منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 27 - 11 - 2021, 02:46 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,270

التواضع والوداعة  وكيف يكون الإنسان متضعًا..؟

البابا شنودة الثالث


الفضيلة الكبرى


أود أن أبدأ معكم اليوم سلسلة عن موضوع هام هو التواضع والوداعة: ما هو التواضع وما معناه؟ وماذا قال الآباء في مدحه وتطويبه؟ بل ماذا قال الكتاب المقدس؟ وما مركز التواضع بين الفضائل؟ وما علاقته بالمواهب العليا؟ وما علاقته بالنعمة والتجارب؟ وكيف يكون الإنسان متضعًا..؟
هذا كله وغيره، هو ما نود أن نحدثك عنه بمشيئة الله في هذا الكتاب، لكي تدرك ما هي هذه الفضيلة الكبرى، وما تحويه داخلها من فضائل متعددة..


الاتضاع بين الفضائل



الاتضاع هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الفضائل.
وهو السور الذي يحمي جميع الفضائل وجميع المواهب.
ومن هنا يمكن أن نعتبره الفضيلة الأولى في الحياة الروحية. الأولى من حيث ترتيب البناء الروحي، الذي تجلس في قمته المحبة من نحو الله والناس. هو إذن نقطة البدء. ورب المجد في العظة على الجبل، بدأ التطويبات بقوله: "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات" (مت5: 3). ثم طوّب الودعاء (مت5: 5).

إن كل فضيلة خالية من الاتضاع، عرضة أن يختطفها شيطان المجد الباطل، ويبددها الزهو والفخر والإعجاب بالنفس.
لذلك إذا منحتك النعمة أن تسلك حسنًا في إحدى الفضائل، اطلب من الرب أن يمنحك اتضاعًا حتى تنسى أنك سالك في فضيلة، أو حتى تدرك أنها لا شيء إذا قورنت بفضائل القديسين.. كذلك إن منحك الله موهبة من المواهب السامية، ابتهل إليه أن يعطيك معها اتضاع قلب، أو أن يأخذها منك، لئلا تقع بسببها في الكبرياء وتهلك..
وحسنًا، يعمل الله، إذ يعطي مواهبه للمتواضعين..



لأنه يعرف أنها لا تؤذيهم. وقد اختار للتجسد الإلهي فتاة متواضعة تنسحق أمام ذلك المجد العظيم.. وهكذا "نظر إلى اتضاع أمته" (لو1: 48)، هذه التي تستمر في اتضاعها مهما كانت جميع الأجيال تطوبها (لو1: 48)، ويقول الكتاب إن الله يكشف أسراره للمتضعين، وأنه يعطيهم نعمة (يع 4: 6) (1بط 5: 5) (أم3: 34). هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجدًا، زادوا هم اتضاعًا وانسحاق نفس قدامه.



والاتضاع ليس فقط فضيلة قائمة بذاتها، إنما هو أيضًا متداخل في باقي الفضائل.
إنه كالخيط الذي يدخل في كل حبات المسبحة.. بحيث لا يكون قيام لأية حبة منها، ما لم يدخل هذا الخيط فيها.. فكل فضيلة لا اتضاع فيها، لا تعتبر فضيلة، ولا يقبلها الله. لذلك قلنا إن الاتضاع أساس لكل الفضائل. كما قلنا أيضًا إنه سور لها يحميها من المجد الباطل.


تطويب التواضع



إن السيد المسيح الذي تتكامل فيه جميع الفضائل، حينما أراد أن يوجه تلاميذه القديسين إلى الاقتداء به، قال لهم:
"تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب" (مت11: 29).
قال هذا على الرغم من أن كل فضيلة يمكننا أن نتعلمها منه.. كان يمكن أن يقول: تعلموا مني الحكمة، المحبة، الحنو، الهدوء، الخدمة، التعليم، قوة الشخصية.. فلماذا إذن ركّز على التواضع والوداعة..؟ أليس من أجل الأهمية القصوى لهاتين الفضيلتين؟
وهكذا نرى التواضع بارزًا في أقوال الآباء وفي حياتهم..
قال ماراسحق: "أريد أن أتكلم عن التواضع ولكنني خائف، كمن يريد أن يتكلم عن الله.. ذلك لأن التواضع هو الحلة التي لبسها اللاهوت لما ظهر بيننا.. ولهذا فإن الشياطين حينما ترى شخصًا متواضعًا، تخاف. لأنها ترى فيه صورة خالقه الذي قهرها..

