رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس كيرلس الأورشليمي سيأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء المقال الخامس عشر "كنت أرى أنه وضعت عروش، وجلس القديم الأيام"، ثم "كنت أرى في رؤى الليل، وإذ مع سحب السماء مثل ابن إنسان آتي" (دا 7: 9-14). 1. المجيئان لسنا نكرز بمجيء واحد للمسيح بل وبمجيء آخر فيه يكون ممجد جدًا أعظم من الأول. المجيء الأول أظهر صبره، والثاني فيحضر معه إكليل مملكته الإلهية. لأن تقريبًا كل شيء في ربنا يسوع المسيح يحمل جانبين: فله نسب مزدوج، مولود من الله قبل كل الدهور، ومولود من العذراء في ملء الدهر. ونزوله مزدوج، واحد يأتي فيه مختفيًا، "مثل المطر على الجزاز" (مز 72: 6)، والآخر مجيء واحد مُنتظر. في مجيئه الأول كان ملفوفًا بقماطات في المذود، وفي ظهوره الثاني يظهر "اللابس النور كثوب" (مز 104: 2). في مجيئه الأول "احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2)، وفي الثاني تحوطه جيوش الملائكة ممجدًا(1). فنحن لا نستند على مجيئه الأول فحسب، وإنما ننتظر مجيئه الثاني أيضًا. وكما قلنا في مجيئه الأول: "مبارك الآتي باسم الرب" (مت 21: 9؛ 23: 39). سنردد أيضًا هذا في مجيئه الثاني، فإذ نتقابل مع سيدنا وملائكته، نتعبد له قائلين: "مبارك الآتي باسم الرب". سيأتي لا ليُحكم عليه، بل ليدين من حاكموه. ذاك الذي صمت أثناء محاكمته يقول للأشرار الذي فعلوا معه هذه الجسارة: "هذه الأشياء صنعتم وسكت" (مز 50: 21). إذن، قد جاء بتدبير إلهي معلمًا الناس بالإقناع، أما هذه المرة بالضرورة يقبلونه ملكًا حتى الذين لا يريدون! شهادة الكتاب المقدس 2. بخصوص هذين المجيئين يقول ملاخي النبي: "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه"، هذا هو المجيء الأول. أما عن مجيئه الثاني، فيقول: "وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال (الرب القادر على كل شيء). ومن يحتمل يوم مجيئه؟! ومن يثبت عند ظهوره؟! لأنه يأتي مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار، وسيجلس ممحصًا ومنقيًا". بعد هذا يقول المخلص نفسه: "واقترب إليكم للحكم، وأكون شاهدًا سريعًا على السحرة وعلى الفاسقين وعلى الحالفين باسمي زورًا..." (مل 3: 5) لهذا السبب يحذرنا بولس قائلًا: "إن كان أحد يبني على هذا ذهبًا فضة حجارة كريمة خشبًا عشبًا قشًا، فعمل كل واحدٍ سيصير ظاهرًا، لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يُستعلن" (1 كو 3: 12، 13). عرف بولس المجيئين حين كتب إلى تيطس قائلًا: "ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس، معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقل والبرّ والتقوى في العالم الحاضر منتظرين الرجاء المبارك، وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تى 2: 11-14). ها أنتم ترون كيف يتحدث عن المجيء الأول الذي من أجله يقدم تشكرات، وعن الثاني الذي نطلبه وننتظره. هكذا أعلن بولس نفس الإيمان الذي نعلنه، فنحن نؤمن بالذي صعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء. 3. هكذا سيأتي ربنا يسوع المسيح من السماء، وسيأتي بمجد في نهاية هذا العالم، في اليوم الأخير.لأن هذا العالم له نهاية، ويتجدد عالم جديد(2). لأنه حيث الفساد "والسرقة والفسق" (هو 4: 2)، وكل أنواع الشرور حلت بالأرض ولحقت الدماء بدماء، فلا يعود بعد يبقى هذا المسكن العجيب المملوء شرًا، بل يمضي هذا العالم ليظهر العالم الأفضل. أتريد شاهدًا على هذا من الكتاب المقدس؟ اسمع إشعياء النبي يقول: "تلتف السماوات كدرجٍ، وتسقط كل النجوم كأوراق من كرمة، وكأوراق تتساقط من شجرة تين"(3). يقول الإنجيل أيضًا: "تظلم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه، وتتساقط نجوم السماء" (مت 24: 29). إذًا لا نحزن كأننا وحدنا نموت لأن النجوم أيضًا تزول... وسيلف الله السماوات لا لكي يفنيها، بل ليرفعها ثانية في أجمل مما هي عليه. اسمعوا داود النبي يقول: "أنت يا الله في البدء أسست الأرض والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى" (مز 102: 25). اسمعوا بأي معنى يقول "هي تبيد"؟ إنه يكمل "كلها كثوبٍ تذوب قِدَمًا، وكرداء تطويها فتتغير" (مز 102: 26)، إنها كالإنسان الذي يُقال عنه إنه "يُباد". إذ مكتوب عنه: "باد الصديق وليس أحد يضع ذلك في قلبه" (إش 62: 1). هذا بالرغم من انتظار القيامة. هكذا انتظر كما لو أن هناك قيامة للسماوات. "ستظلم الشمس، والقمر يتحول إلى دمٍ" (يوئيل 2: 31). فليتعلم أولئك الذين انحرفوا إلى المانيّة ولا يجعلوا من هذه الكواكب آلهة لهم، ولا يظنوا أن هذه الشمس التي تظلم هي المسيح، إذ يقول الرب: "السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول" (مت 24: 35)، لأن ليس للخليقة كرامة كلمات الرب! 4. إذن ستزول الأشياء المنظورة وتأتي الأمور المقبلة التي هي أفضل. أما عن الزمن فليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع 1: 7). فلا تتجاسروا في إعلان زمان حدوث هذه الأمور، وفي نفس الوقت لا تخافوا وتتهاونوا، إذ قيل: "اسهروا إذًا لأنكم في ساعة لا تتوقعونها يأتي ابن الإنسان" (راجع مت 24: 42، 44). ولكن إن كان لزامًا أن نعرف علامات المنتهى إذ ننتظر المسيح، فلا نموت مخدوعين ونضل بواسطة ضد المسيح الكذاب، فإن التلاميذ مدفوعين بإرادة إلهية وحسب ترتيب العناية الربانية قالوا للمعلم الحقيقي: "قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟" (مت 24: 3) إننا نتطلع إليك وأنت آتٍ ثانية، لكن "الشيطان يغيّر نفسه إلى شبه ملاك نور" فأعطنا حرصًا حتى لا نعبد آخر غيرك. فتح السيد فمه الإلهي المبارك قائلًا: "انظروا لا يضلكم أحد". وهذه العبارة تنذركم جميعًا أن تحذروا وتهتموا لما يُقال، لأنه لم يتحقق بعد بل يتنبأ عن أمور مقبلة حادثة بالتأكيد. إنه ليس لنا أن نتنبأ لأننا غير مستحقين لهذا، إنما نضع أمامكم الأمور المكتوبة، ونوضح لكم العلامات، لاحظوا أنتم ما قد تحقق منها فعلًا وما لم يتحقق بعد، وكونوا في أمان. 5. "انظروا لا يضلكم أحد"، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح ويضلون كثيرون. لقد تحقق هذا جزئيًا فإن "سيمون الساحر" قال هذا، كذلك Menander(4) وآخرون من قادة الهرطقات قالوا بهذا. وسيقوم في أيامنا وفي الأيام المقبلة أيضًا من يقول بهذا. 6. العلامة الثانية: "تسمعون عن حروب وأخبار حروب"(5). ألا توجد في أيامنا هذه حرب بين الفرس والرومان لأجل العراق؟ ألا تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة؟! "وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة". هذه الأشياء حدثت فعلًا. ثم أيضًا "وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء"(6). إنه يقول "اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (مت 24: 42). 7. لكننا نبحث عن علاماتنا نحن الكنسيّين لمجيئه، التي تتناسب مع الكنيسة. يقول المخلص "وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضًا ويبغضون بعضهم بعضًا" (مت 24: 10). إن سمعتم عن أساقفة يضادون أساقفة، وإكليروس ضد إكليروس، وعلمانيين ضد علمانيين حتى الدم(7)، فلا تضطربوا لأنه سبق أن كُتب عن هذا. لا تلتفتوا إلى ما يحدث الآن بل تأملوا ما قد سبق أن كُتب، حينئذ حتى إن هلكت أنا نفسي الذي أعلمكم لا تهلكوا أنتم أيضًا معي. كلاّ، بل قد يصير السامع أفضل من معلمه، والآخر يكون أولًا مادام السيد يقبل حتى أصحاب الساعة الحادية عشرة. إن كان قد وجد بين الرسل خيانة، فهل تتعجبون إن وُجد بين الأساقفة كراهية؟! هذه العلامة لا تكون بين القادة، فحسب بل وبين الشعب أيضًا، إذ يقول "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت 24: 12)... 8. لكم هذه العلامة أيضًا: "ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى" (مت 24: 14). وكما نرى أن العالم قد امتلأ كله تقريبًا ببشارة المسيح. 9. ثم ماذا يحدث بعد ذلك؟ يقول: "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس. ليفهم القارئ" (مت 24: 15). وأيضًا "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا" (مت 24: 23). إن كراهية الإخوة تفسح الطريق لمجيء ضد المسيح، لأن الشيطان يصنع الانقسام بين الناس حتى يقبلوا المزمع أن يأتي. لكن الله منع أي خادم من خدام المسيح أن يذهب إلى هنا أو هناك نحو العدو. وإذ يكتب الرسول بولس في هذا الأمر يعطى علامة واضحة إذ يقول: "لأنه لا يأتي (هذا اليوم) إن لم يأتِ الارتداد أولًا ويُستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله، مظهرًا نفسه أنه إله. أما تذكرون أني وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا، والآن تعلمون ما يحجز إلى النهاية حتى يُستعلن في وقته، لأن سرّ الإثم الآن يعمل فقط إلى أن يُرفع من الوسط الذي يحجز الآن، وحينئذ سيُستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2 تس 2: 3-10). هكذا كتب بولس، وقد تم الارتداد، إذ ارتد الناس عن الإيمان المستقيم، فالبعض يتجاسر ويقول إن المسيح أُوجد من العدم. من قبل كان الهراطقة ظاهرين، أما الآن فالكنيسة مملوءة هراطقة مستترين، إذ ضل الناس عن الحق، وصموا آذانهم (2 تي 4: 3). هل يوجد مقال مملوء بالمظاهر الكاذبة؟! الكل ينصت إليه بفرح! هل توجد كلمة للإصلاح؟ الكل يتحول عنها! تحول الغالبية عن الكلمات الصحيحة، واختاروا بالأحرى الكلمة الشريرة بدلًا من الصالحة. هذا هو الارتداد، والعدو يتطلع إليه. فقد أرسل جزئيًا رواده حتى يأتي فينقض على الفريسة. اهتم بنفسك يا إنسان، ولتكن نفسك في أمان. الكنيسة تُحملك المسئولية أمام الله الحي، فهي تخبرك عما يخص بضد المسيح قبل أن يأتي. وإننا لا نعلم إن كان يأتي في أيامكم أو بعدكم، لكن يليق بكم إذ تعرفون هذه الأمور أن تحترسوا. 10. المسيح الحقيقي، ابن الله الوحيد، لن يأتي بعد من الأرض، فإن جاء أحد صانعًا أعمالًا مزيفة في البرية لا تذهبوا وراءه. إن قيل "هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا". لا تعودوا تنظروا بعد إلى أسفل إلى الأرض، لأن الرب يأتي من السماوات، ليس وحده كما حدث من قبل، لكنه يأتي محاطًا بربوات الملائكة ليس سرًا "كالمطر على الجزاز" (مز 72: 6). لكن يأتي بلمعان مثل البرق، إذ قال بنفسه: "لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا أيضًا يكون مجيء ابن الإنسان". وأيضًا "يبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوةٍ ومجدٍ كثيرٍ، فيرسل ملائكته ببوقٍ عظيم الصوت" (مت 24: 30). 11. ولكن كما أنه كان يليق به أن يأخذ الناسوت وكان منتظرًا أن يولد الله من عذراء. فقد خلق الشيطان خداعًا بإيجاد روايات عن آلهة كذبة تلد وتولد من النساء، لكي بوجود الأكاذيب لا يُصدق الحق. وهكذا أيضًا إذ يأتي المسيح مرة أخرى، فإن المقاوم يستغل فرصة انتظار البسطاء، خاصة الذين من أهل الختان، فيأتي رجل ساحر متفنن في فنون السحر والعرافة مخادع بمكر، ويأخذ لنفسه سلطان إمبراطور روما، ويُنصب نفسه مسيحًا كذابًا، وتحت اسم المسيح يخدع اليهود المنتظرين مجيء المسيح، ويغوى الأمم بأضاليله السحرية. 12. هذا المسيح الكذاب السابق ذكره يأتي بعد انتهاء أزمنة إمبراطورية روما عندما تقترب نهاية العالم. سيقوم عشرة ملوك لروما ضد بعضهم، ربما يحكمون في مناطق مختلفة، لكنهم يقومون في زمنٍ واحدٍ، بعد هذا يأتي الحادي عشر أي ضد المسيح الذي بخداعه السحري يغتصب القوة الرومانية، ومن هؤلاء العشرة ملوك الذين كانوا يحكمون سابقًا "يذل ثلاثة ملوك" (دا 7: 24)، والسبعة يخضعهم لسطوته. في البداية يلبس مظهر اللطف الحقيقي والتعقل والحنو، وبالعلامات الكاذبة والعجائب السحرية المخادعة يخدع اليهود، كما لو كان المسيح المنتظر، بعد هذا يظهر كل أنواع الجرائم الوحشية والشرور، فيفوق كل الأشرار والملحدين الذين سبقوه، مستخدمًا روح قتال قاسي جدًا ضد كل البشرية خاصة المسيحيين، فيكون بلا رحمة مملوء غشًا. وبعد ثلاثة سنوات وستة أشهر فقط تتحطم هذه الجرائم بالظهور المجيد لابن الله الوحيد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الحقيقي من السماء، حيث يسحق ضد المسيح بفمه ويلقيه في نار جهنم. 13. لسنا نُعلم بهذا من اختراعنا، بل تُخبرنا به الأسفار المقدسة الإلهية التي في الكنيسة، خاصة ما جاء في نبوة دانيال التي قُرأت منذ قليل، كما فسرها رئيس الملائكة جبرائيل قائلًا: "الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الأرض تفوق سائر الممالك"(8). ومعروف في تقليد مفسري الكنيسة أنها مملكة الرومان. فكما كانت المملكة الأولى التي ذاع صيتها هي مملكة الأشوريين، والثانية هي مملكة المديانين والفرس معًا، وبعد هذا المملكة الثالثة هي المقدونيين، والرابعة هي مملكة الرومان. ثم يستمر جبرائيل في التفسير قائلًا: "قرونه العشرة هم عشرة ملوك سيقومون ويقوم بعدهم آخر الذي يفوق الشر كل سابقيه" (ليس فقط يفوق العشرة، بل كل سابقيه) ويذل ثلاثة ملوك" (راجع دا 7: 24). واضح أنه من العشرة ملوك السابقين. وإذ يذل الثلاثة يصير هو الثامن "ويتكلم بكلام ضد العليّ" (دا 7: 25). إنه يكون مجدفًا وشريرًا، لا يأخذ المملكة عن آبائه، بل يغتصبها بالسحر. 