قد فارقت الصليب وعادت الى منزلها الذي لما بلغت إليه أخذت تجول بنظرها فيه ههنا وهناك من دون أن ترى حبيبها يسوع، بل عوضاً عنه كانت تتصور أمام عينيها أعمال حياته كلها المملؤة محاسن وقداسة، ومعاً أعمال آلامه جميعها التي أحتملها ومات بها. فهناك طفقت تتذكر المعانقات التي كانت تعانقه بها طفلاً في بيت لحم، والمفاوضات التي خاطبها بها وتكلمت هي معه مدة سنين هكذا عديدة في دكان النجارة في مدينة الناصرة وفي أمكنةٍ أخرى، وتتفكر بعواطف الحب المتبادلة منها إليه ومنه نحوها، وبنظراته ذات المحبة، وبكلمات الحياة التي كانت تخرج من فمه الإلهي. ثم بعد ذلك كانت تحضر بأزائها تلك الأشياء كلها التي شاهدتها في النهار عينه مما يختص بآلامه وموته وتنزيله عن الصليب ودفنه. متأملةً في آلات عذاباته من المسامير وأكليل الشوك والحربة وغيرها. وفي جراحات جسده المتخنة. وفي عظامه المجردة وفمه المفتوح وعينيه المعتمتين.