تقدِّم لنا الكنيسة لقاء المرأة السامرية مع السيد المسيح كنموذج للقاء كل إنسان مع المسيح.
والسامرة منطقة بين الجليل في الشمال واليهودية في الجنوب، وأهل السامرة هم بقايا العشرة أسباط الذين رجعوا من السبى وسكنوا في الشمال من أرض كنعان. وبسبب اختلاطهم بالأُمم وتزاوجهم معهم، فقدوا شخصيتهم كيهود وحُرِموا من العبادة في هيكل أورشليم، فكان لهم هيكلهم الخاص على جبل جرزيم، وتقع بئر يعقوب - التي جلس عليها السيد المسيح - على سفح هذا الجبل. وعلى جبل جرزيم تقابل أبو الآباء إبراهيم مع ملكي صادق. والمعروف أن يعقوب أبا الأسباط لمَّا رجع من فدان آرام، بنى مذبحاً هناك ودعاه إيل إله إسرائيل. وتقول التقاليد أيضاً إن إبراهيم بنى مذبحاً على جرزيم لتقديم إسحق ذبيحة عليه.
ويتميَّز لقاء السامرية مع السيد المسيح بكثير من التعاليم الروحية نقتطف منها:
- لم يكن مصادفة أن يأتي السيد المسيح إلى البئر في الوقت الذي تأتي فيه السامرية لتستقي، وإنما هى خطة الله وتدبيره لخلاص الإنسان.
- السيد المسيح هو الذي يبدأ الحديث: «أعطني لأشرب». وهكذا فإن الله دائماً هو الذي يسعى إلى خلاص نفس الإنسان: «ها أنا واقف على الباب وأقرع» (رؤ 3: 20)، ويبدو كأنه هو المحتاج إلى الإنسان، كما يقول القديس غريغوريوس: ”لم تكن أنت المحتاج إلى عبوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك“. ويطلب السيد المسيح كمحتاجٍ إلى أن يشرب!! هل يعطش الذي قال: «أنا أُعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً» (رؤ 21: 6)، و«من يعطش فليأتِ» (رؤ 22: 17)؛ ولكن عطش السيد المسيح لم يكن عطشاً للماء، بل إلى نفس السامرية، فهو قد صرخ على الصليب قائلاً: «أنا عطشان»، لم يكن عطشاً إلى الماء بل إلى نفوس الذين صلبوه ليُخلِّصهم.
المسيح يقترب إلى الإنسان، ولكن الإنسان يضع الحواجز بينه وبين المسيح!!
+ حاجز العنصرية: يهودي، وأنا سامرية.
+ حاجز الجنس: رجل، وأنا امرأة.
+ حاجز الخطية: لا أستحق أن أقترب من السيد المسيح.
ولكن السيد المسيح مع السامرية حطَّم كل الحواجز التي تفصلها عن معرفته المعرفة الحقيقية.
كانت نقطة التحوُّل في حياة السامرية أن السيد المسيح فتح عينيها لترى احتياجها هى: «لو كنتِِ تعلمين عطية الله (الذي هو المسيح)، ومَـن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيّاً». من هنا ومن أعماق حياتها بدأتْ تعرف المسيح.
قبل أن تفحص السامرية أعماقها كانت تنظر إلى المسيح على أنه عدو لا تتعامل معه، رجل يهودي، ثم تغيَّرت هذه النظرة إلى:
- سيد: «يا سيد أعطِني هذا الماء»،
- ثم نبي: «أرى أنك نبيٌّ»! لأنه عرف خفايا حياتها،
- ثم المسيا: «... أنا أعلم أن مسيَّا، الذي يُقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء... انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلتُ. ألعل هذا هو المسيح»؟
والآن بعد أن اكتشفت حياتها بنور المسيح وعرفت مَن هو! سألته كيف تعبد؟! ولو أن سؤالها كان عن شكلية العبادة: ”أين نسجد“؟؟
ولكن السيد المسيح حدَّد لها العبادة الحقيقية التي يطلبها الآب أنها «بالروح والحق».
أى هى بالروح القدس الذي يأخذ من المسيح ويعطينا من خلال أسرار الكنيسة وكلمة الله، وبـالحق أى باستحقاق دم المسيح، لأنـه بدون دم المسيح لا يكون لنا أيـة دالة ندعو بها الله أبانا.
انتهى الحديث بأن تركت المرأة جرَّتها وذهبت تشهد للمسيح بحياتها التي كانت قبلاً سبب خجلها، مثل حياة شاول الطرسوسي الذي صار بولس الرسول: «أنا الذي كنتُ قبلاً مجدِّفاً ومُضطهِداً (بيت الله) ومُفترياً، ولكنني رُحِمْتُ» (1تي 1: 13).