رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عظمة الخالق وكرامة الانسان
المزمور الثامن 1. المزمور الثامن هو نشيد حمد لله الخالق بشكل تفسير شعريّ للفصلين الاولين من سفر التكوين. هو صرخة إعجاب يرفعها المؤمن إلى الله الذي اختار الانسان وأعطاه مكانة رفيعة فجعله وكيلاً على الخليقة باسمه. وهو نشيد للربّ الذي يختار ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء، والذين ليسوا شيئًا ليخزي المعتدّين بأنفسهم (1 كور 1: 26- 27). ونتوقّف على مستويات ثلاثة: - المستوى الأول: الأرض وكلّ ما فيها (والانسان معها) تُنشد نشيدًا أفضل من نشيد السماء وكل ما تحويه (حتى الملائكة). إن الآلهة (الوهيم في النص العبراني) صاروا ملائكة في الترجمة اليونانية السبعينية، وقد قالت الرسالة إلى العبرانيين إن الانسان يُنشد لله أفضل من الملائكة (رج 1 كور 6: 3). - المستوى الثاني: الأطفال والرضّع يستطيعون أن ينشدوا لله نشيدًا أفضل من نشيد الكبار. قال يسوع (مت 11: 25): "أخفيت هذه عن الحكماء وأظهرتها للأطفال". فالأولاد كانوا يشاركون في الليتورجيا في العهد القديم وهم الذين استقبلوا يسوع خلال تطوافه في أورشليم يوم الشعانين. - المستوى الثالث: الانسان أضعف الخلائق، وهو سيّد الكون وكل ما يحويه حتى الحيتان التي في أعماق البحار. الانسان هو مجد الله على الأرض. 2. عظمة الخالق وكرامة الانسان آ 2: مقدّمة: أيها الرب سيّدنا ما أعظم اسمك في كل الأرض. آ 3- 5: قدرة الله وعظمته. آ 6- 9: سلطة الانسان على الكون تأتيه من سلطة الله. 3. الطبيعة كلها تمجّد الله، وهي تبدو كجوقة قائدها الانسان الذي هو قريب من الله. يتطلّع المرتّل إلى السماء في إحدى الليالي الصافية فيظهر له هدوؤها وجمالُها: الله صنع هذه السماء وكل ما فيها من القمر إلى النجوم. ويتحدّث عن الحصن الذي أسّسه الرب كالبيت، وثبّته قويًا كالأرض. وهذا الحصن هو الجلد أو الفلك، يقف بوجه القوى المعادية التي تغلّب الله عليها في عمل الخلق. هذه القوى تعارض عمل الله بكبرياء وتقم عليه، لأنه أنزلها عن عرش الألوهة (السماء مؤلّهة). وهل يحتاج الله إلى حصن لكي يكون في مأمن من أعدائه؟ يكفي أن ينظروا إلى قدرته التي جعلت نظامًا للكون ليسكتوا ويخرسوا. النجوم (وخاصة نجمتا المساء والصباح) تنشد كالأطفال عظمة الله وقدرته وجماله. إن الله يسمو على كل شيء. الأرض وما عليها: الغنم والبقر ووحوش البر وطير السماء وسمك البحر، كل هذا خلقه الله وسلّمه إلى الانسان حتى يتسلّط عليه باسمه. يقوم دورُ الانسان في أن يشرك الطبيعة في تمجيد الله: السماء تذيع مجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه. إذا كان الله خلق كل شيء، لم يعد من وجود لآلهة في السماء وعلى الأرض وفي الماء. فهذه المدعوّة آلهة تخضع لله وتدعو عبّادَها الشعوب الوثنية إلى أن يخضعوا لله الواحد ويمجّدوه. ويذكر الرمتّل الاسنان ابن آدم وخليقة الله الأولى. اسم الله عظيم، لأنه خلق النجوم والقمر... وهو عظيم، لأنه اختار الانسان ونظر إليه نظرة خاصة. ويذكر المرتّل ضعف الانسان