لماذا تدعوني صالحا للقديس كيرلس السكندري
يجب أن نتفحص المعنى العميق للحدث، وعندئذٍ سنعرف جيدًا، ما الذى أراد أن يعلنه المسيح بقوله " لماذا تدعونى صالحًا ".
اقترب منه شخص ناموسى ـ لأنه هكذا مكتوب ـ متسائلاً بأية طريقة سيخلص؟. ومن حيث إنه فى البداية دعاه معلم وصالح يسأله : " ماذا أعمل لكى أرث الحياة الأبدية "؟. أجاب المسيح على سؤاله: " لماذا تدعونى صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلاّ واحد وهو الله ... أذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء " (مر21،17:10).
لأنه، حقيقةً، لا يمكنك أن ترفع ثقل الوصية وأنت متكاسل من جهة اقتناء الفضائل ، لذلك حزن (السائل) من الأمر. لأنه يقول " ومضى حزينًا ".
ما هى المناسبة ، إذن ، التى حدثت لأجل مناقشة لاهوتية لذاك الذى سأل، ماذا أعمل لكى أُحسب بين هؤلاء الذين يخلصون ؟. ما هو السبب الذى كان لديه (أى المسيح) لكى لا يعلن له هذا الذى يسأل عنه، إنما لكى يخبره بشيء آخر بخلاف ذاك الذى اشتهاه ؟. وكيف كان من الممكن ، وهو فى اللحظة التى لم يستطع أن يرفع ثقل وصية واحدة إنجيلية، أن يقبل السر الأعظم من الكل، بالدرجة التى لا يمكن ولا بالكلام أن يتحملها؟ إذ حزن كما هو مكتوب.
إذن بسبب أن معلم الناموس قد رآه (أى المسيح) كإنسان ، اقترب إليه كإنسان ، وسأله كإنسان بسيط (عادى)، مريدًا أن يظهر أنه جاهل، وعلى الأرجح لأنه كان يهدف لأن يكتسب سمعة الحكيم ، إذ ظن أنه يعرف الناموس، لذلك أخجله قائلاً له : الصالح فى الحقيقة هو الله وحده، طالما إنك أتيت إلىّ كإنسان وقد نسبت إلىّ خاصية تنتمى بحسب الطبيعة إلى الله، داعيًا إياى صالحًا؟ لأنه واحد وبحسب طبيعته فهو صالح، أى الله . إذن لو عرفت ـ يقول المسيح له ـ إننى إله ، لأننى أنا صالح، عندئذ لأى سبب تقترب منى كإنسان بسيط ؟ أيضًا لو تؤمن أننى الله، لكن تعتقد أننى إنسان بسيط، عندئذٍ، لماذا تنسب الخاصية التى لله للإنسان؟
إذن هذا الذى قاله (المسيح) يمثل كشف لجهله، وليس له أهمية لاهوتية .
لو أنه يُقال ، أن الله صالح وذلك بحسب طبيعته، إذن يجب أن يُستثنى الابن من التشبه به، أقصد بالآب، وأنه أقل صلاحًا، وبسبب هذا ليس هو واحد مع الآب فى الجوهر.
فليقل لنا واحد من هؤلاء الذين اعتادوا أن يحاربوا المسيح: ماذا سيكون بناء على ذلك عندما نقدم لهم شئ قريب جدًا من هذا (الذى قيل)، لأن واحد من القديسين يقول فى موضع ما عن الله الآب: إن " الله هو نور" (1يو5:1)، لكن يقول عن الابن: إنه كان " النور الحقيقى" (يو9:1). إذن الآب نور ، والابن نور. لكن فقط إلى الابن يُنسب له " الحقيقى " . وبناء على ذلك توقف أن يكون الآب " النور الحقيقى "، وذلك لأن لسان يوحنا أضاف ذلك ، فقط، إلى الابن. لكن اعتقد أنه لن يستطيع أحد أن يصل إطلاقًا لمثل هذه الدرجة من الجنون، حتى يقبل هذا التجديف. لكن إذا كان فى الحقيقة أن الابن يكون ويُدعى فقط نور ، يكون فى الحقيقة أيضًا أن الآب نور،
وعندئذٍ ، بالرغم من أن الآب هو صالح بحسب طبيعته يُقال له الوحيد، إذن بحسب طبيعته يكون الابن صالح أيضًا مثل الآب. وحيث يكون هناك طبيعة واحدة للاثنين (للآب والابن)، فإن لهما دائمًا نفس الجوهر.
إذا كان الابن يختلف فى شئ عن أبيه، وهذا يجعله ألاّ يكون له نفس الجوهر معه، بل يكون من جنس آخر وبطريقة ما من جنس مختلف، وإنما إذا كان لا يختلف عنه فى شئ، فهذا يُظهر أنه من نفس الجوهر مع الآب. إذن عندما يقول الكتاب المقدس عن الآب إنه نور ويدعو أيضًا الابن نور، وطالما أنه لا يوجد هنا شئ يُجزئ المساواة فى الجوهر ـ طالما أنه يوجد فى الاثنين النور الحقيقى ـ عندئذٍ ما الذى يعوق الابن فى أن يكون من نفس جوهر الآب ؟ .
لو أن الابن هو من جوهر آخر فى علاقته بالآب، عندئذ كيف يظهر الآب فيه، وهذا (الابن) فى الآب؟ لأنه يقول " الذى رأنى قد رأى الآب " (يو9:14). وبالتأكيد ليس من الممكن أن نرى شكل الإنسان فى حصان، ولا أيضًا شكل الحصان يراه أحد فى شكل إنسان. لأن الشبيه يظهر فى الشبيه، فبينما تلك (المخلوقات) المختلفة الأنواع تختلف فيما بينها من جهة التشابه الطبيعى ، حتى أنه من غير الممكن أبدًا أن يظهر الواحد فى الآخر. أما بالنسبة للابن فهو يظهر فى الآب والآب يظهر فيه.
وبالتالى ، ليس هو كما تقولون أنتم من جوهر آخر ، لكن نفس الجوهر، كختم وصورة الآب (عب3:1).
و لالهنا كل مجد و كرامة الي الابد امين