رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" لأنَّهُ إن كانَ إبراهيم قد تبرَّر بالأعمال فلهُ فخر، ولكن ليس لدى الله، لأنَّهُ ماذا يقول الكتاب؟ فآمن إبراهيم بالله فَحُسِبَ لهُ برًّا، أمَّا الذي يعمل، فلا تُحسب له الإجرة على سبيل نعمة، بل على سبيل دين، وأمَّا الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يُبرِّر الفاجر، فإيمانُه يُحسب لهُ برًّا، كما يقول داود أيضًا في تطويب الإنسان الذي يحسب لهُ الله برًّا بـدون أعمـال: طوبـى للذيـن غُفِرَت آثامهم وسُتِرَت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يحسب لهُ الرب خطيئة ". (رومية 4 : 2 – 8). طوبى لنا.. أي هنيئًا لنا.. لأنَّ كل.. كل.. كل آثامنا قد غُفرت وخطايانا قد سُترت.. ولأنَّ الله لا يحسب لنا خطيئة.. لأنَّ الرب يسوع المسيح حمل كل خطايانا.. وعوقِبَ من أجلها.. ودمهُ يُغطِّي خطايانا التي قد نرتكبها ونحنُ نسير في هذه الحياة.. لقد ألبسنا رداء البر.. وعندما ينظر الآب إلينا فهوَ لا يرانا ولا يرى بشاعتنا وبشاعة ما قد نرتكبهُ من خطايا.. بل يرانا في المسيح كاملين دون أي عيب.. لأنَّ الكلمة تقول: " لأنَّ الذي ما عرفَ الخطيئة جعلهُ الله خطيئةً من أجلنا، لنصير بهِ أبرارًا عند الله " (كورنثوس الثانية 5 : 21). ولكي تفهم الموضوع أكثر تعال لكي نُلقي نظرة معًا على المعنى الحقيقي والدقيق لمعنى كلمة " بار " : " هي كلمة معاكسة تمامًا لكلمة إدانة، وهيَ كلمة بمثابة قرار قضائي صادر عن الله، من خلاله يُسامح كل خطايا الذين يؤمنون بالرب يسوع المسيح، ويعتبرهم ويقبلهم ويتعامل معهم كأنهم صالحين ومستقيمين في عين الناموس والشريعة وكأنهم يُطبِّقون كل ما تطلبه منهم، والإنسان الذي برَّرهُ الله، يُزوَّد بتصريح يمنحهُ الحقّ بأن يحصل على كافة الفوائد والجوائز المتأتية عن الطاعة الكاملة لناموس الله وكلمته ". هل تُدرك المعنى الحقيقي لهذا الكلام؟ الله يراك في المسيح، كامل، دون خطيئة، أبيض كالثلج، مستحق كل المكافآت التي تُمنح لمن يُطبِّق وصايا الله بالكامل، حتى وإن كنتَ تعجز عن تطبيقها وما زلتَ ترتكب بعض الخطايا. نعم هذا هوَ البرّ الذي لنا في المسيح. ولا تخف، فهذهِ ليست دعوة لكي تتشجَّع على ٱرتكاب الخطايا والاستباحة بنعمة الله ومحبته غير المشروطة، لكن هذا ميراثنا في المسيح.. والمؤمن الحقيقي.. الأمين.. لا يُمكنهُ عندما يرى محبة الله غير المشروطة، ونعمته الغنيَّة.. إلاَّ أن ينكر الفجـور والشهـوات.. وهذا ما قالهُ لنا تيطس: " لأنَّهُ قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس، مُعلِّمة إيَّانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقُّل والبر والتقوى في العالم الحاضر ". (تيطس 2 : 11 – 12). ولا يُحاول أحد ما بمجهوداته الشخصية، أو بأي أعمال يقوم بها أن يحصل على التبرير، لأنَّ الكلمة تُحذِّرنا عندما تقول: " قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبرَّرون