منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 29 - 07 - 2023, 10:51 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,295

إرميا النبي وظروف كتابة سفر إرميا في الكتاب المقدس





إرميا النبي وظروف الكتابة:

في هذا السفر امتزجت حياة إرميا النبي والأحداث التاريخية في عهده بالنبوة، لذا أجد نفسي ُملزمًا أن أكتب أولًا عن حياة هذا النبي مع عرض سريع للأحداث المعاصرة له، وإن كان قد سبق لي عرض بعضها في سفر حزقيال الذي عاصر إرميا النبي في أواخر أيامه.
1. إن كان هذا السفر يُنسب لإرميا النبي، لكن البعض يرى أن صديقه الحميم "باروخ" الكاتب هو الذي سجله (إر 36: 23)، إذ كان محتفظًا بمنطوقات النبي ومدركًا لدقائق حياته.
2. كلمة "إرميا" تعني "يهوه يؤسس أو يثبت"، وربما تعني "يهوه يرفع أو يمجد" . ففي أحلك الفترات ظلامًا، بينما كان إسرائيل مسبيًا ويهوذا في طريقه إلى السبي جاء إرميا من قبل الرب يعلن أن الله يود أن يؤسس شعبه ويثبته، بل يرفعه ويمجده، إن عاد إليه بالتوبة من كل القلب. الله لا يريد لنا المرّ ولا الضيق، حتى إن بدا كأنه يمرّر حياتنا بتهديداته، إنما يريد قيامتنا ومجدنا على مستوى أبدي فائق.
يرى البعض أن "إرميا" تعني "الرب يرمي"، بمعنى أن الله قذف بالنبي إلى عالمٍ معادٍ له، أو ألقى بالأمم تحت الحكم الإلهي بسبب خطاياهم.
3. وُلد إرميا في منتصف القرن السابع ق.م، في أواخر عصر الملك منسى المرتد، من عائلة كهنوتية، تقطن في قرية صغيرة تسمى عناثوث في أرض بنيامين، تبعد حوالي ثلاثة أميال شمال شرق أورشليم. وهي مدينة الكاهن أبياثار الذي استبعده سليمان الملك (1 مل 2: 26)، ربما في موقع رأس الخرابة Ras-el-Kharrubehبجوار القرية الحالية عناتا Anata. وقد أفاده نسبه إلى عائلة كهنوتية في معرفة الشريعة وإدراكه أعمال الله مع شعبه. أما كونه بجوار أورشليم، فقد أتاح له وهو في سن صغير أن يحضر المواسم والأعياد المقدسة ويرى التصرفات الفاسدة في الأيام المقدسة للرب. أما القرية فقدمت له الطبيعة الشاعرية التي كان لها أثرها على نفسه من حساسية وعاطفة متدفقة. كانت القرية أيضًا على حافة البرية، فقدمت له بجوار آمان القرية رعب الصحراء، ومع خيرات القرية جفاف البرية. لهذا كثيرًا ما تحدث عن زئير الأسود وأشار إلى الحيوانات المفترسة.
4. تكرس إرميا لهذا العمل النبوي قبل ولادته، وُدعي بواسطة رؤيا وهو صغير السن (ولد na'ar). مثل موسى النبي حاول أن يهرب من الدعوة الإلهية، ليس رغبة في التخلي عن الالتزام بالمسئولية أو الخدمة، وإنما لشعوره بعجزه وقلة خبرته في التعامل مع الآخرين. لكن الله لمس فمه ووهبه كلمته وأقامه على ممالك وأمم لكي يقلع ويهدم، ويزرع ويبني. لقد أعلن له الله أنه سُيقاوم من القادة والكهنة والشعب، لكنهم لا يغلبوه (إر 1: 4-10).
كان إرميا في عيني نفسه أمام الله كطفلٍ صغيرٍ، أما أمام الناس فصاحب قلب أسدي لا يعرف الخوف ولا المهادنة.
كان حساسًا للغاية، رقيق المشاعر، عاطفيًا إلى أبعد الحدود، لكنه قوي لا يعرف الضعف، ولا يتراخي في إعلان الحق مهما كلفه الأمر.
