رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصـلاة - لماذا أحتاج للصلاة ولماذا أُصلي · (ثالثاً) ما هو دليل الحياة، أو كيف أعرف إني أنا إنسان مسيحي حي !!!الإنسان الحي له ملامح سلوكية طبيعية تدل على حياته، مثل التنفس الحاصل طبيعياً بدون أن ينتبه أحد أنه يتنفس أو حتى يُفكر كيف يتنفس أو يبذل جُهده لكي يستنشق الهواء الطبيعي، أو حتى يستمع لنصيحة من أحد يقول له ينبغي أن تتنفس أو جاهد في سبيل التنفس، لأن التنفس شيء تلقائي طبيعي في حياة الإنسان، بل لو توقف عن التنفس لا يحتمل، بل بالضرورة يحدث له اختناق شديد يؤدي إلى الوفاة. هكذا هي الصلاة، فهي حالة طبيعية للإنسان الذي دخل في سرّ الحياة الجديدة في المسيح يسوع، لذلك المسيح الرب لم يفرض الصلاة على أحد بل قال لتلاميذه: "متى صليتم" (لوقا 11: 2) فالصلاة مثل التنفس أو دقات القلب، ليست قانون ولا فرض ولا إرشاد ولا توجيه، ولا حتى عقيدة أو منهج أكاديمي دراسي، ولا أبحاث تحت مجهر، ولا تدريب روحي، أو إدراك عقلي مُقنع، بل هي طبيعة الإنسان الجديد الحي بالله الذي له تواجد في الحضرة الإلهية كابن لله في الابن الوحيد. فأي ابن لا يعيش في محضر أبيه أو يستمع إليه أو يُكلمه !!! بل هذا الحديث (بين الابن وأبيه) يحدث طبيعياً ولا يحتاج لا لمعرفة أو لتعليم أو تدريب أو جهد مبذول بمشقة أو حتى إقناع، بمعنى أن طبيعية حياة الأبناء هو الحياة الطبيعية في بيت والدهم، لهم كل ما للوالد، أي من حقهم الطبيعي أن يحيوا ويتعايشوا معهُ ويتحدثوا ويطلبوا ويجلسوا ليأكلوا على نفس ذات المائدة عينها التي يجلس عليها، وهذا كله أمر طبيعي يتعايش به الأولاد بتلقائية شديدة، وهكذا الصلاة هي سرّ طبيعة البنوة الذي حصلنا عليها في معموديتنا، لأننا وُلِدِنا من فوق وصار لنا طبع جديد سماوي إلهي، إذ قد صرنا إنسان الله حسب الطبيعة الجديدة، إناء مُدشن، مقدس، مُكرس، مُخصص للثالوث القدوس، يعني انا وانت وقف على الله، آنية كرامة مختومة بالقداسة لحساب مجد الله الحي وحده: [ أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم ] (1كورنثوس 6: 19)فبكوننا صرنا خليقة جديدة، إنسان الله، فلنا طعام وشراب روحاني نازل لنا من فوق، لذلك فأننا نتنفس نسائم الله الحي طبيعياً بلا جهد أو عناء، لذلك حينما أكمل المسيح كلامه الذي بدأه بـ "متى صليتم" أكمل وقال قولوا: "أبانا الذي في السماوات": [ انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله، من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ] (1يوحنا 3: 1)فطبيعياً حينما يدخل الإنسان بهذه الروح [ لا أعود أُسميكم عبيداً، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي – يوحنا 15: 15 ]، يدخل بروح التبني لمخدع صلاته الخاصة أو في اجتماع الصلاة أو الصلاة اليتورچية، فأنه ينظر نور الله المُشرق فيستنير، ويلمس مجده فينال شفاء، ويسمع فينال حياة:
الصلاة في حقيقة الإيمان المسيحي الحي، ليست عمل طقسي كفرض لإرضاء الله أو استعطافه، أو لأجل النجاة من الدينونة أو الحصول على بركات خاصة نبحث ونفتش عنها، إنما هي – كما سبق ووضحنا – حركة شوق متبادل بين طرفين، فيها نداء أبوة واستجابة بنوة داخلية، تُترجم للقاء أبوي في حضرة مجيدة مملوءة من النور الإلهي.
والصلاة على هذا المستوى ليست مجرد كلمات نرددها أو كلمات نحفظها أو ألفاظ رنانة ننطقها، بل هي تعبير إرادي عن شوق اللقاء مع الله والدخول في حالة الأبدية والاتحاد السري به، وبسبب هذا فليس المهم فيها كثرة الكلمات وبلاغتها وطولها أو قِصرها، بل المهم أن تكون ببساطة أولاد الله، صادرة تلقائياً بدون ضجة أو جهد مبذول لأجل استحضار الكلمات، صادرة من داخل القلب الطالب الله بفهم كشخص حي وحضور مُحيي، كأب وملك وحبيب النفس الخاص.
يقول القديس باسيليوس: [ الصلاة هي سؤال ما هو صالح، ويقدمها الأتقياء إلى الله. ولكننا لا نحصر هذه "الصلاة" فقط في حدود ما نذكره بالكلمات.. فلا ينبغي أن نُعبّر عن صلاتنا بواسطة مقاطع الكلام فقط، بل ينبغي أن يُعبّر عنها بالموقف الأخلاقي والروحي لأنفسنا، وبالأعمال الفاضلة التي تمتد خلال حياتنا كلها.. هذه هي الطريقة التي تصلى بها بلا انقطاع – ليس بأن تقدم الصلاة بالكلام – بل بأن توحد نفسك بالله خلال كل مسيرتك في الحياة، حتى تصير حياتك صلاة واحدة متواصلة وبلا توقف ][Homily on the Martyr Julitta 3-4 (P.G. 31: 244A, 244D)]. والصلاة بهذا الحال ليست كثرة كلام، بل تحتاج لتوبة أولاً ومن ثمَّ حياة التقوى، وأيضاً تحتاج لكي تقوى لقلب مشتعل برغبة أن يمتلئ بالحضور الإلهي، ويظل يتشرب منه إلى أن ينعكس عليه في واقع حياته المُعاشه، فيصير هو نفسه نور للعالم وملح الأرض، بل ويستمر ينهل من الحضرة الإلهية ولا يشبع منها أبداً، لأن من منا على مستوى الجسد يشرب مشروباً حلواً ولا يشتهي أن يستمر يشرب منه ولا يتوقف !!!
|
|