الغلطة النافعة
كان جدِّي (والد أُمِّي) يعمل نجَّاراً. وفي ذات يومٍ، كان يصنع صناديق يضع فيها ملابس ستُرسلها الكنيسة إلى ملجأ للأيتام في الصين.
وبينما هو عائدٌ إلى بيته، دسَّ يده في جيب قميصه ليأخذ نظارته، لكنه لم يجدها. ولما أخذ يسترجع ذاكرته عمَّا أتاه في هذا اليوم، تحقَّق مما حدث، فإنَّ نظارته سقطت سهواً من جيب قميصه دون أن يدرى، واستقرت في أحد الصناديق التي كـان يُغلقها بالمسامير على الملابس، وشُحنت إلى الصين. وهكذا شُحنت نظارته أيضاً إلى الصين!!
وبلغ القنوط أقصاه لدى جدِّي الذي كان له 6 أطفال يرعاهم. وقد دفع مبلغاً كبيراً من المال لعمل هذه النظارة في صباح هذا اليوم بالذات قبل أن يعمل في هذه الصناديق. وكان جدِّي متضايقاً جداً، لأنه لابد أن يعمل نظارة أخرى، وإلاَّ فلن يرى جيداً.
وأخذ النجَّار يُعاتب الله:
- ”هذا ليس بالأمر الحسن، وأنا كنتُ مُخلِصاً وأميناً في إعطاء وقتي ومالي لعملك، يا رب، ثم يحدث لي هذا“!
+++++
مرَّت شهور عديدة، وكان مدير الملجأ في الصين سيقضي عطلته في بلده الأصلي، في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان يريد أن يزور كل الكنائس والجهات التي تُقدِّم معونتها إلى الملجأ في الصين. فأتى أحد أيام الآحاد إلى الكنيسة الصغيرة التي يخدم فيها جدِّي في شيكاغو.
وبدأ مدير الملجأ يشكر الخدَّام والشعب الذين كانوا أُمناء في تقديم معوناتهم لملجئه في الصين.
ثم قال لهم:
- ”لكن الأكثر عجباً من كل شيء، فإني أشكركم من أجل النظارة التي أرسلتموها لنا العام الماضي، ذلك لأن الشيوعيين زحفوا على الملجأ ودمَّروا كل شيء فيه، حتى نظارتي. فأصابني القنوط، لأنه حتى في حالة وجود المال، فلم يكن في الإمكان عمل نظَّارة أخرى، لأنهم بدَّدوا الأوراق بما فيها الكشف الطبي لعمل النظارة.
وبجانب أني كنتُ لا أرى جيداً، فإن الصداع أخذ يُصيبني كل يوم، حتى أني وزملائي في الملجأ كنَّا نُصلِّي من أجل هذا الموضوع.
ولكن حينما وصلت الصناديق التي أرسلتموها إلى الملجأ، وبدأ الخدَّام في فتحها، وجدوا فيها هذه النظارة موضوعة على قمة الملابس“.
وصمت مدير الملجأ برهة، ثم قال:
- ”إن ما هو أعجب من هذا، هو أني حينما جرَّبتُ هذه النظارة على عينيَّ، وجدتُ أنها مصنوعة وكأنها تُناسبني تماماً. فأنا أُريد أن أشكركم شكراً خاصاً، لأنكم ساهمتم في حَلِّ مشكلتي هذه“.
وأنصت الحاضرون لكلام مدير الملجأ، ومع أنهم كانوا سعداء بخصوص معجزة النظارة هذه، إلاَّ أنهم كانوا يعرفون أنهم لم يضعوا أية نظارة مع الملابس، كما لم يَرِد بيان عنها ضمن قائمة محتويات كل صندوق. فظنُّوا أن مدير الملجأ ربما يقصد كنيسة أخرى هي التي أرسلت له هذه النظارة.
+++++
وفي آخر مقعد كان يجلس رجل بسيط يعمل نجَّاراً، وكانت الدموع تنساب من على وجنتيه؛ إذ تيقَّن أن الربَّ قد استخدمه في ذلك اليوم بطريقة غير متوقَّعة. ?