بالناموس، سقطتم من النعمة " (غلاطية 5 : 4). تُحاول أن تتبرَّر بأعمال الناموس، ستسقط من النعمة.. ولن تحصل على البر.. ولا على غفران الخطايا.. ولا على الخلاص والحياة الأبدية !!! وإلاَّ كيف نفهم تسمية مؤمني كورنثوس " قدِّيسين " من قِبَل الرسول بولس، بالرغم من ﭐرتكابهم الكثير من الخطايا: " إلى كنيسة الله التي في كورنثوس، المُقدَّسين في المسيح يسوع، المدعوين قدِّيسين " (كورنثوس الأولى 1 : 2). فينبغـي علـى الجميـع أن يعلـم، أنَّهُ لا دور لأي واحد فينا في ما خصَّ الحصول على البر أو على القداسة.. " كموقع ".. سوى أن نؤمن بالرب يسوع المسيح، وبما عمله من أجلنا على الصليب.. فنغدو مُبرَّرين بنعمته المجانية.. تُغفر خطايانا.. ونصبح بيض كالثلج.. ونغدو قدِّيسين.. لا بل أبناء لله.. وهذا الكلام موَّجه لكل واحد منَّا في هذا اليوم.. لكي نعلم أنهُ لن يُمكننا أبدًا أن نتحرَّر من خطايانا المُتكرِّرة وعاداتنا السيِّئة، قبلَ أن نرتاح بالرب، ونرتاح في البرّ الذي لنا في المسيح، ونعرف أنَّ الله يُحبنا كما نحن، وهوَ راضٍ علينا في المسيح، ويرانا في المسيح دون خطيئة، طالما أنَّ ٱتجاه قلبنا أن نحيا لهُ بأمانة، وأن نقاوم الخطيئة بصدق وبٱستمرار !!! هذا هوَ موقعنا الجديد في المسيح.. الذي نلناه بالإيمان، وبسبب النعمة الغنيَّة.. أبرار.. قدِّيسين.. أولاد لله.. هذه هيَ دعوتنا.. وبعدَ كل ذلكَ.. لا بدَّ لنا إلاَّ وأن نطرح السؤال التالي: كيف ينبغي أن نسلك لكي نعكس الموقع الذي حصلنا عليه بالإيمان.. الذي حصلنا عليه مجَّانًا على حساب دم الرب يسوع المسيح.. وما هوَ دورنا بالتحديد؟ قال بولس الرسول: " فأطلب إليكم أنا الأسير في الرب، أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دُعيتم بها " (أفسس 4 : 1). نسلك كما يحق للدعوة.. كما يحق للموقع الذي حصلنا عليه.. ماذا يعني هذا الكلام بالتحديد؟ الرسول يوحنا يُلخِّص لنا الإجابة عندما يقول: " مـن قالَ أنَّهُ ثابتٌ فيه (أي في المسيح) ينبغي أنَّهُ كما سلكَ ذاك (أي المسيح) هكذا يسلك هوَ أيضًا " (يوحنا الأولى 2 : 6). هل أنتَ ثابت في المسيح، ومُتمسِّك فيه، إذًا ينبغي أن تسلك في حياتك اليومية، خلال وجودك على هذه الأرض، كما سلكَ الرب بالتحديد.. ينبغي أن تقوم بدورك بكل أمانة وتدقيق.. وقبلَ أن نتوسَّع في هذا التأمل، لا أريد أن تُخفى هذه الحقيقة عن ذهنك أبدًا: محبة الله غير المشروطة.. المجانية.. نعمتهُ الغنيَّة التي لن نفهمها بعقولنا المحدودة.. لن تتغيَّر أبدًا تجاه أولاده.. سواء سلكوا كما يليق بالموقع الذي منحهم إياه الرب على حساب الدم الثمين.. وسواء لم يسلكوا.. فمحبـة الله لكَ ليست محبَّة مشروطة أو مُعتَمِدة على سلوكك الذي يتقلَّب كل يوم.. فهيَ محبَّة ثابتة.. ولن يفصلنا عن محبة المسيح أي شيء على الإطلاق.. وتعالَ معي الآن لكي نتأمَّل ببعض ما قالهُ الرسول بولس عن كيفية السلوك الذي يليق بالدعوة، بولس الذي ﭐختبرَ نعمة الله كما لم يختبرها أحد، والذي