وحقارته، ولكنه لا يتوقّف عند هذه النظرة، بل يتعدّاها ليبيّن اعجابه بما صنعه الله للاسنان: الانسان المحدود، ولكن له مكانة لا محدودة في مخطّط الله. والانسان الملتصق بالأرض (وهي موطئ قدَمَيْ الرب) هو موضوع اهتمام الله أكثر من السماء مركز عرشه. هذا الانسان الضائع والمنسيّ في الكون قد تذكّره الرب وافتقده واهتمّ به. ولسنا أمام الانسان بالعموم، بل أمام انسان وحيد ومحدّد، هو شخص المرتّل، الذي أحسّ بصورة خاصّة بمراحم الله تفعل فعلها فيه. ويتساءل بماذا؟ لماذا يرفع الله الانسان ويكرمه، لماذا يهتمّ بمخلوق ضعيف فيجعله يحمل صورته وكلمته، ويصيّره شبيهًا به؟ تقول آ 6: نقّصته عن الاله قليلاً. فقالت بعض الترجمات: نقصته عن الملائكة، مشدّدة على المسافة التي تفصل الله عن الانسان فتجعل من الانسان "مشاهدًا" يعيش بحضرة الله، لا شريكًا له في عمليّة الخلق. ولكن النصّ العبري شدّد على عظمة الانسان القريب من الله فقال إنّ لا وسيط بين الله والكون إلّ الانسان، والانسان وحده (وكل ما تبقّى هو خليقة تشارك الانسان في تمجيد الله). الله هو من رفع الانسان إلى هذا المستوى، فأصعد الانسان إلى حدود اللاهوت، ولكنه منعه من أن يتجاوز الحدود (خطيئة الانسان الأولى تكمن في أنه أراد أن يصير بقوّته شبيهّا بالله، تك 2- 3). أما هذا "القليل" الذي يذكره المرتّل، فهو لا يعني انتقاصًا للانسان، بل تشديدًا على عظمة من صار شبيهًا بالله، لا بباقي الخلائق. كلّلته بالمجد والكرامة. والمجد والكرامة هما عادة من صفات الله أو أقله من صفات الملك (96: 6؛ 104: 1؛ 111: 4). الرب يعامل الانسان كملك على الأرض ووكيل، يعمل باسمه ويتسلّط على الكون بسلطته. لم ينسَ المرتّل سقطة الانسان، ولكنه يعرف أن هذه الخطيئة لم تشكّل أي خطر على مخطّط الله ولا على مصير الانسان والخليقة. أين نجد سر الانسان؟ نجده في اسم الرب الذي أراد للانسان هذا الاختيار وهذا التمجيد. فالانسان سرّ الله ومشروعُه الدائم وانتظارُه الأبدي. وقد خلقه لأنه أحبّه حبًا خاصًا، ورفعه إلى هذه الكرامة رغم أنه عالم بضعفه. لا شيء فوق الانسان، أمّا الانسان فكل شيء يخضع له، حتى ذلك الكائن السائر في سبل المياه. 4. في العهد الجديد (مت 21: 15) يطبّق يسوخ هذا المزمور على ذاته بصورة خاصة عندما يقول: "من أفواه الأطفال والرضّع أخرجتَ كلام الحمد". وترد آ 8 في 1 كور 15: 27 وأف 1: 22 وعب 6: 9 مشدّدة على أن الله جعل كل شيء خاضعًا للانسان، وخاصة للانسان يسوع آدم الثاني، ورأس البشرية المفتداة، الذي تخضع له كل رئاسة وسلطان. وعندما ينشد المؤمنون هذا المزمور يتذكرون وحدتهم بالمسيح، أخيهم البكر (روم 8: 29)، ويعرفون أن كل شيء هم، وأنهم للمسيح، وأن المسيح لله. وبهذه الطريقة، ترجع الخليقة الى خالقها عبر الانسان في فعل حمد ونشيد شكر وسجود. 