عاش باكيًا، تجري دموعه كنهرٍ يناسب لا يجف، فدُعي بالنبي الباكي، لكنه غير هزيلٍ ولا متراخٍ في جهاده.
دعي "أيوب الأنبياء"، رجل آلام وضيقات بسبب جراحته:
- رفضه شعبه ورذلوه (إر 11: 18-21).
- خانه إخوته (إر 14: 13-16؛ 28: 10-17).
- ضُرب ووضع في مقطرة (إر 20: 1-2).
- هُدد بالقتل (إر 26: 8؛ 36: 26).
- سُجن واُتُهم بالخيانة الوطنية (إر 32: 2-3؛ 37: 11-15).
- وُضع في جب ليموت (إر 38: 6).
- قيِّد في سلاسل (إر 40: 1).
- اُحرقت بعض نبواته (إر 36: 22-25).
- حُمل إلى مصر قسرًا وهناك رجمه شعبه.
من يوم ميلاده إلى لحظة استشهاده نادرًا جدًا ما وجد إرميا تعزية من بشر، لهذا فيُعتبر سندًا لكل مسيحي يُدعى ليعيش "ضد العالم". إنه أشبه بمنارة عالية تنير له الطريق .
دُعي "نبي القلب المنكسر"، فقد كسرت رسالته الثقيلة قلبه (إر 9: 1)، وسرت كلمة الله في عظامه كنارٍ ملتهبة (إر 20: 9).
وجه أحاديثه إلى يهوذا في أحرج اللحظات... ولا تزال كلمات الله التي نطق بها تصرخ لتحذر كل نفسٍ وكل قلبٍ حتى اليوم!
5. ربما كشابٍ أراد الزواج كعادة شعبه ليفرح بإقامة نسلٍ باسمه، وليدفنه أولاده عند موته. لكنه امتنع عن الزواج بأمر إلهي (إر 16: 1-4)، كعملٍ رمزي أن الشعب يموت ولا يجد من يدفنه: "فيموت الكبار والصغار في هذه الأرض، لا يُدفنون ولا يندبونهم..." (إر 16: 6)، أما عن انقطاع الفرح يقول: "ولا تدخل بيت الوليمة لتجلس معهم للأكل والشرب" (إر 16: 8).
6. بدأ إرميا خدمته في السنة الثالثة عشرة لملك يوشيا (626 ق.م)، أي بعد حوالي خمس سنوات من حركة الإصلاح الدينية العظيمة الواردة في (2 مل 23)، واستمر في عمله النبوي حتى حوالي سنة 586 ق.م، أي لمدة حوالي 40 عامًا.
اسم الملك "يوشيا" بالعبرية معناه "يهوه يشفي"، تبوأ العرش وهو ابن ثمانية سنوات.
بالرغم من مقاومة يوشيا الملك للوثنية بكل طاقاته، لكن تيار الفساد كان متغلغلًا في النفوس.
مع بداية خدمة إرميا كان موضوع استقلال يهوذا عن أشور قد بدأ يظهر كأمرٍ عملي، وتطلع الكل بنظرة تفاؤلية نحو مستقبل يهوذا، بينما وقف إرميا وحده أمام هذا التيار الشعبي والديني ليكرر أن هجومًا من الشمال يحل بيهوذا، وأن الله قد تخلى عن يهوذا!
بعد خمس سنوات من عمل إرميا، أي في السنة الثامنة عشرة من ملك يوشيا بدأ ترميم الهيكل، وفي أثنائه وجد شافان الكاتب سفر الشريعة المفقود، فأخبر حلقيا الكاهن العظيم، وقُدم السفر للملك الذي تأثر به جدًا ومع ما بذله الملك من إصلاحات لم يهتم الرؤساء المدنيون والدينيون والشعب أيضًا بإصلاح قلوبهم، مكتفين بترميم الهيكل وممارسة العبادة في شكليات بلا روح، ممتزجة بالرجاسات الوثنية.
7. واجه إرميا النبي مشكلتين إحداهما تخص قريته، والثانية تخص مملكة يهوذا ككل.
