رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بطرس الذي صنعه المسيح في أحد معارض أوربا توجد صورتان للمصور رمبراندت، الصورة الأولى ناقصة مشوهة،وهي صورته في مطلع حياته الفنية، والصورة الثانية عندما بلغ أروع مجده الفني، وقد بدت رائعة فاتنة مذهلة، ونحن عندما نبصر صورة سمعان، وصورة بطرس، نرى في الأولى الرجل الذي اكتشفه يسوع، وفي الثانية الرجل الذي صنعه يسوع، كانت عناصره موجودة، ولكنها كانت مفككة أشبه بحبات الرمال التي بنبغي أن تجمع لتكون صخرًا، وقد جمعها يسوع المسيح، ولعل دراسته من هذه الناحية هي دراسة لما صنعه الفخاري العظيم فيه، وما يصنعه في وفيك! لست أعلم تمامًا كيف يتحول الفحم الهش الذي يسهل أن تتفكك عناصره إلى الماس الصلب الصلد الثمين، والذي يعتبر من أقوى العناصر تماسكًا وصلادة، إنهم يقولون إن السبب يرجع إلى وقوع الفحم تحت ضغط وحرارة شديدين، وقد أمكن للإنسان على هذا الأساس أن يصنع الماس الصناعى من الفحم الأسود!! وأيا كان الأمر في الطبيعة، فإنه في دائرة النعمة يحدث معنا على الدوام أن الفخاري العظيم، يأتي إلى وعائنا الفاسد ليعيد صنعه من جديد، وقد ذكرنا في الحديث عن أندراوس الرأي البيورتاني القائل بأنه سارع إلى الإتيان بأخيه إلى المسيح، لكثرة من كانوا يعانون منه في البيت، ونحن نشك كثيرًا في هذا الرأي، ولكننا لا نشك البتة في أن السيد حول شخصية بطرس المتفككة إلى شخصية الرجل الصلب الأقوى من الحديد والفولاذ! أما كيف فعل ذلك، فإنه قد فعله بوضعه ثقته في بطرس، قبل أن يؤمن بطرس به، وقد يكون هذا التعبير غريبًا، ولكنها الحقيقة الواقعة التي يلزم أن ننبه الأذهان إليها، نحن نؤمن بالسيد لأنه هو وضع ثقته فينا، وانتظر منا ثمر الحياة الجديدة التي وهبنا إياها، كان المسيح قد نظر إلى بطرس قبل أن يقول له : «أنت سمعان بن يونا أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس!! والكلمة «نظر» في الأصل، هي نفس الكلمة التي وردت عندما نظر المسيح إليه في يوم المحاكمة، وتفيد لا مجرد النظرة السطحية العابرة، بل النظرة العميقة النافذة إلى الداخل، وهي التي ترى فينا الإمكانيات التي قد لا يراها فينا الناس أو لا نراها نحن في أنفسنا، هذا موطن العجب، ولكنها الحقيقة العظيمة التي تجمل علاقتنا بيسوع المسيح... ذهب رجل إلى كامبل مورجان، وشد على يديه وهو يقول : إني أصافحك قبل أن أذهب، إذ لم يعد في أمل، إلى الدرجة أن أمي لم تعد تؤمن بي، ونظر إليه رجل الله، ثم قال له : إنه لأمر مؤسف أن تصل إلى هذا الحد، ولكني أعرف شخصًا يؤمن بك، ويؤمن بك لأنه قادر أن يجعلك تمامًا الشخص الذي لست أنت إياه.. ومن الواضح أن السيد وثق ببطرس، في وقت فقد فيه بطرس الثقة بنفسه حتى أوشك على الضياع : «طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك» (لو 22 : 32). قال مدرس أديسون له : اذهب وقل لأمك إنك لا تصلح لشيء البتة، ولكن أم أديسون آمنت بابنها، ورفضت رأى المدرس في ولدها العبقري، الذي أصبح من أعظم عباقرة الأمريكيين في الاختراع والصناعة، قد يفقد الإنسان الثقة في نفسه، وقد يفقدها فيه الناس جميعًا، لكن هناك واحدًا عظيمًا لم يفقد الثقة في عودتنا إليه، ومجيئنا إلى شخصه المبارك