منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 29 - 11 - 2023, 06:16 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

ما هي أعمال الرَّحمة التي سيُديننا عليها يسوع المَلِك في يوم الدَيْنونَة؟




ما هي أعمال الرَّحمة التي سيُديننا عليها يسوع المَلِك في يوم الدَيْنونَة؟



إن انتظار عودة المسيح كديّان للأحياء والأموات هو جزء لا يتجزأ من قانون الإيمان المسيحي: " أؤمن بربٍّ واحدٍ يسوع المسيح ... سياتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات". يصف إنجيل متى تصويرًا نبويًا للدَيْنونَة الأخيرة، كأنَّه يراها بعينيه على ضوء كلام الله. يأتي ابن الإنسان كدَيَّان في نهاية الأزمنة، وهو يأتي من السَّماء ليدين لا الشَّعب المختار فحسب إنَّما الشعوب كلها (مرقس 14: 62). الرَّب يسوع يأتي في مجده (متى 16: 27) كالمَلِك فيدين جميع الشُّعوب، كما وصفه صاحب الرؤيا "رَأَيتُ الأَمواتَ كِبارًا وصِغارًا قائِمينَ أَمامَ العَرْش. وفُتِحَت كُتُبٌ، وفُتِحَ كِتابٌ آخَرُ هو سِفرُ الحَياة، فحوكِمَ الأَمواتُ وَفقًا لِما دُوِّنَ في الكُتُب، على قَدرِ أَعْمالِهم"(رؤية 20: 12). يُحشر النَّاس في يومه لدى عرشه المجيد ليَدينهم على أعمال الرَّحمة.



الرَّحمة هي فضيلة تُؤثر على إرادة الشَّخص جاعلة إياه يشعر بالتَّعاطف مع الآخرين وتخفيف شِدَّتهم. ويُعلق البابا فرنسيس "حيث تغيب الرَّحمة يغيب العدل، وشعب الله يعاني اليوم من العدالة الخالية من الرَّحمة. ويعدد التَّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة " أعمال الرَّحمة هي أعمال المَحَبَّة التي تساعد بها القريب في ضروراته الجَسديَّة والرُّوحيَّة. التَّعليم، والنُصح، والتَّعزية، وتقوية العَزم، وأعمال رحمة روحيَّة مثل المَغفرة والاحتمال بصبر. وتقوم أعمال الرَّحمة الجَسديَّة خصوصًا على إطعام الجِياع، وإيواء من ليس لهم منزل، وإكساء ذوي الثياب الرَّثة، وعيادة المرضى وزيارة السُّجناء ودفن الموتى"(التَّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة، 2447). وسمَّت الكنيسة هذه التَّصرّفات "أعمال الرَّحمة الجَسديَّة" لأنّها تُنقذ الأشخاص في حاجاتهم الماديَّة". ويشهد صاحب المزامير على علامات الرحمة الجسدية التي تجعلنا نتمثل بالله الرحيم: "مُجْري الحُكْمِ لِلمظْلومين رازِقِ الجِياعِ خُبزًا. الرَّبُّ يَحُلُّ قُيودَ الأَسْرى. الرَّبُّ يَفتَحُ عُيونَ العُمْيان الرَّبّ يُنهِضُ الرَّازِحين. الرَّبّ يُحِبُّ الأبْرار. الرَّبُّ يَحفَظُ النّزلاء ويؤَيّدُ اليَتيم والأَرمَلَة ويُضِلُّ الأَشْرارَ في طَريقِهم" (مزمور 146، 7-9). ويعلق البابا فرنسيس " إّن أعمال الرَّحمة هذه هي ملامح وجه يسوع المسيح الّذي يعتني بإخوته الصّغار ليحمل لكلّ واحد منهم حنانَ الله وقُرْبَه" (مقابلة 12/10/2016).



الأساس الإنجيلي لأعمال الرَّحمة ما علمه عن الدَيْنونَة الأخيرة وكيف أن الله سيُحاسبنا على تعاملنا مع إخوته: يقف كل إنسان بين يدي الرَّبَّ يسوع المَلِك ليُؤدِّي له حِسابًا. ولا يسال النَّاس عن أديانهم، ولا عن طوائفهم، ولا عن أموالهم، ولا عن بنوكهم، ولا عن قصورهم، وعلى عن مناصبهم، ولا عن بطولاتهم، ولا عن تكنولوجيَّاتهم، إنما يسألهم عن موقفهم تُجاه الفقراء والمساكين. يسألهم عن أعمال الرَّحمة التي مارسوها أو لم يمارسوها تُجاه المُحتاجين من جياع وعطاش وغرباء ومرضى وسجناء كما ورد في إنجيل متى: "يَقولُ المَلِك لِلَّذينَ عن يَمينِه: تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلِكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ"(متى 25: 34-35). فالأساس الإنجيلي لأعمال الرَّحمة ما علَّمه يسوع عن الدَّينونة الأخيرة. ومن هذا المنطلق يذكر النَّص الإنجيلي أعمال الرَّحمة الجسديَّة التَّاليَّة:



