أبحار في سفر إشعياء
عرفنا في السابق قصة النبي يونان الذي حاول أن يهرب من الرب. إلا أن من يحاول الهروب من محضر الله، هو كمن يحاول الهروب من ظلِّه. فقد صاحب الله يونان، حتى وهو في جوف الحوت الكبير.
اليوم نقرأ عن نبيٍّ جاء بعد النبي يونان، واسمه معروف في الكتاب المقدس. هذا النبي هو النبي إشعياء الذي عاش قبل ميلاد المسيا بسبعمئة عام. كان إشعياء كاهناً يعمل لله في اللهيكل الذي كان قد بناه سليمان في أورشليم. وكان على إشعياء وبقية الكهنة أن يقدموا لله ذبائح حيوانية على المذبح كل يوم. وهذه الذبائح كانت رمزاً للمسيا الذي سيسفك دمه من أجل خطية العالم.
تعالوا نستمع معاً لما حدث يوماً لإشعياء، وهو يقدم الذبائح للرب في الهيكل. ويكتب إشعياء في سفره في الأصحاح السادس، ويقول:
‘‘في سنة وفاة عزيَّا الملك، رأيت السيد جالساً على كرسيٍّ عالٍ ومرتفعٍ، وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه، لكل واحدٍ ستة أجنحةٍ. باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك، وقال: قدوسٌ قدوسٌ قدوسٌ رب الجنود، مجده ملء كل الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصراخ، وامتلأ البيت دخاناً. فقلت: ويلٌ لي، إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكنٌ بين شعبٍ نجس الشفتين؛ لأني عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود. فطار إليَّ واحدٌ من السرافيم، وبيده جمرةٌ قد أخذها بملقطٍ من على المذبح، ومسَّ بها فمي، وقال: إن هذه قد مسَّت شفتيك، فانتُزِع إثمك، وكُفِّر عن خطيتك. ثم سمعت صوت السيد قائلاً: من أُرسِل، ومن يذهب من أجلنا؟ فقلت: هأنذا أرسلني.’’ (أش 1:6-8)
وهكذا، أظهر الرب مجده وقداسته لإشعياء، ودعاه أن يعلن كلمته لشعب إسرائيل، الذين هم اليهود، ويكتبه في كتاب لمنفعة الأجيال القادمة. إن سفر إشعياء هو سفر طويل وعميق، وليس لي الوقت الكافي لنبحث كل ما يحتويه. غير أني أستطيع أن أولخص رسالة النبي إشعياء في فكرتين مهمتين:
الأولى: هي أن إشعياء أخبر اليهود بالخبر السيئ بخصوص خطيتهم والعقوبة التي يستحقونها.
والثانية: هي أن إشعياء قدم لهم الخبر السار بخصوص المسيا الذي سياتي إلى العالم ليتحمل عنهم عقوبة خطيتهم.
ومن ثم، فإن رسالة النبي إشعياء هي:
1– الخبر السيئ: وهو عن الخطية وعقوبتها.
2 – الخبر السار: وهو عن المخلص الذي سيدفع ثمن عقوبة الخطية عن الخطاة.