العظيم!! إن الإيمان المتبادل مع المسيح يرفع الإنسان فوق نفسهإلى أعلى الذري ويشحذ طاقاته الساكنة، ويفجر فيه قوى غير مألوفة للبشر، وهذا ما حدث مع بطرس بالذات، عندما فعل شيئًا من المستحيل أن يفعله مخلوق بشري غيره، لقد رأى المسيح ماشيًا على الماء، وكان المنظر أمامه مثيرًا وعجيبًا ومذهلا، فلماذا لا يفعل مثلما فعل سيده،ولماذا لا يرتفع بمعونة سيده، وعلى مثاله، ليفعل الشيء الذي لا يجرؤ آخر على تقليده ومحاكاته؟! ورغم تعثر بطرس فوق الماء، إلا أن الإيمان بالمسيح علمه أن يكون محاكيًا للسيد ومقلدًا له، ويكفي أن نذكر أنه كان مع سيده عند إقامة ابنة يايرس وأنه دخل إلى غرفة الصغيرة مع يعقوب ويوحنا وأبويهما، ورأى المسيح وهو يمد يده ليقول لها : «طليثا قومي» (مر 5 : 41) ومرت سنوات على هذا المشهد الذي ترك أثره العميق في نفسه، ودعى هو إلى يافا ليرى مشهدًا مماثلاً، لفتاة قد ماتت، وهي تلميذة للرب، وإذا به يفعل ذات الشيء مع فارق وحيد أنه جثا على ركبتيه، لأنه أقل من سيده العظيم ثم التفت إلى الجسد وقال : «يا طابيثا قومي» (أع 9 : 40). إن مجد الإيمان المسيحي هو إضافة شخص السيد إلينا، أو بتعبير أصح وأصدق، هو إضافتنا نحن إلى شخص السيد، وإذا بالقوة الإلهية تسرى في كياننا وتلم شعثنا، وتوقفنا على أقدامنا وتنزع منا كل وهن وتردد وخوف وشك!! على أن هناك أمرًا آخر استخدمه السيد في صنع هذا الرجل العظيم، ونعني به الحب المتبادل بينه وبين المسيح، قال الرسول بولس في الكلام عن عظمة الحب : «وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا» (1كو 13 : 2). ونحن نعلم أن بطرس أحب المسيح من كل قلبه، وأجاب بعمق على السؤال القائل : «أتحبني أكثر من هؤلاء» «وكان الجواب : أنت تعلم يارب كل شيء، أنت تعرف أني أحبك» (يو 21 : 15 و17)، ومع أن بطرس ارتكب الكثير من الأخطاء، وكان به العديد من العيوب، أو على حد قول الكسندر هوايت، «لم بطرس كما تشاء، وقف عند عيوب طباعه، وضعفات شخصيته، وحمق تصرفاته، وقل فيه كما يحلو لك، لكني أتحداك مع هذه كلها أن تنكر أنه كان جذابًا أو محبوبًا، إن أبشع ضعفات الطبيعة البشرية هي البرودة، برودة القلب، ولكنه مع كل ضعفاته، لم يكن القلب البارد واحداً منها» سقط بطرس سقطته العظيمة وخانته شجاعته، لكن حبه لم يخنه وهو يخرج إلى خارج ليبكي كأعظم ما يكون المحبون في الأرض!! كانت أزمته يوم الصليب، نوعًا من الغيبوبة وفقدان الوعي الذي قلبه رأسًا على عقب، فأنكر محبه وحبيبه، ولكنه ما إن استعاد وعيه حتى غسل بدموعه الغزيرة فعلته الشنعاء. على أن حب السيد كان أوفى وأعلى إذ في قلب الأزمة نظر إليه، ومن المؤكد أن النظرة - وإن كانت تعبر عن قلب المسيح المجروح، إلا أنها - كانت ممتلئة بالحنان والعطف والرقة والرحمة.. ولا أستطيع أن أصدق قط التقليد القديم الذي يقول إنبطرس ما سمع ديكًا يصيح إلا وأحنى رأسه خجلاً، إذ لاشك أنه تمتع بغفران كامل غطى نقصه وضعف بالتمام، غير أني هنا أعود مرة أخرى إلى رغبته في التقليد والمحاكاة، إذ يقال إنه عندما حكم عليه بالموت صلباً، طلب من صالبيه أن يجعلوا قدميه إلى أعلى ورأسه إلى أسفل، لأنهوإن كان يشرفه أن يصلب مثل سيده، لكنه يرى نفسه أقل وأضأل من أن