1) إطعام الجَائعين "جُعتُ فأَطعَمتُموني":



أوصى الله بالفقير قائلا: "اِفتحْ يَدَكَ لأَخيكَ المِسْكينِ والفَقيرِ الَّذي في أَرضِكَ" (تثنية 15: 11)، وقال يسوع "مَن كانَ عِنَده طَعام، فَليَعمَلْ كَذلِك" (لوقا 3: 11) شعر يسوع في عمق قلبه بشفقة كبيرة يسوع، إزاء الجموع التي كانت تتبعه، وإذ رأى أنهم تعبون ورازحون، بالقليل من الخبز والسمك أشبعهم (متى 15، 37). "إذا أَقَمتَ مَأَدُبَة فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان. فطوبى لَكَ إِذ ذاكَ لِأَنَّهم لَيسَ بِإِمكانِهِم أَن يُكافِئوكَ فتُكافَأُ في قِيامَةِ الأَبرار" (لوقا 14: 13-14) ويُعلق القِديس قبريانس "كيف يُمكنه أن يَحُثُّنا على أعمال البِرّ والرَّحمة أكثر من قوله إن ما نعطيه للفقراء والمحتاجين إنّما نقدّمه له هو نفسه". ومن أمثلة إطعام الجِياع ما جاء في سفر الملوك، إذ أطعم إيليا النَّبي ارمله صرفت (1ملوك 17: 10-15)؛ وأطعم بوعز صاحب الحقول وراعوتُ الموآبِيَّةُ، كما جاء في سفر راعوت: "لَمَّا كانَ وَقتُ الأَكْل، قالَ لَها بوعَز: هَلُمِّي إلى ههُنا وكُلي مِنَ الخُبزِ واغمِسي لُقمَتَكِ في الخَلّ " (راعوت 2: 14-17). ولا ننسى ما جاء في الوحي: "مَن يَرحَمِ الفَقير َيُقرِضِ الرَّبّ فهُو يُجازيه على صَنيعِه" (أمثال 19: 17). ويُعلق القِدّيس أوغسطينوس "الذِين أظهروا الرَّحمة، سيُحكمون بالرَّحمة (لوقا 6: 37). لأنّه يَنسب لهم أعمال الرَّحمة، "لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني" (متى 25: 41) " (حديث عن المزمور 96: 14-15).



نستنتج مما سبق أنَّ الرَّب سيحاكمنا بموجب علاقتنا معه من خلالهم. انه يتقمص نفسيَّة هؤلاء الصغار والفقراء "كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متى 25: 40). ويعلق البابا فرنسيس في أول يوم عالمي للفقراء 2017: "هؤلاء الأخوة الصغار المفضّلون لدي يسوع، هم الجَائع والمريض، الغَريب والسَّجين، الفقير والمتروك، والمتألم الذي لا يتلقى المساعدة، والمُحتاج المهمّش. وأشار أيضًا إلى أنه عن طريق الفقير يقرع يسوع باب قلبنا" (عظة 62/2/2016). يسوع قريب من كلِّ واحدٍ، ويقابل كلَّ واحد. هو ليس فقط فوقنا في سمائه البعيدة. بل بيننا، على شوارعنا المُغْبَرَّة، وفي سجوننا وفي مستشفياتنا، ساكنا بين الذِين لا سُكنى لهم، يرافق النَّازحين والمطرودين من بلادهم، لذلك لا داعي للمسيحي أن يخاف يوم الحِساب، لانَّ المبدأ الذي يجري يسوع حسابه عليه هو أفعال الرَّحمة التي يفعلها بالبشر. وهي تحسب إنَّها فعلت بالمسيح، وهذا خير اطمئنان له.