حقًا، ما أعجب هذا الكلام عن التواضع!





التواضع يستطيع أن يقهر الشياطين:
وهذا واضح جدًا في قصة أبا مقار الكبير، الذي ظهر له الشيطان وقال له: "ويلاه منك يا مقاره. أي شيء أنت تفعله، ونحن لا نفعله؟؟ أنت تصوم، ونحن لا نأكل. أنت تسهر، ونحن لا ننام. أنت تسكن البراري والقفار، ونحن كذلك. ولكن بشيء واحد تغلبنا". فسأله القديس عن هذا الشيء، فأجاب: "بتواضعك وحده تغلبنا". وهذا واضح طبعًا. لأن الشيطان لا يستطيع أن يكون متواضعًا. فهو باستمرار متكبر وعنيد. لذلك يقدر المتواضع أن يقهره. فهو يملك التواضع الذي لم يقدر أن يملكه الشيطان.
وتظهر قيمة التواضع في حياة القديس الأنبا أنطونيوس:
أبصر هذا القديس العظيم فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فألقى نفسه أمام الله صارخًا: "يا رب، من يفلت منها؟". فأتاه صوت من السماء يقول "المتضعون يفلتون منها". وهنا لعل البعض يسأل: "ولماذا المتضع بالذات هو الذي يفلت من فخاخ الشياطين؟". ونجيبه:
المتضع إذ يشعر بضعفه، يعتمد على قوة الله.
فتسنده قوة الله، وتحميه من فخاخ الشياطين.
وذلك على عكس (الحكيم) المعتمد على حكمته. وعكس (القوي) المعتمد على قوته، و(البار) الواثق ببره.، أما المتواضع المتأكد تمامًا والمعترف، إنه لا قوة له ولا حكمة ولا برّ، فإن الله يسند ضعفه ويحارب عنه. وهذا هو أخشى ما يخشاه الشيطان..





ولذلك فإن إخراج الشياطين يحتاج قبل كل شيء إلى اتضاع. وإن كان الرب قد قال: "هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم" (مت17: 21).. فذلك لأن الصلاة والصوم يظهر فيهما الاتضاع بكل وضوح. فالذي يصلي، يعترف ضمنًا أنه ليست له قوة ذاتية، لذلك يطلب القوة من فوق بالصلاة. وإذا خرج الشيطان لا يفتخر بإخراجه. لأن ذلك ينسحق فيه الإنسان ويتذلل أمام الله بالاتضاع، ويشعر بضعفه..





والشياطين كانت بالاتضاع، تهرب أمام القديس أنطونيوس.
القديس أنطونيوس أبو الرهبنة كلها، عندما كان الشياطين يحاربونه بعنف، كان يرد عليهم باتضاع قائلًا: "أيها الأقوياء، ماذا تريدون مني أن الضعيف؟ أنا عاجز عن مقاتلة أصغركم". وكان يصلي إلى الله ويقول: "أنقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء، وأنا تراب ورماد". فعندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتضاعًا، كانوا ينقشعون كالدخان. حقًا لقد أتقن القديسون الاتضاع بمثل هذه الصورة العجيبة..
ولم يتضعوا فقط أمام الله والناس، بل حتى أمام الشياطين. وهزموهم باتضاعهم.
كما رأينا في سيرة القديس الأنبا أنطونيوس، وفي سيرة القديس مقاريوس الكبير، وكما نرى في سير باقي القديسين.





ولعل عظمة الاتضاع تظهر جلية. عندما نتأمل بشاعة الرذيلة المضادة له، أعني الكبرياء والعظمة:
الكبرياء أحدرت من السماء ملاكًا بهيًا، وحوّلته إلى شيطان.
حقًا، إن أول خطية عرفها العالم هي الكبرياء، التي سقط بها الشيطان. وقصة سقوطه سجلها إشعياء النبي، في قول الوحي الإلهي لهذا الملاك الساقط: "وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات. أرفع كرسيّ فوق كواكب الله.. أصير مثل العليّ. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسفل الجب" (اش 14: 13، 14).