5. إن الطوباوي داود الذي امتلأ من روح النبوءة يتكلّم في هذا المزمور مسبقًا عن تجسّد الربّ. قال عن المسيح أشياء تحقّقت فيما بعده، فردّ على اليهود جدالهم الوقح. "من أفواه الأطفال والرضّع هيّأتَ لك مديحًا". من الأكيد أن هذه الكلمة هي جزء مما سيتحقّق في الربّ (مت 21: 15- 16). وهكذا شهدت الوقائع للنبوءة وللربّ المتنبَّأ عنه. يبدو للبعض، وهذا رأي معقول، أن الطوباوي داود ألّف هذا المزمور بمناسبة عيد المظال. وكانت العادة أن يحملوا ثمارًا يقدّمونها عشورًا. لهذا نقرأ في العنوان: "للمَعاصر". هل الأمر صحيح؟ هل الأمر خطأ؟ لا يبدو أنه من الضروريّ أن نقوم بأبحاث موسّعة في هذا الموضوع، لأن هدفنا هو أن نصل إلى فهم أعمق للمزمور. ولو عرفنا في أي زمن أُنشد المزمور لكان لنا برهانٌ من أجل دقّة العنوان. ولكن لا تتوضّح بذلك معرفة الكلام ولا معنى المزمور. بل بالعكس. فإذا ظلّ الزمن مجهولاً، أو إذا كان اللقب خطأ، فلا يتبدّل شيء في المعنى وفي فهم الكلمات. ولا بدّ هنا من ملاحظة تتوجّه إلى الهراطقة الذي يأخذون مثلنا بالعهد القديم والعهد الجديد. فهذا النشيد النبويّ يكشف فرقًا شاسعًا بين الله الكلمة والانسان المأخوذ (ليحلّ فيه الابن). وهذا الفرق يجعل بين الواحد والآخر تمييزًا مهمًا كالذي يفصل الله عن سائر البشر. لا شكّ في أن اليهود يتقبّلون هذا المزمور ليتحدّثوا عن الله والانسان. وسوف نوضح رأينا عن الانسان فيما بعد. تكلّمنا عن الفرق بين الانسان المأخوذ والله الكلمة. والمسافة التي تفصل بينهما هي كبيرة كتلك التي تفصل الانسان عن الله. ونريد أن تقبلوها كاختلاف في الطبيعة لا كتباين في الكرامة، لأن عنوان الكرامة المعطاة في حالة الانسان المأخوذ تتجاوز كل خليقة. وسببُ هذه الكرامة للانسان المتّحد بالله يعود إلى الاتّحاد الشخصيّ مع الله. فلنحذر أن نحلّل بدقّة كل تفصيل أو أن نتوسّع في شرحنا طويلاً، وقد وضعنا نصب عيوننا أن نفسّر كل المزامير. فلنترك جانبًا ما هو خارج الموضوع، ولا نتكلّم إلاّ عمّا يتّصل بالتفسير. "أيها الربّ ربّنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض". فالذي يحصل على نعمة نورانية آتية من الروح القدس تجتذبه للتأمل في الاحداث الآتية، يمتلئ بانذهال عظيم. قال: "أيها الرب ربنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض". هذه الكلمة التي تفجّرت من إعجاب كبير لها معنى دقيق: ستمتلئ الأرض كلها بالكرازة الانجيلية. وبعد أن ينال الوثنيون كرازة الايمان سيتركون أصنامهم ويؤمنون بالمسيح. فالتعليم الانجيلي المنتشر في كل مكان هو البرهان على أن اسم الرب صار عظيمًا في كل الأرض. ويبدو المرتّل مشدوهًا حين يرى نتائج هذه الكرازة التي تحقّقت والتي ستتحقّق. من هنا كلماته: "أيها الربّ ربّنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض". فكرازة الانجيل ستقبلها كل الأرض، وسيعيَّد اسمك في كل مكان وصلت إليه كلمتُك. وهذا ما سيتّضح لنا فيما بعد. "ارتفع مجدُك فوق السماوات". فالكرامة المقدّمة لاسمك، ملأت كل أجزاء العالم، واجتازت القارات الضيّقة، ووصلت إلى قمّة السماوات. ولقد قبلت معرفتك قلوبُ كلّ (البشر) المائتين. فأي شيء أليق من هذا الاكرام المقدّم لله خالق السماوات؟ (تيودورس المصيصي). 6. حين يتأمّل النبيّ هذه المعجزات وما هو أعظم منها أيضًا يهتف: "ما أعجب اسمك في كل الأرض". أين هم الآن اليهود الذي يقفون بوقاحة ضدّ الحقّ؟ فأنا اسألهم: عمّن يريد الملك النبيّ أن يتكلّم هنا؟ يجيبون: عن القدير. غير أن اسمه لم يكن موضوع دهشة في العالم كله. واستشهد في ذلك أشعيا حين يقول: "أنت السبب في أن اسم الله يجدّف عليه وسط الأمم" (أش 52: 5). فاذا كان خدّام الله الحقيقي هم سبب التجديف على اسمه، فكم يمكن أن يكون عجيبًا؟ هذا الاسم عجيب في طبعه. فمن يشكّ في ذلك؟ ولكن بدل أن يكون عجيبًا في نظر الناس، كان بالأحرى موضوع احتقار. ولكن ليس الأمر كذلك اليوم. فمنذ نزل ابن الله الوحيد على الأرض، صار اسم الله عجيبًا في شخص المسيح. "فمن مشرق الشمس إلى مغربها، اسمي ممجَّد وسط الأمم" (ملا 1: 11). ثم: "تقرّب لاسمي تقدمة طاهرة وبخور رضى... أما أنتم فنسيتم اسمي" (آ 12). وقال نبيّ آخر: "امتلأت الأرض من معرفة الله" (أش 11: 9). وآخر: "تأتي الأمم إليكم قائلين: في الحقيقة عبد آباؤكم أصنامًا كاذبة" (إر 16: 19). ترون أن هذه الكلمات تنطبق على شخص الابن. فاسمه صار عجيبًا في كل الأرض. "لأن عظمتك ارتفعت فوق السماوات". وحسب ترجمة أخرى: "أنت الذي رفعت مديحك فوق السماوات". تكلّم الملك النبيّ عن الأرض. وهو الآن يرتفع إلى السماء حسب عادته، فيدلّ هكذا على اتحاد السماء بالأرض لامتداح السيّد العليّ. هذا ما يريد أن يبرهن عنه حين يُعلن أن اسم الله عجيب على الأرض، وعجيب في السماوات. فالبشر لا ينشدون وحدهم أعمال الخالق، بل الملائكة أيضًا. وكلهم يشكرونه من أجل حسناته التي أغدقها على البشر. هذا ما فعلوا منذ البدء حين أنشدوا في جوقات عجائب الخلق. إذن، أراد داود أن يتحدّث هنا إمّا عن أناشيد الملائكة وإمّا عن عظمة الله. فحين تصوّر لنا الكتبُ شيئًا عظيمًا، فهي تعطي مثالاً المسافةَ التي تفصل السماء عن الأرض. "كما ارتفعت السماء عن الأرض". وأيضًا: "كما ابتعد المغيب عن الفجر، هكذا أبعد الله عنّا معاصينا" (مز 103: 11- 12). إذن، أعجب المرتّل جدًا حين رأى عظمة أعمال الخلق. فالله قد ألبس الطبيعة الأضعف قوّة لتسمو على جميع الملائكة. "من أفواه الأطفال والرضّع استخرجت أكملَ مديح لك". وتقول ترجمة أخرى: "أسّست مديحًا لك". وأخرى: "ثبَّتت قوّتك". ماذا تعني هذه الكلمات؟ أعطيت برهانًا ساطعًا عن قدرتك، فجعلت العمر الأضعف يخدم مجدك. وحللت ألسنة الأطفال المتمتمة لتنشد مدائحك. أنبأ داود هنا بنشيد الانتصار الذي أنشده الأولاد في الهيكل. ولماذا اختار الملك النبي هذه المعجزة التي كان الأطفال أداتها وفضّلها على عجائب أخرى لم يذكرها، مثل قيامة الموتى وشفاء البرص وطرد الشياطين؟ لأن هذه المعجزات وجدت ما يشبهها في الماضي، ما عدا الطريقة التي فيها تمّت. فأليشاع أقام ميتًا وشفى أبرص. وداود طرد الشيطان الذي سيطر على شاول. ولكنها المرّة الأولى نسمع جوقة من الأطفال. (يوحنا فم الذهب). |
09 - 09 - 2012, 08:27 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: عظمة الخالق وكرامة الانسان المزمور الثامن
شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك |
||||
|