14. من هو هذا؟ وما هو نوع عمله؟ فسر لنا يا بولس. يقول: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بل بقوة وبآيات وعجائب كاذبة" (2 تس 2: 9)، مظهرًا أن الشيطان يستخدمه كأداة عاملًا في شخصه وخلاله. فإذ يعلم أن دينونته لن تتأخر بعد كثيرًا، يصنع حربًا ليس خلال وكلائه كعادته، بل يصنعها علنًا من ذلك الحين فصاعدًا، مستخدمًا "آيات وعجائب كاذبة". لأن أب الكذب يعمل أعمال الكذب، حتى يظن الناس أنهم يرون الميت يقوم وهو لم يقم، والعرج يمشون، والعمى يبصرون مع أنهم لم يشفوا حقيقة. 15. يقول أيضًا "المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا... حتى إنه يجلس في هيكل الله". أي هيكل هذا؟ إنه يقصد هيكل اليهود(9). حاشا لله أن يُقصد به هيكل مما نحن فيه. لماذا نقول هذا؟ لئلا يُظن أننا نفضل أنفسنا، فإنه متى جاء لليهود على أنه المسيح راغبًا في أن يكون موضع عبادتهم، يعطي اهتمامًا عظيمًا للهيكل لكي يخدعهم تمامًا، مدعيًا أنه من نسل داود، وأنه سيبني الهيكل الذي شيده سليمان هذا الذي متى جاء ضد المسيح لن يجد فيه حجر على حجر كما حكم بذلك مخلصنا... إنه سيأتي "بآيات وعجائب كاذبة"، رافعًا نفسه على كل الأصنام، فيتظاهر أولًا بمحبة الإحسان، لكنه يعود فيُظهر طبعه الذي لا يعرف الرحمة، خاصة ضد قديسي الله، إذ قيل: "وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين" (دا 7: 21). وفي موضع آخر قيل: "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" (دا 12: 1). مرعب هو هذا الوحش، تنين عظيم لا يهزمه إنسان، مستعد للافتراس. لنا أن نتكلم عن هذا الكثير مما ورد في الكتب الإلهية، لكننا نكتفي الآن بهذا حتى لا نتعدى حدود المقال. 16. وإذ يعلم الرب شدة الضيق الذي يبثه المقاوم ضد الأبرار قال: "حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال" (مت 24: 16). أما إذا كان أحد متأكدًا أنه قوي في مقاتلة الشيطان، فليقف وليقل: "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟!" (رو 8: 35) ليعمل الخائفون على سلامتهم (بالهروب)، أما الذين لهم شجاعة حسنة، فليصمدوا "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (مت 24: 21). شكرًا لله الذي حّد من عظمة هذه الضيقة في أيام قليلة إذ يقول: "ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام" (مت 24: 22). سيحكم ضد المسيح لمدة ثلاثة سنين ونصف فقط. إننا لا ننطق بهذا من كتب غير قانونية بل يقول دانيال: "ويسلمون ليده إلى زمان وزمانين ونصف زمان" (دا 7: 25). الزمان هو السنة التي يكون فيها مجيئه يتزايد، والزمانان هي سنتا الشر الباقيتان، فيكون المجموع هو ثلاث سنوات، والنصف زمان هو الستة أشهر. إذ يقول دانيال نفس الشيء في موضع آخر: "وحلف بالحيّ إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف زمان" (دا 12: 7). والبعض يرجع هذا إلى ما جاء بعد ذلك "ألف ومئتان وتسعون يومًا" (دا 12: 11). لهذا فلنختفِ ولنهرب، لأنه ربما "لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان" (مت 10: 23). 17. من هو الإنسان المطوب الذي يشهد للمسيح بغيرة في ذلك الوقت؟ لأني أقول إن شهداء ذلك الوقت يفوقون كل الشهداء. لأن هؤلاء يصارعون ضد أناس فقط، أما أولئك الذي في وقت ضد المسيح فسيناضلون الشيطان في شخصه هو. الملوك المضطهدون السابقون كانوا يسلمون الشهداء للموت فقط، لكنهم لم يدعوا أنهم يقيمون الموتى، ولا صنعوا آيات كاذبة وعجائب، أما في ذلك الوقت فسيكون الإغراء الشرير بواسطة التهديد كما بالخداع "حتى يضلوا لو أمكن المختارين (جدًا) أيضًا" (مت 24: 24). لا يدخل في قلب أي إنسان حيّ هذا القول: "وماذا فعل المسيح أكثر من هذا؟" لأنه بأية قوة يعمل هذا الرجل هذه الأعمال لو لم تكن هي إرادة الله لما سمح له. يحذركم الرسول قائلًا مقدمًا: "لأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال (أي يسمح لهم بذلك)، لكي يجدوا عذرًا، ولكن "لكي يدانوا" (2 تس 2: 11، 12) ولماذا؟ يقول "الذين لم يصدقوا الحق"، أي المسيح الحقيقي، "بل سروا بالإثم"، أي بضد المسيح، لكن كما في أثناء الاضطهادات التي تحدث من حين إلى حين هكذا يسمح الله بهذه الأمور ليس لأنه محتاج إلى قوة لكي يحميهم، بل ليتوج أبطاله خلال الصبر، كما صنع أنبياؤه ورسله الذين جاهدوا لقليل حتى النهاية فيرثون ملكوت السماوات الأبدي، وكما يقول دانيال: "وفي ذلك الوقت ينجّي شعبك كل من يوجد مكتوبًا في السفر (أي سفر الحياة)، وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي. والفاهمون يضيئون كالجلد والذين ردوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور" (دا 12: 1-4). 18. حافظ على نفسك يا إنسان، فإنه يقدم لك علامات ضد المسيح. فتذكرها لا لنفسك فحسب، بل قدمها بوضوح للجميع. إن كان لك ابن حسب الجسد انذره بهذا الآن، وإن كنت قد ولدت إنسانًا حسب الإيمان (الوعظ) فأجعله أن يحترس لئلا يقبل الكذاب على أنه الحقيقي، "لأن سر الإثم الآن يعمل" (2 تس 2: 7.). إنني أخشى حروب الأمم هذه. إنني أخاف الانشقاقات التي في الكنيسة. إني أخشى كراهية الإخوة المنتشرة.لكن يكفي في هذا الموضوع أن يمنع الله حدوث هذا في أيامنا. لكن لنكن محترسين. وهكذا يكفي جدًا بخصوص الحديث عن ضد المسيح. 19. لنتطلع إلى مجيء الرب من السماء على السحاب ونترقبه، ستصوت الأبواق الملائكية، حينئذ "الأموات في المسيح سيقومون أولًا" (1 تس 4: 16). وسيُختطف الأبرار الصالحون إلى السماء لينالوا جزاء أعمالهم الصالحة أفضل من الكرامة البشرية. ولقد كتب الرسول بولس: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1 تس 4: 16، 17). 20. كان مجيء الرب هذا ونهاية العالم معروفين للمبشر الذي يقول: "افرح أيها الشاب في حداثتك... فأنزع الغم من قلبك، وأبعد الشر عن جسدك... اذكر خالقك... قبل أن تأتي أيام الشر... قبل أن تظلم الشمس والنور والقمر والنجوم... وتظلم النواظر من الشبابيك (مظهرًا سهولة النظر)... قبل ما ينفصم حبل الفضة (قاصدًا تجمعات النجوم التي تشبه الفضة في منظرها)، أو تنسحق زهرة الذهب (هذا الحجاب يشير إلى الشمس الذهبية لأن نبات البابونج Camomèle المعروف له أوراق كثيرة مثل الأشعة تخرج منه وتحيط به) ويستيقظون على صوت العصفور، نعم وسينظرون بعيدًا من المكان العالي وستكون مخاوف في الطريق" (راجع جا 11: 9، 10؛ 12: 4، 5). ماذا يريدون؟ "حينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء"، وتنوح قبيلة فقبيلة (مت 24: 30؛ زك 12: 2). وماذا يحدث عند مجيء الرب؟ "ستزهر شجر اللوز، وسينمو الجندب بكثرة، وتتكاثر براعم التوت جدًا" (راجع جا 12: 5). وكما يقول المفسرون اللوزة المثمرة تدل على رحيل الشتاء، وستثمر أجسادنا بعد الشتاء بزهور سمائية "وسينمو الجندب(10)بكثرة" (وهذا يعني الروح المجنح اللابس الجسد)، وتتكاثر براعم التوت جدًا، (إذ يكون الأثمة الذين هم كالشوك قد اندثروا). 21. ها أنت ترى كيف تنبأ جميعهم عن مجيء الرب، كيف يُعرف صوت العصفور؟ لتعرف أي صوت من الأصوات هو هذا؟ "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء" (1 تس 4: 16). سيعلن رئيس الملائكة قائلًا: للجميع: "قوموا للقاء العريس". مخيف هو مجيء مخلصنا، إذ يقول داود: "يأتي إلهنا ولا يصمت، نار قدامه تأكل وحوله عاصف جدًا" (مز 50: 3 لآساف). يأتي ابن الإنسان للآب كما يقول الكتاب الذي قُرأ "على سحب السماء" وبالقرب منه "نهر نار" (دا 7: 10)، لاختبار أعمال كل أحدٍ. فإن وُجدت ذهبًا تلمع، وإن كانت قشًا تحترق بالنار. وسيجلس الآب بلباس أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي (دا 7: 9). لكن هذا الحديث بلغة بشرية. لماذا قيل هذا عنه؟ لأنه يملك على الذين لم يتنجسوا بالخطية، إذ يقول: "أجعل خطاياكم بيضاء كالثلج وكالصوف" (إش 1: 18) إشارة إلى الصفح عن الخطايا أو عدم السقوط في الخطية. لكن الذي يأتي على السحاب هو نفسه الذي صعد على السحاب، إذ يقول بنفسه: "ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجدٍ عظيمٍ" (مت 24: 30). 22. لكن ما هي علامة مجيئه؟ لئلا تجرؤ أية قوة مقاومة على التضليل، يقول: "حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء" (مت 24: 30). علامة المسيح الحقيقي هي الصليب. فيتقدم الملك علامة الصليب المضيئة، معلنة بوضوح ذاك الذي صُلب. حتى إذ يرى اليهود الذين طعنوه وتآمروا عليه هذه العلامة ينوحون قبيلة فقبيلة (زك 12: 12)، قائلين: هذا هو الذي ضُرب ولُكم. هذا هو الذي بُصق على وجهه. هذا هو الذي قُيِّد بالسلاسل. هذا هو الذي صُلب ولم يُبالى به. سيقولون: أين نهرب من وجه غضبك؟ لكن جيوش الملائكة تحضرهم، فلا يستطيعون الهروب إلى أي موضع. ستكون علامة الصليب رعبًا لأعدائه وفرحًا لأصدقائه الذين آمنوا به أو كرزوا به أو تألموا من أجله. فمن هو هذا المغبوط الذي يكون صديقًا للمسيح. ومع أن الملك عظيم وممجد جدًا، ترافقه الملائكة الحراس، شريك الآب (واحد معه) في العرش، إلاّ أنه لن يزدري بخدامه الأخصاء. ولكي لا يختلط مختاروه مع أعدائه، "يرسل ملائكته ببوقٍ عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع رياح" (مت 25: 34). إنه لم يزدرِ بلوط الذي كان وحيدًا، فكيف يزدري بأبرار كثيرين؟! إنه يقول للذين يركبون معه مركبات السحاب وتجمعهم الملائكة: "تعالوا يا مباركي أبي!" 23. لكن قد يقول أحد الحاضرين: أنا إنسان مسكين، أو قد أكون في ذلك الوقت مريضًا على الفراش، "أنا امرأة، وأُخذت إلى الطاحونة، فهل أُرفض؟!" تشجع يا إنسان، فإن الديان لا يحابي الوجوه. "لا يقضي بحسب منظر الشخص، ولا حسب كلامه" (راجع إش 11: 3). لن يكرم المتعلمين فوق البسطاء، ولا الأغنياء أكثر من المحتاجين. إن كنتم في حقل تأخذكم الملائكة. لا تظنوا أنه يأخذ أصحاب الأراضي، ويترك الحارثين. حتى وإن كنت عبدًا أو فقيرًا لا تتضايق. لقد أخذ شكل العبد (في 2: 7)، فهل يرفض العبيد؟ حتى وإن كنت راقدًا على الفراش، إذ مكتوب: "يكون اثنان على فراش واحد، فيؤخذ الواحد ويُترك الآخر" (لو 17: 34). حتى وإن كنت مظلومًا تحت إلزام، رجلًا كنت أو امرأة، مكبلًا أو جالسًا بجوار طاحونة، فإن الذي بسلطانه أن يحلّ المقيدين لن يتجاوزك. الذي عتق يوسف من العبودية وأخرجه من السجن إلى المملكة، يفديك من ضيقتك إلى ملكوت السماوات. يليق بك أن تفرح فرحًا حسنًا، وتعمل وتجاهد بغيرة، فإنك لن تفقد شيئًا من جهادك. كل صلاة هي لك. كل مزمور تتغنى به يُسجل لك. العفة من أجل الله تُحسب لك. توهب الأكاليل الأولى للبتولية والطهارة فتضيء كالملاك. وكما سمعتم بفرح عن الأمور الصالحة، اسمعوا أيضًا بغير تبرمٍ عن العكس. كل طمعٍ يُسجل عليكم، كل زنى، كل قسمٍ كاذبٍ، كل تجديفٍ وشعوذةٍ وسرقةٍ وقتلٍ، هذه جميعها تُسجل من الآن عليكم، إن فعلتم إياها بعد العماد كما كنتم قبله، لأن الخطايا السابقة قد مُحيت. ستُدان أمام كل البشرية 24. يقول "متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه". يا إنسان، أمام كم من الجموع تُدان. سيحضر كل أجناس البشرية. أحص عدد أفراد الأمة الرومانية، والقبائل البربرية الموجودة اليوم، والذين انتقلوا من مئات السنين الماضية من آدم إلى يومنا هذا. حقًا إنه لجمع عظيم، إلا أنهم قليلون إن قورنوا بالملائكة الذين هم أكثر بكثير، إذ هم التسعة والتسعون خروفًا والبشرية هي الخروف الواحد (لو 15: 4؛ مت 18: 12)... مكتوب: "ألوف ألوف تخدمه، وربوات وقوف قدامه" (دا 17: 10) ليس لأنه هكذا هي عظمة العدد بل لم يستطع أن يعبر أكثر من هذا. هكذا سيكون حاضرًا في يوم الدينونة الله أب الجميع، ويسوع المسيح جالسًا معه، والروح القدس حالًا، وسيجمعنا كلنا بوق ملائكي لنحضر أعمالنا معنا. أما يليق بنا الآن أن نهتم بالأمر... لا تظنه أمرًا هينًا يا إنسان في العقاب أن يكون الحكم أمام جمع عظيم هكذا. أما تختار الموت دفعات كثيرة أفضل من أن تُحاكم في حضرة الأصدقاء؟! ضمائركم تدينكم 25. لنرتع يا إخوة لئلا يديننا