علَّم عن البر وعن النعمة كما لم يُعلِّم أحد أيضًا: " فأقول هذا وأشهد في الرب، أن لا تسلكوا في ما بعد، كما يسلك سائر الأمم أيضًا ببطل ذهنهم... وأمَّا أنتم فلم تتعلّموا المسيح هكذا... (لذا ينبغي عليكم) أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق، لذلك ﭐطرحوا عنكم الكذب وتكلَّموا بالصدق كل واحد مع قريبه... ولا تعطوا إبليس مكانًا... لا يسرق السارق في ما بعد... لا تخرج كلمة رديّة من أفواهكم... ولا تُحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء... وﭐسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا... وأمَّا الزنى وكل نجاسة أو طمع، فلا يُسمَّ بينكم كما يليق بقديسين، ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق... لأنكم كنتم قبلاً ظلمة، وأمَّا الآن فنور في الرب، ﭐسلكوا كأولاد نور... فٱنظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء... من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء، بل فاهمين ما هي مشيئة الرب ". (أفسس 4 : 17 – 5 : 1 – 17). أبرار وقديسين.. لكن يبدو أننا قد نسلك كما يسلك أهل العالم.. وهنا يأتي دورنا نحن بالتحديد.. أنتَ من يخلع الإنسان العتيق من خلال تصرفك وسلوكك.. وأنتَ من يلبس الجديد.. الجديد الذي خلقهُ الله بار وقديس.. وأنتَ من يطرح الكذب.. وأنتَ من لا يُعطي إبليس مكانًا.. لأنَّهُ سيأخذ إن لم تقم بدورك.. وإن لم تتنبَّه.. ولاحظ معي قول بولس: لا يُسمَّ ذلكَ بينكم كما يليق بقديسين.. كما يليق بالدعوة التي دُعيتم لها.. ﭐسلكوا بتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء.. فاهمين ما هيَ مشيئة الله لكم.. مشئيتهُ أن نعكس في حياتنا.. في سلوكنا وفي خدمتنا.. البر والقداسة اللذين حصلنا عليهما مجَّانًا.. والآية الملفتة للنظر.. لا تُحزنوا الروح.. ولو أضفنا إليها ما قاله بولس في موضع آخر: " لا تُطفئوا الروح " (تسالونيكي الأولى 5 : 19). لاتضحت الصورة أكثر.. لا تُحزنوا.. ولا تُطفئوا الروح !!! ماذا يعني هذا الكلام؟ هذا الكلام يعني أنَّ الأبرار والقدِّيسين وأولاد الله.. يُمكنهم أن يُحزنوا الروح ويُطفئوه.. يُحزنوه عندما لا يسلكون بتدقيق كما يليق بالأبرار والقديسين.. ويُطفئوه عندما لا يُنفِّذون ما يطلبه الروح منهم.. أي عندما لا يقومون بدورهم.. فلنكن حذرين.. لأنهُ عندما يحزن الروح وينطفئ ولا يعود يعمل فينا.. ويمدّنا بالإيمان والقوة بسبب سلوكنا السيئ.. فكيفَ ستكون حياتنا عندها؟ حتَّى لو كنَّا أبرارًا وقدِّيسين بالإيمان !!! أحبائي.. لا يُمكن إرضاء الله دون إيمان.. وبالإيمان ينبغي أن نسلك مُتَّكلين على قوة الروح القدس.. لكن.. لن يأتي يومًا واحدًا، سيقوم فيه الروح القدس بالعمل الذي ينبغي أن تقوم بهِ أنت.. قال بولس: " لأنَّهُ إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون " (رومية 8 : 13). إن لم تسلكوا عمليًا ويوميًا بالقداسة، وعشتم بحسب الجسد ستموتون.. ستفترون