فمن جهة قريته، هاج أهلها عليه، لأنه شدد على ضرورة الالتزام بما جاء في الشريعة، وهي حصر العبادة العامة في الهيكل بأورشليم، الأمر الذي لا يقبله أهل عناثوث بكونهم سلالة الكاهن أبياثار المطرود من أورشليم، فكانوا ُيجرون طقوس العبادة مستقلين عن أورشليم. بهذا ظهر إرميا كخائنٍ لعائلته وقريته.
من جهة أخرى إذ رأى أهل قريته أن مملكة يهوذا بملكها وقياداتها وشعبها في ثورة ضد إرميا النبي كخائنٍ وطني حاولوا التبرؤ منه بجحده ومقاومته حتى لا يُنظر إليهم كخونة للوطن.
أما من جهة مملكة يهوذا ككل، فتلخصت مشكلته معهم في أمرين: أولًا حينما بدأوا في حركة الإصلاح في أيام يوشيا ركزوا على الشكليات دون الجوهر، يريدون إصلاح الهيكل دون تطهير القلب. ثانيًا، كان الحكام والشعب في مرارة وصراع بين التحالف مع فرعون مصر أم مع بابل. فالغالبية لا تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والآخر، مما دفعهم للارتماء في أحضان فرعون مصر وإن كانت خبرتهم مع الفراعنة ليست بطيبة. ويمكننا إدراك ذلك الصراع مما حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم إرميا أثناء نبوته:
أ. يوشيا الملك (626-609 ق.م.): قتله المصريون عام 609 في معركة مجدو.
ب. يهوآحاز (609 ق.م.): أقامه فرعون عوض أبيه وخلعه بعد ثلاثة شهور (2 أي 36: 2).
ج. يهوياقيم (609-597 ق.م.): أقامه فرعون عوض أخيه، وبقى مواليًا له لمدة أربع سنوات، وإذ غلب نبوخذنصر فرعون خضع لبابل، وكان موته غامضًا.
د. يهوياكين (597 ق.م.): بعد إقامته ملكًا عوض والده بثلاثة شهور أخذه نبوخذنصر أسيرًا.
ه. صدقيا (597-587 ق.م.): أقامه نبوخذنصر عوض ابن أخيه. كان في صراع بين ولائه لسيده في بابل وبين محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل، متطلعين إلى يهوياكين الأسير في بابل كملكٍ شرعي. تحالف صدقيا قلبيًا مع فرعون، فسباه ملك بابل بعد أن فقأ عينيه وسَبَى أورشليم ويهوذا (إر 39: 1-7).
هذه صورة مختصرة تكشف كيف كان يهوذا بين حجري رحى، وعوضًا عن الالتجاء إلى الله بالتوبة للتمتع بالخلاص اتكأ على هذا أو ذاك.
8. فيما يلي الأحداث في أكثر تفصيل حتى يمكن متابعة الظروف المحيطة بإرميا النبي.
في بدء رسالته (626 ق.م.) كانت أشور في الوادي الشمالي للفرات سيدة العالم لمدة حوالي 300 عامًا، وكانت عاصمتها نينوى. ولم يكن أحد يتخيل قط أنه يمكن أن تنهار يومًا ما؛ وكانت مصر منذ حوالي 1000 عام قبل قيام أشور قوة عالمية تمسك زمام السلطة في العالم لكنها بدأت تنهار. في السنة التالية لخدمة إرميا (625 ق.م.) أسس نبوبلاسر الدولة البابلية الجديدة (في الوادي الجنوبي لنهر الفرات)، وكانت بابل أشبه بدويلة صغيرة لا قوة لها؛ لا يتوقع أحد أنها في الطريق لاستلام سيادة العالم من أشور حيث تغرب شمسها إلى غير رجعة بعد سقوط نينوى عام 612 ق.م.، ونصرتها على فرعون مصر.
بعد موت أشور بانيبال حلّ الضعف بأشور، فصارت عاجزة عن منع يوشيا من التحرك نحو الاستقلال والتحرر من النفوذ الأشوري. وقام أهل سميرنا والسكيثيون باقتطاع أجزاء من الإمبراطورية الأشورية. وصار بنو مادي في غرب إيران يمثلون خطرًا يهدد أشور... انتهى الأمر بانهيار أشور.
