رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فَأينَ يَا موتُ نَصرُكَ؟ وَأينَ يَا موتُ شَوكَتُكَ؟ عظة عيد انتقال السيدة العذراء إلى السماء أَيُّها الأحبة نحتفِلُ اليوم بِعيدِ انتِقالِ السَّيدَةِ العَذراءِ إلى السّماءِ بالنّفسِ والجَسَد. عيدُ الانتقال هوَ إحياءٌ طَقْسِيٌّ لِيتُورجي، نحتفِلُ بهِ كُلَّ عَامٍ في الخامسِ عَشَر مِن شَهرِ آَب، ومنذُ القرنِ الرّابع للميلاد، لإيمانِنا بِأنَّ مريمَ أُمُّ الْمسيح، بعدَ رُقادِها، قَد انتَقلَ جَسَدُهَا إلى السّمواتِ بالاتّحادِ مع نَفسِهَا، دُونَ أَنْ يَنَالَ مِنهُ فسادُ القبورِ، الّذي يَنَالُ مِن كلِّ كائِنٍ حَيٍّ بَعدَ موتِه، وَذلِكَ بِفَضلٍ وإنعامٍ خَاصٍّ وفَريد مِن الله، بِاستحقاقَاتِ ابنِها وَسَيّدِها يَسوعَ الْمسيح. وهذا الإيمانُ والْمُمارسةُ الْمَسيحيةُ الأصيلَة، هوَ مَا أَعلَنَتهُ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ، عامَ 1950 على لِسانِ البابا بيوس الثّاني عَشر، في نَصِّ عقيدةٍ يَقول: ((نُعلِنُ بِموجَبِ عَقيدةٍ مُوحَاةٍ مِن الله، أَنَّ والدةَ الإلهِ الّتي هي بِلا دَنس وَالدَّائِمةَ البَتولِيّة، مَريمَ، بَعدَ أَن أَتَمَّت مَسيرَةَ حياتِها الأرضية، نُقِلَتْ إلى الْمَجدِ السَّماويَّ بالجَسَدِ والنّفس)). في عيدِ انتِقالِ السّيدة العَذراء بالنّفسِ والجَسدِ إلى السّماء، تَحضُرُني كَلِماتُ بولسَ الرّسول، في رسالتِه الأولى إلى أهلِ قورنتوس، إذ يَقول: ﴿فَأينَ يَا موتُ نَصرُكَ؟ وَأينَ يَا موتُ شَوكَتُكَ؟ فالشُّكرُ للهِ الّذي آَتانَا النّصرَ عَن يَدِ ربِّنَا يسوعَ الْمسيح﴾ (1قورنتوس 55:15). نعم أيها الإخوةُ والأخواتُ الأحباء، أَلا تَسْتَحِقُّ تِلكَ الّتي مَنَحتنَا مُبدِعَ الحياةِ وساحِقَ الْموتِ، يسوعَ الْمسيح، مِن حَشَاهَا الطّاهر، أن تَنجوَ مِن فسادِ القبورِ، وأن تَنْعَمَ بِشكلٍ تَامٍّ وَمُسبَق، بِبَاكورةِ الحياةِ الأبديّةِ الّتي سَتَتَجلّى فينا يَومًا؟! هَذا هو إيمانُنا نَحوَ أُمِّنا مَريم، الّتي مَشَت وَسَارَت الدَّربَ الطّويلَ والْمُجهِدَ مَع ابنِها يَسوع، مُنذُ لُحظةِ البِشارة، مُرورًا بِمختلِفَ أَطوارِ عُمرِه، حتّى بَلَغَت مَعَهُ طَريقَ الآلامِ، وتَمّت بذلِك نبوءةُ سمعان الشّيخ، عَن سيفِ الألَمِ الّذي يجوزُ في نفسِها، وَصَعِدَت مَعَهُ جَبَلَ الجلجلَةِ، فَصَارَت لَنَا أُمًّا تحتَ أَقدامِ صَليبِه الْمُبارَك، وُصولًا إلى أَفراحِ القِيَامةِ والعَنصرة، وَأَخيرًا لحظةَ رُقادِها فانتِقالِها فَتَتويجِها سُلطانةً عَلَى السَّماواتِ والأرض. فَمَريمُ تَبقَى عُربونَ رجائِنا لِلمَجدِ الّذي سَيَسطَعُ فينا نحنُ يومًا، بعدَ انتقالِنا مِن دارِ الفناءِ إلى مَلكوتِ البَقاء. إنّ عيدَ الانتِقالِ هُوَ الذّروةُ والتَّمام، لِمَا نحياهُ عَلى الأرضِ بالإيمان. فَنَحنُ نَرجو أَنَّنَا سَنَنتَقِلُ يومًا من الْمَوتِ إلى الحياة. عيدُ الانتِقَالِ هي أَيضًا عِيدُ الاتّحادِ الكامِلِ والأبديِّ بالله! فَغَايةُ حياتِنا الأخيرةِ كَمُؤمنين مُتَّجِهَةٌ صَوبَ الله، ونَحوَه نَحنُ نَسير، وَبِه نَتوقُ أَنْ نتَّحِدَ يومًا اتّحادًا أَبَدِيًّا لا تُفصَمُ عُراه. عيدُ الانتِقالِ هو تَحقيقٌ لِمَا نَطقَ اللهُ بِه بِفمِ مَريم، عِندما أَنشَدَت نَشيدَ تُعَظِّم: ﴿سَوفَ تُهنِّئُني بعدَ اليومِ جَميعُ الأجيال، لأنَّ القَديرَ صَنَعَ إليَّ أمورًا عَظيمة﴾ (لوقا 48:1-49). فاللهُ صَنعَ إلى مريمَ وفي مريمَ العظائِمَ، قبلَ ولادتِها، وبعدَ ولادتِها، وأَثناءَ حياتِها، وبعدَ رُقادِها وانتِقالِها. يا أحبّة، لَقَد عَاشَت مَريمُ عَلَى الأرضِ أَمَةً للرّبِّ مُتواضِعة، وَلَكنَّهَا الآن تحيا إلى الأبدِ سُلطانَةً وَملِكةً وسيّدة. فَصَدَقَ فيها قَولُ الْمسيح: ﴿مَن رَفَعَ نَفسَهُ وُضِع، وَمن وَضعَ نَفسَهُ رُفِع﴾ (لوقا 11:14). فَمَريمُ بِفَضلِ تَواضُعِها رُفِعَت أَعالي القِمَمِ والذُّرَى، حيثُ لا خليقةٌ تَفوقُها أو حتّى تُساويها رِفعةً وَمجدًا وَسُؤددا. فَلْنَتَعلّم إذًا مِن مَريمَ أمِّنَا كَيفَ نَتَضّعُ بَينَ يَديِّ الرَّب، فَنحيا بِبَساطةٍ مُتَخَلّيين عَن كِبريائِنا وَزَهوِنا وَخَيلائِنا، ولا نَبني حياتَنا على أَمجادٍ ورِفعة باطِلةٍ وَفَانية، نَقبَلُهَا مِن بَشرٍ مِثلنا فَانية. |
|