دعونا أولاً نقرأ عليكم بعض الآيات التي ترينا الخبر السيئ الذي أعلنه الله لإشعياء لكيما يعلنه لكل من اليهود وأي شخص له أذنان للسمع. وفي الأصحاح الأول يكتب النبي إشعياء ويقول:
‘‘اسمعي أيتها السموات، وأصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلم: ربَّيت بنيناً ونشَّأتهم. أما هم فعصوا عليَّ. الثور يعرف قانِيَهُ، والحمارُ معلفَ صاحبِهِ، أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم. ويلٌ للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، أولادِ مفسدين. تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراءٍ. لا تعودوا تأتون بتقدمةٍ باطلةٍ. البخور هو مكرهةٌ لي؛ رأس الشهر، والسبت، ونداء المحفل. لستُ أطيقُ الإثمَ والاعتكاف. رؤوسُ شهورِكم وأعيادُكم بغضتها نفسي. صارت عليَّ ثقلاً. مللت حملها. فحين تبسطون أيديكم، أستر عينيَّ عنكم؛ وإن كثَّرتم الصلاة، لا أسمع.’’ (أش 2:1-4;13-15)
هكذا وبَّخ النبي إشعياء اليهود بسبب ريائهم. ولخَّص خطيتهم في الكلمات الآتية:
‘‘يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه، ويكرمُني بشفتيه، أما قلبُه فمبتعدٌ عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني، وهم يعلمون تعاليمَ، هي وصايا الناس.’’ (مت 8:15-9؛ أش 13:29)
وبعد أن وبَّخ إشعياء اليهود على عنادهم وخطيتهم، بدأ يخبرهم بالخبر السار، الذي له القوة أن يطهِّر القلوب التي تؤمن به. وفي الوقت المتبقي، دعونا نستمع لبعض الكلمات المدهشة التي كتبها إشعياء عن المسيا الذي سيأتي إلى العالم لينجِّي الخطاة. يقول إشعياء:
‘‘هلمَّ نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضُّ كالثلج. وإن كانت حمراء كالدودي، تصير كالصوف!’’ (أش 18:1)
‘‘عزوا عزوا شعبي، يقول إلهكم. صوتُ صارخٍ في البرية: أعدوا طريق الرب. قوِّموا في القفر سبيلاً لإلهنا. كلُّ وطاءٍ يرتفع، وكلُّ جبلٍ وأكمةٍ ينخفض، ويصير المعوجُّ مستقيماً، والعراقيبُ سهلةً. فيُعلَن مجد الرب، ويراه كل بشر جميعاً، لأن فم الرب تكلم.
‘‘على جبلٍ عالٍ أصعدي يا مبشرة صهيون. إرفعي صوتك بقوة يا مبشِّرة أورشليم. إرفعي، لا تخافي. قولي لمدن يهوذا: هوذا إلهك. هوذا السيد الرب بقوة يأتي، وذراعه تحكم له.’’ (إش 1:40;3-5;9-10)
‘‘ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةً. هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره ‘الله معنا’.’’ (أش 14:7 ؛ مت 23:1)
كان الله يعلن سراً عظيماً عن طريق النبي إشعياء! فقد كان الله يخطط أن يرسل روحه في رحم عذراء لم تعرف رجلاً! وهذ هي الطريقة التي بها كان سيولد المسيا في العالم. وكما تعرفون، إن المسيا ليس له أبٌ أرضيٌ. فقبل أن يولد، كان في السماء، لأنه هو الكلمة الذي كان مع الله في البداية. وطبقاً لنبوة إشعياء، سيكون المسيا هو الله في جسد إنسان. ويالها من حقيقة رهيبة! الله، الذي هو روح، خطط أن يضع روحه وكلمته في رحم عذراء، ثم يولد كطفل في العالم! هذا هو ما تنبأ عنه إشعياء قائلاً: ‘‘هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره ‘الله معنا’.’’
وفي الأصحاح التالي، يكتب إشعياء الكثير عن مجيء المسيا. ففي أحد المواضع يقول:
‘‘الشعب السالك في الظلمة، أبصر نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت، أشرق عليهم نورٌ. لأنه يُولَد لنا ولدٌ، ونعطَى ابناً .. ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام!’’ (أش 2:9;6) ‘‘حينئذٍ تنفتح عيون العميّ، وآذان الصمِّ تتفتح. حينئذٍ يقفز الأعرج كالأُيل، ويترنَّم لسان الأخرس.’’ (إش 5:35;6)
في هذه الآيات، يتنبأ إشعياء أن المسيا سيُحضِر قداسة الله ورحمته إلى الأرض. وتنبأ أيضاً كيف أن المسيا سيعمل أعمالاً عظيمة لم يعملها أحد من قبل قط، كيما يعرف الجميع أنه هو المسيا القدوس الذي جاء من محضر الله! ولهذا، كتب النبي إشعياء أن المسيا سيُدعى مشيراً عجيباً! إلهاً قديراً! أباً أبدياً! رئيس السلام! ومن الواضح، أن إشعياء ليس كهؤلاء الذين يحاولون اليوم أن يضعوا المسيا في نفس مستوى الأنبياء. لقد أدرك النبي إشعياء مجد المخلص الفادي الذي سيأتي من محضر الله.