بسقوط نينوى عاصمة أشور عام 612 ق.م. انتهت مملكة أشور، فبدى كأن إرميا قد أخطأ في تفسيره لمركز يهوذا السياسي، إذ حسب الكل أنه لم يعد بعد هناك خطر على يهوذا بعد انهيار أشور، وأن نظرة إرميا التشاؤمية غير صادقة.
في سنة 609 ق.م. حشد نخو Necho فرعون مصر جيشه وتقدم لاحتلال أرض الفرات، فاحتل غزة وعسقلان وغيرهما من المدن الفلسطينية وكان هدفه مساعدة الأشوريين الذين كانوا يقومون بمحاولة مستميتة للصمود في وجه البابليين في حاران. حاول يوشيا أن يوقفه عند مجدو ربما حاسبًا أن الله يسنده في ذلك، متكلًا على وعود الأنبياء الكذبة التفاؤلية، لكنه قُتل. وبقتل يوشيا أُقيم ابنه يهوآحاز (تعني يهوه يأخذ) أو شلوم (إر 22: 11) ملكًا، وكان شريرًا. خلعه فرعون نخو بعد ثلاثة شهور وأسره في ربلة، ثم أخذه إلى مصر، وأقام أخاه يهوياقيم (تعني يهوه يقيم) أو الياقيم عوضًا عنه.
9. عند تجليس يهوياقيم أو في السنوات الأولى من حكمه أعلن إرميا النبي في دار الهيكل أنه إن لم يغيّر يهوذا طريقه فسيخرب الهيكل نفسه (إر 7: 1-15؛ 26: 1-6). أثارت هذه النبوة شغبًا، ولولا تدخل بعض الأشراف لقتل الشعب الثائر إرميا (إر 26: 7-24) .
أرهق يهوياقيم الشعب بالضرائب ليدفع الجزية لسيده المصري، وكان يدفعها لمدة أربع سنوات (2 مل 32: 31-35)، وقد عبد الأوثان وصنع الشر. وفي السنة الرابعة من حكمه سجل إرميا النبوات التي نطق بها خلال السنوات السابقة، وقام باروخ بنسخها في درج، وإذ مُنع إرميا من الدخول إلى بيت الله زمانًا طويلًا أمر باروخ أن يأخذ الدرج إلى الهيكل ويقرأه أمام الشعب الحاضر بمناسبة الصوم. وصل الدرج إلى يد الملك فاستمع إلى بعض فقراته، وعندئذ مزقه وأحرقه بالنار. قام إرميا بكتابة درجين كالدرج الأول مع إضافات (إر 36: 27-32) بتوجيه إلهي، ولكن الكاهن فشحور الناظر الأول للهيكل وأحد أعداء النبي وضعه في مقطرة ثم أطلقه في اليوم التالي (إر 20: 1-3).
في نفس السنة (605 ق.م.)، أي السنة الرابعة من حكمه، تغلب نبوخذنصر على نخو فرعون مصر في معركة كركميشCarchemish (إر 46: 1-2)، فاضطر يهوياقين أن يحّول ولاءه وخضوعه لمصر إلى بابل، لكن ظل قسم ليس بقليل من الشعب يفضل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو أن يهوياقيم نفسه كان يميل إلى هذا، لكن إرميا حذر من ذلك.
مرت بيهوذا فترة هدوء نسبي، شجعت يهوذا على الثورة ضد بابل، لكن الأخيرة أرسلت فرقًا من الجيش إلى فلسطين. وفي عام 598 ق.م. وصل جيشها إلى يهوذا، وفي هذا الوقت مات يهوياقيم بطريقة غامضة، وتوِّج ابنه يهوياكين (يكنيا) المملوء شرًا. لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور، وجاء نبوخذنصر إلى أورشليم وأخذه هو وعائلته ورؤساء الشعب مع خزائن بيت الرب إلى بابل (2 مل 24: 8-16)، وعاش أسيرًا في السبي.
مما يجدر ملاحظته أن السلطات اليهودية تطلعت إلى نبوات إرميا وكلماته أثناء حصار أورشليم بمنظار سياسي حربي لا ديني، فرأت فيها تحطيمًا لمعنويات الجيش ونفسية الشعب، فحسبته خائنًا وطنيًا.
