، ويتحول إلي الحب. ولكنه في كلتا الحالتين. حب لله، وحب للخير، وحب للغير، يظهر في سلوك الإنسان وفي حياته العملية. والحياة في الفضيلة هي حياة جهاد: حياة جهاد لأنه كما أن النعمة تحب أن ترفعك إلي فوق، كذلك قوي الشر لا تريد أن تتركك في راحة، إنما تحاول أن تجذبك إلي أسفل. وكما قال الرسول إن "إبليس خصمكم كأسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 8،9). من هنا كانت الفضيلة صراعًا ضد الخطية. ولذلك قال القديس بولس الرسول "البسوا سلاح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية.." (أف6: 10-12). وبمناسبة هذا الصراع، يمكن أن نقسم الفضيلة إلي نوعين: نوعان من الفضيلة وذلك من الناحية السلبية، ومن الناحية الإيجابية: فمن الناحية السلبية مقاومة الخطية ورفضها، ومن الناحية الإيجابية السلوك الطيب في عمل الخير، فليست الفضيلة هي فقط البعد عن الخطية، إنما أيضًا حياة البر. لا يكفي فقط إنك لا تكره إنسانًا، إنما يجب أن تحب الكل. لا يكفي أنك لا تقول كلمة شريرة، إنما يجب أن تقول كلامًا للبنيان ينفع الآخرين. ليست الفضيلة هي إنك لا تضر الناس، بل هي بالأكثر أن تخدمهم وتعينهم وتتعب لأجلهم. يعرف البض الفضيلة بأنها وضع متوسط بين رذيلتين: فالشجاعة مثلًا هي الوضع المتوسط بين الخوف والتهور. والتربية السليمة هي الوضع المتوسط بين القسوة والتدليل. والتدبير الحكيم في مالك هو الوضع المتوسط بين البخل والتبذير. ويمكننا أن نضرب أمثلة عديدة لهذا الوضع المتوسط. الفضيلة لها مستويات في حياة الإنسان: مستويات في الحس، والفكر، والقلب، والعمل.. مستويات المستوي الجسدي للفضيلة، والمستوي النفسي، والمستوي الروحي. وعلي الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوي، ويحترس من السقوط في غيره. فمثلًا الحواس هي أبواب الفكر. فما تراه وتسمعه وتلمسه، قد يجلب لك أفكارًا. فلكي تحفظ فكرك احفظ حواسك. وإن أخطأت بالحواس، لا تجعل الخطأ يتطور بك إلي فكرك. فإن وصل إلي الفكر أطرده بسرعة. وإن وصل الخطأ إلي الفكر، لا تجعله يتحول إلي مشاعر في قلبك. وإن تحول إلي مشاعر لا تجعله يتطور إلي الفكر والعمل؟ واعلم أن جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض. وربما يصير البعض منها سببًا ونتيجة.. فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر. وخطأ الفكر يسبب مشاعر للقلب. وربما يدفعان إلي العمل. والعمل يسبب خطورة للحواس، وكذلك الحواس تقود إلي العمل. وإنها دائرة أية نقطة تدور فيها، توصل إلي باقي النقاط. وكما في الشر، كذلك في الخير. تتعاون المستويات معًا. وكما تحدثنا عن هذه النوعيات، نتحدث عن نوعيات أخري وهي: من الداخل والخارج في الداخل، في القلب والروح والفكر. وفي الخارج في الجسد والممارسة. الحب مثلًا فضيلة في القلب. ولكن لابد أن يتحول إلي عمل محبة من الخارج. وفي ذلك يقول القديس يوحنا الرسول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو18:3).. وهنا تظهر المحبة التي فيها عطاء وبذل وتضحية. فضيلتك التي في فكرك، لا يشعر بها أحد. فيجب أن تعبر عنها بعملك. محبتك لابنك التي في داخل قلبك، تعبر عنها بالعطايا، والاهتمام، بالحنو.. وهنا نتذكر عبارة جميلة في نشيد الأناشيد وهي: "اجعلني كخاتم علي قلبك، كخاتم علي ساعدك" (نش6:8). كخاتم فلي قلبك بالمشاعر الداخلية. كخاتم علي ساعدك بالعمل. يدك تمتد وتعمل وتساعد.. كخاتم علي قلبك بالإيمان، وعلي ساعدك بالإعمال. بطرس الرسول جعل الرب خاتمًا علي قلبه، حينما قال "لو أنكرك الجميع فأنا لا أنكرك"، "أنا مستعد أن أمضي معك حتى إلي السجن وإلي الموت" (لو23:22). ولكنه مع ذلك لم يجعل الرب خاتمًا علي ساعده، حينما أنكره ثلاث مرات، وحينما سب ولعن وقال لا أعرف هذا الرجل" (مت26: 70-75). ولذلك بعد القيامة، سأله الرب ثلاث مرات "أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" (يو21: 15-17).. إن كنت تحبني، لا يكفي بالقلب، بل بالعمل "ارع خرافي، ارع غنمي. والله نفسه عبر مشاعر القلب بالعمل. فقيل "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل إبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3).. أحب العالم "هذا من جهة القلب.. "وبذل إبنه الوحيد" هذا من جهة العمل. والله يعبر عن محبته لنا برعايته وعنايته وحفظه لنا. ومن هنا كان الحب فضيلة القلب. والفداء هو العمل والتعبير. إذن لا نكتفي بأن نقول محبة الله في قلوبنا، إنما ينبغي أن نعبر عن هذه المحبة، وأن نبذل لأجله، ونتألم لأجله.. ولا نكتفي بإيمان بغير أعمال، لأن الإيمان بغير أعمال ميت (يع2: 17،20). خشوع القلب من الداخل، نعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج. وهكذا نجد في الصلاة: الوقوف والركوع والسجود، ورفع الأيدي والنظر إلي فوق وثبات النظر بلا تشتت، والجسد بلا حركة، والفكر بلا طياشة.. ولا تقل في كل ذلك "الله إله قلوب! ويكفي أن قلبي مع الله"!! مثال ذلك من يصلي علي المائدة وهو جالس!! وفي كل ذلك نذكر قول المرتل في المزمور "أما أنا فبكثرة رجمتك أدخل إلي بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5). نعبر عن المخافة والخشوع بالسجود. وما أجمل قول الرسول: "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). لا يكفي إذن التمجيد بالروح، إنما بالجسد أيضًا. والمشاعر الداخلية تحتاج إلي التعبير الخارجي. فيشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل ومن الخارج أيضًا. ما يجري في عروقك من مشاعر، يكون له ثمر من الخارج. "ومن ثمارهم تعرفونهم" (مت20:7). حياة الشجرة في داخلها، تعبر عن وجودها من الخارج، بالخضرة، بالزهر، وبالثمر. "وكل شجرة لا تصنع ثمرًا، تقطع وتلقي في النار" (مت10:3). نريد إذن الفضيلة المثمرة. بالعمل الطيب، بالكلمة الطيبة، والسلوك الحسن، بالقدوة، بالنور الذي يضئ للآخرين، بالمحبة العملية. نقطة أخري أقولها وهي تكامل الفضائل: تكامل الفضائل الفضائل تتكامل معًا، ولا تتعارض. وإن سلكت في فضيلة ما، فلابد ستقودك إلي فضائل أخري كثيرة. وإن فقدت إحدي الفضائل، فما اسهل أن يجرك هذا السقوط إلي فقد فضائل أخري عديدة.. إنها سلسلة مترابطة. إن إنفك عقد أحدها، انفرط الباقي.. فاحترس من الاهتمام بفضيلة واحدة، تفقد معها باقي الفضائل. وهنا سهل أن نتكلم عن خطورة الفضيلة الواحدة. محبتك لابنك مثلًا، ينبغي ألا تنفصل عن تربيتك لابنك. وينبغي أن لا تنفصل عن الحكمة في هذه التربية. والحكمة ترتبط أيضًا بالمعرفة. واهتمامك بجسد ابنك وصحته، لا يمنعك من الاهتمام بعقله، وبتثقيفه. وأيضًا يجب أن تهتم بروحيات إبنك وبأبديته.. وهكذا في باقي الفضائل.. كوني أحب الناس، هذا حسن. ولكن ليست محبتهم معناها مجاملتهم في كل شيء، ولو علي حساب الحق. ولكن أحب الله، وأحب الناس في نفس الوقت. وليس الحب معناه العطف الجسدي أو المادي فقط إنما معناه أولًا الحب الروحي. الراعي يحب رعيته. ولكن ليس معني هذا أنه يعطف عليها عطفًا، يجعلها تستمر في الخطأ ولا تخاف. محبة الله يجب أن ترتبط أيضًا بمخافته، أي بمهابته. كيف نتكامل إذن في الفضائل؟ وكيف نصل إلي الوحدة التي ترتبط بها كل الفضائل؟ هذا ما أود أن أحدثكم عنه في الصفحات التالية. |
||||
20 - 01 - 2014, 03:06 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
خطورة الفضيلة الواحدة إنه خطأ يقع فيه الكثيرون، إن لم يكن غالبية الناس، أعني الاهتمام بفضيلة واحدة أو التركيز علي فضيلة واحدة، بأسلوب مع الفضائل أخري، أو تهمل فيه فضائل أخري. فالحياة الروحية ليست مجرد فضيلة معينة. ولكنها حياة تشمل كل شيء. كما أن الكتاب المقدس ليس مجرد آية واحدة، أو وصية واحدة، إنما هو كتاب، تحدث عن الخير كله، وعن البر كله، وينبغي أن نلتفت إلي كل ما فيه من وصايا، لكي نحيا حياة لا نقص فيها ولا صراع.. لأنه ربما نقص فضيلة واحدة قد يضع الحياة كلها..! وكما قال الرسول: "إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئًا" (1كو2:13). تصوروا إنسانًا ركز علي فضيلة واحدة عظيمة جدًا هي الإيمان، ووصل إلي قمتها. ولكن نقصته المحبة، فأصبح لا شيء! وبنفس الوضع الذي يجاهد حتى يصل إلي مستويات عليا في حياة الفضيلة والبر، وينقصه فضيلة واحدة هي التواضع.. ما أسهل أن يقع في الكبرياء أو في البر الذاتي أو المجد الباطل، ويهلك!!.. مثال ذلك الفريسي الذي وقف يصلي مفتخر في الهيكل. كان يذهب إلي الهيكل ويصلي، وكان يصوم يومين في الأسبوع، ويعشر جميع أمواله. ولم يكن من الناس الظالمين الخاطفين الزناة. وهكذا لم يحصل فقط علي فضيلة واحدة، وإنما علي جملة من الفضائل. ولكن لأنه كانت تنقصه فضيلة الاتضاع، بل كان يفتخر بنفسه، ويدين ذلك العشار. لذلك لم يخرج من الهيكل مبررًا مثل العشار (لو14:18). وسنحاول أن نضرب أمثلة لخطورة استخدام الفضيلة الواحدة: الوداعة بعض الأشخاص يتمسك جدًا بفضيلة الوداعة، علي اعتبار أن السيد المسيح قد قال تعلموا منى فإني وديع ومتواضع القلب "مت29:11" وأيضًا قوله في العظة علي الجبل "طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض" (مت5:5). ويفهم الوداعة، علي أنه يكون باستمرار لا يغضب. وتأتي موافق تحتاج إلي نخوة وإلي شجاعة وشهامة، ولا يتحرك هذا (الوديع)، لأنه يحب أن يكون باستمرار طيبًا هادئًا!! وفي تصرفه هذا لا يكون إنسانًا فاضلًا، لأن كل مناسبة تحتاج إلي الفضيلة تناسبها. وتمسك هذا الإنسان بفضيلة الوداعة، بدون الشهامة والشجاعة توفقه في موفق الملام الناقص.. وقد قال الحكيم "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت" (جا1:3). + إبراهيم أبو الآباء كان أنسانًا وديعا، إذ سجد أمام بني حث، لما اشتري منهم مغارة المكفيلة، لتكون قبرًا لسارة (تك12:23). ومع ذلك ظهرت نخوته وشجاعته "لما سمع أن أخاه لوطًا قد سُبِيَ، جمع رجاله المدربين" (تك14:14). وقام ضد أربعة ملوك وهزمهم ورد سبي لوط وسادوم. ولما أراد ملك سادوم أن يكافئه ويعطيه شيئًا من الغنائم، ورفض وقال له في عزة نفس "لا آخذ خيطًا ولا شراك نعل.. فلا تقول أنا أغنيت إبرآم" (تك23:14). + كان الرهبان ودعاء. ولنهم لم يكتفوا بالوداعة وحدها. ولما حان وقت الدفاع عن الإيمان كانوا شجعانًا. + ومن الخطأ أن تكتفي بالوداعة، وتظن أنها تغنيك عن الشجاعة، أو تحولك إلي جثة هامدة بلا حركة، لا نخوة فيها ولا شجاعة. بل تستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة. وتستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة تكون كلتاهما فيك، وتظهر كل منهما في الحين الحسن المناسب لها. الوداعة ليس معناها الضعف. والقسوة ليس معناها العنف. والوداعة والقوة تمتزج كل منهما بالحكمة والفهم. والإنسان الضعيف لا يمكن أن يكون صورة الله ومثاله. والإنسان القوي لا ينحرف إلي التهور، ولا يفقد وداعته وأدبه. موسى النبي كان وديعًا. ولكنه أضاف إلي وداعته الشجاعة والقوة. كان وديعًا إلي أبعد الحدود، إذ قيل عنه "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض" (عد3:12). وفي نفس الوقت كان شجاعًا وشهمًا وقويًا. إذ وقف ضد الشعب كله لما عبد العجل الذهبي. ووبخ أخاه هرون رئيس الكهنة حتى خاف منه وأرتبك "وأخذ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعمًا، وذراه علي وجه الماء" (خر20:32). وداود النبي أيضًا أضاف الشجاعة والقوة إلي وداعته. كان وديعًا حقًا. ونحن نقول في المزمور "اذكر يا رب داود وكل دعته" (مز1:131). ولم يركن إلي الوداعة وحدها. بل لما وجد الجيش كله خائفًا أمام جليات الجبار، قال "لا يسقط قلب أحد بسببه" (1صم32:17). وذهب بكل شجاعة وحاربه، وقتله، وأزال العار عن الشعب كله. والسيد المسيح نفسه كان وديعًا (مت29:11). وكان قويًا. وقف ضد الكتبة والفريسيين، وقال لهم "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون" (مت23). ووقف ضد الصدوقيين والناموسيين وأفحمهم وأخجلهم، وكذلك بكت كهنة الشعب اليهودي (مت21:22). وهنا ننتقل إلي فضيلة أخري وهي الطيبة: الطيبة كثيرون يحاولون أن تكون لهم فضيلة الطيبة، لأنها ميزة واضحة للأنقياء وللقديسين. ولكنهم إذ يسلكون في طيبة القلب وحدها، بلا إفراز وفهم، كثيرا ما يصبحون ألعوبة وهزأة في أيدي المستهترين. كن طيب القلب. ولكن أضف إلي الطيبة فضيلة الحكمة. فقد قال السيد المسيح "كونوا بسطاء كالحمام، وحكماء كالحيات. ولكن أحذروا من الناس" (كت10: 16،17). فكن طيبًا، ولكن ليس بالقدر الذب تفقد فيه كرامتك وهيبتك. وإلا فإن البعض -بسببك- سوف يكرهون الطيبة التي تجعل الغير يستهزئ بهم. المشكلة إذن ليست في الطيبة، وإنما هي عدم مزجها بالحكمة، وبقوة الشخصية. بهذا ندرك عيب استخدام الفضيلة الواحدة. إذن يجب عليك أن تزن كل فضيلة بميزان دقيق، ولا تمارسها منفردة عن باقي الفضائل، وإن رأيت من نتائجها سلبيات، أعرف أن السلبيات ليست بسبب الفضيلة، وإنما بسبب وقوفها وحدها بعيدة عن سائر الفضائل التي ينبغي أن تصاحبها وتحميها. يمكن، تكون طيب القلب. ولكن ليس معني الطيبة أن تسلم قيادتك لغيرك، أو أن تشترك بضعف شخصية في أخطاء الآخرين. أو أنك خوفًا من أن تغضب غيرك تشترك معه في خطأ، أو تجامله في ذنب واضح! كان السيد المسيح طيب القلب جدًا. وكان أيضًا قويًا جدًا. كان طيب القلب، إذ يقل عنه إنه كان "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف. وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت12:19،20). وفي نفس الوقت لم تقف وداعته وحدها. وإنما إلي جوارها شخصية قوية. إذ كان قويًا في كلامه وفي إقناعه وتأثيره. قويًا في محبته، وفي بذله، وفي مواجهته للموافق. كان طيبًا يحب الأطفال ويحنو عليهم. ويدافع عن المرأة الخاطئة. وفي نفس الوقت يخزي الذي قبضوا عليها فينسحبون (يو8:7-9). في طيبة قلب سمح للشيطان أن يجربه. ولما زاد عن حده، انتهره في قوة قائلًا "اذهب يا شيطان". فمضى (مت4). سمح