"بالإيمان إبراهيم لما دُعى أطاع ... بالإيمان تغرَّب ... بالإيمان قدَّم إبراهيم اسحق وهو مُجرَّب"
(عب 11: 8 ، 9،17)
هذا الأصحاح (عب11) لا يعطينا تعريفاً للإيمان، لأن الإيمان ليس هو إلا قبول شهادة الله عن ابنه، ولكنه يُرينا عمل الإيمان ونشاطه. وهناك نرى أن نقطة ابتداء هذا الإيمان، وأول مظهر له هو الطاعة. آه ! هل نعلم أن أول خطوة في تاريخ الإيمان هو طاعة الله عندما يتكلم، وأنه يكلمنا بالمكتوب؟ إن كل جزء من الكتاب المقدس يفرض علينا التزام طاعته والخضوع له. حقاً أننا لو تناولنا الكتاب المقدس بهذه الروح واقتربنا إليه بهذه النية، فلا حصر للبركات التي نحصدها. علينا أن لا نقرأ أي أصحاح إلا ونسائل أنفسنا كيف نطيع ما قرأنا؟
إبراهيم أطاع وخرج من بلدته ومن عشيرته ودخل إلى أرض الموعد. هذان هما العملان الأولان للإيمان. وبعدئذ سكن هناك، هذا هو العمل الثالث. سكن هناك كما في أرض غريبة كنزيل وغريب لا يملك مكاناً. والنتيجة كانت بركة عظيمة له. لم يكن لعيني إيمانه أي غرض تستقران عليه هناك، ولذلك ارتفعتا إلى السماء فرأتا المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله، بهذه يعلق إيمانه. ونحن نعرف أكثر منه ما هي أورشليم الجديدة. نعرف أمجادها التي لم تُعلن له تفصيلاتها، ولكن هل نحن متمتعون بها كما تمتع بها إيمانه؟ لكي نصل إلى هذه الحالة، يجب أن تكون قلوبنا مثل قلبه - غير موزعة بين الأرض والسماء. أعطاه الله مواعيد تمسّك بها إيمانه وقد تركزت جميعها في شخص واحد - ابن وحيد - اسحق. جمهور كبير ونسل عظيم كنجوم السماء في الكثرة سيخرج من هذا الابن. وهنا وصل فرح إبراهيم إلى منتهاه.
ولكن الله يأتي إليه يوماً ويقول: اذهب إلى مُريا وقدم هناك اسحق مُحرقة. كم كان وقع أمر كهذا على قلب إبراهيم الآب! ولكن إبراهيم لم يعارض ولم يتضرع لله لكي ينجى اسحق. لم يبكِ ولم ينح ولم يصرف أيامه ولياليه في الحزن والحداد، بل بالإيمان قبل التضحية بلا تردد، وقال فقط "يهوه يرأه" لأن إيمانه لم يشك في وعد الله، ولذلك ترك أمر تتميمه لله. قال في نفسه: مادام الله قال لي "باسحق يكون لك نسل" فلابد أنى سآخذه بالقيامة. أضاف إبراهيم عملاً جديداً على أعمال إيمانه وذهب إلى مُريا ومن هناك عاد حاملاً وعد الله فيما يتعلق بالمسيح.