10. ملَّك نبوخذنصر الملك صدقيا عوضًا عن أخيه يهوياكين (2 مل 24: 17)، وكان شريرًا، لم يبالِ بكلمات إرميا بل ونجَّس الهيكل. في بداية حكمه كان بعض رجال يهوذا يتطلعون إلى يهوياكين المسبي كملك شرعي، يأملون في رجوعه واستعادته العرش (إر 17-29)؛ لذا كان صدقيًا في صراع بين رغبته في الظهور بالخضوع لسيده البابلي وبين إظهار روح الوطنية أمام الشعب ومضاداته لبابل المستعمر.
في عام 588 ق.م. سار نبوخذنصر مرة أخرى إلى يهوذا وحاصر أورشليم. في الشهور الأولى من الحصار طلب صدقيا المشورة من إرميا النبي (إر 21: 1-14) فأخبره بأن الخضوع للبابليين هو الطريق الوحيد لإنقاذ حياته ومدينته، لكن الملك لم يقدر أن يقدم هذه المشورة لرجاله بسبب ضعف شخصيته. تحرك الجيش المصري نحو فلسطين، ففك البابليون الحصار عن أورشليم مؤقتًا لمواجهة المصريين، ليعود فيحاصرها من جديد بعد تدبير أموره مع فرعون.
انتهز إرميا فرصة فك الحصار المؤقت وأراد الذهاب إلى قريته (إر 32: 6)، فاُتهم أنه هارب إلى الكلدانيين كخائن (إر 37: 11). أُلقى في الجب (إر 37: 1-15)، وبعد أيام كثيرة أطلقه الملك صدقيا من حبسه وسأله سرًا عن كلمة الرب بشأنه. وهنا يظهر صدقيا أنه يحترم إرميا لكنه لضعف شخصيته كان يخشى الرؤساء. أخبر إرميا الملك أنه سيُدفع إلى ملك بابل، فأمر الملك بإيداعه في دار السجن وإحسان معاملته بعض الشيء، ولكن الرؤساء أخذوه وألقوه في الجب ليموت جوعًا (إر 37: 16-21؛ 38: 1-6). أشفق عليه خصي أثيوبي (عبد ملك) فاستأذن الملك أن يُرفع إرميا من وحل الجب ويُوضع في دار السجن فسمح له، وبقي هناك حتى استسلمت أورشليم (إر 38: 7-28).
11. في سنة 587 ق.م. سقطت أورشليم، وقتل نبوخذنصر كثيرين، كما سَب
َى البعض إلى بابل. فقأ عيني صدقيا واقتاده مسبيًا إلى بابل. أما من جهة إرميا فقد علم ملك بابل ما عاناه فظن أنه يفعل ذلك لأجله، فأصدر تعليماته بإحسان معاملته. أرسل نبوزردان الكلداني رئيس الشرطة إلى دار السجن ليستدعيه مع غيره من الأسرى إلى رامة، ومنحه حق الخيار بين الذهاب إلى بابل أو البقاء في يهوذا، وقدم له رئيس الشرطة زادًا وهدية وأطلقه. أتى إرميا إلى جدليا بن أخيقام والى المنطقة، إلى المصفاة، وأقام عنده مع الشعب الباقي في يهوذا (إر 39: 11-14؛ 40: 1-6). رفض إرميا راحته وكرامته، مفضلًا أن يعيش متألمًا وسط من أحبهم بالرغم من كراهيتهم له.
12. لما قُتل جدليا حث إرميا النبي الشعب ألا يهربوا إلى مصر، لكن عبثًا حاول أن يثنيهم عن عزمهم، فلم يذهبوا هم وحدهم إلى مصر وإنما أرغموه أيضًا هو وصديقه الحميم باروخ الكاتب على مرافقتهم في رحلتهم (إر 41: 1؛ 43: 7)، وهناك نطق نبواته الأخيرة في تحفنحيس بمصر (إر 43: 8؛ 44: 30). يوجد تقليد يقول إنه رُجم في مصر بسبب توبيخاته لشعبه .