للجنود أن يقبضوا عليه. وفي نفس الوقت لما قال لهم "أنا هو"، سقطوا علي الأرض من هيبته (يو6:18). من المفروض في الآباء والمعلمين، أن يكون في طبعهم الحنو، وأيضًا تكون لهم الهيبة. وليس من الصالح أن حنوهم يفقدهم هيبتهم. لعل هذا ينقلنا إلي فضيلة أخري هي الحزم. الحزم قد يقال عن راهب إنه إنسان طيب يصلح أبًا، وكنه قد لا يصلح أن يكون أسقفًا، إذ تنقصه الإرادة والحزم ضد الروحيات!! الإنسان الروحي يمكنه أن يجمع الأمرين معًا. ولا يستخدم الحنو بدون حزم. فمثل هذا الحنو الخالي من الحزم يضر ويتلف.. يوسف الصديق كان خادمًا جدًا في إدارة شئون مصر،وفي نفس الوقت كان له قلب حساس مملوء من الحنو. كان حازمًا جدًا في معاملته لأخوته، حتى أنهم ارتاعوا منه وخافوا، لما قال لهم "أنا يوسف. أحيٌّ أبي بعد؟" (تك3:45). ومع ذلك لم يستطيع أن يضبط نفسه، لما عرف أخوته بنفسه، وأطلق صوته بالبكاء (تك45: 1،2). السيد المسيح كان يحب تلاميذه. وكان ينتهرهم أحيانًا. قيل إنه "أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى" (يو1:13). ومع ذلك لما أراد بطرس أن يمنعه عن موضوع الصلب "قائلًا له: حاشك يا رب" قال الري لبطرس "اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي" (مت23:16). هنا نجد الحزم واضحًا وبنفس الحزم وبخ الرب تلميذيه يعقوب ويوحنا، لما رفضت قرية السامريين أن تقبله، فقال التلميذان "أتريد يا رب أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضًا "فالتفت الرب وأنتهرهما. وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن إبن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" (لو9: 53-56).. نعم في هذه المناسبة انتهر الرب يوحنا، الذي كان يتكئ في حب علي صدره.. من الأشياء العجيبة التي نجدها أحيانًا. في محيط الأسرة، أن الأبوين قد يوزعان الحب والحزم بينهما. فيكون الحب مثلًا للأم، والحزم للأب!! بينما الحب والحزم يجب أن يتصف بهما كل منهما.. فإن أخطأ الإبن، أو حاول أن يخطئ، تقول له الأم "لئلا يغضب أبوك ويعاقبك "دون أن تقول له إنها هي أيضًا لا ترضي عن تصرفه. ويختلط الأمر علي الابن، ولا يعرف أين الحق؟ كل ما في الأمر أنه يتقي غضب الأب! ويحدث أحيانًا أن كاهنًا يريد أن يكسب محبة شعبه، أو رئيسًا يحب أن يكسب محبة مرؤوسيه.. من أجل هذا يتهاون الأب الكاهن في حقوق الله. ويتهاون رئيس العمل في حقوق العمل!! ولا يضم أحد منهم إلي محبة الناس محبة الله والإخلاص للعمل!! الخدمة والتأمل هناك خدام يركزون علي خدمتهم تركيزًا كبيرًا، ومن فرط انشغالهم بها يقدرون أهمية الصلاة والتأمل في حياتهم، ويهملون روحياتهم في تركيزهم علي فضيلة واحدة هي الخدمة!! ولا شك أن هذا ضد التكامل في حياة الروح. إن السيد المسيح يطوف المدن يكرز ببشارة الملكوت (مت35:9). ومع ذلك كان يقضي الليل كله في الصلاة، وله خلوته في جبل الزيتون (يو1:8). وفي بستان جسيماني. ويوحنا المعمدان كانت له خدمته الناجحة جدًا التي أعد بها الطريق أمام الرب. ومع ذلك قضي 30 سنة من حياته في البرية حتى ظهر لإسرائيل (لو80:1). وإيليا النبي كانت له خدمته التي قضي بها علي أنبياء البعل وأنبياء السواري، ووبخ بها آخاب الملك (1مل18). وفي نفس الوقت كانت له خدمته علي جبل الكرمل. وبولس الرسول كانت له حياة التأمل التي صعد بها إلي السماء الثالثة (2كو2:12). ومع ذلك كانت له خدمته القوية التي تعب فيها أكثر من جميع الرسل (1كو10:15). والتي بشر بها في آسيا وأوروبا وكتب 14 رسالة، بل كتب رسائل وهو في السجن أيضًا. الإنسان المتكامل يجمع بين الحياتين: لا تكون الخدمة علي حساب التأمل، ولا التأمل علي حساب الخدمة. ولا يكتفي بفضيلة منهما مهملًا الأخرى. من الأمثلة الواضحة لخطورة الفضيلة الواحدة، موضوع الطاعة: الطاعةلقد أمر الله بطاعة المرشدين الروحيين الذين يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا (عب17:13). وفي بستان الرهبان أمثلة كثيرة عن الطاعة لآباء كانوا قدوة عجيبة في حياة القداسة. وهنا يقف أمامنا سؤال هام وهو: هل تجب الطاعة مهما كان الأمر متعبًا للضمير؟! هنا ونضع إلي جوار الآية التي تدعو إلي الطاعة، آية أخري مشهورة وهي: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس "(أع29:5). فالمسيحية لا تنادي إطلاقًا بمبدأ (الطاعة العمياء). فينبغي أن يكون الإنسان واعيًا في طاعته، مدركًا أنه يطيع المرشد داخل طاعة الله. وإلي جوار طاعة المرشد، ينبغي أن توضع أيضًا طاعة المرشد لله. وكذلك روحانية المرشد. ونفس الكلام يقال في محيط الأسرة. إذ يقول الكتاب: "أيها الأبناء، أطيعوا واليكم في الرب، فإن هذا حق" (أف1:6). ونضع تحت عبارة (في الرب) أكثر من خط. فإن أمرك احد واليك أمرًا يخالف وصية الله، فلا تطعه. وإنما تطيع وصية الله. وهذا الأمر يحتاج إلي إفراز. وفي الكتاب أمثلة واضحة له. لعل من أبرزها: موقف سليمان الحكيم من طاعة أمه بثشبع، وموقف يوناثان من طاعة أبيه شاول الملك: أ- موقف سليمان الحكيم من طاعة أمه. كان سليمان الملك يحترم أمه جدًا ويكرمها. فلما جاءت لزيارته، يقول الكتاب إنه "قام للقائها، وسجد لها. وجلس علي كرسيًا، ووضع كرسيًا لأم الملك، فجلست عن يمينه" (1مل19:2). ولما قالت له "سؤالًا واحدًا صغيرًا، لا تردني". قال لها "إسألي يا أمي، لأني لا أردك" (1مل20:2). ولكنها لما طلبت إعطاء أبيشج الشونمية زوجة لأخيه أدونيا (1مل1: 1-4). فكيف يجرؤ أدوينا أن يطلب الزواج بإمرأة أبيه، وهذا أمر مخالف لشريعة الله (لا8:18). لأنها بمثابة أمه. لذلك صار مستوجب القتل. كذلك كان خطأ من بثشبع أن تتوسط لأودينا في هذا الطلب الخاطئ (1مل18:2). لذلك رفض سليمان طلبها، بل وبخها علي ذلك (1مل33:2). علي الرغم من سجود لها قبلًا. ب- موقف يوناثان من شاول الملك أبيه. كان شاول الملك يحسد داود، ويخاف أن يأخذ داود الملك منه. لذلك حاول أن يقتل داود أكثر من مرة. أما يوناثان فانضم إلي داود ضد شاول أبيه. وكان يخبر داود بخطط أبيه لكي يهرب داود منه (2صم2:19). بل إن يوناثان وبخ أباه شاول من جهة محاولته قتل داود، وقال له "لا يخطئ إلي الملك عبده داود، لأنه لم يخطئ إليك، ولأن أعماله حسنة لك جدًا فلماذا تخطئ إلي دم برئ، بقتل داود بلا سبب؟! (2صم19: 4،5). وعمل يوناثان علي إفساد خطة أبيه في قتل داود، وأنقذه منه (2صم20). الطاعة إذن موجهة أصلًا إلي الله. أما طاعة الآباء والمرشدين، فهي داخل طاعة الله. الكتبة والفريسيون كانوا علماء الشعب وقادته. ولكن السيد المسيح قد وصفهم بأنهم (قادة عميان) كما في (مت23: 16،24). وهكذا ما كان يحب طاعتهم، وبخاصة فيما يعملون به عن السبت، والهيكل والمذبح والقربان (مت23). وهم وأمثالهم ينطبق عليهم قول الكتاب "يا شعبي، مرشدوك مضلون" (أش12:3). وقوله أيضًا "وصار مرشدو هذا الشعب مضلين" (أش16:9). هكذا كما أن هناك أشخاصًا يهلكون بالعصيان،هناك من يهلكون بالطاعة. والأمر يتوقف علي نوعية الطاعة والعصيان، ونوعية المشورة المقدمة هل هي توافق كلام الله أم لا. فإن كانت وصية الله واضحة أمامك يجب أن تطيع الوصية الإلهية، مهما كانت شخصية الذي يقدم لك المشورة، أو الذي يصدر لك الأمر. وإن لم يكن الأمر واضحا بوصية إلهية، فماذا تفعل؟ علي الأقل يجب أن تطاوع ضميرك. والمثال واضح في قصة أوريا الحثي مع داود الملك مسيح الرب: كان داود الملك يحاول أن يغطي علي خطيئة ما امرأة أوريا، بأن يجعل أوريا يبيت في بيته مع إمرأته. ولك ضمير أوريا لم يسمح له أن يكون باقي الجيش في البرية يحارب، بينما يأتي هو إلي بيته ليأكل ويشرب ويضطجع مع امرأته. لذلك قال لداود الملك "وحياتك وحياة نفسك، لا أفعل هذا الأمر" (2صم11:11). وهنا لأطاع أوريا ضميره، ولم يطع الملك مسيح الرب.. هناك أمر في الإنجيل، بعدم طاعة التعليم الخاطئ. وذلك في قول القديس بولس الرسول: "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم به، فليكن أناثيما.." (غل8:1). أي أنه مهما كانت درجة الذي يوصل إليكم التعليم -رسولًا كان أو ملاكًا- فلا تطعه فيما يخالف كلام الله. ومن يطيعه يكون محرومًا.. وينطبق ذلك علي التعليم الذي يصدر من "نبي أو حالم حلمًا "حتى لو أنه "أعطاك آيه أو أعجوبة. ولو حدثت الآية أو الأعجوبة" (تث13: 1-3). يقول الكتاب "فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمنحكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم" (تث3:13). موقف القديسة دميانة من أبيها كان أبوها واليًا علي البرلس والزعفران، فلما خضع لديوقلديانوس، وأنكر الإيمان ولو خوفًا، اعتبرت القديسة دميانة أنه لم تعد له عليها طاعة كأب. بل وبخته بشدة، وقالت له إنها تتبرًا من أبوته إن ظل هكذا منكرًا الإيمان. وظلت حتى أعادته إلي الإيمان واستشهد. إن طاعة الوالدين نضع أمامها قول الرب: "من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى، فلا يستحقنى.." (مت37:10). إذن أنت تكرم والديك إلي أبعد حد، فهذه أول وصية بوعد، كما قال الرسول (أف2:6). وتطيعها أيضاَ إلي أبعد الحدود، وكن "في الرب "داخل وصية الله. أما خارج الوصية، فالطاعة لله أولي. ونفس الوضع يقال عن الآباء بالروح، وعن المرشدين.. لا شك أن أريوس -ككاهن- كان له أبناء في الاعتراف. فلما سقط في هرطقة، لم تعد له طاعة عليهم. وهكذا بالنسبة إلي كل من خرجوا عن الإيمان، وكل المعلمين المخطئين كالكتبة والفريسيين.. والكهنة الذين يستخدمون الحل والربط ضد وصية الله. وهكذا نقول: "كل حل ضد وصية الله هو باطل.. مهما كانت الدرجة الكهنوتية التي تصدره. فالكاهن إنما يعطي الحل، باعتباره منفذًا لوصية الله "ومن فمه تُطْلَب الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (سفر ملاخي 2: 7). فإن كان الحل منافيًا للشريعة يكون جلا باطلًا.. وينطبق هذا أيضًا علي الكهنة الذين يعطون تصريحًا بالزواج للمطلقين بعكس وصية الله. أو أي تصريح بزواج غير شرعي. أنت تطيع الكاهن. والكاهن ينبغي أن يطيع الله. وأنت تطيع المرشد، ولكن ينبغي للمرشد أيضًا أن يطيع الله. وليس من حق الكاهن أو المرشد أن يعطيك جلًا بأن وصية الله. فالراهب مثلًا الذي برهبنته قد نذر البتولية، ومن ذا الذي يستطيع أن تمنحه حلًا بأن يتزوج كاسرًا وصايا الله بخصوص النذر (جا5:5)..؟! إن فضيلة الطاعة فضيلة جميلة تدل علي الأدب والتواضع واحترام الكبار والخضوع لهم، ولكن.. هناك بعض الموافق، التي يجب أن نقول فيها "لا".. صدقوني، أتجرأ وأقول أن البعض استخدموا كلمة لا مع الله نفسه، وكانوا من الأبرار والقديسين.. موسى النبي، قال له الرب "رأيت هذا الشعب، وإذا هو شعب صلب الرقبة. فالآن أتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم.." (خر32: 9،10). ولكن لم يتركه ليحمي غضبه. بل قال له "أرجع عن حمو غضبك، وأندم علي الشر بشعبك" (خر12:32). والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر32:32). ولم تعتبر هذه عدم طاعة الله، وإنما دالة. ولم يكن كلام الله أمرًا لموسى ينبغي أن يطيعه، وإنما كان اختبارًا لمحبته لشعبة وطول أناته عليهم. إن المناقشة مع الله، لا تنفي حياة التسليم لمشيئته وأوامره. ومثال ذلك مناقشة أبينا إبراهيم أبي الآباء مع الله بخصوص إهلاك سادوم وقوله له "أفتهلك البار مع الأثيم؟! حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر" (تك18: 23،25). ولم يقل إبراهيم "لتكن مشيئتك. احرق سادوم "!! بل كان نقاشه مع الله جزءًا من بره. وهنا أيضًا نذكر ما قاله أرميا النبي "أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. ولكني أكلمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار؟! اطمأن كل الغادرين غدرًا (أر1:12). إذن يكمن أن تقول لا أحيانًا لمن هو أكبر منك. ولكن قلها في أدب. كما قالتها أبيجايل لداود النبي، بكل إحترام وفي نصح ومحبة، حينما أدار أن يقتل نابال الكرملي"..لا تكون لك هذه مصدمة ومعثرة قلب لسيدي، إنك سفكت دمًا عفوًا، أو أن سيدي قد أنتقم لنفسه" (1صم31:25). وسبقت ذلك بكثير من كلام المديح. فسمع داود لها وامتدح عقلها، لأنها منعته في ذلك اليوم من إتيان الدماء وإنتقام يده لنفسه (1صم33:25). يوحنا المعمدان وجد من واجبه أن يقول لا، للملك هيرودس. فقال له "لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك" (مر18:6). إذن في بعض الموافق ينبغي للإنسان أن يشهد للحق، علي شرطين: 1- أن يكون متأكدًا أم ما يتكلم عنه هو الحق. فلا يدافع عن جهل. 2- أن يقول ذلك في أدب. فلا يخطئ بلسانه ولا بقلمه ولا بمشاعره، ولا يجعل الآخرين يسلكون في سبيله ويخطئون معه، ومن أجل الحق، أو ما يظنه أنه الحق. لأنه ليس من الحق، أن يخطئ إنسان باسم الدفاع عن الحق. |
||||
20 - 01 - 2014, 03:11 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