2) سقي العطاش: "عَطِشتُ فسَقَيتُموني"



عمل الرَّحمة الثاني "عَطِشتُ فسَقَيتُموني" ومن الأمثلة على ذلك قول المسيح: "مَن سَقى أَحَدَ هَؤلاءِ الصِّغارِ، وَلَو كَأسَ ماءٍ باردٍ لأَنَّه تِلميذ، فالحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ أَجرَه لن يَضيع " (متى 10: 42)، إذ "كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متى 25: 40). لذا يُوصينا القِديس أمبروسيوس بقوله: "اخدموا الفقراء تخدمون المسيح". ويُعلق التَّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة " الإحسان إلى الفقراء هو من الدَّلالات الرَّئيسة على المَحَبَّة الأخويَّة: وهو ممارسة للعدالة ترضي الله (متى 6: 2-4)" (بند 2447).



3) إيواء الغرباء: "كُنتُ غَريبًا فآويتُموني"



الغَريب حسب الإنجيل هم الوَثنيُّون، السَّامريُّون، العشَّارون، البُّرص، الزناة... أي شخص غير يهودي كان غريبًا. وإن الغَريب في كل الثقافات هو مصدر خَوف، لأنَّه مُختلف عنَّا في التَّفكير، غَريب في أسلوب الحديث، غَريب في أسلوب إقامة العلاقة. وأوَّل ما نصادف شخصًا هكذا، نقول: "لا"، وممكن أن ننتقد، نتذمر، نتجنب ونهرب. لكنَّ يسوع يقول لنا هنا أن نأوي الغَريب، وضرب مثل السامري الرحيم الذي أسعف الغريب الذي وقع بين أيدي اللصوص: " ووَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودَفَعهما إِلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: " اِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي" (لوقا 10: 33-36). وفي موضع آخر قال يسوع: " مَن قَبِلَكم قَبِلَني أَنا، ومَن قَبِلَني قَبِلَ الَّذي أَرسَلَني. مَن قَبِلَ نَبِيًّا لأَنَّه نَبيٌّ فَأَجرَ نَبِيٍّ يَنال، ومَن قَبِلَ صِدِّيقًا لأَنَّه صِدِّيقٌ فَأَجرَ صِدِّيقٍ يَنال " (متى 10: 40-42) " كُونوا لِلقِدِّيسينَ في حاجاتِهِم مُشارِكين وإلى ضِيافةِ الغُرَباءِ مُبادِرين" (رومة 12: 13)، "لا تَنسَوُا الضِّيافَة فإِنَّها جَعَلَت بَعضَهم يُضيفونَ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدْرون" (عبرانيين 13: 2)، كما حدث في ضِيافة أبانا إبراهيم إلى ثلاث رجال حلوّا عليه ضُيوفًا في خيمته في مَمْر الخليل. (التَّكوين 18: 2-5)، وضيافة لوط إلى الرَّجال الذِين حلُّوا عليه في سدوم (التَّكوين 19: 1-3). وكيف نستقبل الضُّيوف؟ وتجيب القِديسة تريزا للطفل يسوع: إن أتى أحدٌ إليك، لا تدعه يتركك إلاّ وهو أفضل حالاً، وأكثر سعادة ممّا كان عليه قبل زيارتك. يكن التَّعبير الحيّ عن محبة الله: في وجهك، في عينيك، في ابتسامتك، وفي ترحابك الحارّ". وفي هذا الصدد يقول البابا فرنسيس: "الرحمة هي الشريعة الأساسية التي تسكن في قلب كل من ينظر بعيون صادقة إلى الأخ الذي يلتقي به على طريق الحياة" (المرسوم للسنة اليوبيلية الاستثنائية تحت شعار "رحماء كالآب"، رقم 2).



4) إكساء العراة: " كُنتُ عُريانًا فَكسَوتُموني"



يوضَّح يوحنا المَعمدان عن إكساء العراة بقوله "مَن كانَ عِندَه قَميصان، فَليقسِمْهُما بَينَه وبَينَ مَن لا قَميصَ لَه" (لوقا 3: 11)، وفي موضع آخر يقول الإنجيل " فتَصَدَّقوا بِما فيهِما، يَكُنْ كُلُّ شَيءٍ لكُم طاهِرًا" (لوقا 11: 41) ويُشدّد يعقوب الرَّسول على العمل لا على الكلام بقوله: " فإِن كانَ فيكُم أَخٌ عُريانٌ أَو أُختٌ عُريانَةٌ يَنقُصُهما قُوتُ يَومِهِما، وقالَ لَهما أَحدُكم: ((اِذْهَبا بِسَلام فاستَدفِئا واشبَعا)) ولم تُعطوهما ما يَحتاجُ إِلَيه الجَسَد، ماذا يَنفَعُ قَولُكُم؟" (يعقوب 2: 15-16). ومن أمثلة كساء العريان ما قامت به طابيثة للأرامل في يافا، إذ لما وَصَلَ بطرس إليها "أَقبلَت علَيه جَميعُ الأَرامِل باكِياتٍ يُرينَهُ الأَقمِصَةَ والأَردِيَةَ التي صَنَعَتها ظَبيَةُ إِذ كانَت معَهُنَّ" (أعمال الرسل 9: 39).