الله الذي لا يحتاج إلى فحصٍ ولا إلى أدلةٍ في المحاكمة. لا تقل إنني صنعت الفسق أو أعمال السحر أو شيئًا آخر في الليل ولم يكن معي أحد. فإن ضمائركم تدينكم، "وأفكاركم فيما بينها مشتكية أو محتجة في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس" (رو 2: 15، 16). إن منظر الديان الرهيب يدفعكم أن تنطقوا بالحق، وإن لم تتكلموا، فإن أعمالكم نفسها تستذنبكم، إذ تقومون وأنتم لابسين أعمالكم الشريرة أو الصالحة. وهذه يعلنها الديان نفسه، إذ المسيح هو الذي يدين. "لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو 5: 22)، دون أن يتجرد الآب من سلطانه، بل يدين خلال الابن. فالابن يدين بإرادة الآب، إذ إرادة الآب والابن واحدة بذاتها ليس فيها اختلاف. إذن ماذا يقول الديان بخصوص أعمالك؟ "ويجتمع أمامه كل الشعوب لأنه في حضرة المسيح، "تجثو كل ركبة مما في السماء وما على الأرض وما تحت الأرض" (في 2: 10). فيميز بعضهم من بعض "كما يميز الراعي الخراف من الجداء" (مت 25: 22). هل يقوم الراعي بالتميز بينهما؟ هل يفحص من هو خروف ومن هو جدي من كتاب؟ أو هل يميزهم بعلامات خاصة؟ أليس الصوف يظهر الخروف بينما الجلد الخشن المشعر يظهر الجدي؟! هكذا إذا تطهرتم من خطاياكم الآن تكون أعمالكم كالصوف النقي، ويبقى ثوبكم بلا دنس، وتقولون إلى الأبد: "خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟!"(11) من منظركم تُعرفون أنكم خراف. أما إن وجدتم كعيسو لكم شعر خشن وعقل شرير، الذي خسر بكوريته بأكلة، وباع امتيازه، حينئذ تكونون من الذين عن اليسار. ليحفظ الله كل الحاضرين هنا من أن يُلقى أحدنا بعيدًا عن النعمة أو يوجد بين صفوف الأشرار الذين عن اليسار بسبب شرهم. مخيفة هي الدينونة 26. بالحق مخيفة هي الدينونة ومرعبة هي تلك الأمور المعلنة! ملكوت السماوات موضوع أمامنا والنار الأبدية معدة! قد يقول قائل: كيف أهرب من النار؟ كيف أدخل ملكوت السماوات؟ يقول (الرب) "جعت فأطعمتموني". من هنا نتعلم الطريق. هنا لا توجد استعارة بل لتتمم ما قيل: "جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني، محبوسًا فأتيتم إليّ" (مت 25: 35). هذه الأمور إن فعلتموها تدينون معه، وإن لم تفعلوها تُدانون. ابدأ فورًا بعملها، ولتثبت في الإيمان، لئلا تكون مثل العذارى الجاهلات اللواتي إذ أبطأن في شراء الزيت أُغلق عليهن. لا تطمئن لمجرد امتلاكك المصباح، بل ليكن المصباح مشتعلًا، ليضيء نور أعمالكم الصالحة أمام الناس (مت 5: 16). لا تجعلوا اسم المسيح يُجدف عليه بسببكم. البسوا ثوب عدم الفساد المتألق بالأعمال الصالحة. ما يوكِّلك الله عليه تاجر فيه بربح! هل استؤمنت على ثروات؟ وزعها حسنًا! هل استؤمنت على كلمة تعليم؟ كن وكيلًا صالحًا. هل تستطيع أن تصل إلى أرواح السامعين؟ اصنع هذا باجتهاد. توجد أبواب كثيرة للوكالة الصالحة. ليته لا يُدان أحد منا ويطرد خارجًا حتى نستطيع أن نقابل المسيح الملك الأبدي بدالةٍ، هذا الذي يحكم إلى الأبد، هذا الذي يدين الأحياء والأموات، إذ مات من أجل الأحياء والأموات. وكما يقول بولس: "لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش، لكي يسود على الأحياء والأموات" (رو 14: 9). ابغضوا الهراطقة المزدرين بالمسيح 27. يلزمكم ألاّ تنصتوا لمن يقول إن ملكوت السماوات له نهاية. ابغضوا الهرطقة. إنه رأس جديد للتنين ظهر أخيرًا في غلاطية. لقد تجاسر واحد أن يقول إنه بعد نهاية هذا العالم لن يحكم المسيح بعد. لقد تجرأ فقال إن الكلمة الذي من الآب يرجع إلى الآب مرة أخرى ولا يكون بعد. إنه ينطق بهذه التجاديف لهلاكه، إذ لم يسمع للرب القائل: "الابن يبقى إلى الأبد" (راجع يو 8: 25). ولا سمع لجبرائيل القائل: "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكة نهاية" (لو 1: 33). تأملوا هذه العبارة، فإن هراطقة هذه الأيام يعلمون مزدرين بالمسيح، بينما رئيس الملائكة جبرائيل يعلمنا سرمدية المخلص، فمن منهما يليق بنا أن نصدق؟! اسمعوا شهادة دانيال في العبارة: "كنتُ أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان آتى وجاء إلى قديم الأيام... فأُعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي، لن يزول، وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13، 14). تمسكوا بهذه الأمور. صدقوها واطرحوا عنكم كلمات الهراطقة، لأنكم سمعتم بأكثر وضوح عن مملكة المسيح اللانهائية. 