عن القديس أنطونيوس يقول بلاديوس: " كانت طلعته مضيئة بنور الروح القدس، تنم عن نعمة عظيمة وعجيبة، كان متميزًا في رصانة أخلاقه وطهارة نفسه وكان يستطيع أن يرى ما يحدث على مسافة بعيدة"(1).
لمحات من حياته:
قروي بسيط يقال أنه أمي، وعندما سأله الفلاسفة عن ذلك قال (من له عقل صحيح لا حاجة به إلى المعرفة). وعندما سألوه عن الكتب التي تتلمذ عليها واستقى منها حكمته، أجابهم قائلًا: "أيها الحكماء إن كتبي هي شكل الذين سبقوني". ومع ذلك فإن رسائله العشرين لاسيما السبعة الأولى منها، تعكس بوضوح كيف كان هذا الأب مستنيرا. يقول هو نفسه عن تلك الرسائل والمكاتبات فيما بينه وبين تلاميذه (ومنهم رهبان أرسينوى): "نحن نحتاج إلى المعرفة المتبادلة بكلماته البسيطة"(2). والحقيقة وإن كان الكلام الذي كتبه في رسائله سهلاً بسيطًا كما قال هو، إلا أنه ُمملّح بالروح القدس، فاستمد كلامه قوة من الروح الساكن فيه، فأثر بشكل سرّى في الذين سمعوه أو قرأوا له. يقول أيضًا لتلاميذه "ليت اله السلام يعطيكم النعمة وروح الإفراز لتعرفوا أن ما أكتبه إليكم هو وصية الرب". (3)ويطلب بإلحاح أن نطلب ذلك الروح الناري الذي أخذه هو. ولقد اعتمد القديس على كلمة الله كغذاء وتعزية ومرشد في الطريق، واستخدم فقرات كاملة منها في رسائله. (المذخر فيه كل الحكمة). أمران أو عاملان استنار بهما الأب أنطونيوس، فانفتحت أمامه آفاق واسعة لانهاية لها:
الروح القدس وكلمة الله
فلم يطفأ الروح الذي ناله في المعمودية، وإنما أطاع الوصية الكتابية: "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 19) لقد تركه ليتوهج ويبلغ مدى بعيدًا، ونال به صفاته وثماره:- صفاته: الاستنارة - الحكمة - الشجاعة - المجاهرة.
وثماره: محبة - فرح - سلام - طول أناة - لطف - صلاح - إيمان - وداعة - تعفف (غلاطية 5: 22). ولقد أعانه الروح في كشف ما في كلمة الله من قوة وتعزية ورجاء، ودخل به إلى الأبدية، فعاش منتميًا إلى هناك وهو ما يزال في مغارته وبين تلاميذه في الجبل الشرقي! "طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع" (متى 13: 16)
ان الإعلان لا يأتينا من ذاته ولا نحصل عليه بالجهد البشرى، ولكن بالروح القدس، روح الإعلان الذي يكشف لنا أعماق الكتاب وُيدخلنا في هذه الأعماق، ويضطلع بتفسيره والتعريف بالحكمة التي فيه،هكذا كانت كلمة المسيح التي كشفت للقديس الطريق "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز119:105). "وصية جديدة اكتب إليكم ما هو حق فيه وفيكم أن الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضيء" (1يو 2: 8).
كتب عنه بلاديوس:
جاءه بعض الإخوة يسألونه أمرًا عسر عليهم فهمه في سفر اللاويين، فاتجه الشيخ على الفور إلى الصحراء، أما أنبا آمون والذي كان يعرف عادته فقد تبعه سرًا، وعندما وصل الشيخ إلى مسافة بعيدة رفع صوته قائلاً: "اللهم أرسل إلى موسى النبي ليفسر لي معنى هذه الآية". وفي الحال سمع صوتًا يتحدث إليه، قال أنبا آمون أنه سمع الصوت لكنه لم يفهم قوة الكلام!(4). هكذا تمتع أنطونيوس بإشراقات الله على نفسه في وسط الآم الزمان الحاضر.