يكون كالسيد، وفي الحقيقة إن الرجل في الحياة والموت بادل سيده حبًا بحب من أعظم وأشرف وأجل ما يمكن أن يتبادله المحبون، وقد صنعه هذا الحب على الصورة الأمجد والأعظم والأجل!! كان هذا الرجل على أي حال، مفتونًا بحب سيده، وهو معجب بهذا السيد فوق كل إعجاب، فهو إذ يراه فوق جبل التجلي، وقد تغيرت هيئته، وبدا منظره على الصورة التي تتجاوز الخيال البشري، ومعه موسى وإيليا، وإذا ببطرس ينسى الأرض وما عليها ومن عليها، فلا يعود يذكر بيته وزوجته والعالم بأكمله ويصبحصارخًا : «يارب جيد أن نكون ههنا» وفي البحر، وكان عاريًا وأبصر السيد على الشاطيء، إذا به يلقي بنفسه متجهًا إليه وعندما خيره السيد أن يذهب كما ذهب الآخرون وارتدوا عنه، لكنه لا يرضى بالمسيح بديلا، ويقول : «إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك»!! إنه الرجل الذي فتن بسيده، سواء في أعلى الجبل أو في البحر أو في الطريق، وأصبح المسيح كنزه الوحيد : «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك» (مت 19 : 27) إنه مثل رفيقه العظيم الذي عندما أراد أن يعبر عن الحياة والموت قال : «لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح» (في 1 : 21). لقد نظر ذات يوم إلى رجل أعرج من بطن أمه.. والكتاب يقول : «فتفرس فيه بطرس مع يوحنا» ولعل بطرس سأل نفسه وهو يتفرس فيه ما الفرق بينه وبين الرجل المشلول؟ شيء واحد فقط، هو الاسم الذي احتوى بطرس وغطاه، فإذا به يصيح : «باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش» (أع 3 : 4و6) وكل من يأخذ هذا الاسم ويسير تحت مظلته، يبدأ نقطة الحياة والخلود، فإذا كان لك أن تسأل، ولكن ألسنا جميعًا نملك هذا الإسم المبارك، فلماذا لا يكون المرء فينا بطرس آخر!!؟ إن السر يكمن في أن بطرس أخذ اسم المسيح، أو بالحري أخذ شخص المسيح ولكن إلى درجة الامتلاء والتشبع، وهو أكثر من معجب بالمسيح يقلده أو يحاكيه من على بعد لم يكتف بطرس بمجرد الإعجاب والمحاكاة. لقد امتلأ بطرس من الروح القدس، عندما استولى المسيح بروحه على كل ذرة فيه، ولم يعد هناك بطرس والمسيح، بل أضحى بطرس في الروح القدس مبتلعًا تمامًا من المسيح. وهل تريد أن تعرف كيف يكون ذلك، رأت القنبرة الصغيرة وهي في العش أمها تطير بجلال وبهاء في السماء، وقالت القنبرة لأمها يا أمي : كيف أتعلم الطيران مثلك!؟ وعادت الأم تتذكر كيف تعلمت هي الطيران، ولكنها لا تعرف كيف تصف ذلك، فقالت للصغيرة : لست أعلم كيف طرت، ولكني أذكر متى حدث ذلك، كان يومًا مطيرًا بلل الماء جناحي فيه، ثم انتهى المطر وأشرقت الشمس، وتطلعت إلى نورها البهي العظيم، ونفضت جناحي مما علق بها من قطرات الماء، وانطلقت في أفق الله العظيم، دون أن أعلم كيف!! كان بطرس أشبه بالقنبرة التي أشرقت عليها شمس البر والشفاء في أجنحتها، وإذ أطل عليه وجه المسيح، أخذ بهذا الوجه في كل شيء، وامتلأ في يوم الخمسين من روح المسيح، وانطلق يطير في أفق الخلود، مأخوذًا بحبه العظيم العجيب!! لقد غنى جورج ماتيسون أغنيته العظيمة التي مطلعها : «أيتها المحبة التي لم تدعني أذهب» عندما فقد بصره وخطيبته التي غدرت به في محنته القاسية، ولكنه وجد المسيح، تعويضًا خالداً عن كل شيء، التعويض