28. هذا التعليم نجده أيضًا في تفسير "الحجر الذي قُطع من جبل بغير يدين" (دا 20: 45)، الذي هو "المسيح حسب الجسد" (رو 9: 5). "ولا تترك مملكته لشعب آخر". ويقول داود أيضًا "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (مز 14: 6). وفي موضع آخر يقول: "أنت يا الله في البدء أسست الأرض... هي تبيد وأنت تبقى... وأنت هو وسُنوك لن تنتهي". هذه الكلمات التي فسرها بولس أنها عن الابن. يملك حتى بعد أن يضع جميع الأعداء تحت قدميه 29. أتريد أن تعرف كيف أسرع الذين يعلِّمون تعليمًا مناقضًا إلى جنون كهذا؟! إنهم يقرأون خطأ كلمة الرسول الحسنة: "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (1 كو 15: 25)، فيقولون إنه حين يُوضع أعداؤه تحت قدميه حينئذ يكف عن الحكم. هذا الادعاء خاطئ ومملوء حماقة، لأنه إن كان يملك قبل أن يخضع له أعداؤه فكيف بالأحرى يكون ملكًا بعدما يتسلط عليهم؟! 30. لقد تجاسروا أيضًا فقالوا إن الكتاب المقدس في قوله "ومتى أُخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيَخضع للذي أُخضع له الكل" (1 كو 15: 28). يقصد أن الابن ينتهي ويُمتص في الآب. هل أنتم تبقون يا من أنتم خليقة المسيح، يا من أنتم أشد الناس كفرًا، بينما يفنى المسيح خالقكم وصانع كل الخليقة؟ إنه تجديف، إذ كيف تخضع له الخليقة، أبِفنائها أم بقائها؟ هل تخضع له الأشياء الأخرى ببقائها وإذ يخضع هو للآب يفنى ويزول؟! إنه سيخضع له لا لكي يبتدئ يصنع إرادة الآب (إذ هو منذ الأزل يعمل الأعمال التي تسره) (يو 8: 29)، ولكنه كما كان أيضًا يطيع الآب ليس كرهًا بل طوعًا، إذ أنه ليس خادمًا يخضع بالقوة، بل ابن يطيع باختياره الحر بالحب الطبيعي! 31. لنفحص ما معنى "حتى" (في العبارة السابقة). فبهذه الكلمة عينها اقترب إليهم وأظهر خطأهم، إذ تجاسروا قائلين إن العبارة "حتى يضع أعداءه تحت قدميه" تُعلن أنه هو نفسه له نهاية. لنفترض أن ملكوت المسيح الأبدي له حدود وسلطانه غير المنتهى له نهاية، تعالوا إذن لنقرأ العبارات المماثلة في كتابات الرسول: "لكن قد ملك الموت من آدم حتى موسى" (رو 5: 14). هل معنى هذا أن الناس كانوا يموتون قبل ذلك، ولكن بعد موسى لم يمت أحد البتة؟! أو هل لا يكون موت بعد الناموس؟! حسنًا، هل أنت ترى أن كلمة "حتى" هنا لا تحدد الوقت... 32. خذ أيضًا عبارة مشابهة. "لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق" (2 كو 2: 14، 15). فهل عبارة "حتى اليوم" تعني أنه إلى أيام بولس الرسول (فقط)؟ ألا تعني أنها إلى يومنا هذا، بل وتبقى إلى النهاية. وإذ قال بولس لأهل كورنثوس: "إذ قد وصلنا حتى إليكم أيضًا في إنجيل المسيح، راجين إذا نما إيمانكم لنبشر إلى ما وراءكم" (2 كو 10: 14، 15، 16) فإنه من الواضح أن كلمة "حتى" لا تعني النهاية بل الاستمرار. إذًا بأي معنى تفهم العبارة "حتى يضع كل أعدائه تحت قدميه"؟ إنه كما يقول بولس في موضع آخر "عظوا أنفسكم كل يوم مادام الوقت يدعى اليوم" (عب 2: 13)، فإنه يعنى الاستمرار... 33. وبالرغم من وجود شهادات كثيرة في الكتاب المقدس تعلن أن ملكوت المسيح أبدي لا نهاية له، إلاّ أنني اكتفى الآن بما سبق ذكره، إذ قد تأخر النهار. أما أنت أيها المستمع فأعبده هو فقط كملكٍ لك، واهرب من أخطاء الهراطقة. وإذا سمحت لي نعمة ربنا فسأفسر لك بقية عبارات قانون الإيمان في فسَحة من الوقت. ليحفظكم جميعًا إله كل العالم في أمان، متذكرين علامات المنتهى، غير خاضعين لضد المسيح. لقد عرفتم كل علامات المُخادع المزمع أن يأتي. لقد عرفتم علامات المسيح الحقيقي الذي يأتي بوضوح من السماء. فاهربوا من الأول الكذاب، وانتظروا الآخر الحقيقي. لقد تعلمتم الطريق حتى تكونوا من أصحاب اليمين في الدينونة. احفظوا الوديعة التي للمسيح. كونوا صاحين في الأعمال الصالحة حتى يمكنكم أن تقفوا بيقينٍ حسن أمام الديان -وترثوا ملكوت السماوات- الذي خلاله وله المجد مع الآب والروح القدس إلى أبد الأبد. آمين. |
|