روحيًا ولن تكونوا مؤثِّرين في الآخرين.. ولكن إن أمتُّم أنتم بالروح أعمال الجسد فستحيون.. لن يُميت الروح أعمال الجسد بطريقة تلقائية.. بل أنتَ.. وبقوَّة الروح القدس التي أُعطيت لكَ مجانًا، على حساب دم الرب، تُميت أعمال الجسد، وإن لم تقم بهذا الدور، فلن يقوم الله عنكَ بهِ.. فلا تضلُّوا، لأنَّ ليسَ عند الله محاباة وتمييز بين أولاده.. وﭐسمع معي ما تقول كلمته في هذا المضمار: " أحببـت البر وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهـاج، أكثر من رفقائك " (مزمور 45 : 7). يتكلم هذا المزمور عن الرب.. الذي وكممثل لنا عندما جاءَ إلى أرضنا.. أحبَّ البر عمليًا.. وأبغض الإثم عملياً.. كما تشهد حياته.. ولهذا مسحهُ الله أكثر من رفاقه.. ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أنهُ هناك من يسلك بالدعوة كما يليق، وهناك من لا يسلك بالدعوة كما يليق.. وهناك من يُجاهد لكي يُميت بقوة الروح القدس أعمال الجسد، وهناك من لا يُجاهد لكي يُميت أعمال الجسد.. ولهذا هناك أشخاص على مر العصور أرضوا الله.. وهناك أشخاص لم يُرضوا الله.. الكل أبرار وقديسين على حساب دم الرب.. لكن ليسَ الكل سلكوا بهذا البر وبهذه القداسة كما يليق، فلم يُرضوا الله ولم يكونوا أُمناء.. ولو كانَ الأمر والعمل متروكين لله وحده وليسَ لنا أي دور نلعبهُ.. لكان الله غير عادل ولديه تمييز.. فلماذا يُخبرنا الكتاب إذًا أنه هناك أشخاصًا كانوا حسب قلبه وسُرَّ بهم.. وهناك أشخاصًا لم يكونوا حسب قلبه، ولم يسروه !!! أحبائي.. لن يأتي يومًا واحدًا ونحن في هذا الجسد.. نستطيع أن نتعلَّم بطريقة حسابية، ما هوَ دور الروح القدس وما هوَ دورنا.. بل ما ينبغي أن نعرفهُ، هوَ أنَّ للروح القدس دور ولنا نحن دور.. وسنتعلَّم ذلكَ طيلة فترة حياتنا على هذه الأرض.. من خلال التدريب الذي يُدربنا إياه الروح القدس.. يومًا بعد يوم.. إنها سيرة حياة كاملة.. سلوك يومي.. سنتعلمهُ بطرق مختلفة كما يتناسب مع شخصية وطباع كل واحد منَّا.. أحيانًا.. تشعر وكأنكَ لا تفعل شيء.. وأحيانًا تشعر وكأنك تقوم بكل شيء.. أحاينًا تشعر وكأنك تحيا في حديقة خضراء مثمرة وجداول مياه تتدفق من حولك.. وأحيانًا تشعر وكأنك تحيا في بريَّة قاحلة.. أحيانًا تهب الريح على شراعك فيسير في البحر دون أي مجهود منك.. وأحيانًا لا وجود لأي نسمة هواء، وتضطر أن تستعمل المجذاف لعدة أميال.. وعندما تختلط عليك الأمور، وتضيع في الطريق.. ستسمع صوتًا من ورائك يقول لكَ: " وأُذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة: هذه هي الطريق، ﭐسلكوا فيها، حينما تميلون إلى اليمين، وحينما تميلون إلى اليسار " (إشعياء 30 : 21). نعم.. فعندما ننحدر نحو السلبية، مُعتقدين أن الروح هوَ من يقوم بكل شيء عوضًا عنَّا.. يأتي الروح ويُصحِّح المسار.. وعندما ننحدر نحو الاتكال على قوة ذراعنا وعلى قوة النفس للقيام بأمور الله، ونقسو على أنفسنا، ونقع تحت وطأة الشعور بالذنب والتقصير