5) زيارة المرضى: " كُنتُ مَريضًا فعُدتُموني



شعر يسوع في عمق قلبه بشفقة كبيرة تجاه المرضى وشفى الذين كانوا يُقدَّمون له (متى 14، 14). وعلى خطى يسوع علينا أن نشفق على المرضى ونزورهم. لا تعني زيارة المرضى تعزيتهم فقط، بل الاعتناء بهم وخدمتهم ومساعدتهم، كما فعل السامري الرحيم (لوقا 10). فلا عَجب أن يُوصي يعقوب الرَّسول " هل فيكُم مَريض؟ فلْيَدْعُ شُيوخَ الكَنيسة، ولِيُصَلُّوا عليه بَعدَ أَن يَمسَحوه بِالزَّيتِ بِاسمِ الرَّبّ" (يعقوب 5: 14). والأمثلة على ذلك ما فعل السَّامري الرَّحيم "وَصَلَ إِلَيه سَامِرِيٌّ مُسافِر ورَآهُ فأَشفَقَ علَيه، فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتًا وخَمرًا، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ أَخرَجَ دينارَيْن، ودَفَعهما إلى صاحِبِ الفُندُقِ وقال: ((اِعتَنِ بِأَمرِه، ومَهْما أَنفَقتَ زيادةً على ذلك، أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِندَ عَودَتي" (لوقا 10: 33-35)، ومثال آخر على ذلك فرنسيس الأسيزي، الذي أحتضن الأبرص وقبّله، وأبدى له الرَّحمة؛ وبعد القيام بذلك، وأدرك مدى حضور الرَّب في ذلك الشَّخص الذي غيّر حياته. ومن يقدر أن ينسى كلمات الأم تريزا حيث قالت: "في المُناولة نقابل يسوع تحت شكلي الخبز والخمر، بينما في شوارع كالكوتا فإنّنا نلمس جسده في المرضى".



6) زيارة المَسْجونينَ: "كُنتُ سَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ"



لا تنحصر زيارة المَسْجونينَ بتوجيه كلمات التَّعزية والمُواساة لهم، بل افتقادهم في حاجاتهم واتخاذ الوسائل المشروعة إذا كانوا أبرياء لتخلية سبيلهم من السُّجون كما وصّى بولس الرَّسول" أُذكُروا المَسْجونينَ كأَنَّكم مَسْجونونَ مَعَهم" (عبرانيين 13: 2). ومن أمثلة زيارة المَسْجونينَ هي زيارة المَلِك صِدقِيَّا إلى إرميا الذي كان في جُب أَمَرَ المَلِك عَبدَ مَلِكَ الكوشيَّ قائِلاً: " خُذْ مِن هُنا ثَلاثينَ رَجُلاً تَحتَ يَدِكَ وأَخرِجْ إِرمِيا النَّبِيَّ مِنَ الجُبِّ قَبلَ أَن يَموت"(ارميا 38: 7-13)؛ وزيارة بولس الرَّسول إلى أُونِسِفورُس الذي كان في السِّجن في روما فعبَّر بولس عن زيارته " فإِنَّه شَرَحَ صَدْري مِرارًا ولَم يَستَحْيِ بِقُيودي" ( 2طيموتاوس 1 : 16-17)، فعلمنا المسيح أن نمارس أعمال الرَّحمة لجميع المُتضايقين والمُتألمين الذِين نلتقي بهم على دروب هذه الحياة. والعَالَم بحاجة إلى قلوب تنبض محبةً وعطفًا على من يحتاجون إلى خدمة القريب التي علّمنا إياها المسيح، هي الحلُّ الوحيد للمشاكل العَالَميَّة. إنّها الخِدْمَة التي تشفي العَالَم من الأنانيَّة، والبغضاء والظلم. الخِدْمَة التي تجمع ما تفرّق، وتبني ما تهدّم، وترفع من عثر وسقط. الخِدْمَة التي تعيد الأمل والرَّجاء إلى اليائسين، وإلى الذِين طعنتهم الأيام بحرابها ومزَّقتهم بنصالها.