الفضيلة ليست مظهرًا خارجيًا | كل مجد ابنة الملك من داخل "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز45) قال السيد الرب "ملكوت الله داخلكم" (لو 21:17). أي في داخل العقل والقلب، في المشاعر والنيات والأحاسيس.. وطبعًا إذا ملك الله في الداخل، فمن الطبيعي أن تظهر ثمار ذلك التصرفات الخارجية. الداخل والخارجأما البر الذي من الخارج فقط، فقد يكون رياء! الكتبة والفريسيون كانوا يظهرون من الخارج أنهم أبرار. ولكنهم كانوا مرفوضين من الرب، وقد وصفهم بأنهم مراؤون. ووبخهم قائلًا "أنكم تتقون خارج الكأس والصحفة، وهما من الداخل مملوءان اختطافًا ودعارة"، "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة، تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات ولك نجاسة.." (مت23: 252،27). "إذن المهم هو البر الداخلي، ومن أجله قال الرب: "يا ابني أعطني قلبك" (أم26:23). أعطني قلبك أولًا، فأسكن في داخلك، في مشاعرك، في أعماقك، وحينئذ ونتيجة لذلك سوف "نلاحظ عيناك طرقي" وهذه نتيجة طبيعية إذا ما أعطيتني قلبك. فالخير يبدأ داخل القلب والفكر. وهكذا قال القديس بولس الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12). وما معني تجديد الذهن؟ معناه أن ينظر الإنسان إلي الأمور بنظرة جديدة، باقتناع آخر. وحينئذ سوف يتغير شكله، ولا يشاكل هذا الدهر، أي لا يصير شكله مثله. لذلك شرح الرسول الطريق السليم بقوله: "لا تشاكلوا هذا الدهر. بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12). فجعل تغيير الشكل الخارجي نتيجة طبيعية لتجديد الذهن، أي للتجديد الداخلي. وفي هذا الحالة إن تعرض الإنسان لحرب روحية من الخارج، فإن محبته لله وللخير التي هي داخل قلبه، ستجعله قويًا ينتصر علي كل حرب خارجية ويرفض أفكار العدو. الحرب الخارجية تعرض لهل الكل، حتى المسيح! وهو علي جبل التجربة، قدم له الشيطان ثلاثة أفكار. ولكنه رفضها جميعًا، ورد عليها. لأن البر الداخلي لا يتفق معها. وهكذا الأبرار في كل جيل: ما أكثر الحروب التي تعرض عليهم من الخارج، ولكن برهم الداخلي يرفضها. كالإغراءات الكثيرة التي عرضت علي الشهداء قبل استشهادهم، ورفضوها.. كالحروب الروحية التي تعرض لها يوسف الصديق، وكانت تلح عليه كل يوم. وكلن بره الداخلي رفضها، قائلًا في تعجب "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله؟! (تك9:39). ونحن حينما نقول البر الداخلي، لا نقصد أعمال البر الخارجية: فقد يفعل الإنسان الرب رياء كالكتبة والفريسيين، وفي داخله حب الخطية. أو قد يفعل البر خوفًا من انتقاد الناس، أو خوفًا من عقوبة المجتمع، أو عقوبة القانون.. أو قد يفعل ذلك خجلا. أو قد يعمل البر من أجل كسب مديح الناس، وليس من أجل محبة الله ومحبة الخير. أو قد يعمل الخير مجاراة وتقليد لتيار في المجتمع، وهو غير مقتنع من الداخل، وربما وهو محرج لا يستطيع أن يقول: لا.. إذن الفضيلة ليست في عمل الخير، إنما هي أصلا في محبة الخير. محبة الخير في القلب، حتى لو كانت هناك موانع تعوق التنفيذ علميًا. لذلك فالأب الكاهن في (أوشية القرابين) يصلي طالبًا البركة لأولئك "الذين يريدون أن يقدموا لك، وليس لهم"، فيأخذون البركة علي مجرد النية أو الرغبة الداخلية، بدون الممارسة الخارجية، مادام هناك عائق يمنع ذلك... والله تبارك اسمه هو وزان القلوب (أم2:21). ووازن الأرواح (أم2:16). ويكافئ علي البر الداخلي، الذي في القلب والروح ويعرف مدي صدقه، ومدي التزامه إذا أتيحت له الفرصة.. والإنسان البار، تحاربه الخطايا من خارج فقط. لأنه من الداخل بار، وقوي ورافض للخطية. أما الإنسان الضعيف من الداخل، فأمامه حربان: 1- إما أنه يسعى بنفسه إلي الخطية. 2- أو إذا سعت إليه الخطية، لا يرفضها ولا يفارقها. 3- إن أتته الخطية، تجد بيته "مزينًا وفارغًا" (مت44:12). فتستريح فيه. إن قلبه مثل البيت المبني علي الرمل الذي إذا نزل المطر، جاءت الأنهار، وهبت الريح وصدمته، يسقط ذلك البيت ويكون سقوطه عظيمًا (مت27:7). هناك إنسان ضعيف من الداخل، وإنسان آخر يتسبب في إضعاف نفسه.. إنسان ضعيف من الداخل، ويحاول أن يقوم نفسه، ولا يعتبر الضعف الذي فيه طبيعة ثابتة، وكلنه يحاول أن يغير نفسه. ولكن هناك من يلجأ إلي الأسباب التي تؤدي إلي ضعفه، أو التي تريد ضعفه ضعفًا. أما الإنسان البار فهو محصن من الداخل. مهما صادمته الحروب الروحية، لا تقدر عليه، فأبوابه مغلقة أمامها. كما قيل عن عذراء النشيد: "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش12:4)، وكما يقول المزمور "سبحي الرب يا أورشليم سبحي إلهك يا صهيون، لأنه قوي مغاليق أبوابك" (مز147). حينما يكون الإنسان قويًا من الداخل، وقد أغلق أبواب فكره وقلبه أمام كل خطية وكل شهوة، هذا يستطيع أن يقاوم إبليس وكل حيله. وبعكس الضعيف في داخله يسقط بسهوله، إن لم يكن في نفس الوقت فبعد حين. علي أن الإنسان قد تمر عليه فترات قوة أو ضعف. فأحيانًا يكون قويًا من الداخل ينتصر في كل حرب مهما كانت شدتها. وأحيانًا يكون في حالة ضعف من الداخل، فيسقط وهو نفس الشخص الذي أنتصر قبلًا. مثال داود النبيكان شاول الملك الشرير يطارد داود من برية ألي أخري، ومن مكان إلي آخر، ويريد قتله بكل السبل. وأخيرًا حانت الفرصة لداود، ووقع في يده شاول وكان نائمًا. وأصحاب داود حرضوه علي قتله وقالوا له إن الله دفعه إلي يده. ولكن داود رفض ذلك بطريقة فأمد يدي إليه. لأنه مسيح الرب هو "ووبخ رجاله (1صم24: 6،7). ولكن داود حينما كان ضعيفًا في الداخل، أراد أن يقتل نابال الكرملي. لأنه رفض أن يعطيه طعامًا لرجاله في يوم جز الغنم.. وأمر داود رجاله أن يتقلدوا سيوفهم، وصمم أنه لا ينقي لنابال حتى الصباح بائلًا بحائط (1صم25: 4-22). لولا أن أبيجايل بحكمتها منعته من إتيان الدماء والانتقام لنفسه (1صم33:25). داود هو داود، نفس الشخص. ولكن هناك فرقًا بين حاله في وقت القوة الداخلية، وحاله وهو في وقت ضعفه. داود في وقت ضعفه، في مرة أنقذته النعمة، وفي مرة أخري سقط. أنقذته حينما أرسلت إليه أبيجايل لتوبخه في حكمة وتنعمه من سفك الدماء. ولكنه سقط في مرة أخري، حينما أشتهي بثشبع، وزني بها، وتحايل علي قتل زوجها أوريا الحثي، وقتله بحيلة لا تتفق من المنهج الروحي، واستحق لذلك عقوبة من الرب علي فم ناثان النبي (2صم12:11). مثال إيلياحينما كان إيليا قويًا من الداخل، استطاع أن يوبخ آخاب الملك علي سماحه بعبادة الأصنام، بل استطاع أن يقتل 450 نبيًا من أنبياء البعل عند جبل الكرمل (1مل18). وفي مرة أخري، قال في قوة لقائد الملك أخزيا "إن كنت أنا رجل الله، لتنزل نار من السماء، وتأكلك أنت والخمسين الذين لك" (2مل10:1). وقد كان، وتكرر الأمر. أما حينما ضعف إيليا من الداخل، فإنه خاف من إيزابل وهرب. ولما افتقده الرب في هروبه، وسأله قائلًا "مالك يا إيليا"... أجاب "نقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت أنا وحدي. وهم يطلبون نفسي ليأخذوا" (1مل14:19). وأمره الرب أن يمسح أليشع نبيًا عوضًا عنه (1مل16:19). مثال إبراهيم لما كان أبونا إبراهيم قويًا في إيمانه من الداخل، بالإيمان وضع إبنه وحيده إسحق علي المذبح، ورفع السكين عليه ليقدمه لله محرقة "هذا الذي قيل عنه: باسحق يدعي لك نسل"، "إذ حسب أن الله قادر علي الإقامة من الأموات" (عب11: 18،19). وبالعكس لما ضعف أبونا إبراهيم، في الداخل وخاف من الموت، قال عن سارة إنها أخته. لئلا لو عرفوا أنها زوجته يقتلوه ويأخذوها. وقال لسارة "هذا معروفك الذي تصنعين إلي. في كل مكان آتي إليه، قولي عني هو أخي" (تك20: 13،11). بالمثل شمشون الجباركان بدء حياته قويًا جسدًا وروحًا. اختاره الرب قبل أن يولد، وكان روح الرب يحركه (قض13: 7،25). ولكن لما ضعف من الداخل، وملك الزنا علي قلبه (قض1:16). ثم أحب دليلة، وملكت عليه، استجاب أخيرًا لإلحاحها في معرفة سر قوته كشف لها سرة أخيرًا "لما كانت تضايقه كل يوم بكلامها، وألحت عليه حتى ضاقت نفسه إلي الموت" (قض16:16). وهكذا لما ضعف من الداخل، استسلم لها، وناله ما ناله بعد ذلك.. وقد أتاه الضعف الداخلي عن طريق التدريج. * أحيانا يكون سبب السقوط من الداخل والخارج معًا. مثال ذلك ما حدث لأبينا يعقوب: كان محاربًا من الداخل بأن ينال البركة، كما نال البكورية من قبل بحيلة مع أخيه، إذ اشتراها منه وهو جوعان ومعيي بأكلة عدس (تك25: 27-34). لذلك عندما عرضت عليه أمه حيله أخري أن يخدع بها أباه وينال البركة، كان ضعفه الداخلي مؤهلًا لقبول التحايل، لسابق عهده به، ولشهوة قلبه الداخلية. لذلك علي الرغم من أنه أظهر شيئًا من التخوف، إلا أنه أن يخدع أباه. وقال له "أنا عيسو بِكرك" (تك19:27). أخاب الملككان ضعيفًا من الداخل، أمام شهوته في إمتلاك حقل نابوت اليزرعيلي. فلما أتته نصيحة زوجته الخاطئة إيزابل بحيلة لقتل نابوت وأخذ حقله، حينئذ استجاب آخاب، وبفذ الخطة الشيطانية التي اقترحتها إيزابل. كان الداخل والخارج متجاوبان معًا. يهوذا أيضًاكان داخله مثقلًا بمحبة المال، لذلك لما جاء إغراء رؤساء الكهنة من الخارج استجاب له، وأخذ المال، واتفق معهم علي تسليم سيده. هيرودس الملككان محاربًا من الداخل بمحبة المديح لذلك لما جاء تملق الناي من الخارج قائلين له لما تكلم "هذا صوت إله لا صوت إنسان" (أع22:12). ابتهج بصوت المديح ولم يرفضه. فضربه ملاك ومات في الحال. بعكس بولس الرسول، لما شفى الرجل المقعد في لسترة وقام ومشى، وأتي الكاهن ليقدم له الذبائح مع زميله برنابا! لكن بولس رفض وقال "ونحن يشر تحت الآلام مثلكم ووبخ الناس ودعاهم إلي الإيمان بالإله الحي".. فكانت النتيجة رجموه حتى ظنوا أنه مات" (أع14: 8-19). الخوف كمثالليس سبب الخوف باستمرار، هو عوامل خارجية تسبب الخوف. فالقلب القوي من الداخل لا يخاف. والمؤمن بحماية الله له لا يخاف وقد قال المرتل في مزمور الراعي "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز23). وقال أيضا "إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام علي قتال، ففي ذلك أنا مطمئن" (مز27). داود لم يخف من جليات، لأن قلبه كان مملوء بالإيمان، أن الرب سيحسبه في يده، وأن الحرب للرب (1صم17: 46،47). والشهداء لم يخافوا من الموت، لأن قلوبهم البارة، كانت تشتهي أن تلتقي بالرب في الفردوس. وكذلك يوحنا المعمدان لم يخف من هيرودس الملك، بل وبخه.. لذلك إذا خفت، أعرف أن هناك ضعفًا في الداخل، حاول أن تنتصر عليه. فبطرس الرسول، خاف وهو يمشي إلى الماء مع المسيح. ذلك لأن إيمانه من الداخل قد ضعف. لذلك وبخه الرب قائلًا "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟" (مت31:14). * القلب القوي في الإيمان لا تهزه الشكوك الخارجية. لأن إيمانه أقوي من الشكوك. وهكذا كان أثناسيوس الرسولي حصنًا قويًا للإيمان ضد كل شكوك الأريوسية، وما استخدمته من فهم خاطئ لنصوص الإنجيل المقدس. لهذا ينبغي علي كل أسرة أن تقوي إيمان أطفالها، حتى يستطيعوا بالقوة الداخلية أن يصمدوا أمام كل الشكوك التي يثيرها بعض رجال الفلاسفة أو العلم، أو الملحدون، أو بعض الطوائف المنحرفة مثل شهود يهوه والسبتيين وغيرهم.. دائمًا الخارج يضغط، ملتمسًا استجابة من الداخل.. فإن لم يجد، تفشل كل حيله. فأيوب مثلًا لم يستجب... مثال أيوب الصديقهذا الرجل الكامل، إذ كان بارًا في داخله، حلت عليه تجارب مؤلمة لم تحدث لأحد من قبله، جردته من ماله، ومن أبنائه وبناته، ومن صحته ومن رأفة أصحاب عليه ولكن إيمان بالرب لم يتزعزع، بل قال عبارته المشهورة "الرب أعطي والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا" (أي21:1). ووبخ امرأته بقوله لها تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. هل الخير من عند الله نقبل والشر لا نقبل؟! (أي10:2). في التطبيق العملي* إنسان صائم: قد يبدو من الخارج صائمًا، وهو في داخله يشتهي الأكل، ويتحايل علي الطعام النباتي، ويتخير ما بكون منه شهيًا، بعكس دانيال النبي، الذي كان قلبه نقيًا في صومه. وقد روي في إحدى المرات قائلًا "كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام. لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر، ولم أدهن.." (دا10: 2،3). لذلك ليس الصوم مجرد ممارسة من الخارج، وإنما من الداخل يكون القلب صائمًا وتكون زاهدة، فلا يكون الصوم شكليًا. مثال العفةليست العفة هي مجرد امتناع الجسد عن الزنا فقد يمتنع الجسد بينما تكون الروح زانية بشهواتها. وهذا ما قصده الرب بقوله "فقد زني بها في قلبه" (مت28:5). إذن العفة الداخلية، هي نقاوة القلب من شهوة الزنا. كذلك الحشمة مجرد أوامر نصدرها من جهة الملابس أو الزينة، إنما هي حياء داخلي، سواء في أسلوب الكلام أو النظر. ويقول ما إسحق عن (الزي الحسن) أن الإنسان يكون محتشمًا حتى وهو جالس في غرفته الخاصة.. مثال التسامحليس التسامح أن تقول للمسيء بلسانك "الله يسامحك، بينما أنت تفرح إذا انتقم الله لك منه!! لأن (التسامح) هنا لا يكون من القلب. وبالمثل ليس أن تسلم علي خصمك، أو يصلي الأب الكاهن علي رأسيكما معًا. وليس هو أن تغفر، بل بالحرى أن تنسى Not only to firgive, but rather to forget. وبالمثل ليس التواضع أن تقول كلمات "أخطأت". دون شعور - حقيقي بذلك. إذا يقول إنسان كلمة "أخطأت "ولكن إذا قيلت له من آخرين، يتضايق، وربما يجادل ويدافع عن نفسه.. وليس التواضع أن تضرب مطانية لغيرك، وتنحني رأسك، بل التواضع هو أن تنحني نفسك. |
||||
20 - 01 - 2014, 03:13 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