13. يلقب البعض إرميا "رجل كل الفصول". عاش في ظروف متغيرة، بدأ نبوته في عهد يوشيا حيث كان الملك وكل يهوذا في سلام، وتوقع الكل الاستقلال التام من أشور مع حركة الإصلاح الخارجية. وانتهت حياته بالرجم في أرض غريبة (مصر)، حيث لم تعد مملكة يهوذا قائمة، بل سُبي أغلب الشعب إلى بابل، وهرب البعض إلى مصر، وخربت أورشليم لتصير مرعى غنم، وحُرق الهيكل.
امتدت خدمة إرميا لتشمل حوالي العشرين عامًا الأخيرة من الإمبراطورية الأشورية العظيمة والعشرين عامًا الأولى من إمبراطورية بابل الجديدة التي قامت عام 605 ق.م.، لتصير أعظم من أشور.
عاصر إرميا ثلاثة أحداث خطيرة قلبت الموازين:
أ. معركة مجدو سنة 609 ق.م.
ب. معركة كركميش بالقرب من نفس الموقع، بعد أربع سنوات حيث انهزمت مصر لتصير بابل سيدة العالم.
ج. سبي أورشليم بواسطة نبوخذنصر وتدمير المدينة المقدسة والهيكل.
عاصر أيضًا إرميا ثلاثة معارك رئيسية ليهوذا: معركة ضد مصر (609 ق.م.)، ومعركتان ضد بابل (597، 587).
عاصر أيضًا ثلاث مراحل للسبي (597، 587، 582 ق.م.). ويرى البعض أن إرميا عاصر السبي في مراحله الأربع:
أ. السبي الأول: سنة 606 ق.م. في أيام الملك يهوياقيم، فيه سُبي دانيال وأصدقاؤه الثلاثة (2 أي 6: 36، 7، دا 1: 1، 2، 6).
ب. السبي الثاني: سنة 599 ق.م. في أيام الملك يهوياكين، ويسمى السبي العظيم (2 مل 24: 8-16، 2 أي 36: 9-10)، فيه ُسبي حزقيال النبي (حز 1: 1-2)؛ ومردخاي (إس 2: 6).
ج. السبي الثالث: سنة 588 ق.م. بسبب تمرد صدقيا الملك على نبوخذنصر (2 أي 36: 2)، حيث حوصرت أورشليم واشتد بها الجوع (إر 37: 5-7)، لكن عاد جيش الكلدانيين يستأنف حصاره، واضطر صدقيا إلى الهروب، فُقبض عليه.
د. السبي الرابع: سنة 584 ق.م. على يد نبوزردان رئيس الشرط (إر 52: 12، 30)، حيث أُحرق بيت الرب وبيت الملك وهدمت أسوار المدينة وبعد ثلاثة أيام انتهت أعمال التدمير الشامل، فصار اليوم العاشر من الشهر الخامس يوم بكاء لسقوط أورشليم (إر 52: 12؛ زك 7: 3، 5؛ 8: 19).
14. بدأ إرميا خدمته النبوية بعد 60 عامًا من نياحة إشعياء النبي الإنجيلي. عاصر النبية خلدة، والنبيين حبقوق وصفنيا اللذين ساعداه في أورشليم، وحزقيال الكاهن ودانيال الذي يحمل دمًا ملوكيًا؛ وربما أيضًا ناحوم الذي تنبأ عن سقوط نينوى، وعوبديا الذي تنبأ عن دمار آدوم .
عاش إرميا بتولًا، لم يتزوج، بأمر إلهي، حتى لا يقاسي أولاده مما سيعاني منه الشعب من جوعٍ وسيفٍ وعارٍ (إر 16: 1-4).
في خدمته اجتذب قله قليلة من الأصدقاء، من بينهم اخيقان بن شافان (إر 26: 24)، وابنه جدليا (إر 39: 14)، وعبد ملك الكوشي (إر 38: 7-13؛ 39: 16)، وكاتبه الوفي باروخ (إر 36: 4-32).
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
إرميا النبي | كتابة درج السفر
غرض سفر إرميا النبي في الكتاب المقدس
قائمة تاريخية بعصر إرميا في سفر إرميا النبي في الكتاب المقدس
عاصر إرميا ثلاثة أحداث خطيرة في سفر إرميا النبي في الكتاب المقدس
حياة إرميا النبي والأحداث التاريخية في سفر إرميا في الكتاب المقدس


الساعة الآن 02:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024