تبرهن أعمال الرَّحمة على صدق محبتنا، كما يقول يوحنا الرَّسول " لا تَكُنْ مَحبَّتُنا بِالكلام ولا بِاللِّسان بل بالعَمَلِ والحَقّ " (1 يوحنا 3: 18)، وهذا ما أوصى به طوبيا البَار لابنه: "تَصَدَّقْ مِن مالِكَ ولا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير، فوَجْهُ اللهِ لا يُحوَّلُ عنكَ. تَصَدَّقْ بِما عِندَكَ وبِحَسَبِ ما يَتَوفَّرُ لَكَ. إِن كانَ لَكَ كَثير فآبذُلْ كَثيرًا، وإِن كانَ لكَ قَليل فآبذُلْ قليلاً، ولكِن لا تَخَفْ أَن تَتَصَدَّق. فإِنَّكَ تَذَّخِرُ لَكَ كَنْزًا حَسَنًا إلى يَومِ العَوَز. لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُنقِذُ مِنَ المَوت ولا تَدَعُ النَّفْسَ تَصيرُ إلى الظُّلمَة" (طوبيا 13: 6-10). فالرَّبّ يسوع يطلب منَّا الاهتمام الشَّخصي والعِناية باحتياجات الآخرين "أَلَيسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟" (أشعيا 58: 7).



دفن الموتى



ذكر العهد القديم دفن الموتى باحترام (طوبيا 2: 1-9). وذكر المسيح ستة أعمال فعلها الأبرار وأظهروا بها رحمتهم واستعدادهم ببذل أموالهم وأوقاتهم وقواهم وراحتهم في سبيل إخوة المسيح لأجل المسيح، ولم يذكر دفن الموتى. فهذا هو واجب طبيعي وبديهي على كل إنسان وفي جميع الشُّعوب والدَّيَّانات والحَضارات. ونظرًا إلى أهميَّة هذا الواجب الإيمانيّ أصبح عملاً من أعمال الرَّحمة، إذ يكمن في الإيمان في كرامة الشَّخص حتى لو كان ميتًا. ولا عجب إذا أدخلت الكنيسة في قانون الإيمان نفسه ذكر دفن السيد المسيح وجعلته جزءًا لا تجزأ من نواة الكرازة الرسولية الأساسية: "سَلَّمتُ إِلَيكم قبلَ كُلِّ شيَءٍ ما تَسَلَّمتُه أَنا أَيضًا، وهو أَنَّ المسيحَ ماتَ مِن أَجْلِ خَطايانا كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (2 قورنتس 15: 3-4).



يُقدّم لنا الكتاب المقدس بعض النَّماذج في كيفيَّة دفن الموتى، وذلك في دفن إبراهيم خليل الله بكل محبَّة واحترام (التَّكوين 25). ومثال آخر في طوبيا الذي أصبح مثالاً في هذا العمل الذي يتطلب أحيانًا شجاعة وبطولة، كما جاء في سفره: "ولَمَّا غَرَبَتِ الشَّمسُ، ذَهَبتُ فحَفَرتُ حُفرَةً ودَفَنت الجُثَّة. وكانَ جيراني يقولونَ ساخِرين: لم يَعُدْ يَخاف، فقَد سَبَقَ أَن سَعَوا إلى قَتلِه بِسَبَبِ مِثلِ هذا الأَمرِ، فهَرَب خُفيَةً، وها هوذا يَعودُ إلى دَفْنِ المَوت... فحينَ كُنتَ تُصَلِّي أَنتَ وسارة، كُنتُ أَنا أَرفعُ ذِكْرَ صَلاتِكُما إلى حَضرَةِ مَجْدِ الرَّبّ، وكذلك حينَ كُنتَ تَدفِنُ المَوتى" (طوبيا 2: 3-4). وفي الإنجيل المقدس أروع قدوة في هذا العمل، هو قدوة النِّساء التَّقيات، حاملات الطَّيب، ويوسف الرَّامي ونيقوديموس الذِين قاموا بدفن جسد السَّيد المسيح "في قبر جديد وبالطَّيب...اللفائف والكتّان"، (يوحنا 19: 41) أي بكل إيمان ومحبّة ورجاء فصحي.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تتمُّ الدَيْنونَة اليوم على المَحَبَّة التي نكنَّها لإخوتنا من خلال أعمال الرَّحمة
إّن أعمال الرَّحمة هذه هي ملامح وجه يسوع المسيح
أعمال الرَّحمة هي أعمال المَحَبَّة التي تساعد بها القريب
يدين يسوع المَلِك جميع الشُّعوب ويُجازيها على أعمال الرَّحمة
ما هي أعمال الرحمة التي سيُديننا عليها يسوع الملك في يوم الدينونة؟


الساعة الآن 01:02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024