حياة الفضيلة والبر هي الحياة بالروح قيل في الكتاب المقدس "لا دينونة الآن علي الذين في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو1:8). فما هي إذن الحياة بالروح؟ ملخص الحياة الروحية الحياة بالروح تتوقف علي نقطتين أساسيتين هما: أ- انتصار الروح البشرية في جهادها. ب- عمل روح الله القدوس في الإنسان. إن الروح البشرية لها بطبيعتها طاقات جبارة، لو أحسن الإنسان استخدامها، لترتفع إلي مستوي عال جدًا، حتى لو كان غير مؤمن، فهكذا يفعل اليوجا، وهكذا يفعل كثير من نساك الهندوس، برياضيات روحية يتدربون عليها، لكي تصل أرواحهم إلي ملء طاقاتها الطبيعية.. منتصرة علي الجسد والمادة... فإن كانت هكذا الروح البشرية حسب طبيعتها، كم تكون إذن إذا إشتركت مع روح الله القدوس! لذلك يحتاج الإنسان أن تقوي روحه، وأن يعمق شركتها مع روح الله. وليقويه الروح عليه أن يبعد بها عن السلبيات والعثرات، وأن يقدم لها باستمرار الغذاء الروحي من صلاة، وتأملات، وقراءات روحية، وتسابيح وألحان وقداسات، وتداريب روحية واجتماعات روحية منشطة. ومن جهة العلاقة بالروح القدس، عليه ألا يحزن روح الله (أف30:4). ولا يطفئ الروح (1تس19:5) ولا يقاوم الروح. هذا من الناحية السلبية. ومن الناحية الإيجابية، ينمو حتى يصل إلي الامتلاء بالروح (أف18:5). تطور علاقتنا بالروح 1- تبدأ علاقتنا بالروح في سر المعمودية، حينما نولد فيها من الماء والروح (يو5:3). 2- والعلاقة الثانية تكون في سر المسحة، حينما ندهن بزيت الميرون المقدس ويسكن الروح في بداية العسر وتصير أجسادنا هياكل للروح القدس (1كو19:6). كان هذا الأمر في بداية العصر الرسولي، بوضع أيدي الرسل، فينال الناس الروح القدس كما حدث لأهل السامرة (أع17:8). ولأهل أفسس (أع6:19). ولما كثر عدد المؤمنين جدًا، استخدموا المسحة المقدسة بدلًا من وضع اليد (1يو2: 20،27). 3- ولا يكفي أن ننال الروح القدس، إنما يجب أن تكون لنا شركة معه. إنه يعمل فينا وبنا. ويجب علينا نحن أيضًا أن نعمل معه. ويشترك الروح القدس معنا في كل عمل نعمله. والكنيسة تذكر شركة الروح القدس في البركة التي يبارك بها الكاهن الشعب في نهاية كل إجتماع (2كو14:13). 4- وبشركتنا مع الروح القدس، تظهر ثمار الروح في حياتنا. وقد ذكر القديس الرسول ثمر الروح في رسالته إلي غلاطية فقال "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام،؟ طول أناة لطف إيمان، وداعة تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غل23:22). ثمار الروح تأتي نتيجة لعمل الروح القدس في الإنسان ونتيجة لاستجابة روح الإنسان لعمل روح الله فيه.. 5- وكلما يزداد ثمر الروح، تزداد الحرارة الروحية في الإنسان. وفي هذا المعني يوصينا الرسول أن نكون "حارين في الروح" (رو11:12). لقد قيل عن الرب "إلهنا نار آكله" (عب29:12). كذلك فالذي يسكن فيه روح الله، لابد أن يكون مشتعلًا بهذه النار المقدسة. وهكذا حل روح الله كألسنة من نار علي التلاميذ. فأشعلهم نارًا وغيرة، ألهبهم للخدمة، فملأوا الكون كرازة. وهؤلاء "الذين لا قول لهم ولا كلام، وصلت أقوالهم إلي أقطار المسكونة (مز19). الله ظهر كنار في العليقة (خر2:3). ويتمثل في المجمرة نارًا تشتعل في الفحم فتصيره جمرًا مشتعلًا. وكان قبول المحرقات في العهد القديم يتمثل في النار المقدسة التي تشتعل، "نادرًا دائمة تتقد علي المذبح لا تطفأ" (لا13:6). ولأن الملائكة قريبون من الله، يعمل فيهم روحه القدوس، لذلك قيل عنهم "الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب" (مز4:104). ومن هذه النار، أخذ إسم طغمة السارافيم. نستطيع إذن أن نعرف رجل الله، من ثمار الروح التي تظهر في حياته. لأن الرب يقول "من ثمارهم تعرفونهم" (كت20:7). ويمكننا أيضًا أن نعرفه من حرارته الروحية. فصلاته صلاة حارة في ألفاظها وفي دموعها وفي إيمانها وفي لهجتها، صلاة تزعزع المكان كما حدث مع التلاميذ (أع31:4). والإنسان الروحي تكون خدمته خدمة حارة، في قوتها وفي انتشارها، وفي تأثيرها، وفي غيرتها المقدسة وحماسها العجيب.. خدمة كلها نشاط، وتأتي بثمر كثير.. والإنسان الذي يعمل فيه روح الله، يتميز بحرارة المحبة. هذه المحبة الملتهبة من نحو الله والناس، التي قيل عنها في سفر النشيد "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش7:8). وتشمل هذه المحبة كل أحد، وتسعي بكل قوة في خدمة الناس، ولخلاص الناس. لذلك إن كنت إنسانًا لست فيك حرارة، فأعرف أن عمل الروح فيك ليس كما ينبغي. وطباعًا من محاربات هذه الحرارة، الفتور الروحي.. وإن زاد الفتور في إنسان وطالت مدته، يتحول إلي برودة روحية.. ويصير هذا الإنسان جثة خامدة في الكنيسة لا حرجة، ولا بركة. هنا وأقول إن البعض يفهم الوداعة بطريقة خاطئة. فيظن أنه في وداعته، يكون بلا حرارة ولا حيوية!! ولا يتأثر ولا يؤثر ولا تشتعل عواطفه، ولا يغار للرب!! كلا، فالسيد المسيح كان وديعًا ومتواضع القلب، ومع ذلك كان حارًا في عواطفه وفي خدمته، يجول يصنع خيرًا (أع38:10). 6- الإنسان الذي يسكن فيه روح الله، تكون تصرفاته روحية. نواياه ومقاصده واتجاهاته تكون روحية، ووسائله وسائل روحية. وكل لفظة يلفظها تكون كلمة روحية، لها تثير روحي في نفوس سامعيه. فهو إن تكلم يكون روح الله هو المتكلم علي فمه. كما قال السيد المسيح لتلاميذه "لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت20:10). فهل في كل مرة تتكلم، يكون روح الله هو الذي ينطق. وهل تقول له في كل مرة "افتح يا رب شفتي، فيخبر فمي بتسبيحك" (مز50). وإذ وقع في مشكلة، يحلها بطريقة روحية. هناك من يحل المشكلة بأعصابه، فيثور لها ويضح. وهناك من يقابلها بمشاعره فيبكي لها وينوح. وهناك من يعالج المشكلة بعقله، فيجلس ليفكر. وهناك أيضًا من يحلها بروحه. فيصلي من أجلها، ويصوم، وينذر نذرًا، ويقيم القداسات،وفي تفكيره للحل، يفكر بطرية روحية، بغير خطية، بلا لوم أمام الله والناس. 7- وإذا سكن روح الله في إنسان، فإنه يقدسه. يقدسه بالكلية، يقدس قلبه وفكره وجسده وروحه ونفسه، ويقدس الحياة التي يحياها.. كما قال الرسول "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام، ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم.." (1تس23:5). إنه تقديس من الناحيتين: الإيجابية والسلبية. الإيجابية: من جهة قدسية الحياة التي يحياها، وثمر الروح فيها. ومن الناحية السلبية: لا تكون لك شركة في أعمال الظلمة، مادمت قد دخلت في شركة الروح القدس. فالرسول يتعجب قائلًا "أية شركة للنور مع الظلمة؟!"(2كو14:6). ويقول أيضًا "لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحرى بكتوها" (أف11:5). فإن كنت تشترك في عمل من أعمال الظلمة، فلا يكون روح الله يعمل فيك. علي الأقل في وقت هذا العمل.. إلا إذا كان يبكتك وقتذاك، وأنت تقاوم الروح!! وتقسي قلبك. الأمر الذي حذرنا منه الرسول قائلًا "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7،15). في حالة اشتراكك في عمل الظلمة، تكون قد فصلت نفسك عن عمل الروح فيك. انفصلت عن الروح، ولو إنفصالًا مؤقتًا.. إنفصالًا في العمل والتصرف، وفي الإرادة والمشيئة. ومن الجائز أن الروح لا ينفصل عنك، بل يظل يبكتك. ولكنك أنت منفصل عنه فكرًا وحسًا. لك طريق آخر غير الطريق الروحي، تسلكه أو تشتهيه. ما أجمل تلك العبارة التي قيلت عن شمشون الجبار في بدء حياته الروحية "وابتدأ روح الرب يحركه في محلة دان" (قض25:13). فهل أنت مثله: روح الرب يحركك؟ أم أنت تحرك من ذاتك؟ أم تحرك مشاعر خاطئة وفكر خاطئ، أم تحركك إرادة أخري غير إرادتك من قريب أو صديق أو موجه أو مرشد؟! وإن كان يحركك مرشد، فهل هذا المرشد يحركه روح الله؟ والذي يحركه روح الله يسلك بالروح. هذا السلوك يقول عنه القديس بولس الرسول "إذن لا شيء من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو1:8). ويقيم مقارنة خطيرة بين السلوك بالروح، والسلوك بالجسد. فيقول "فإن الذين هم حسب للجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح، لأن اهتمام الجسد هم موت، ولكن اهتمام للروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله.. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله". "وأما أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح، إن كان روح الله ساكنًا فيكم". "فإذن أيها الأخوة "نحن مديونون وليس حسب الجسد، لنعيش حسب الجسد. لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8: 5-13). 8- إذن هناك صراع بين الروح والجسد، يقول عنه الرسول: "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد". "لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد". "وهذان يقاوم أحدهما الآخر.." (غل5: 16،17). فهل يظل الإنسان في هذا الصراع طوال حياته علي الأرض، يشكو من الجسد ومن شهوات الجسد، ويصرخ قائلًا "إني أعلم ليس ساكنًا في أي جسدي، شيء صالح "ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت؟(رو7: 18،24). أم تراه صراعًا في بدء الحياة الروحية؟ إلي أن يتم استسلام الجسد للعمل الروحي. وخلال هذا الصراع، يقول إنسان الله "أقمع جسدي وأستعبده. حتى بعد ما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو9:27). ومتي تقدس الجسد بالتمام، وخضع للروح، بل اشترك معها في العمل الإلهي، العمل الروحي، حينئذ لا يكون بينهما صراع، بل يتعاونان معًا. 9- وإذا نما الإنسان في العمل الروحي، يصل إلي درجة أعلي: فيصبح لروحه سلطان، ويصير لها قوة. يصبح لوحه سلطان علي الجسد، وسلطان علي الناس، أقصد تأثيرًا عليهم أكثر عمقًا.. ويصبح للروح أيضًا علي الشياطين. هذا السلطان منحه الرب لتلاميذه، فقال "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو.." (لو19:10). ما أعمق عبارة "وكل قوة العدو"!! وهكذا كانت الشياطين تخاف من القديسين، وتصرخ من هيبتهم وسلطانهم. وحدث ذلك عندما نفي القديس مقاريوس الكبير إلي جزيرة فيلا بواسطة الأريوسيين، فصرخ الشيطان لما دخل الجزيرة، وقالوا له "تركنا لك البرية، فجئت إلي هنا لتهلكنا". بهذا السلطان كان القديسون يخرجون الشياطين. الشياطين جربتهم أولًا بمحاربات، فلم يخضعوا لها، وانتصروا علي الشياطين في كل حرب روحية، حتى صارت الشياطين تخاف منهم. وأصبح لصلواتهم سلطان يمكن أن يطرد الشياطين. يا ليتكم تأخذون هذا الموضوع مجالًا لدراستكم وتأملاتكم، أعني خوف الشياطين من أولاد الله. وتجدون فصلًا عن ضعف الشياطين في كتاب القديس أثناسيوس الرسولي عن حياة القديس الأنبا أنطونيوس.. أما السلطان علي الناس، فيظهر في التأثير عليهم. إنسان يتكلم بسلطان لأن روحه لها سلطان علي السامعين. لها سلطان أن تدخل إلي العقل، وإلي القلب، وأن تؤثر علي الإرادة. وبخاصة لو كانت روحه أكبر من أرواحهم.." وإذا بالكلمة لا ترجع فارغة، وإنما تعمل عملًا، وتقتدر كثيرًا في عملها. بعد هذا ننتقل إلي نقطة أخري في علاقتنا بالروح وهي: 10- المواهب التي يمنحها روح الله للناس. وقد شرح القديس بولس الرسول هذه المواهب في إصحاح كامل وهو (1كو12) وذكر كيف أن كل هذه المواهب "يعملها الروح قاسمًا لكل واجد بمفرده كما يشاء" (1كو11:12). وليس الآن مجال الحديث عن هذه المواهب.. وأنا أفضل أن تهتم بثمار الروح أكثر من المواهب. ثمار الروح هي خاصة بحياتك أنت وأبديتك. أما المواهب فغالبيتها خاصة بخدمة الآخرين. وقد يقع البعض بسببها في الكبرياء والمجد الباطل. 11- ننتقل إلى نقطة أخري وهي أن الروح يمنح قوة خاصة للمؤمن، وعن ذلك قال. السيد الرب لرسله القديسين: "ولكنك ستنالون قوم متي حل الروح القدس عليكم" (أع8:1). وهكذا تظهر القوة في حياة أولاد الله، قوة ليست من العالم، وإنما من روح الله، قوة في الكلمة، في الخدمة، في الانتصار علي الشياطين، في تحمل الشدائد والضيقات. قوة في الصلاة، في الإيمان، في عدم الخوف، مهما كانت الأسباب. وهكذا قيل: "ملكوت الله قد أتي بقوة" (مر1:9). هذه القوة تميز بها العصر الرسولي الذي عمل فيه الروح القدس بقوة، وتميز بها عصر المجامع وأبطال الإيمان، كما تميز بها عصر الرهبنة وبخاصة في بدء نشأتها.. قوة ظهرت في عظة بطرس، التي أدت إلي إيمان ثلاثة آلاف (أع2). وتميزت بها خدمة اسطفانوس (أع10:6) وتميزت بها كرازة القديس بولس الرسول في تأثيرها وانتشارها. المشكلة التي نعانيها أن كثيرًا من الخدام يخدمون بنشاط ومعرفة، وربما باتساع كبير في الخدمة، ولكنهم لا يخدمون بقوة الروح. وربما تدخل بعض الأساليب العالمية في الخدمة. الخادم الحقيقي يخدم بروحه، وبروح الله معه. والإنسان الروحي تكون روحه مزينة بالفضائل. تحدث الرسول عن "زينة الروح الوديع الهادئ" (1بط4:3). وما أجمل ما قيل في سفر النشيد عن الروح المزينة بالفضائل، التي تعجب منها المنشد فقال "من هذه الطالعة من البرية مستندة علي حبيبها" (نش5:8)." معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش6:3). |
||||
20 - 01 - 2014, 03:15 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
حياة البر في البعد عن الإثنينية عندما خلق الله الإنسان، خلقة بارًا قديسًا بسيطًا، لا يعرف سوي الخير فقط. ولما سقط الإنسان في الخطية، وأكل من شجرة معرفة الخير والشر، بدأ يعرف الشر إلي جوار الخير. وفقد بساطته، وعرف أنه عريان، واستحي من عريه وتغطي. ومن ذلك الحين، وقع الإنسان بين شقي الرحى، أعني الخير والشر. ودخل في الصراع الداخلي بين الخير والشر والحلال والحرام، وما يليق وما لا يليق. الصراع عاش الإنسان في صراع الإثنينية. أمامه الاثنان "أيهما يختار؟ وكما قال له الله في سفر الشريعة "أنظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير، والموت والشر.. قد جعلت قدامك الحياة والموت،والبركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك" (تث30: 15،19). وأول صراع عاشه الإنسان: هو الصراع بين الروح والجسد. وفي ذلك قال القديس بولس الرسول "اسلكوا بالروح، فلا تكلموا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد. وهذان أحدهما الآخر.."(غل5: 16،17). ويقول في هذا الصراع الروحي "فإني أعلم أنه ليس ساكنًا في، أي في جسدي، شيء صالح.. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة في.." (رو7: 18-20). ويكمل الرسول كلامه عن هذا الصراع فيقول: "أري ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلي ناموس الخطية" (رو7:23). وبهذا يكون الإنسان قد تحول إلي اثنين يتصارعان معًا. وكما قال أحد الأدباء الروحيين "كنت أصارع نفسي وأجاهد حتى كأنني اثنان في واحد: هذا يدفعني، وذلك يمنعني.. إنه صراع داخلي. صراع سببه معرفة الخطية، ثم محبة الخطية. وقد يكون أحيانًا صراعًا بين الشهوة والضمير. وهو صراع في هذا العالم فقط، الذي نوجد فيه بالجسد، ونحاط بالمادة، ونعرف الخطية. أما في العالم الآخر، في الأبدية السعيدة، فسوف نعود إلي بساطتنا، ولا نعرف سوي الخير فقط. وتنزع منا تمامًا معرفة الخطية. ولا يوجد صراع بين الروح والجسد، لأننا في القيامة العامة سنقوم بأجساد روحانية. ولا نلبس بعد أجسادًا ترابية، بل سماوية. لأن هذا الفاسد لأبد أن يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت (1كو15: 44-53). أما علي الأرض، فلا يزال صراع الإنسان قائمًا. إنه صراع مع نفسه، حتى يصل إلي ضبط النفس. صراع مع رغائبه، ومع أفكاره، ومع حواسه. وينتهي الصراع حينما يصير الإنسان واحدًا، وليس جبهات داخلية تقاوم إحداها الأخرى. وعلي رأي مار اسحق "إذا أصطلح العقل والجسد والروح، حينئذ تصطلح معك السماء والأرض".. ولكن الصراع الداخلي هو مرحلة للمبتدئين، أو للذين لم يتحرروا بعد من الداخل. فإن تحرروا، يكون منهجهم هو النمو في النعمة، وليس الصراع بين الخير والشر... بالإضافة إلي الصراع في حالة الإثنينية، يوجد أيضًا: الخوف مادام الإنسان لم يتحرر من شهوات العالم والجسد، فلابد أن يقع في الخوف". لأنه يشتهي، ويخاف أن شهوته لا تتحقق. فإن تحققت، يخاف إنها لا تستمر. فإن استمرت قد يخاف من نتائجها. وفي حالة الخطية، يخاف أن تنكشف، ويخاف من العقوبة ومن الفضيحة. وإن لم يستيقظ ضميره، يخاف من غضب الله، بل قد يخاف من كيفية الاعتراف بخطئه. وإن ترك الخطية، وقد يخاف من إمكانية عودته إليها..! إن حالة الإثنينية ترتبط بالخوف، كما ترتبط بالشهوة. ولذلك لما تخلص منها القديس أغسطينوس، قال عبارته المشهورة: "جلست علي قمة العالم، حينما أحسست في نفسي: أنني لا أشتهي شيئًا، ولا أخاف شيئًا". الخوف مرتبط دائمًا بالشهوة وبالخطية. ونقصد هذا المعني للخوف، ليس الخوف الصبياني من الظلام والأرواح.. فالإنسان الروحي لا يخاف أبدًا. إنه يشعر بوجود الله معه يحميه ويخلصه ويقويه. لا يخاف الموت، لأنه يعرف أن الموت يوصله إلي حياة أفضل. أما الخاطئ فيخاف، لأنه لا يضمن حياته بعد الموت.. وإذا صار الإنسان واحدًا، يتحد هذا الواحد بالعشرة مع الله وملائكته، أما إن كان بعيدًا عن هذه العشرة، فإن يخاف.. ولعل الخوف بهذا المعني، هو الذي وضعه القديس يوحنا الرائي في المقدمة حينما تحدث عن الهالكين! فقال "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت" (رؤ21:8). مادام هناك خوف، إذن لابد من وجود خطًا في الداخل. الثلاثة فتية لم يخافوا من أتون النار، ولا دانيال خاف من جب الأسود. ولا الشهداء خافوا من الموت أو التعذيب. لأن كلًا منهم واحدًا، يشتاق إلي الله. ولم يكن أحدهم إنسانين: أحدهما يحب الله. والثاني يخاف الموت!! الإثنينية تقود إلي الصراع، والخوف، وإلي أخطاء كثيرة: أخطاء كثيرة الإثنينية تقود إلي الرياء: فالإنسان هنا اثنان: أمام نفسه شيء، وأمام الناس شيء آخر..! أمام الناس يلبس ملابس الأبرار والقديسين، وأمام نفسه قد يكون عكس ذلك تمامًا.. حينما يكون وحده قد يسلك بإهمال أو بخطأ أو بما لا يليق. وأمام الناس ربما يحرص علي أن يكون محترسًا مدققًا في تصرفاته. وبالإثنينية يكون إنسانه الداخلي غير إنسانه الخارجي. ربما تكون كل أفكاره، ومشاعره ونيته، غير ما يظهر للناس. أو أن الناس -بسلوكه أمامهم- محال أن يظنوا أن له أفكارًا حسب واقعه! حقًا لو كشف الله أفكارنا ومشاعرنا، كم تكون دهشة الناس، وكم يكون خجلنا؟! بالإثنينية قد يكون قلب الإنسان غير لسانه! فهو يقول ما يعجب سامعه، وقد يكون قلبه غير ذلك أو عكس ذلك! وقد يصلي بشفتيه، وقلبه مبتعد عن الله تمامًا (أش13:39) (مت8:15). فهو من الظاهر يبدو قريبًا من الله بشفتيه، بينما قلبه مبتعد. أليس هذا الإنسان اثنين؟! ولذلك نحن نقول في التسبحة "قلبي ولساني يسبحان القدوس". إنسان آخر تتدرج به الإثنينية إلي التملق وإلي النفاق. يكون في قلبه كارهًا لرئيسه، حاقدًا عليه، ومع ذلك يكلمه بكلام المديح والملق! أليس هذا لونًا من النفاق، صار فيه هذا الإنسان اثنين: الإنسان الداخلي فيه يختلف عن الخارجي، بل يتناقض معه إلي أقصى حد.. متى يصير الإنسان واحدًا؟ قلبه واحد مع لسنه؟! وليس معني الوحدة أن يخطئ لسانه كما يخطئ قلبه! كشخص باسم الصراحة يقع في أخطاء عديدة. كلا، بل يصلح قلبه، وينقيه من الحقد والكراهية، حتى يصير واحدًا مع لسانه،أو علي الأقل يصمت، فلا يتكلم بلسانه ما لا يعتقد به في قلبه. وفي كل علاقاته إذا لم يستطيع أن يوبخ الخطية، فعلي الأقل لا يتملقها! ولا يكون اثنين: قلبه في جهة، ولسانه في جهة مضادة.. أو إنسان داخل الكنيسة بصورة، وخارجها بصورة عكسية. سواء في عبادته أو في خدمته.. في محيط الخدمة: بمنتهى الرقة واللطف والأدب. وفي البيت أو العمل بمنتهي الشدة والعنف والقسوة.. أو يكون داخل الكنيسة في أسبوع البصخة كما يليق بأسبوع الآلام، وخارج الكنيسة ضحك وهزل.. إنه إنسانان مختلفان... وفي معاملات لا يجوز أن يكون اثنين، أو بوجهين، أو يلعب علي حبلين! فهو يعامل شخصًا برقة أو بإخلاص أو باحترام! ومن خلفه يدبر له مكيدة، أو يتكلم عليه بالسوء.. أو يكون معه بكل القلب، أو يبدو كذلك، فإذا انقلب الجو انقلب معه وكما يقول المثل العامي (معاهم معاهم، عليهم عليهم)...! وهذا الذي يعيش بالإثنينية، لا يكون له ثبات. فهو كثير التغير، وقد يكون أيضًا كثر التردد. ويتحول من حال إلي حال بغير ثبات وقد يفكر فكرًا، ثم يجد فكرًا في داخله ضده. وتتصارع أفكاره أو قد تتصارع أذنه مع عقله. ولا يعرف هل يصدق أذنيه ويتبعهما، أو يصدق قلبه وإقناعه الداخلي. الإثنينية قد تقود إلي انقسام الشخصية. وربما تقود إذا استمرت إلي ازدواج الشخصية، أو تؤدي به إلي الشيزوفرينيا. وتري مثل هذا الشخص في أحد الأيام بصورة، وفي يوم آخر بصورة مُغايرة. وتقول في نفسك "ليس هذا هو الذي عرفته بالأمس. إنه شخص آخر تمامًا!! الإثنينية قد تقود الإنسان إلي التحايل. وقد يريد غرضًا سليمًا، ويلجأ في سبيل تحقيقه إلي وسيله خاطئة. وهكذا يجتمع فيه الخير والشر في عمل واحد. والوسيلة الخاطئة تشوه الخير الذي يريده. وتعجب كيف يجتمع الاثنان معًا. ولكنه التحايل علي الوصول! وقد يتعامل مع الناس بأسلوبين، ويزن بميزانين. صديق له يعمل عملًا، فيحكم عليه بميزان. ونفس العمل يعمله شخص آخر، فيحكم عليه بميزان آخر. وإذا بالإثنينية تخرجه عن نطاق الحق والعدل، وتخرجه عن مبدأ المساواة في التعامل. وتقف متعجبًا أمام مصداقيته... وقد يغضب من كلمة تقال له، ويبرز غضبه بأنه إنسان حساس لكرامته. بينما يقول هو نفس الكلمة لغيره، ولا يضع في ذهنه حساسية هذا الغير وشعوره! وتجد مثل هذا التناقض في تصرفات امرأة أب: تعامل ابنها بمنتهي العطف والحنو. بينما بمنتهي القسوة والظلم تعامل أبناء زوجها من زوجته الأولي. ويقف الإنسان متعجبًا: كيف يجتمع الحنو والقسوة في قلب واحد؟! ولكنها الإثنينية، الحكم بأسلوبين، وبميزانين، وربما أيضًا بمنطلقين متناقضين.. في معاملة القريب والغريب! في اليوم الأخير، حينما يكشف الخفيات، تري أين نخبئ وجوهنا. حينما تفتح الأسفار، وتكشف الأفكار، وتعلن الخفيات، ويري الناس إنساننا الذي لم يكن ظاهرًا لهم.. تراهم ماذا يقولون؟! أما أنت يا أخي، فدرب نفسك أن تكون واحدًا. إن كنا نبحث عن الوحدة بين الكنائس، والوحدة بين الأمم والشعوب، ألا نبحث بالحري عن الوحدة داخل النفس الواحدة، فلا يكون داخلها صراع بين طرق متعددة. |
||||
20 - 01 - 2014, 03:16 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
حياة الفضيلة بين الهدف والوسيلة كلنا تقريبًا نتفق في الأهداف أو الأغراض، ما دام الهدف سليمًا وخيرًا. ولكننا نختلف في الوسائل المؤدية إلي الهدف.. فما هي أسباب اختلاف الوسائل إذن؟ سببها اختلاف الفكر والعقل. كل منا له فكره الخاص ونظرته الخاصة إلي الأمور. كذلك تختلف الأفكار في درجة الذكاء، وبالتالي في الاستنتاج وفي الحكم والتقدير. ويختلف الناس أيضًا في الطباع وفي نوع النفسية. كذاك يختلفون من جهة البيئة المحيطة بكل منهم ومدي تأثيرها عليه. لذلك نجد أناسًا طيبين، ويريدون الخير. ومع ذلك فوسائلهم مختلفة. كل واحد له طريقته وأسلوبه، وله منهجه الخاص في الوصول إلي الغرض. ولهذا كثيرًا ما يحدث خلاف في العمل الجماعي. سواء في كنيسة أو جمعية أو لجنة أو أية هيئة. أحيانًا يوجد تنوع، وأحيانًا يوجد اختلاف وخلاف. ونحن لا نعترض علي التنوع، فهو يؤدي إلي ثراء في الفكر وفي الخبرة. أما الاختلاف فكثيرًا ما يتسبب في انقسام وصراعات. وربما يتحول من الموضوعية إلي خلاف شخصي، وربما إلي خصام وإلي عداوة. ففي موضوع الإصلاح مثلا: كلنا نحب أن تنصلح الأمور. من منا لا يريد ذلك؟! ولكن يختلف الأسلوب. * إنسان يقول نصلي ونصوم، والله يتدخل ويصلح كل شيء.. ويري أن هذا هو الأسلوب الروحي السليم. * وآخر يقول تنصلح الأمور بالصبر، بطول الأناة. فالكتاب يقول "بصبركم تقتنون أنفسكم" (لو19:21)." انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب" (مز14:27). وثالث يري أن الإصلاح يأتي عن طريق الحكمة والتفكير والتفاهم. * ورابع أسلوبه في الإصلاح هو العنف، عن طريق النقد الشديد، والمنشورات والتجريح والتشهير. ويقول إن هؤلاء المخطئين لا يصلحهم إلا اتخاذ الشدة معهم.. * وخامس يجب أن تنصلح الأمور بالوداعة والهدوء، بأسلوب متضع لا تفقد فيه روحياتنا ولا نفقد فيه علاقتنا مع الآخرين، والكتاب يقول "لتصر كل أموركم في محبة" (1كو14:16). لا شك أن أسلوب حبيب جرجس في الإصلاح، كان يختلف عن أسلوب غيره وكانت دعامته العمل البناء، والبعد عن السلبيات. لذلك إن اشتركت مع أحد في عمل ما، أو من أجل خير ما، لا يكفي أن يكون مشتركا معك في الهدف والغرض، وإنما ينبغي أن يكون أيضا مشتركا معك في الوسيلة وأسلوب العمل. لئلا تكون طريقته في تنفيذ المشترك غير طريقتك، فتختلفان معًا، أو يسبب لك مشاكل باعتباركما شريكان في عمل واحد. لذلك أن اشتركت مع أحد في عمل ما أو من أجل خير ما، لا يكفي أن يكون مشتركا معك في الهدف والغرض، وغنما ينبغي أن يكون أيضا مشتركا معك في الوسيلة وأسلوب العمل. لئلا تكون طريقته في تنفيذ الغرض المشترك غير طريقتك، فتختلفان معا، أو يسبب لك مشاكل باعتباركما شريكان في عمل واحد. العجيب في مسألة الوسيلة هو المبدأ المكيافيللي: فيظن البعض أن الهدف الطيب يبرر الوسيلة الخاطئة! وهذا ما كان يقوله مكيافيللي إن "الغاية تبرر الوسيلة". فإنسان باسم الغيرة المقدسة مثلا، يستخدم العنف في الكنيسة، ويصيح وينتهر ويوبخ ويشتم، وربما يفع قضايا. وإن عاتبته أو ناقشته في كل ذلك، يحتج بقول المزمور (غيرة بيتك أكلتني) (مز9:69). ولكننا نقول لمثل هذا: إن الغيرة المقدسة تناسبها وسيلة مقدسة. وبالمثل أب يقسو جدا علي ابنه يعقده نفسيا، ويحتج بغرض مقدس هو تربية ابنه! إن الغرض سليم، ولكن الوسيلة خاطئة. أو زوج يحبس زوجته في البيت، ويقيد كل تحركاتها وكلامها، بحجة الحفاظ عليها!! الوسيلة أيضا خاطئة.. أو أم تتدخل في صميم الحياة الزوجية لابنتها، وعلاقة هذه الابنة بزوجها. وقد تتسبب في فصلها عن زوجها. وتتخفي وراء هدف مقدس هو الحرص علي ابنتها، وضمان راحتها وكرامتها. وكثيرا ما ضيع الناس أنفسهم وعلاقاتهم، بالوسيلة الخاطئة. شخص يسعى إلي مصالحة غيره. هدف سليم بلا شك. ويري أن الوسيلة هي العتاب لا مانع. ولكنه في طرية العتاب، يعيد الأوجاع والجروح القديمة، ويضغط عليها بأسلوب يتعب الطرف الآخر. ويخرج من العتاب وقد ساءت العلاقة عن ذي قبل، لأن طريقة العتاب كانت خاطئة. وبعكس ذلك إنسان آخر يستطيع بالعتاب أن يكسب الموقف بل يجعل الطرف الآخر يتفهم الموقف، ويعتذر له، ويخرجان صديق كأن شيئًا لم يكن.. العتاب هو العتاب. ولكن طريقته عند واحد مقبولة ومُجْدِية. وعند آخر متعبة ومؤذية، وتأتي بعكس المطلوب.. إنسان يعاتب بطرية، والآخر يعاتب بطريقة ساخطة. الأول يعاتب بحب وعشم. والثاني يعاتب بحقد وانتقام. هذا يريد أن يصالح. والآخر يريد أن يثبت للطرف الآخر أنه مخطئ، ويستحق ما ناله منه!! ثلاثة أشخاص مثلًا يصيرون أعضاء في مجلس الكنيسة. كل واحد منهم غرضه طيب، يريد الخير للكنيسة بلا شك. ولكنهم لاختلافهم في الأسلوب والطريقة لا يستطيعون أن يعلوا معا!! فأحدهم يحب أن يعمل متعاونا مع الأب الكاهن،والآخر يقول: كل إدارة الكنيسة لنا، والكاهن له العمل الروحي فقط، ولا شأن له بالمشروعات والأمور المالية والإدارية والمعمارية. وهكذا يصطدم بالأب الكاهن وبزميله في عضوية الكنيسة. لأن أحدهما كان أسلوبه التعاون. والآخر كان أسلوبه السيطرة.. المجالس الملية كمثال آخر. هي نفس المجالس منذ أكثر من مائة عام، وبنفس الاختصاصات ونفس طريقة الانتخابات. ولكنها الآن في تعاون مع الإكليروس. وقديما كانت في صراعات وانقسامات وقضايا. والسبب هو أن الأسلوب تغير عن ذي قبل، سواء من جهة الإكليروس أم من جهة المجالس الملية.. لنأخذ غرضا هو الوصول إلي الله.. إنه هدف واحد يتفق فيه الكل. ولكن تتعدد الوسائل. البعض يريد أن يصل إلي الله عن طريق الرهبنة. والبعض عن طريق الكهنوت. والبعض عن طريق التكريس. والبعض عن طريق الخدمة، مع حياة الزواج المستقر، وبناء المجتمع وتنشئة جيل جديد تنشئة روحية. نقول: هنا تنوع، ليس هو اختلافًا. ولكن يحدث الاختلاف حينما يري البعض أن طريقه هو الطريق الوحيد السليم، وينتقد غيره من الطرق!! أو يحاول تحطيمها!! يمكن أن يوجد تنسيق وتكامل وتعاون بين الطرق المتنوعة المتعددة الواصلة إلي غير واحد. ولكن يحدث التصارع بين الطرق المتناقضة. نتطرق إلي موضوع آخر هو تربية الأولاد.. كل الناس يريدون تربية أولادهم تربية سليمة. إنه هدف يتفق فيه الجميع. ولكنهم يختلفون في أسلوب التربية.. فالبعض يمنحون أولادهم الحرية الكاملة، كما حدث في كثير من بلاد الغرب وحينما يكبر الأولاد لا يصبح لآبائهم وأمهاتهم أية سلطة عليهم. ويبررون أسلوبهم في التربية بأنهم يريدون للابن أن يكون له شخصيته المستقلة التي لا تقع تحت ضغط. هناك أسلوب آخر يلجأ إليه إلا بإذن، ولا ينضم إلي ناد أو إلي أية أنشطة، وهذا التضييق يوجد عنده كبتا تكون له ردود فعل سيئة في المستقبل. وهناك طريق وسط في التربية بين هذين الأسلوبين. لا هو بالحرية التي فيها تسبب ولا بالتشديد الذي فيه تقييد.. أسلوب أب يصادق ابنه. ويشرح ويعلم ويقنع ويحاور. ولاشك أن الإقناع -ولو قد يأخذ وقتًا وجهدًا- إلا أنه يوجد حافزًا في الداخل، أفضل بكثير من الأوامر والنواهي التي هى مجرد ضغوط من الخارج تربية الأولاد إذن هى هدف مشترك. ولكن البعض يستخدم فيه السلطة والهيبة، والبعض يستخدم الصداقة والحب. والبعض يستخدم الحرية والسلبية إنها وسائل مختلفة لهدف واحد. نفس الوضع نقوله في معاملة المخطئين. كلنا نكره الخطأ ونأخذ من أصحابه موقفًا معارضًا. هنا غرض واحد، ولكن الوسائل تختلف فالبعض يبعد عن المخطئين، ينعزل عنهم ولا يختلط بهم. والبعض يأخذ منهم موقف المقاومة، ويرد لهم بالمثل، ويحاسبهم على كل خطأ. ولا يترك الأخطاء تمر بسهولة، أو بدون مؤاخذة. والبعض يحاول أن يصلح هؤلاء ويكسبهم، ربما بالحب والصبر، وربما بالمواجهة والإقناع.. المهم أنه يوصلهم إلى الله وإلى الطريق السليم، ويربح نفوسهم.. هناك نقطة أخرى أقولها في موضوع الهدف والوسيلة وهى أنه: كثيرا ما تتحول الوسيلة إلى هدف!!! الهدف الروحي الوحيد هو الله. وما الصلاة والصوم والقراءة والتأمل والوحدة سوى وسائل توصل إلى هذا الهدف. كذلك الفضائل هي مجرد وسائط توصل إلى الهدف الذي هو الله.. ولكن للأسف، قد تتحول هذه الوسائط كلها إلى أهداف..!! * فإنسان يقرأ الكتب المقدسة والكتب الروحية. والمفروض أن هذه القراءة توصله إلى محبة الله والثبات فيه. ولكن قد تتحول القراءة نفسها إلى هدف. فالمهم عنده أن يقرأ، ولو من غير فهم، ولا تأمل ولا تداريب روحية0 *أو قد يتغير الهدف الروحي في الطريق. ويقرأ الإنسان لكي يكون عالما، أو لكي يكون معلما. ولكي يبدو كثير المعرفة واسع الإطلاع، يجيد الكلام في أي موضوع يتحدث فيه أو يسألونه عنه.. وأين الله هنا؟ لقد اختفى، لكي تظهر الذات، ولكي تظهر المعرفة والعلم.. * وكما تتحول القراءة إلي هدف، هكذا تتحول الوحدة.. المفروض أن الإنسان يسعى إلي الوحدة لكي يجد وقتا هادئًا صافيًا يجلس فيه الله. فإن لم يجلس في وحدته مع الله، يكون الهدف الروحي الحقيقي قد أختفي. وتصبح الوحدة هدفا في ذاتها، حتى لو كان فيها الشخص نائما أو في ملل أو ضجر، أو في حروب الأفكار.. * أو قد يتغير هدف الوحدة، ويتحول إلي الذات. فيجلس إنسان في الوحدة، لمجرد أن يقال عنه أمه أنه متوحد.. سعيا وراء الشهرة أو ألقاب. وليس من أجل الله. أو قد تعطيه الوحدة فرصة لسعي الناس إليه، وتحوله إلي مرشد أو مانح للبركات التي يلتمسونها منه.. لهذا ينبغي أن يراجع الإنسان هدفه. ويتحقق أن الوسيلة توصله إليه. ويتأكد أن الهدف سليم وروحي، وأنه لم ينحرف عنه إلي هدف آخر، وأنه يستخدم الوسائل العليمة التي تحقق هدفه الروحي، بحيث تبقي هذه الوسائل مجرد وسائط ولا تتحول إلي أهداف. *نقول نفس الكلام عن الصمت. إنه مجرد وسيلة توصل إلى أمرين: أحدهما هو البعد عن أخطاء اللسان. والثاني أن تكون لنا عن طريق الصمت فرصة للصلاة والتأمل.. فإذا كان الإنسان مجرد صامت، دون أن يكون له عمل روحي داخلي، لا يكون الصمت قد حقق هدفه. وإن كان صامتا، واستبدل الكلام بإشارة أو إيماءة تعبر عما يريد أن يقول، فهو أيضا في مستوى المتكلم. وإن كانت الأخطاء التي أراد أن يتفاداها بصمته، لا تزال باقية معه، ولكنها تحولت فقط من أخطاء لسان إلى أخطاء لسان إلى أخطاء فكر، فما المنفعة أيضا من صمته؟ إنه قد صمت ليبتعد عن إدانة الآخرين، وهاهو لا يزال يدينهم بفكره وقد صمت ليبعد عن كلام الغضب، ولكنه مازال غاضبًا في قلبه. الأخطاء موجودة لم يمنعها الصمت، وإنما حولها إلى القلب والفكر. وفى كل ذلك الهدف الروحي لم يتحقق. * نقول نفس الكلام أو ما يشبهه عن الصوم. لماذا نحن نصوم؟ هل لمجرد الصوم، كما لو كان الصوم هدفا في ذاته؟ أم نصوم لكي نوجد في فترة روحية تساعدنا على الوصول إلى الله؟؟ نمنع أنفسنا عن أكل ما، فهل نحن نحرص في صومنا أن يوصلنا إلى هذا الهدف الروحي. أم نصوم لمجرد الصوم، بلا هدف؟ وبلا غاية، وبلا نتيجة * وكذلك الصلاة: ما هدفها في حياتنا؟ أو ماذا تحققه من هدف؟ هل نصلى بهدف التمتع بعشرة الله والحديث معه؟ أم لمجرد أداء واجب؟ حتى لو كانت صلواتنا بغير روح، ولا عاطفة، ولا حرارة، ولا عمق، ولا حب، ولا أي شعور بالوجود في الحضرة الإلهية ليت صلواتنا تحقق هدفها الروحي، ونشعر فيها أننا نتحدث مع الله ونتمتع بعشرته. ونضع الصلاة في موضعها السليم، أنها مجرد وسيلة توصل إلى هدف، ويجب أن نجاهد روحيا للوصول إلى هذا الهدف. نفس الكلام نقوله عن المزامير والتسبحة والألحان.. نلاحظ أنه كلما ازداد حفظ الإنسان للمزامير والتسبحة، كلما ازدادت سرعته في التلاوة، وعلى هذا القدر ما أسهل أن يقل فهمه لما يقول.. وما أسهل أن ينشد لحنا، أو قطعة من الابصلمودية، أو يتلو مزمورا، دون أن يصل إلي عمق ما يقوله.. وكأن اللحن قد صار هو الهدف. أو قد صارت التلاوة هدفًا.. وهنا نسأل: متى يمكننا أن نحقق في أعماق قلوبنا وفهمنا الهدف الروحي الذي من أجله وضعت المزامير والألحان والتسبحة؟ متى تدخل فيها العاطفة والحرارة والتأمل والفهم وروح الصلاة؟ متى لا نهتم بالكثرة وإنما بالعمق. لا بعدد المزامير، إنما بعمقها وروحانيتها.. |
||||
20 - 01 - 2014, 03:18 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
مقاييس الفضيلة: التعرف، الهدف، والوسيلة ما هو العمل الفاضل؟ هل هو مجرد مسميات أو عناوين؟ كأن نقول: الصلاة، الصوم، الخدمة، العطاء.. أم أن هناك مقاييس، نستطيع بها أن نصف العمل بأنه فاضل. هناك ثلاثة مقاييس لكل فضيلة، وهي: التعرف، الهدف، والوسيلة. وسنحاول أن نطبق هذه المقاييس الثلاثة لكي نختبر الفضائل هل هي حقيقة أم زائفة. الصلاةندخل أولا في التعريف، ونقول: ما هي الصلاة؟ هل هي حديث مع الله، أم هي مجرد تلاوات؟ والتلاوات كيف تؤدي؟ ما مقاييس الشعور فيها؟ وما مقياس الفهم، وما مدي الصلة بالله؟ وإن كانت حديثا مع الله،، فمن هو الله الذي نحدثه؟ الله الذي تقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة، الله الخالق، غير المحدود ملك الملوك ورب الأرباب.. بأي خشوع نحدثه، وبأية هيبة وإجلال.. هذا الذي قال له إبراهيم أبو الآباء "عزمت أن أكلم المولي، وأنا تراب ورماد" (تك18). وإن كان الله هو الأب الحنون الذي يقول له داود النبي "اشتاقت نفسي إليك يا الله، كما تشتاق الأرض العطشانة إلي الماء (مز1:63). فبأي حب نتحدث معه؟ أم الصلاة هي شعور بمتعة روحية للوجود في حضرة الله؟ إذن هي ليست مجرد كلام، بل هي متعة روحية. وهنا يكون الهدف من الصلاة هو التمتع بالله، وليس مجرد أي طلب خاص. بل الطلب هو الله نفسه. كما قال داود النبي في مزاميره "طلبت وجهك ولوجهك يا رب التمس. لا تحجب وجهك عني" (مز8:26).. إن الصلاة ليست مجرد واجب تؤديه. بحيث تعتذر لله أحيانا وأنت تقول آسف "لست أجد وقتًا للصلاة"، ولكنك تقول عمليًا "لست أجد متعة في الصلاة". إن الصلاة ليست فرضًا عليك، وليست مجرد الاستجابة لجدول روحي تملأه، حتى لا يتعبك ضميرك.. واعلم تمامًا أنك المحتاج إلي الصلاة، علي الأقل لتشعر بوجود قوة علي جوارك تسندك وعينك.. وإنك محتاج إلي الله.. الصلاة هي شركة مع الملائكة الذين يسبحون الله. وهي جسر يربط الأرض بالسماء، ويربطك أنت بالسمائيين. والصلاة هي مصدر للشبع الروحي. كما يقول المرتل في المزمور "باسمك ارفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحن ودسم" (مز5:62). هي غذاء للروح، وكما أن الجسد يتغذى بأنواع كثيرة من الأطعمة، كذلك الصلاة هي من الأغذية الأساسية للروح. إذن لابد أن نعرف ما هي الصلاة، حتى تعرف كيف نصلي. تعرف أن تصلي بحب، وتصلي بفهم، وبإيمان: بشعور بالوجود في حضرة الله وتكون صلاتك أيضا بفرح، فرح التمتع بالله في الصلاة.. وإن صليت بعاطفة، وانسكبت دموعك في الصلاة، فلا تنشغل بالدموع وتفرح بها أكثر من الله الذي تحدثه، لأن الدموع ليست هي الهدف من الصلاة.. وإن كانت الصلاة ناتجة عن محبتك لله الذي تتحدث إليه،إذن أحرص علي هذه المحبة. ولا ترتكب خطايا تبعدك عن الله، وتفقدك الدالة في صلاتك. ولا تجعل صلاتك مثل التي لا تصل إلي الله الذي قال للشعب الخاطئ "حين تبسطون أيديكم، استر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دما" (أش15:1). إذن نقاوة القلب هي أحدي وسائل الصلاة، التي نقترب بها إلي الله. الصوم ننتقل إلي نقطة أخري، وهي الصوم. هل هو مجرد قهر الجسد، وعدم إعطائه ما يشتهيه من طعام، أم أن ضبط الجسد، هو مجرد وسيلة لضبط النفس، وضبط الفكر، وضبط الحواس؟ وضبط الإرادة عن كل خطأ. وهنا تسأل نفسك عن تعريف الصوم. هل الصوم هو مجرد صوم الجسد، أم أيضا صوم الفكر واللسان وصوم النفس؟. هل الصوم هو حالة جسد ممتنع عن الطعام، أم حالة نفس زاهدة في الطعام، كجزء من زهدها في المادة عمومًا؟ هل أنت في الصوم تمتنع عن طعام تشتهيه، أم وصلت إلي المستوي الذي لا تشتهي فيه طعامًا؟ أهو تدريب للارتفاع عن الشهوة المادية بصفة عامة؟ هنا نبتدئ أن نفهم ما هو الصوم. هل الصوم إذن إسكات للجسد، لكي تتلكم الروح؟ أهو إخضاع للجسد، لتأخذ الروح حريتها وفرضتها؟ هل هو عدم إعطاء الجسد ما يشتهي، لكي يرتقي بأن يشتهي ما تشتهيه الروح ويسير في طريقها؟ افهم ما هو الصوم. كثير من الناس يصومون ولا يستفيدون روحيًا، لأنهم لم يفهموا ما هو الصوم ولم يصوموه بطريقة روحية. أنت في الصوم تقول: أنا يا رب لا أريد أن أشتهي شيئًا ماديًا ولكن لأن جسدي يحتاج بين الحين والحين أن يأكل، لكي يظل حيًا، ويشترك مع الروح في عملها الإلهي.. لذلك أنا بين الحين والحين أعطيه ما يأكل، ولكن لا يكون الأكل بالنسبة إليه هدفًا.. وإنما الهدف هو شركته مع الروح في الإتحاد بك. لذلك أنا أعطي الجسد ما يحتاجه لا ما يشتهيه.. فهل نحن نصوم بهذا الهدف وبهذا الأسلوب؟ العطاء ما هو العطاء؟ هل هو صدقة من غني لفقير. هل تشعر أنك أنت تعطي؟ وأنك تعطي المحتاج من مالك؟ كلا يا أخي، ليس الأمر هكذا ولن تستفيد من عطاء بهذا الشعور.. فالمعطي هو الله، وأنت مجرد وكيل علي ماله. فالمال هو مال الله. هو الذي أعطاك إياه، لكي تعطي منه لهؤلاء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وأنت إن لم تعط لهؤلاء حقهم، يكون المال الذي احتجزته هو مال ظلم، لأنك ظلمت مستحقيه.. بهذا المعني، إذا أعطيت لا تفتخر. لأنك لم تعط من مالك شيئا، وإنما من حقوق الله عليك.. ولكنك ربما تقول "مجرد الرغبة في إعطاء الفقير هي فضيلة "هذا حق، ولكن تذكر أن الله هو الذي وهبك هذه الرغبة في أن تعطي وفي أن تطيع، لأن الله -كما قال الرسول- "هو العالم فيكم أن تريدوا وأن تعلموا لأجل المسرة" (في13:2). الله هو الذي أعطاك المال وهو الذي أعطاك الرغبة في العطاء. ففيم الفخر إذن؟! النقطة التالية في فهم العطاء هي: من هم أولئك الذين تعطيهم؟ أنت تعطي أولئك الذين سماهم السيد الرب أخوته فقال: "مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم" (مت40:25). لذلك يسميهم الكثيرون "أخوة الرب".. أعرف إذن جيدا أن هؤلاء ليسوا هو الشحاذون أو المتسولون أو الفقراء المعوزين، وإنما هم أخوة الرب. إذن عاملهم علي اعتبار أنهم أخوة الرب، بمحبة واحترام. عاملهم بلطف، بغير إذلال. ولا تتكلم معهم بانتهار، أو من فوق. لا تتعال عليهم. ولا تشعرهم بأنك تعطيهم، وإنما أنت مجرد موصل لعطاء الله لهم. وكن في عطائك كمن يعطي المسيح نفسه. لأنه قال عن الفقراء "كنت جوعانا فأطعمتموني. كنت عطشانا فسقيتموني. كنت عريانا فكسوتموني" (مت25: 35، 36). أعرف أيضا أن العطاء هو شركة حب مع المحتاجين. إذن ليكن عطاؤك بحب. حاول أن تعرف مقدار احتياج الفقير، لكي تسد حاجته، ليس بطريقه جزئيه، بل بطريقه كاملة تحل أشكاله. وتجعله يخرج من عندك مستريحا. فالعطاء ليس مجرد دفع صدقة مع ترك الفقير محتاجا. وان لم تستطع. فحاول أن تشرك معك الآخرين لسداد حاجه المحتاج. وفى نطاق محبتك للمحتاجين: تذكر قول الكتاب "لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقه يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (أم 3: 27،28). وأنصت أيضا إلى قول الكتاب "من يسد آذنيه عن صراخ المسكين،يصرخ هو أيضا ولا يستجاب" (ام13:21). نبدأ أولا بتعريف الخدمة: ما هي؟ الخدمة الخدمة ليست مجرد نشاط في الكنيسة. سواء كان هذا في مدارس الأحد، أو في الخدمة الاجتماعية، أو العمل الإداري أو المالي في الكنيسة. وليست هي مجرد تدريس أو وعظ أ وتقديم معلومات. الخدمة هي روح تفيض من إنسان إلى أخر. سواء كان هذا في مدارس الأحد، أو في الخدمة الاجتماعية، أو العمل الإداري أو المالي في الكنيسة. وليست هي مجرد تدريس أو وعظ أو تقديم معلومات. الخدمة هي روح تفيض من إنسان إلى آخر. أو هي قدوة تقدم من شخص لآخر، أو هي عبارة روحية تنتقل من خلال العمل الكنسي. المعلومات هي مجرد وسيلة، ولكن الهدف الحقيقي هو خلاص النفس. كما قال القديس يعقوب الرسول "من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا (يعقوب 20:5). أو كما يقول القديس بطرس الرسول "نائلين غاية إيمانكم: خلاص النفوس" (1بط 9:1). إذن هدف الخدمة هو خلاص النفس، وهو بناء الملكوت. وكل وسائط الخدمة، ينبغي أن تتجه نحو هذا الهدف. وطبيعي أنك لا تستطيع أن تعمل في بناء الملكوت وحدك، بل بشركة مع الله. لأنه "إن لم يبن الرب البيت، فباطلا تعب البناءون" (مز 1:126). وقد قال السيد الرب "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا" (يو5:15). أذن الخدمة هي شركة مع الله في العمل. كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وزميله أبلوس "نحن عاملان مع الله" (1كو9:3). فكر إذن:هل أنت تعمل مع الله، أم تعمل وحدك؟ وعليك أن تبدأ بأن تعمل مع الله، تشرك الله معك، كما نقول للرب في الاوشية "اشترك في العمل مع عبيدك في كل عمل صالح". وان كانت الخدمة هي عمل الله فيك وبك ومعك، إذن لابد أن تبدأ بالامتلاء من الله. لأن هذه هي الوسيلة التي توصلك ألي هدفك من الخدمة. وهكذا قال الرسول "امتلئوا بالروح" (أف18:5). امتلئوا، لكي تفيضوا علي غيركم.. هذه وسيلة أساسية، ومنها تنبع وسيلة اخري وهي: لكي تسعي لخلاص الناس، ينبغي أن تحبهم. تحب الناس فتريد لهم أن يحبوا الله، كما أحببته أنت، وأن يذوقوا ما أطيب الرب كما ذقته أنت. وبهذا الحب تعرفهم طريق الرب وتعرفهم إسمه. وليتك في ذلك تذكر قول السيد المسيح في حديثه مع الآب عن تلاميذه، إذ قال "عرفتهم إسمك، وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو 26:17) الخدمة أذن هي رسالة حب. هذا هو تعريفها. وما دام الله هو العامل في الخدمة، أذن فالصلاة هي من أهم وسائل الخدمة. ليست الخدمة هي مجرد تعبك وسعيك ووعظك وتعليمك، أنما لكي يأتي كل هذا بثمر، ينبغي أن تسكب نفسك أمام الله في الصلاة، لكي تعطي الكلمة النافعة كما قال بولس الرسول "صلوا لأجلي لكي أعطي كلاما عند افتتاح فمي، لأبشر جهارا بسر الإنجيل" (أف 19:6). إن كان القديس بولس يطلب هذا، فكم بالأولي نحن عليك أيضا أن تصلي، لكي يعطي الله قوة للكلمة، فتدخل إلي قلوب الناس، وتحدث تأثيرها، وتأتي بثمر. لا تسقط علي أرض محجرة، ولا علي شوك، ولا تخطفها الطيور (مت13). وإن كانت الخدمة لبناء الملكوت، فلا تكن إذن لبناء الخادم. فكثير من الخدام يهدفون إلي بناء أنفسهم، وتدخل الذات في خدمتهم، مثلما وبخ الرب الرعاة الذين يرعون أنفسهم (خر34: 8،9). ولذلك في خدمتك، رتل أيضا المزمور "ليس لنا يا رب لنا، لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز1:115). وأسلك في خدمتك باتضاع، كخادم. لأن كثيرون يخدمون، وينسون أنهم خدام، وفي ذلك ما أجمل صلاة القديس أوغسطينوس من أجل رعيته، إذ يقول: "أذكر يا رب سادتي عبيدك.." الكلام ما أكثر الذين يحبون الصمت، ويرون أنه فضيلة، ويحترسون من الكلام. فهل كل كلام خطية، وهل كل صمت فضيلة. هنا لابد أن ندرك تعريف الصمت وتعرف الكلام، وعلاقتهما بالفضيلة.. قال القديس برصنوفيوس لما سئل عن هذا الأمر: الصمت من أجل الله جيد، والكلام من أجل الله جيد. من أجلك يا رب نصمت، ومن أجلك نتكلم. نصمت لكي نعطي أنفسنا فرصة للصلاة وللتأمل، والبعد عن أخطاء الكلام. ولكننا نتكلم حينما تكون كلمتنا: كلمة منفعة، أو كلمة تعزية، أو كلمة نصح أو تحذير، أو شهادة لك ولملكوتك. كما قال الحكيم "فم الصديق ينبوع حياة" (أم11:10). وحينما يكون الكلام فضيلة لأزمة، حينئذ ندان علي صمتنا. المهم أن تمجيد الله بكلامنا، ويتمجد بصمتنا. ولنعرف ان الكلام ليس هو طاقة مختزنة فينا من الألفاظ، تريد أن تخرج منا إلي آذان الناس، ولا بغير هدف، ول كانت طاقة مدمرة لسلام الآخرين وروحياتهم!! في هذه الحالة يكون صمتك أفضل، إلي أن يعطيك الرب كلمة تقولها، كما قال المرتل في المزمور الخمسين "افتح يا رب شفتي، فيخبر فمي بتسبيحك: والذين يتكلمون بهذا الأسلوب، ينطبق عليهم قول الرب "لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم هو المتكلم فيكم" (مت20:10). فهل الكلام عندك من هذا النوع؟! وهل الصمت عندك للصلاة والتأمل؟ أم أنت تصمت، وفي نفس الوقت أفكارًا خاطئة!! كذلك إن تكلمت عن الحق، تكلم بأسلوب حقاني.. المعرفة ما هي المعرفة الصحيح؟ أليست هي مجرد معلومات. إنما المعرفة الحقة، هي المعرفة التي تبنيك، وتبني غيرك عن طريقك. إن كان الأمر هكذا فتكون الوسيلة هي أن تدقق فيها ينبغي لك أن تعرفه. ولا تفعل مثل الإنسان الأول الذي أكل من شجرة المعرفة، فصار جاهلًا، إذ بدأ يعرف الشر أيضًا، هذا الذي قال عنه الحكيم: "الذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" (جا18:1). يقصد معرفة قد تعقد العقل، أو تجلب الشك، أو تكشف طريق الخطية، أو تسبب لونًا من الكبرياء، كما قال الرسول "العلم ينفخ" (1كو1:8). المعرفة الروحية، هي معرفة الله، وعرفة طرقه. كما قال السيد المسيح فت تأملاته مع الله الآب "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو13:17). كذلك يقول المرتل في المزمور "عرفني يا رب طرقك، فهمني سبلك". هناك معرف أخري مفيدة جدًا. وهي أن تعرف نفسك، وتعرف ضعفك، فتتضع، وتعرف حروبك فتجاهد لتنتصر. وتعرف حيل الشياطين فتبعد عنها. وتعرف الحق، والحق يحررك.. |
||||
20 - 01 - 2014, 03:19 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
حياتك في الفضيلة تُقاس بنوع اهتمامك "قال السيد المسيح لمرثا: أنت تهتمين وتضطربين لأمور كثيرة، ولكن الحاجة إلي واحد" (لو41:10). أما مريم فقد اختارت النصيب الصالح، واهتمت به.. وأنت يا أخي بماذا تهتم؟ ما هي الأولويات في حياتك؟ حسب أولوياتك، يكون حماسك، ويكون عملك وتكون إرادتك.. إن الناس يختفون في اهتمامهم، كما اختلفت مريم ومرثا. كان اهتمام مرثا أن تهتم بالمسيح في ضيافته: بينما مريم بمحبته، والجلوس عند قدميه والاستماع إليه: وصارت أحدهما مثالًا للخدمة، والأخرى مثالًا للتأمل. وقليلون -مثل القديس بولس- من جمعوا بين الأمرين الرعاة اهتموا بالخدمة، والرهبان بحياة التأمل. وحسب اهتمام كل واحد، هكذا كانت حياته.. وأنت مثلًا حينما تستيقظ كل يوم، بماذا يكون اهتمامك؟ هل تهتم بحياتك اليومية، تغسل وجهك، تقطر، تعد ملابسك، تستعد للذهاب إلي عملك؟ أم اهتمامك الأول كيف تبدأ اليوم مع الرب، بالصلاة والقراءة والتأمل..؟ حسب إهتمامك سيكون تصرفك.. البعض يعتذر أحيانا ويقول: لك يكن وقت الصلاة..! وأنا دائمًا ارفض هذا العذر، ولا اعتبره اسبب الحقيقي، وأقول: لو وضعت الصلاة والتأمل في قمة اهتمامك، لأمكنك أن تجد لهما وقتًا.. نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى الصلاة في مجال الخدمة، وفي حياة كثير من الخدام.. إنهم يهتمون بتحضير الدس، أكثر من اهتمامهم بتحضير أنفسهم روحيًا.. يهتمون بمواعيد الخدمة، واجتماعاتها، بالصور والهدايا، والمكتبة والنادي، وبالافتقاد وبالأنشطة.. ونادرًا ما يهتمون علي نفس القياس بصلواتهم!! فلا نجد اجتماعات الصلاة مثل اجتماعات الشبان أو الشابات. النشاط يأخذ الاهتمام الأول، وليس الصلاة. ولو دخلنا في التفاصيل، ولوجدنا أيضا أن العمل الروحي لا يأخذ الاهتمام الأول.. فالنادي مثلًا: مثلًا: قد نهتم بمكانه، وترتيبه، وما توجد فيه من ألعاب ومن أنشطة رياضية وتسليات. وقد نهتم بتنظيم الكارنيهات والمواعيد، والمسابقات، وفرق التمثيل والكورال.. وفي كل ذلك قد لا يوجد الإشراف الروحي الكامل. ونجد النوادي في ضوضائها وفي أخطائها، لا تعطي الصورة الروحية المرجوة، وربما لا تختلف عن النوادي العادية، لعدم وجود المشرف الروحي.. لماذا؟ الجواب صريح.. لأننا لم نضع ذلك في قمة اهتمامنا. وفي الخدمة الاجتماعية، قد نجد نفس الظاهرة. اهتمامنا الأول أو الوحيد هو العناية بالفقراء ماديًا، سواء في المساعدات المالية، أو مشاكل التعطيل أو المرض أو الإسكان.. وما إلي ذلك. وينذر أن يعطي اهتمام حقيقي بروحيات هؤلاء المحتاجين.. وإن عقد اجتماع روحي، قد يكون شكليًا.. لا اهتمام فيه بربط هؤلاء الناس بالله، وبالاطمئنان علي حياتهم الروحية، وعلي تناولهم واعترافاتهم وتوبتهم.. نفس الوضع ربما نجده أيضًا في إنفاقات ومشروعات بعض الكنائس. غالبية المال قد تنفقه علي البناء والتعمير، أو علي تجميل الكنيسة وتزيينها بالديكور، وبالأيقونات وبالنجف الغالي.. ولا يعطي مجلس الكنيسة ولا كهنتها نفس الاهتمام لخدمة الفقراء والحالات المحتاجة من اجل الحياء المجاورة إلى رعاية روحية، ولا حتى الاهتمام بالخدمة الروحية في نفس الكنيسة.. للأسف كل الاهتمام مركز في البناء والديكور.. نفس الوضع في عناية الأسرة بالطفل يقول الأب والأم إن اهتمامهما الأول هو تربية أطفالهما ورعاية مستقبلهم. وحسنًا يقولون. ولكن أي نوع من التربية يهتمون به؟ إنهم يهمتمون بصحة أولادهم، وأكلهم وشربهم ولبسهم، وأيضا بتعليمهم واعدادهم لوظيفة لائقة. ثم بعد ذلك بتزوجهم.. ويقول الأب بعد ذلك، ويقول الأم كذلك: "أشكرك يا رب، إنى أديت رسالتى نحو أبنائى. الآن ضميرى استراح من جهتهم. ومع ذلك لا يضعون إهتمامهم الأول بتربيتهم الروحية وبمصيرهم الأبدى!! لا يعطونهم الغذاء الروحي اليومى، مثلما يعطونهم غذاءهم الجسدى. وإن سألتهم عن واجبهم في ذلك، ربما يجيبون "إننا أرسلناهم إلى مدارس الحد"..! دون متابعة لما أخذ وه أوحفظوه من دروس، ودون إضافة شيء خلال الأسبوع. كان الأب غير مسئول عن معلومات أبنه الدينية، وعن تربيته روحيًا وكان الأم غير مسئولة، وهى التي استلمت أبنها من المعمودية كإشبينة له تتعهده بالعناية الروحية، وبالتعلم الديني وبالتدريب على الفضائل.. ويبقي السؤال قائمًا وهامًا في كل ما قلناه: ما هو إهتمامنا الأول؟ إهتمامنا العميق الحقيقي؟ إنسان آخر في الخدمة، يهتم كيف تمتلئ الكنيسة بالناس هذا كل هدفه، ولا يهتم بأن يصل هؤلاء الناس إلي الله. وربما يلجأ إلي وسائل عالمية !! مثلما تلجأ الطوتئف إلي منح المعونات المالية والاجتماعية لجذب بعض المحتاجين إليهم، ويخرجهم بذلك من كنائسهم !! الاهتمام كله ليس في الملكوت، إنما في أن يزيد عددهم ولو علي حساب كنائس أخرى. كثيرون يهتمون بأنفسهم إهتمامًا جسديًا. إما من جهة الأكل والشرب والملبس، وإما من جهة شهوات الجسد.. بينما يقول الرب "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون.. فإن هذه كلها تطلبها الأمم.. (مت6: 25،32). أما عن وضع الإنسان همه كله في شهوات جسده، فيقول الرسول "إهتمام الجسد هو موت، ولكن إهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن إهتمام الجسد هو عداوة لله.. فالذين هم في الجسد، لا يستطيعون ان يرضوا الله" (رو8: 6-8). ويستمر الرسول، إلي أن يقول: "إن عشتم حسب الجسد، فستموتون". "ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد، فستحيون" (رو13:8). ففي أي شيء نضع متعتنًا، وبالتالي إهتمامنا؟ كل شهوات الجسد الحسية تمتع بها سليمان، في مغالاة شديدة، إلي أن قال "ومهما أشتهته عيناي، لم أمنعه عنهما" (جا10:2)،وماذا كانت النتيجة؟ رأي ان الكل باطل وقبض الريح (جا11:2). والبعض يهتم بالراحة النفسية، له ولغيره. حتى لو لم تكن علي أساس روحي.. الأم مثلا قد تضع في اهتمامها الأول، أن تكسب محبة ابنها، وأن تريحه لكي يريحها، ولو علي حساب روحياته.. ! فتدلله، وتعطيه كل ما يطلب، وتغطي علي أخطائه، ولا توبخه علي خطأ خشية أن تفقد محبته !! وينشأ الولد مدللا ويفسد.. لأن أمه لم تضع في اهتمامها أن تقوده في الطريق السليم، حتى لو غضب حينًا، حتى لو وقفت ضد إرادته الخاطئة، ثم تقنعه وتصلحه وتصالحه. إنها إن إهتمت براحة نفسيته، وليس بروحياته، ستفقده أبديته.. بل حتى حياته الاجتماعية. لأن سيخرج إلي المجتمع فلا يجد نفس التدليل الذي اعتاده في البيت، فيتعب من المجتمع، أو ينعزل عنه. وتكون التربية المنزلية قد أضرت به نفسيا أيضًا، ولو بعد حين. كذلك قد نهتم بحالة المريض النفسية، وليس بمصيره الأبدي. وبألوان كثيرة من الكذب والخداع، نخفي عنه حقيقة مضه، ولا نلمح بخطورة المرض ولو من بعيد، خوفًا علي نفسيته ومعنوياته التي نضعها في قمة اهتمامنا.. إلي أن يفاجئه الموت، ويموت بدون استعداد، ويهلك.. المفروض في الأمراض الميئوس منها، أن نعد المريض لأبديته، بحكمة. لست أنصح أن نكشفه بحقيقة مرضه إن كان لا يحتمل.. وإنما نضع في عمق اهتمامنا أن نعده روحيًا، حتى إن حدثت معجزة وشفي.. بكل حكمة نقوده إلي الحياة مع الله، وليس بسبب الخوف من الموت.. إنما بأسلوب إيجابي مؤثر، بكل وسائط النعمة المتاحة. كذلك هناك سؤال أساسي، نعرضه في موضوع الاهتمام: هل أنت تركز كل اهتمامك بنفسك؟ أم تهتم بغيرك، ولو فضلته علي نفسك؟ ما هو اهتمامك الأول: أهو ذاتك؟ أم أنت تخرج من دائرة الذات، لتهتم بالآخرين.. اهتمامًا من عمق قلبك، تصل فيه إلي الخدمة والعطاء والبذل، إلي حد بذل النفس أيضًا.. هل تهتم براحتك ام براحة غيرك؟ وهل في إهتمامك براحتك، لا مانع لديك أحيانًا أن تبني راحتك علي تعب الآخرين.. كالأسرة التي تطلب من عائلها طلبات فوق احتماله، ترهقه وتحرجه وتربكه، ولا تبالي..! إن الروحيين والمصالحين جعلوا إهتمامهم الأول يتركز في المجتمع الذي يعيشون فيه. الإهتمام بالأسرة، بالمعارف والأصدقاء، بالمجتمع، بالكنيسة، بالوطن كله وبالعالم البشري كله والمساهمات في راحته وفي تخفيف أتعابه. وهكذا ظهرت هيئات وجمعيات هدفها إنقاذ الآخرين أو إعانتهم، منكل ناحية.. مثل الهيئات العالمية للصحة ولتربية الأطفال، ولإنقاذ العالم من الجوع والكوارث والمشكلات الاجتماعية.. كذلك الهيئات التي تعمل علي طبع الإنجيل ونشره، والتي تعمل علي نشر الكلمة والهيئات التي تجاهد للمحافظة علي (حقوق الإنسان). السيد المسيح كان كل اهتمامه بالآخرين. كان "يجول يصنع خيرًا (أع38:10). ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وضعف في الشعب" (مت23:4). يتحنن علي الكل، ويشبع كل حي من رضاه.. ويبشر المساكين، يعصب منكسري القلوب، ينادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (أش1:61). وفي نفس الوقت لم يهتم بذاته، ولم يكن له أين يسند رأسه (لو58:9). لم يهتم المسيح بكرامته لما أغلقت إحدى قري السامرة أبوابها في وجهه، ووبخ تلميذيه اللذين طلبا ان تنزل نار من السماء لتهلكها. وقال لهما "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن إبن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو9: 51: 56). وعلي الصليب كان كل اهتمامه بخلاص البشر، وبالمغفرة حتى لصالبيه، وبالفردوس للص اليمين. كما اهتم بأمه القديسة العذراء، وبتلميذه القديس يوحنا. أحيانًا يكون اهتمام الإنسان، وأن يصل إلى غرض ما: وربما لا يكون غرضًا روحيًا، وإنما هو إثبات الذات ووجودها، أو (ارتفاعها) بطريقة ما. وفى سبيل هذا الوصول، لا يهتم بالوسيلة ماذا تكون: روحية أو غير روحية. لا يهمه أن تكون حيلًا بشرية أو عالمية، أو طرقا خاطئة. تركيز الاهتمام كله في الوصول إلى الغرض، حتى لو ضيع هذا الإنسان نفسه. مثلما فعل آخاب الملك في الحصول على حقل نابوت اليزر عيلى، وما فعلته الملكة إيزابل في سبيل إن يصل زوجها إلى غرضه، ولو بالجريمة، والإتمام الباطل لنابوت، وشهود الزور. حتى نال كلاهما عقوبة من الله تناسب ذنوبهما (مل 21). وبالمثل ما فعلته رفقة لكي ينال غبنها بركة ابيه. ومع إن الغرض هنا كان روحيًا، إلا أن التركيز علية افقدها الوسيلة الصالحة. فاستخدما إسلوب الخداع (تك 27) وبالمثل قد يهتم خادم آخر إن يملا عقول سامعيه بالمعلومات لا في الروحيات..! أو أب كل اهتمامه أن يلقن أولاده كلامًا من الكتاب يحفظونه. ولا يهتم بالتداريب الروحية التي تعمق صلتهم بالله. والكتاب يقول "افعلوا هذه، ولا تتركوا تلك" (مت 23: 23). ولعلنا بعد كل هذا، نسال بأي شيء يجب أن نهتم؟ عن ربنا يسوع المسيح يقول في العظة على الجبل: اطلبوا أولا ملكوت الله وبره (مت 6: 33). |