وبنفس سقطه الكبرياء، أغوى أبوينا الأولين.
كما قال في قلبه "أصير مثل العليّ"، هكذا قال لأبوينا الأولين "تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر" (تك 3: 5). من هنا يبدو أن الكبرياء لا تكتفي مطلقًا، بل تريد أن تعلو باستمرار، مهما كانت درجتها عالية.. حتى إن كان الواحد ملاكًا في درجة الكاروب، مملوءًا حكمة وكامل الجمال (حز 28: 14،12)، أو كان صورة الله في شبهه (تك1: 26، 27). يريد أيضًا أن يعلو ويرتفع. ولكنه في هذه الكبرياء يهبط إلى أسفل حسبما قال الرب.
"كل من يرفع نفسه يتضع. ومن يضع نفسه يرتفع" (لو14: 11).





الملاك لما أراد أن يرتفع، انحدر إلى الهاوية إلى أسافل الجب، وفقد مكانته كملاك، وصار شيطانًا.. والإنسان -وهو صورة الله- لما أراد أن يرتفع، فقد صورته الإلهية، وطُرد من الجنة، وعانى ما عانى.. ولعل أصعب شيء يتعرض له المتكبر، ان الله نفسه يقف ضده. لذلك ما أخطر قول الكتاب:
"يقاوم الله المستكبرين" (يع4: 6).
في نفس الوقت الذي أشفق فيه الله على الخطاة والعشارين، وقادهم إلى التوبة، يقول الرسول إن الله يقاوم المستكبرين.. وهؤلاء الذين يقاومهم الله، ما مصيرهم؟! فهل تريد أن تعرض نفسك إلى مقاومة الله نفسه لك؟! يعزينا النصف الثاني من نفس الآية، حيث يقول: "وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة".




ليتنا نخاف من قول الوحي الإلهي في سفر إشعياء:
"إن لرب الجنود يومًا على كل متعظم وعالِ، وعلى كل مرتفع فيوضع.. وعلى كل أرز لبنان العالي، وعلى كل بلوط باشان.. وعلى كل الجبال العالية - وعلى كل التلال المرتفعة.. فيخفض تشامخ الإنسان، وتوضع رفعة الناس. ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم" (إش2: 12-17).


ما هو التواضع؟



ليس التواضع أن تنزل من علوك، أو تتنازل إلى مستوى غيرك.
ليس التواضع أن تشعر أنك على الرغم من عظمتك، فإنك تتصاغر أو تخفى هذه العظمة. فشعورك أنك كبير أو عظيم، فيه شيء من الكبرياء. وشعورك أنك في علو تنزل منه، ليس من التواضع في شيء. وشعورك بأنك تخفى عظمتك، فيه إحساس بالعظمة، إحساس بعظمة تخفيها عن الناس. ولكنها واضحة أمام عينيك..
إن الله هو وحده العالي، وهو وحده الذي يتنازل من علوه. هو الخالق. أما الباقون فهم تراب ورماد..
إنما التواضع بالحقيقة كما قال الآباء. فهو معرفة الإنسان لنفسه.
فتعرف من أنت؟ إنك من تراب الأرض. بل التراب أقدم منك. كان قبل أن تكون. خلقه الله أولًا، ثم خلقك من تراب.



أتذكر أنني ناجيت هذا التراب ذات مرة، في أبيات قلت فيها:
يا تراب الأرض يا جدي وجدّ الناس طرا
أنت أصلى أنت يا أقدم من آدم عمرا
ومصيري أنت في القبرِ، إذا وُسدت قبرا

بل أنك يا أخي إذا فكرت في الأمر باتضاع. تجد أن هذا التراب لم يغضب الله، كما أغضبته أنت بخطاياك.





اعرف أنك لست فقط ترابًا. بل أنت أيضًا خاطئ وضعيف.
على أن تكون هذه المعرفة يقينية، بشعور حقيقي غير زائف داخل نفسك.. حتى وأنت في عمق قوتك، تدرك أن هذه القوة ليست منك. بل هي منحة سماوية لك من الله الذي يسند ضعفك. ولو تخلت عنك نعمته لحظة واحدة، لكنت تسقط كما سبق لك أن سقطت.