الذي أيقظ عبقريته واتجه به في طريق الخالدين! هكذا كان بطرس صياد الجليل، وهو يدين للمسيح بكل شيء في حياته فهو الذي نقله من نكرة مغمور حقير إلى واحد من أعاظم الرجال في كل التاريخ!! عند بحر الجليل أمسك المسيح ببطرس ولم يدعه يذهب، وقد ظن بطرس أنه هو الذي ترك كل شيء وأمسك بالمسيح ولم يدر أن المسيح، هو الذي ترك كل شيء، ليمسك ببطرس وبأخوة بطرس، ويأتي بهم إلى مجده السماوي العتيد، كان يمكن لبطرس أن يذهب بحماقاته المتكررة، كان يمكن أن يذهب عندما انتهر المسيح واراد أن يبعده عن الصليب مأخوذًا بما للناس، وليس بما لله، ورأى المسيح الشيطان يطل في عينيه، ويتكلم بلسانه، فقال له : أذهب عني ياشيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس،» (مت 16 : 23).. وعاد الشيطان مرة أخرى ليهزه هزا بالتجربة القاسية بنكران السيد، ومع ذلك فنظره المسيح، وظهوره الانفرادي له بعد القيامة، يؤكدان ما قاله مارتن لوثر. إنك تستطيع أن تكتب على كل شعرة في بطرس «غفران»!! وليس شعر بطرس وحده الذي يشهد بمحبة المسيح. بل أن كل نبضة من نبضات قلبه، وكل قطرة من قطرات دمه، وكل نسمة من نسمات أنفه، وكل ذرة من كيانه وتاريخه وماضيه وحاضره ومستقبله تشهد جميعًا بحب المسيح الذي غير بطرس وصنعه على الصورة التي وصل إليها، في التاريخ والأبدية معًا!!. في الخيال الرائع لدكتور ماكرتني، وهو يتصور أنه صعد إلى السماء ورأى مجموعات متعددة، ووقف يسأل أحد الملائكة عن هذه المجموعات، إذ أنه يريد أن ينضم إلى واحدة منها، قال له الملاك : «هذه مجموعة بولس وإذا ذهبت إليه فإنك ستسمع كلامه عن سيادة الله وتعيينه الأزلي، وأجاب الرجل : إن بولس من أحب الشخصيات إلي وكنت أتوق أن أنضم إلى جماعته لكني رجل بسيط أحس بعدم استحقاقي للانضمام لهذه المجموعة، وتحول به الملاك إلى مجموعة يوحنا ويوحنا مستغرق معهم في الحديث عن طبيعة الله ومحبته، وبينما هو يأخذ سبيله إليهم، توقف وهو يقول : «ان هذه المجموعة أعلى من المستوى الذي استحقه لأنهم عاشوا في الأجواء العالية، وفي سماء المحبة الطاهرة، ويجدر بي أن أبحث عن جماعة تليق بمستواي» وقاده الملاك إلى جماعة بطرس التي فرح بها من الأعماق، لأنها تناسب مستواه في العواطف الجياشة والأسئلة المتتابعة، والتراجع، والتوبة، والتغني بأغنية الفداء الذي صنع العظيم من بين الأوحال والتجارب!! ومع أنني أنا شخصيًا لا استحق الانضمام إلى واحدة من هذه المجموعات المتعددة بما فيها بطرس، وأقول ما قاله يوحنا نيوتن تاجر العبيد، الذي غاص في الحمأة إلى الأعماق، وأخذه السيد من المياه العميقة ليكون الواعظ والشاعر المسيحي الأمين وخادم يسوع المسيح، عندما قالك «ابحثوا عني هناك عند قدمي اللص التائب، إذ تجدونني معه»!! لكني يمكن مع هذا كله أن أنضم إلى قافلة بولس ويوحنا وبطرس ويوحنا نيوتن لأننا أسرى حب المسيح، وصنيعه إحسانه وجوده وحنانه ورفقه، في كل ما نبلغ أو ننتهي إليه!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
اليوم الذي صنعه الرب |
الذي صنعه الرب |
هذاهو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلل به المسيح قام من بين الأموات |
هذا هو اليوم الذي صنعه الرب |
بطرس الذي مجد المسيح |