||||
20 - 01 - 2014, 03:21 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
ثلاثة مستويات للفضائل الطموحات هناك ثلاثة مستويات يسلك فيها غالبية البشر من جهة الفضيلة أو الطموحات، وهي المستوي الفردي، والمستوي الاجتماعي، والمستوي الروحي. قد يختار البعض مستوي واحدًا منها، وقد يجمع البعض بين مستويين. والقليل من يحسن السلوك في المستويات الثلاثة. والبعض قد يكون سلوكه في هذه المستويات أو بعضها بحكمة، والبعض قد ينحرف. وسنحاول أن تشرح هذه المستويات.. المستوي الفردي فيه يحاول الإنسان أن يبني ذاته في فضائل معينة، أو في طموحات أو صفات فاضلة، ترفع مستواه من الناحية الفردية. كأن يهتم بعقله وذكائه وفهمه. وينمي مواهبه في ذلك، أو يعمل علي إكتساب مواهب أخري. وربما يدخل في تدريبات عقليه لتنمية الذاكرة، أو الفهم أو الاستنتاج، أو سرعة البديهة، أو حل مشكلان عقلية أو ألغاز لتنمية الذكاء، أو قوة الملاحظة. فيصير شخصًا لمحًا، يدرك بشرعة ما لا يدركه غيره، ويظهر إلي الأمر الواحد من عدة زوايا، ويعمل حسابات وتوقعات لكل ردود الفعل لي عمل يقوم به. وبهذا يكتسب فراسة في أمور متعددة.. وقد يهتم الإنسان بثقافته ومعرفته. فيضيف إلي عقله وذكائه كثيرًا من المعلومات والمعارف. في كثير من العلوم والفنون. ويصبح واسع الإطلاع. له دراية بكثير من الأمور، سواء من الناحية النظرية، أو الناحية العلمية والخبرة. وقد يهتم أيضا بأن تكون له نفسية سوية. نفسية بعيدة عن الخوف والقلق والاضطراب والتردد والشك. وما إلي ذلك من الأمراض النفسية. وإن كان فيه شيء من هذا كله، يحاول أن يحلله ويعرف أسبابه، ويعالجه حتى لا يقع. بل يضل إلي الصفاء النفسي. وطبعًا في كل ذلك يمارس الحكمة التي تقول أعرف نفسك". وقد يهتم البعض برفاهية هذه النفس ومتعتها. ويحيط نفسه بكل ما يمكنه من اسباب التسلية والمتعة، ويحرص أن تكون برئية، بحيث يقضى وقته فيها يلذه نفسيًا من مصادر الترفيه، من قراءة والعاب وموسيقي، وسائر أنواع الفنون التي يمارسها أو يشاهدها , والبعض يجد متعة في أنواع من الرياضة يتدرب عليها شخصيًا، وقد ينبغ فيها، أو يعجب بأبطالها، ويجد متعته في مجرد الفرجة أو تتبع أخبارها. وقد يهتم البعض بقوة جسده أو صحته. ويري أن العقل السليم في الجسم السليم، وأن صحة الجسد تساعد علي رفاهية الحياة والبعد عن المرض والألم. وهذا النوع قد يضع لنفسه نظامًا ثابتًا في الراحة، لا يتعداه مهما كانت الأسباب، أو نظامًا في الرياضة يقوم به يوميًا، أو نظامًا في التغذية يضبط نفسه فيه إلي ابعد الحدود، وكذلك يتبع نظامًا في الصحة وفي تقوية جسده. أن كان رجلًا، يهمه قوة جسده وصحته. وإن كانت امرأة، يهمها جمال الجسد ورشاقته. وكل من الاثنين يبذل وقتًا من أجل الجسد والاهتمام به. وغالبية الناس -من الناحية الفردية- يهمهم النجاح في الحياة. سواء الطالب في دراسته، أو الموظف في عمله،أو رجل الأعمال في مشوعاته، وبالمثل العالم والمفكر. كذلك بر الأسرة يهمه أن يكون ناجحًا في حياته العائلية. وصاحب كل مسئولية يهمه النجاح في مسئوليته. ولكن يختلف الناس في مستوي النجاح الذي يسعون إليه: هل هو نجاح عادي، أو متفوف، أو نجاح عبقري له رقم قياسي. كما يختلف الناس أيضًا في طريقة الوصول إلي هذا النجاح. البعض قد يقيس نجاحه بالمركز الذي يصل إليه في حياته العلمية. والبعض الآخر يقيس نجاحه إتقانه للعمل الذي يعمله، مجردًا من عنصر المكافأة عليه.. كل هذا وما يشبهه يدخل في المستوي الفردي. المستوي الاجتماعي الفضائل التي يمارسها الإنسان علي المستوي الاجتماعي، هي الفضائل التي تمارسها وسط الناس أو في العلاقات مع الناس. ولها أمثلة كثيرة منها: 1- فضيلة الاحتمال وعدم الغضب أو النرفزة.سواء الغضب داخل نفسه من تصرفات تحدث له من آخرين، أعني الغضب المكبوت أو غضب ثائر لا يستطيع ضبطه، ويكون له أثره في علاقاته مع غيره، مع ما يصاحب هذا الغضب من أخطاء ومن قرارات لها خطورتها. فالإنسان الفاضل علي المستوي الاجتماعي يضبط نفسه وقت الغضب. ويحرص علي ألا تصدر منه إهانة لغيرة أثناء غضبه، ولا جرح لشعور. لا بكلمة شتيمة ولا بكلمة تهديد. كما يحرص ألا يعلي صوته، ولا يفقد أعصابه. إنما يكون متزنا مالكًا لنفسه، لا تزعزعه إساءة غيره ولا تهبط بمستواه. كذلك في غضبه لا يستخدم العنف الجسماني، كالذي يدخل في عراك يستعمل فيه الضرب واللكم أو ما هو أسوأ من ذلك. فإن هذا كله يهبط بمستواه الاجتماعي. وبعض الناس -حتى من غير المتدينين- يحترسون جدًا، فلا يهبطون إلي هذا المستوي من النرفزة، حرصًا علي كرامتهم الاجتماعية وسمعتهم وسط الناس. 2- البعد عن الغضب فضيلة سلبية، تقابلها إيجابيًا البشاشة والوداعة. فالإنسان الفاضل إجتماعيًا يكون بشوشًا، له ملامح مريحة تجعل الآخرين يحبونه. وقد يتصف بالمرح البرئ وباللطف وبروح الدعابة، فيفرح من يختلط به، وتلذ له عشرته. وتتبسط علي جلسته مع الآخرين روح الصفاء والود. ويتصف بالوداعة وطيبة القلب. وسعة الصدر في التعامل من الآخرين. ولا يسمح بأن تتأزم الأمور بينه وبين غيره. وما أسهل ان يرد علي إساءة الغير بفكاهة تجعله يبتسم، وينصرف روح التوتر. وهكذا ينطبق عليه الوصف العامي (إنسان بحبوح). وعكس ذلك كله -من الناحية الاجتماعية- الإنسان النكدي. الذي بروح النكد يخسر لناس، ويبعد الآخرين عن عشرته خوفًا من أن يفقدوا سلامهم الداخلي،ومن أمثله ذلك الزوجة النكدية التي تقابل زوجها بالبكاء والحزن، والتحقيقات الكثيرة، والعتاب الشديد علي أتفه الأمور.. وبهذا تجعل زوجها يهرب من منزله، ويفضل قضاء الوقت مع أصدقائه بعيدًا عن النكد.. 3- من الفضائل الاجتماعية أيضًا التعاون وحسن التعامل وخدمة الغير... فهو لا يعيش لنفسه فقط، إنما يكون خدومًا، يساهم مع الآخرين في أمورهم، ويتعاون معهم. ولا يدخل في مشاكل مع أحد، ويتحاشى كل ما يضر بالغير. بل يجدون فيه حسن التعامل، فيطمئنون إليه ويحبونه، ويتبادلون معه نفسه الروح والأسلوب ويرتبط بالصداقة مع كثيرين. 4- ومن الفضائل الاجتماعية ما يتعلق باللسان والكلام. طبعًا فضائل اللسان لا تكون إطلاقًا علي المستوي الفردي، لأن الكلام يكون مع الآخرين. والكلام له خطورته كما قال الرب "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت37:12). فإنسان بكلامه يدخل نفسه في مشاكل، وتكرهه الناس أو تتحاشاه. وإنسان آخر له الكلمة الحلوة التي يجذب الناس إليه. فهو اللسان النقي، الذي لا يجرح ولا يحرج... ومن فضائل اللسان: الصدق. فالإنسان الصادق هو موضع ثقة الناس، يطمئنون إلي صحة كلامه وشهادته، وإلي صحة ما ينقله من أخبار، وبخاصة إذا كان يتصف بالدقة التامة وبعدم المبالغة. أما الكذوب فيفقد ثقة الآخرين، وبخاصة إذا إنكشف، فصار يغطي كل كذبة يقولها بكذبة أخرى. والكاذب يفقد احترام الآخرين، مهما كان مركزه. بينما الإنسان الصادق يحترم الناس شخصيته، كما يحترمون كلمته. ومن فضائل اللسان أيضًا عفة الكلام. فهناك ألفاظ لا يستطيع الإنسان العفيف أن ينطق بها، إن كانت خارجة عن حدود الأدب أو الذوق، أو تخدش مسامع الآخرين. ولذلك فالإنسان الفاضل إجتماعيًا يكون مهذبًا في ألفاظه، ينتقيها انتقاء.. حتى إن تحدث عن شيء ردئ، ينتقي اللفظ الهادئ غير المكشوف غير الجارح. ومن أمثلة ذلك قول السيد المسيح للمرأة السامرية "كان لك خمسة أزواج. والذي لك الآن، ليس هو زوجك" (يو18:4). وكلمة الرب هنا لها عمقها الإجتماعي، وعمقها الروحي أيضًا.... وعفة اللسان أيضًا، تبعد عن الألفاظ الجنسية، وعن الفكاهات الرديئة، وعن الشتيمة والسباب، وعن التشهير ومسك سيرة الآخرين، وتبعد عن أفاظ المجون، وعن تناول الآخرين بالتهكم والحط من قيمتهم... كل هذه يبعد عنها الإنسان الاجتماعي الفاضل، حتى لو لم يكن متدينًا. والاجتماعي الفاضل تكون للسانه أيضًا إيجابيات. فالذي يسمع إليه، يستفيد من عمله ومعرفته، بل ومن إسلوب كلامه أيضًا. وهو لا يضيع وقت غيره في ثرثرة، ولا يتحدث في أمور ليست من تخصصه، بل يقول الكلمة المتزنه، الكلمة الموثوق بها التي لها مراجعها، والكلمة التي تضيف إلي سامعه نفعًا يحتاج إليه، ربما وصل غليه المتكلم بعد دراسة وفحص وتحقق... 5- ومن الفضائل الإجتماعية أيضًا: العطاء، والشفقة، والإخلاص. كما لو كان هذا الإنسان الإجتماعي كل من يقابله يأخذ منه شيئًا.. إن لم يكن نفعًا ماديًا، فعلي الأقل يدرك أنه يشعر به وباحتياجه، ويحس ظروفه ويتعاطف معه في إشفاق. ويعامله بكل إخلاص. ونحن نري أن المؤسسات الإجتماعية هدفها هو الإشفاق علي الناس، وسداد إحتياجاتهم، ووسيلتها العطاء باستمرار، في غير إحراج، وفي غير بخل وتقتير.. 6- كذلك الإنسان الإجتماعي الناجح هو إنسان عادل منصف. يعطي كل ذي حق حقه، لا يظلم أحدًا، ولا ينحاز إلي أحد ضد أحد. بل يكون منصفا في كل أحكامه ومعاملاته. ويأخذ حق الآخرين حتى من نفسه. ولا يمكن أن يرتفع علي حساب غيره، أو يرتاح علي تعب غيره. وهو مستعد أن يعتذر لأي أنسان له حق عليه، وينصفه ويعطيه حقه. وبهذا يكون محترمًا ومحبوبًا... ما أكثر الفضائل الإجتماعية التي ترتبط بالتعامل. ولكن هناك صفة ترتبط بالشخص الإجتماعي نفسه وهي: 7- الإنسان الإجتماعي الناجح، يتصف بالنشاط والحيوية. فلا يكون ابدًا في المجتمع الذي يعيش فيه. إنه هو شعله من نشاط، أينما حل يملًا المكان حركة وبركة. وكل مسئولية يقوم بها، يظهر فيها إنجازه وإنتاجه. ويشعر الكل أنه دائمًا يعمل، لا يكسل ولا يبحث عن راحته بقد ما يبحث عن نجاح العمل. وهكذا يعجب الناس بحيويته، فيصبح موضع ثقة في كل ما يتولاه من مسئوليات، ويرشحونه لمسئوليات أكبر. ننتقل بعد هذا إلي المستوي الروحي: المستوي الروحيوهو يختص بالقلب ونقاوته. وبالروح ومدي علاقتها بالله. غير أن البعض قد يهتم في حياته الروحية وبعلاقات خارجية مع الله في الصلاة والصوم، وقراءة الكتاب المقدس، وحضور الكنيسة وممارسة أسرارها، مع بقاء القلب بعيدًا لا صلة له بالله، ولا مشاعر حب، ولا حتى مشاعر خشوع، بل ينطبق عليهم قول الرب: "هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (أش13:29) (مت8:15). هذا الوضع رفضه الرب في العهد القديم أيام أشعياء النبي (اش1-11 -16). وأيضًا هذه المظاهر الزائفة ورفضها السيد المسيح من الكتبة والفريسيين المرائين، الذين "لعلة يطيلون صلواتهم" (مت14:23).وقال عنهم أنهم "مثل قبور مبيضة تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت27:23). وهذا النوع الذي يهتم بالمظاهر، وربما يركز اهتمامه في الخير الخارجي، إما لمجرد أن يكون قدرة لغيره، أو ينال مديحًا من غيره، أو يبعد عن نقد الناس، ولا يكون عثرة لهم.. بينما محبة الخير ليست في قلبه!! مثل الذي يقدم إحسانًا لفقير، ومحبة الفقير ليست في قلبه ولا أيضًا محبة الإحسان..أو مثل الذي يصوم في شكلية الصوم دون روحانية، وتظهر محبة الطعام أثناء صومه - بأنواع وطرق شتي... هذه المظاهر التي تأخذ شكلًا روحيًا، ليست هي المستوي الروحي الذي تعنيه...! هذا هو المستوي الذي يصلي فيه الإنسان في حب لله، وفي خشوع قدامه، وبكل حرارة وبكل إيمان. كما يقول المرتل في المزمور (محبوب هي أسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي) (مز119). ويقول له أيضًا (كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه، كذلك اشتاقت نفسي إليك يا الله) (مز1:42). (عطشت نفسي إليك). (مز1:63). وهو حينما يصوم، يكون ذلك زهدًا في الطعام، وليس مجرد امتناع عنه. فتصوم نفسه كما يصوم جسده، ويرتفع عن مستوي المادة لكي تسبح روحه في الإلهيات والسماويات.. وهذا المستوي الروحي تكون العبادة فيه مجرد ثمرة للإيمان الذي في القلب. ولا يكتفي الإنسان في هذا المستوي بالعبادة، بل تكون له ثمار الروح أيضًا (غل5: 22، 23). نقول ذلك لأن البعض يظن أن الروحيات هي مجرد الصلاة والصوم في الكنيسة. وينس ما قاله الرسول (ثمر الروح: محبة فرح سلام، طول أناه، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف) (5: 22،23)... هذه الثمار هي تعبير عن الإيمان الحي. لأنه كما يقول السيد الرب (من ثمارهم تعرفونهم) (مت20:7). لأن كل شجرة جيده لابد تصنع ثمرًا جيدًا.. والمستوي الروحي هو حياة القداسة التي تنمو حتى تصل إلي حياة الكمال ولا تقتصر محبتها لله علي ذاتها، بل تنشر محبته أيضًا وسط الآخرين. وإذا وصل الإنسان إلي المستوي الروحي، يأخذ عنده المستوي الفردي والمستوي الاجتماعي معني أعمق.. فيصبح المستوي الفردي عنده من أجل ملكوت الله. ويصل به الاهتمام بالذات إلي بذل هذه الذات. ويضع أمامه قول السيد الرب: (من وجد نفسه يضيعها. ومن أضاع ذاته من أجلي يجدها) (مت39:10) . والمستوي الروحي أيضًا يعطي المستوي الاجتماعي طابعًا روحيًا. يكون الشخص الروحي في المجتمع، إنسانًا خدومًا عن حب، يتعاون مع الكل ولكن في كل ما هو خير وبر. ويعطي كل من يقابله حبًا روحيًا، وأمثولة طيبة، ومعونة بكل كرم بل وبكل بذل، وفي الخفاء أيضًا. ويكون محترمًا من الكل لنقاوة قلبه وعفة لسانه، ليس لطلب مديح من الناس وإنما لأن: الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات" (مت35:12). المستوي الروحي هو المستوي العالي الذي يمهد له المستوي الفردي والمستوي الاجتماعي. فيلو فوقها دون أن يلغيها، بل يمنحه مسحة من روحانيته. |
||||
|