نقول ذلك، لأن كثيرين لهم مظهرية الاتضاع، بينما قلوبهم في الداخل ليست متضعة..
كثيرون يتحدثون بألفاظ متضعة.. وهذه الألفاظ ربما تزيدهم علوًا في نظر الناس. وهم يعرفون ذلك وربما يريدونه! وقد يقول الشخص منهم إنه خاطئ وضعيف. ولكن إن قال له أحد إنه خاطئ وضعيف، يثور ويغضب. ولا يحسبه من أحبائه، بل يتغير قلبه من نحوه..!
إذن التواضع الحقيقي، هو تواضع من داخل النفس أولًا..
باقتناع قلب. لا عن تظاهر أو رياء. وليس لأن هذا هو الثوب الذي ترتديه لتبدو أمام الناس بارًا. إنما لأنك تدرك تمامًا عن نفسك ببراهين وأدلة عملية أنك خاطئ وضعيف بحسب خبرات حياتك من قبل.



ولا يقتصر الأمر على معرفتك لنفسك أنك هكذا، إنما أيضًا:
تعامل نفسك حسب ما تعرفه عنها من خطأ ونقص وضعف:
تعرف عن نفسك أنك خاطئ، وتعامل نفسك كخاطئ. وإن عاملك الناس كخاطئ، تقبل ذلك، ولا تغضب ولا تتذمر، ولا ترد بالمثل، شاعرًا أنك تستحق ذلك، وإن لم يعاملوك بحسب خطاياك بسبب أنهم لا يعرفونها، فعليك أن تنسحق من الداخل، وتشكر الله بقلبك على معاملة أنت لا تستحقها منهم، ولا منه لأنه سترك ولم يكشفك لهم..





إن كان الأمر هكذا، فالمتواضع لا يجرؤ مطلقًا على أن يمدح نفسه.
إنه لا يرى فقط أنه خاطئ وضعيف، بل انه أكثر الناس خطأً وضعفاَ، على الأقل بالنسبة إلى الإمكانيات التي أتيحت له ولم يستغلها. لذلك فهو لا يرى مطلقًا أنه أفضل من أحد، وإن بدا أنه الأفضل في نقطة معينة، فهو الأضعف في نقاط أخرى كثيرة يعرفها عن نفسه. ولهذا فهو لا يدين أحدًا.





بل إنه باستمرار يتخذ المتكأ الأخير، حسب وصية الرب (لو 14: 10).
وليس المقصود هو المتكأ الأخير من جهة المكان، إنما من جهة المكانة. وكما قال الشيخ الروحاني: "في أي موضع حللت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". وقيل "كن آخر المتكلمين، ولا تقطع كلمة من يتكلم لكي تتحدث أنت".."وحاول أن تتعلم، لا أن تعلّم غيرك وتظهر معارفك".





والإنسان المتضع يجب أن يعمل الفضيلة في الخفاء.
وذلك حسبما أمر الرب (مت 6). ولذلك لا يوافق الاتضاع مطلقًا، أن يتحدث أحد عما يقوم به من أعمال فاضلة، أو ما يحدث له من رفعة.
إن بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة، وسمع كلمات لا يُنطق بها، لم يقل إن ذلك قد حدث له، إنما قال "أعرف إنسانًا في المسيح يسوع.. أفي الجسد لست أعلم، أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم.. أُختطف هذا إلى السماء الثالثة.. أُختطف إلى الفردوس. وسمع كلمات لا يُنطق بها" (2كو 12: 2-4).
إن الفضيلة في المتضع، مثل كنز مخفي في حقل.
وما أكثر القصص التي يحكيها لنا تاريخ القديسين عن أولئك المتواضعين الذين أخفوا فضائلهم، وأخفوا معرفتهم، بل أخفوا ذواتهم أيضًا. وعاشوا مجهولين من الناس، ويكفى أنهم كانوا معروفين عند الله. وكان ينطبق عليهم قول الرب في سفر النشيد "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش 4: 12).. كالقديسة العذراء مريم: كانت كنزًا للرؤى والاستعلانات. ومع ذلك ظلت صامتة "تحفظ كل تلك الأمور، متأملة بها في قلبها" (لو 2: 51).


رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أن يكون الإنسان عنده التواضع والوداعة في الخدمة
من كتاب حياة التواضع والوداعة - صفات الإنسان الوديع
من كتاب حياة التواضع والوداعة -التواضع واحترام الآخرين
من كتاب حياة التواضع والوداعة لقداسة البابا شنودة الثالث علاقة التواضع بالصلاة
هبنا روح التواضع والوداعة


الساعة الآن 01:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024