أنا الخُبزُ الذي نزَلَ مِنَ السَّماءِ
“وهذا ما يُريدُهُ أبـي إنَّ كُلَّ مَنْ رأى الابنَ وآمنَ بِه نالَ الحياةَ الأبديَّةَ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الآخِرِ. فتَذَمَّرَ اليَهودُ على يَسوعَ لأنَّهُ قالَ أنا الخُبزُ الذي نزَلَ مِنَ السَّماءِ، وقالوا أما هوَ يَسوعُ ابنُ يوسُفَ نَحنُ نَعرِفُ أباهُ وأُمَّهُ، فكيفَ يَقولُ الآنَ إنَّهُ نزَلَ مِنَ السَّماءِ . فأجابَهُم يَسوعُ لا تتَذَمَّروا فيما بَينَكُم. ما مِنْ أحدٍ يَجيءُ إليَّ إلاَّ إذا اجتَذَبَهُ الآبُ الذي أرسَلَني، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الآخِرِ”.
التأمل: “أنا الخُبزُ الذي نزَلَ مِنَ السَّماءِ”
لو تأملنا بصورة طائر البجع الذي ينهش من لحمه ليسد به جوع صغاره عندما لا يستطيع اصطياد شيء لاطعامهم، يموت هو لتعيش صغاره.
يقول البعض أن الغريزة هي التي تفعل فعلها في طائر البجع، دون قرار منه في ظل غياب الوعي والادراك عند الطيور. طبعا لا اعتراض على ذلك، ولكن ماذا لو كان هذا الفعل عن سابق تصور وتصميم وبارادة حرة وواعية؟ ماذا لو كان هذا الفعل من انسان يفضل الموت ليحيا غيره؟ يبذل نفسه من أجل خلاص البشرية جمعاء؟
ويقول البعض الاخر أن تصرف هذا الطائر خارج عن المألوف، لا بل غريبا عن عالم الطيور ويمكن وصفه بالجنون. اذا كان من الجنون أن تقتطع الطيور من لحمها لتقوت صغارها؟ أليس من الجنون أن يجعل يسوع من جسده مأكلا حقا ومن دمه مشربا حقا؟ والبشر غير راضين؟
انه الجنون بحد ذاته أن يضحي الانسان بنفسه من أجل آخرين مثلنا، لا نصحو الا على جوع ولا نغفو الا على شبع، وبين الجوع والشبع نقطع الحدود والمسافات والدول والقارات لنصطاد شبع العيون قبل البطون دون جدوى.
لكن يسوع لم يحسب فداءه لنا خسارة لذلك ،
لا زال هو الخبز النازل من السماء لنأكل منه ولا نجوع.
لا زال قلبه مفتوح ينزف دما مع كل المعذبين في الارض ليروي العطاش الى البر وليشبع الجياع خيرا.
لا زال في العالم ابطال يملكون شجاعة التضحية بالذات، لتستمر رقصة طيور البجع الخالدة فوق بحيرات الزمان.
لا زالت قطرات دماء القديسين تتطاير في ساحات الشرف، وتجعل منها ساحات جلجلة.
ولا زالت أيادي مئات الالوف من الكهنة تعانق المصلوب، تحمله وتنزله وتطيبه بالصلاة وتناوله للافواه المفتوحة دائما أبدا على الحب الابدي السرمدي الذي لا تقوى عليه مجاعات العالم بأثره.
سيدي أعطنا من هذا الخبز دائما أبدا …