فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس ... لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها ( مت 6: 31 ،32)
«إن أباكم يعلم» هذه حقيقة ثمينة ومُنعشة تفيض بالقوة للضعيف، وبالتعزية للمجرَّب، ولها قيمة تفوق التقدير للمسكين والذليل بين الغنم. «إن أباكم يعلم» هذه الكلمة هي مورد غني للإيمان في كل الأوقات وتحت كل الظروف، إنها علاج لكل قلق وجزع، أليست هي بلساناً للقلب الجريح؟ أو ليست هي هدوءاً إلهياً عجيباً للنفس المضطربة؟ «فأبوكم يعلم» نعم إنه يعلم احتياجك، يعرف كل شيء تحتاجه، لأن محبته لا تُحَّد ولا تُقاس، ولا نهاية لعطفه ورأفته، وقوته لا يمكن أن تُعاق في خدمتها لك، ونعمته تشمل كل سياحتك من بدايتها إلى منتهاها ـ من الصليب إلى المجد. هذه النعمة الغنية تقدم لك في طريقك المعونة في حينها ( 2أخ 16: 9 ) وعنايته بك لن تنقطع، فأنت موضوع عناية واهتمام الآب نفسه، كما أنه يرسل ملائكته من حضرته لخدمتك. وعلمه الفائق الإدراك يشمل كل أجزاء الخليقة، فليس شيء زهيد ولا عظيم يمكنه أن يختفي أو يهرب من أمام عينه الفاحصة لكل شيء، وهذا لكي يُظهر نفسه أنه قوي وشديد لأجلك (2أخ16: 9) وكل سجايا أو صفات الله منفردة أو مجتمعة معاً تعمل لبركتك، فالآب لك ولأجلك، وهو يعلم ما تحتاج إليه من طعام أو لباس، إنه يعرف فقرك، يعرف أمراض عائلتك، ويعرف جهادك اليومي.
إنه يعلم كل ما يتعلق بهذه الأوقات العصيبة وصعوبات الأعمال الزمنية القاسية، هو يعلم ما يظنه الناس خطأ فيك، وكيف قسا الآخرون في حكمهم عليك، والاتهامات الباطلة التي نُسبت إليك. هو يعرفك تماماً تماماً، فكل ظروفك مُفصّلة ومُجمَلة معروفة عنده، يا له من إله! فالذي عمل العالمين، وبذل ابنه للموت، هو يحصي شعر رأسك، ويحفظ دموعك في زقه، هو يسجل كلماتك، ويسمع كل زفراتك «لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه». أليس في ذلك كل الكفاية؟ أو ليس علمه بكل احتياجنا أفضل من علمنا نحن؟ ألا تستريح على علمه بكل احتياجك؟ «إن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه». فقبل أن يعبِّر القلب بالأنين أو بالصلاة هو يعلم، فأنت لا تُثير دهشته عندما تسرد له أحزانك أو أعوازك لأنه عرفها معرفة كاملة ودقيقة قبل أن تدخل إلى حضرته بقلبك المُثقل. فألقِ إذاً كل همك عليه، أسند ضعفك عليه لأنه يحب أنك تعتمد عليه اعتماداً كاملاً.