والدينونة.. يأتي الروح أيضًا ويُصحِّح المسار.. والحكمة أن نكون حسَّاسين لصوت الروح ومُطيعين لتوجيهاته وقيادته، جاهزين لكل ما يطلبهُ منَّا، فلا نضيع ولا نجمح.. إذًا.. هوَ تعاون وثيق بيني وبين الروح القدس، لكي أحيا الحياة التي تُرضي الله، حياة الخضوع والطاعة الكاملتين.. ولكي أُشابه الرب يسوع.. وأسلك كما سلكَ هوَ.. أسلك السلوك الذي يليق بالدعوة.. ويبقى السؤال الهام هنا: هل هذا التعاون الوثيق بيني وبين الروح القدس.. والعمل المُشترك بيننا سهل التطبيق؟ وهل من السهولة إخضاع مشيئتي لمشيئة الآب بالكامل؟ وهل من السهولة طاعة الرب طاعة كاملة في كل الأوقات والظروف؟ المشهد في بستان جستماني.. لا يُظهر أن الأمور تسير بهذه السهولة.. لم يبدو سهلاً على الرب – كممثل للجنس البشري – أن يقول للآب لتكن مشيئتك بسهولة.. ثلاث مرَّات كرَّرها في ذلكَ البستان.. عرقهُ صارَ كقطرات دم.. وظهرَ لهُ ملاك من السماء ليُقوِّيه.. لأنَّهُ كانَ حينها في جهاد قوي.. في معركة شرسة !!! مشهد مُلفت للنظر ممَّا لا شكَّ فيه.. أمَّا ما دوَّنهُ لنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين، فهوَ مُلفت للنظر أيضًا.. إن لم نقل أكثر: " فمع كونهُ ﭐبنًا، تعلَّم الطاعة في الآلام التي قاساها، وبذلكَ أصبحَ مؤهَّلاً لمهمته، فصارَ لجميع الذين يُطيعونه مصدرًا للخلاص الأبدي ". (عبرانيين 5 : 8 – 9). فماذا يُمكننا القول ونحنُ نقرأ هذه الكلمات؟ ربنا يسوع المسيح.. وهوَ الابن.. وكممثل لنا.. تعلَّم الطاعة في الآلام التي قاسها.. نعم.. ودون أدنى شك.. ونحنُ نسير مع الرب.. ولكي نسلك السلوك الذي يليق بالدعوة التي دُعينا لها، ويليق بالموقع الذي حصلنا عليه.. أبرار وقدِّيسين.. سنتعلَّم أمورًا كثيرةً.. لا سيَّما في موضوعي الطاعة والخضوع الكاملين لمشيئة الرب.. وفي موضوع التخلِّي عن كل شيء.. وحمل الصليب والسير وراء الرب.. لكننا سنتعلَّمها بالتأديب والألم.. فبولس يقول لأهل كورنثوس الذي سمَّاهم قديسين: " يُسمع مُطلقًا أنَّ بينكم زنى، وزنى هكذا لا يُسمَّى بين الأمم حتَّى أن تكون للانسان ﭐمرأة أبيه، أفانتم منتفخون، وبالحري لم تنوحوا حتَّى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل، فإنِّي أنا كأنِّي غائب بالجسد، ولكن حاضر بالروح، قد حكمت كأنِّي حاضر في الذي فعل هذا هكذا، بٱسم ربنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح، أن يُسلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع ". (كورنثوس الأولى 5 : 1 – 5). هؤلاء القديسين بالموقع.. بالإيمان.. هؤلاء الأبرار بالإيمان.. ﭐرتكبوا زنى لم يحصل حتَّى بين غير المؤمنين، كما يقول بولس.. حياة مؤمنين.. حياة أبرار.. حياة قديسين.. أبشع من حياة أهل العالم !!! ويقول لهم بولس: أفأنتم منتفخون.. أي هل تقولون نحن قديسين ونحن أبرار وهذا يكفي.. لا يا أحبائي.. ليسَ لهذا دُعينا.. بل طلب منهم بولس أن ينوحوا.. وأن يُسلِّموا الذي قامَ بهذا الفعل إلى الشيطان.. أي إلى التأديب.. لهلاك الجسد.. إلى الألم.. لكي تخلص الروح.. لم يكن مُمكنًا لذلكَ الرجل أن يتخلَّى عن خطيئته تلك دون تأديب.. دون ألم !!! وهنا يبرز السؤال: من هوَ الذي يؤدَّب؟ وهل التأديب هوَ للجميع دون ﭐستثناء؟ " وقد نسيتم الوعظ الذي يُخاطبكم كبنين: يا ﭐبني لا تحتقر تأديب الرب، ولا تخر إذا وبَّخك، لأنَّ الذي يُحبُّه الرب يؤدِّبه، ويجلد كل ﭐبن يقبلهُ، إن كنتم تحتملون التأديب، يُعاملكم الله كالبنين، فأي ﭐبن لا يؤدِّبه أبوه، ولكن إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه، فأنتم نغول لا بنون، ثُمَّ قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدِّبين وكنَّا نهابهم، أفلا نخضع بالأولى جدًّا لأبي الأرواح فنحيا؟ لأنَّ أولئكَ أدَّبونا أيامًا قليلة حسب ﭐستحسانهم، وأمَّا هذا فلأجل المنفعة، لكي نشترك في قداسته، ولكن كل تأديب في الحاضر، لا يُرى أنَّه للفرح بل للحزن، وأمَّا أخيرًا فيُعطي الذين يتدرَّبون بهِ ثمر بر للسلام " (عبرانيين 12 : 5 – 11). آيات ذهبيَّة.. يقول الله.. يبدو أنكم نسيتم أنَّهُ ينبغي أن أؤدبكم.. ويقول الله.. أنَّ التأديب هوَ للجميع دون ﭐستثناء.. لأنَّ الله يؤدِّب كل.. كل من يُحبّه.. وكل.. كل ﭐبن يقبلهُ.. ليسَ البعض.. بل الجميع.. كما يقول لنا أكثر من ذلكَ.. فإنَّ الذين لا يؤدبهم الرب فهُم نغول لا بنين.. وبصورة أوضح.. إن لم يؤدبك الرب فأنتَ لستَ ﭐبنًا !!! ولماذا يؤدبنا الرب؟ كلمته تقول: من أجل المنفعة.. لكي نشترك في قداسته.. لكي نُعطي ثمر بر.. لكننا أبرار وقديسين.. وقد نلنا ذلكَ بالإيمان وبالنعمة المجانية.. نعم.. وبكل تأكيد.. لكننا أبرار وقديسين بالموقع وبالمكانة.. لكن لكي نغدو أبرار وقديسين بالسلوك.. بالحياة العملية.. لكي نسلك كما يليق بالدعوة.. ينبغي أن نتدرَّب تحت يدي الروح القدس.. ومن ضمن هذا التدريب.. التأديب بكل تأكيد.. لكي نُشارك الله في قداسته عمليًا ولكي يُثمر البر الذي نلناه بالإيمان.. ينبغي أن نتأدَّب.. ومن ضمن برنامج التأديب هذا، سنتعلم أمورًا كثيرة بالألم.. إنها كلمة الله الكاملة من يقول هذا.. وليست ﭐستنتاجاتي الشخصية.. سنُجاهد وسنُقاوم ضد الخطيئة والقيود والعادات السيئة في حياتنا.. مقاومة حتَّى الدم أحيانًا.. " لم تُقاوموا بعد حتى الدم، مُجاهدين ضد الخطيئة " (عبرانيين 12 : 4). هنالكَ جهاد ومقاومة من قبلنا نحن الأبرار والقديسين.. حتَّى الدم ضد الخطيئة.. وهل من دور للإيمان هنا؟ نعم.. وبكل تأكيد: " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمِّله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، ﭐحتملَ الصليب مُستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله، فتفكَّروا في الذي ﭐحتمل من الخطأة مقاومة لنفسه مثل هذه، لئلاَّ تكلُّوا وتخوروا في نفوسكم " (عبرانيين 12 : 2 – 3). " فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة " (عبرانيين 10 : 35). عندما نتعرَّض