خطاياي مغفورة ومنسية
قارئي العزيز: أريد أن أبدأ حديثي معك بأن أسألك سؤالاً بسيطًا صريحًا من جهة غفران خطاياك، وهو: تؤمن أنه في الإمكان أن تكون لك الضمانة الكافية أن خطاياك قد غُفرت؟
وسبب توجيه هذا السؤال هو أن كثيرين يُنكرون على المؤمن الحقيقي حق الثقة في أن خطاياه قد غُفرت له، ويقولون إن الإيمان بمغفرة الخطايا إدعاء باطل من الذي يُجاهر به. وفوق ذلك يُحاولون أن يُبرهنوا أن الارتياب من جهة هذه المسألة الخطيرة هو علامة التواضع. وكأن خلاصة أقوالهم: إن الإيمان بما يقوله الله كبرياء وتصلف، والشك فيه تواضع. وتظهر غرابة هذه الأقوال متى قابلناها ببعض آيات الكتاب المقدس، مثل «له (للمسيح) يشهدُ جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا» (أعمال10:43)، وأيضًا «الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا، حسب غنى نعمته» (أفسس1: 7؛ كولوسي1: 14)، وأيضًا «بهذا يُنَادَى لكم بغفران الخطايا، وبهذا يتبرَّرُ كل من يُؤمن من كل (شيء)...» (أعمال13: 38،39)، وفي هذه الآية تتكرر كلمة «كل»؛ فكل مَنْ يؤمن يتبرَّر من كل شيء، ولا إشارة هنا عن كون الإيمان قويًا أو ضعيفًا، ولكن السؤال هو: ”هل تؤمن؟“. وإذا كنت تؤمن فلا عبرة بكون خطاياك صغيرة أو كبيرة، قليلة أم كثيرة، لأن الآية تتكلم عن كل الخطايا «مُسامِحًا لكم بجميع الخطايا» (كولوسي2:13).
واليقين بهذا الغفران هو من أعظم حقائق الكتاب المقدس: «أكتب إليكم أيها الأولاد، لأنه قد غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه» (1يوحنا2:12)، فهل من يرتاب في صحة هذا الخبر السار يُحسب متواضعًا؟!
وقد روى أحد خدام الرب هذه القصة:
اعتاد بقال القرية أن يكتب على ظهر باب دكانه مقدار دين كل زبائنه بالطباشير؛ الاسم وأمامه مقدار الدين. وكان يجمع في ذاكرته أسماء زبائنه مقترنة بديونهم إلى أن يتم وفاء تلك الديون بالتمام، عندئذٍ كان يمحو من ظهر بابه الدين الذي تم سداده وليعود يذكره مرة أخرى.
وكان من بين الزبائن سيدة آمنت منذ فترة بالرب يسوع المسيح، وقبلته مخلِّصًا وفاديًا شخصيًا لها، ولكن كان ضميرها يزعجها بخصوص خطاياها السابقة، وترتعب من تصوّر فتح الأسفار، عندما يقف الجميع؛ صغارًا وكبارًا، أمام العرش العظيم الأبيض، ويُدانون بحسب أعمالهم (رؤيا20:11-13). وكانت تلك السيدة تعلم أنه لا يُمكن أن تُمحى خطاياها من تلك الأسفار بأعمالها، لأن الأعمال الصالحة التي تقوم بها، مهما عظمت، قيمتها محدودة لأنها صادرة من الإنسان المحدود، بينما حق الله الذي أُسيء إليه بسبب الخطية، لا حدّ له. وفي الوقت نفسه كانت تعرف أنه ما لم تُمحَ خطاياها، ستهلك إلى الأبد.
وأمام البقال، تقابل معها خادم الرب، وتجاذب معها أطراف الحديث. وعندما أخبرته عن مخاوفها من جهة دينونة الله العادلة، قال لها: لماذا تنوحين هكذا على خطاياكِ؟ ولماذا لا تؤمنين بما يقوله الله عن أولئك الذين يرغبون حقًا في غفران خطاياهم؟ ألا يُخبر الله هؤلاء أن الدَيْنَ قد تسدَّد؟ إنك لا تنزعجين بخصوص كتابة الطباشير على باب الدكان بعد وفاء دينك، ألا يمكنك بنفس الطريقة أن تستريحي على ما عمله دم المسيح إذ وفَّى دين الخطية وسدّد مطاليب بر الله وعدله؟ سأذهب إلى الدكان، وأرى مقدار الدين المكتوب أمام اسمك، وأدفعه؛ وحينئذٍ سيمحو البقال كتابة الطباشير، حتى إنك عندما تذهبين إلى هناك بعد ذلك سيُخبرك البقال أنه لا يوجد أي شيء مكتوب أمام اسمك، ولا شك أنك سوف تصدّقينه شاكرة مع أنك لم تشتركي في عملية التسديد، إنما آمنت بتسديده، ففاض قلبك بالرضا والغبطة. وهذا هو الحال يا سيدتي من جهة دين خطاياكِ المريع الذي تنوحين بسببه، والذي تعترفين بعجزك عن وفائه. فالعدل قد اكتفى لأن دم ابن الله قد سُفك لأجل خطايا شعبه، ولم تبقَ خطية واحدة مُقيَّدة أمام أسمائهم، إذ قد دفع المسيح الدين كله بدمه الكريم، وبكل يقين قد محا العدل الإلهي دين خطاياهم بذلك الدم الثمين «ودم يسوع المسيح ابنه يُطَهِّرنا من كل خطيِّةٍ» (1يوحنا1:7). ونحن الذين نصدق الله نفرح بتحرّرنا من دين الخطية، فضلاً عن ذلك، فإن الله نفسه يُخبرنا أن أسماءنا لم تَعُد فيما بعد مرتبطة بخطايانا، بل أسماؤنا مكتوبة في «سفر الحياة» (فيلبي4:3؛ رؤيا 3:5؛ 21:27).
إن جميع خطايانا كانت أمام العدالة الإلهية أمام الصليب، وهناك قد وُضِعَت جميعها على رأس يسوع المسيح حامل الخطايا (إشعياء53:6)، وبموته وسفك دمه، قد وضع أساسًا أبديًا لمغفرة الخطايا، بحيث أن المؤمن صار ممكنًا له أن يُجاهر، من الآن، بدون تردد أو خوف، مُترنمًا للرب: «إنك طرحت وراء ظهرك كل خطايايَ» (إشعياء38:17). والذي يثق بهذا إنما يُصادق على حكم الله نفسه، إذ قال: «لا أذكر خطاياهم وتعدياتهم في مبعد» (عبرانيين8:12؛ 10:17). ومأثمن هذه الكلمات! الله لا يغفر فقط بل ينسى. هنا الراحة الحقيقية للضمير المُتعَب؛ إن عيني القداسة غير المحدودة لا يمكنهما أن تريا أقل إثم على الضمير الذي تطهَّر مرة بدم المسيح الثمين. كل خطايا وآثام المؤمن قد طُرحت في بحر النسيان الأبدي، ولقد وعد الرب الصادق أنه لن يذكرها في ما بعد.
وقد بارك الرب هذه الكلمات لنفس تلك السيدة فأصبح الضمير مستريحًا والقلب فَرِحًا أمام الرب.عزيزي المؤمن: استرح على عمل المسيح. آمن وافرح؛ لقد غُفرت كل خطاياك من أجل اسمه، ولك الآن غفران الخطايا في المسيح، وأصبحت من شعب الله المبارك و«طوبى للذي غُفر إثمه وسُترت خطيَّته» (مز32:1).