لابد أن نقرا أصحاحاً أخر، ألا وهو الأصحاح الثالث والخمسون. هذا الأصحاح هو أعجب الأصحاحات التي كتبها النبي إشعياء، لأن فيه يتنبأ كيف أن المسيا سيسفك دمه مثل حمل الذبيحة، ليتحمل عقاب خطية العالم. انصتوا باهتمام للخبر السار الذي أعطاه الله لنبيه إشعياء، قبل مجيئه بسبعمئة عام.
يقول الكتاب:
‘‘من صدَّق خبرنا، ولمن استُعلِنَت ذراع الرب. نبت قدَّامه كفرخٍ، وكعرقٍ في أرض يابسة، لا صورة ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه. محتقرٌ ومخذولٌ من الناس، رجل أوجاعٍ، ومختبرُ الحَزَن، وكمُسَتَّرٍ عنه وجوهنا، محتقرٌ فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمَّلها، ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوقُ لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحُبُرِه شفينا. كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا.
‘‘ظُلِمَ، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازِّيها، فلم يفتح فاهُ، ومن الضُغطَة ومن الدينونة أُخِذ. ومن جيله، من كان يظن أنه قُطِع من أرض الأحياء، أنه ضُرِب من أجل ذنب شعبي. وجُعِل مع الأشرار قبره، ومع غنيٍّ عند موته. على أنه لم يعمل ظلماً، ولم يكن في فمه غشٌ. أما الرب، فسُرَّ أن يسحقه بالحَزَن. إن جعل نفسَه ذبيحةَ إثمٍ، يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرَّة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يبَرِّر كثيرين، وآثامهم هو يحملها. لذلك أقسم له بين الأعزَّاء، ومع العظماء يقسم غنيمةً، من أجل أنه سكب للموت نفسه، وأُحصِيَ مع أثمةٍ، وهو حمل خطية كثيرين، وشفع في المذنبين.’’ (أش 1:35-12)
هذا ما كتبه إشعياء فيما يخص الآلام التي سيتحملها المسيا كيما يدفع ثمن خطايانا. نعم، فقد كان على الفادي المخلص أن يتألم ويسفك دمه من أجل كل الخطاة، كيما يغفر الله خطايانا، دون المساس ببره وعدله. ولهذا، كتب إشعياء يقول:
‘‘وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوقُ لأجل آثامنا، .. كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا.’’ (إش 5:35;6)
هذه الآيات القوية تلخِّص رسالة سفر إشعياء في فكرتين: الخبر السيء والخبر السار.
أولاً: الخبر السيء وهو أننا جميعنا خطاة، وليس لدينا أي طريقة لنخلص أنفسنا! ومن أجل هذا كتب إشعياء النبي وقال: ‘‘كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه.’’
ثانياً: الخبر السار وهو أن الله رسم خطة ليخلص الخطاة، وهذه الخطة هي من خلال موت المسيا وقيامته. ولهذا، كتب إشعياء قائلاً: ‘‘مجروح لأجل معاصينا، مسحوقُ لأجل آثامنا، .. والرب وضع عليه إثم جميعنا.’’
أعزائي ..
هل تدركون عظمة خطاياكم في نظر الله القدوس؟ هل تؤمنون أن المسيا الذي ولد من عذراء هو ‘‘الله معنا’’؟
هل تعلمون لماذا كان على المسيا أن يسفك دمه مثل حمل الذبيحة؟
تأملوا في تلك الكلمات المحيية للنبي إشعياء. إن الله يريد أن يساعدكم أن تفهموا كل ما كتبه إشعياء في الأصحاح الثالث والخمسين.
والله يبارككم وأنتم تتأملون بعمق في رسالة الله لكم من خلال النبي إشعياء، والتي تقول:
‘هلمَّ نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضُّ كالثلج. وإن كانت حمراء كالدودي، تصير كالصوف!’’ (أش 18:1)
أشكرك أحبك كثيراً
يسوع يحبك
هو ينتظرك
بيدو......