للآلام وللتأديب بغية تنقيتنا وتدريبنا على السلوك كما يليق بقديسين وبأبرار.. يأتي دور الإيمان، لكي لا تخور عزيمتنا.. ولكي لا نطرح ثقتنا التي ستكون لها مجازاة عظيمة.. وسط الصعاب وقساوة التأديب.. أنظر إلى رئيس إيماني ومُكمِّلهُ الرب يسوع المسيح.. لكي يمدَّني بالإيمان وبقوة الروح القدس.. لكي أؤمن أنَّ الرب يؤدِّبني لأنَّهُ يُحبَّني.. أؤمن أنَّ الرب يؤدِّبني لأنني ﭐبنهُ.. أؤمن أنَّ الرب يؤدِّبني من أجل منفعتي.. أؤمن أنَّ الرب يؤدِّبني لكي أشاركهُ في قداسته.. أؤمن أنَّ الرب يؤدِّبني لكي أعطي ثمر بر للسلام.. وبولس الرسول يقول: " لذلك لا نفشل، بل وإن كانَ إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدَّد يومًا فيومًا، لأنَّ خفَّة ضيقتنا الوقتية، تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًّا ". (كورنثوس الثانية 4 : 16 – 17). لا بُدَّ للإنسان الخارجي.. العتيق أن يفنى تحت وطأة التأديب والألم.. لكي يتجدَّد الإنسان الحقيقي الداخلي.. البار والقديس الذي زرعهُ الله فينا عندما آمنَّا به.. والمجازاة ستكون عظيمة.. ثقل مجد أبدي.. ولا تسمح لأفكار الخوف والقلق والشك والحيرة أن تستقر في ذهنك.. كيفَ سيؤدِّبني الرب؟ وهل سيؤدِّبني دومًا؟ وهل كل ألم وضيقة أتعرَّض لهما يندرجان في خانة التأديب؟ لا تخف.. فقط ثق بالرب.. ثق بمحبته الكبيرة لكَ.. سلِّمهُ أمرك بالكامل.. دعهُ يؤدِّبك ويُنقِّيك ويُعدِّك كلما دعت الحاجة.. فتأديبه لن يتخطَّى الحدود التي رسمها الرب بدقة متناهية.. وهدفهُ منفعتك وخيرك.. وليسَ تدميرك أبدًا.. أبدًا.. ولا تعش في هاجس التأديب.. فالولد الصغير.. المُدلَّل والمحبوب من أهله.. لا يعيش في هذا الهاجس أبدًا.. لكنَّ أهله يؤدِّبونه كلما دعت الحاجة.. ولم تنفع الوسائل الأخرى في تربيته وتهذيبه وإعداده.. وهدفهم الوحيد منفعته وخيره.. لا تدميره.. ولا تخف أن تختلط الأمور عليك.. فالروح القدس سيُعلن لكَ إن كانَ ما تتعرَّض لهُ هوَ تأديب من الرب، لكي تخضع لهُ وتتخلَّص من الأسباب التي أدَّت إلى هذا التأديب.. وسيُعلن لكَ إن كانَ عملاً للشيطان، لكي تستخدم سلطانك وتطردهُ بعيدًا عنك.. فقط إخضع تحت يد الله المُحبَّة.. وثق بهِ ثقة كاملة.. وأخيرًا.. أبرار.. نعم، قدِّيسين.. نعم، أولاد لله.. نعم، ليسَ منَّا بل بالإيمان والنعمة المجانية.. نعم وبكل تأكيد.. وسنبقى أبرار وسنبقى أولاد لله، وسنذهب إلى السماء.. لكن السؤال يبقى.. هل نسلك كما يليق بأبرار وبقديسين وبأولاد النور؟ وهل نسلك كما يليق بالدعوة التي دُعينا إليها؟ الناس من حولنا لن يروا البر والقداسة اللذين نلناهما بالإيمان وبالنعمة.. إن لم نعكسهما في تصرفاتنا وحياتنا العملية.. إن لم نحيا المسيح في وسطهم ونشابهه في أفعالنا.. ولن تجذبهم أقوالنا إن لم تتطابق معها تصرفاتنا.. الناس من حولنا لن يروا الكنز الذي في داخلنا قبلَ أن تفنى الأواني الخزفية التي تحملهُ.. وتلكَ الأواني لن تفنى دون أن تُكسر. |
|