رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب روحانية طقس القراءات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأنبا متاؤس مقدمة وضع الآباء القديسون القراءات الكنسية التي تقرأ في القداسات الإلهية على مدار السنة القبطية بحكمة روحية عميقة وبإرشاد الروح القدس لتكشف عن طبيعة الكنيسة وعمقها ومنهجها وفكرها اللاهوتي وغايتها لخلاص الإنسان. ويمكننا تقسيم القراءات الكنسية إلى قسمين، كل منهما يبرز جانبًا من جوانب طبيعة الكنيسة: 1- قراءات تمثل خطًا عامًا عبر السنة كلها من خلال قراءات قداسات الآحاد تُظهر عمل الثالوث القدوس في الكنيسة وتنطلق بالمؤمن في خط لاهوتي روحي متكامل يمثل وحدة الكنسية وجامعيتها. 2- قراءات خاصة بكل يوم حسب أعياد الشهداء والقديسين، وهذه القراءات تُظهر التمايز بين أعضاء الكنيسة التي هي جسد المسيح، واختلاف مواهب هؤلاء الأعضاء كأمر متكامل مع وحدة الكنيسة. ويمكننا القول بأن كل قسم من هذين القسمين يبرز جانبًا هامًا آخر: فالقسم الأول: يبرز عمل الله غير المنقطع نحو الكنيسة والبشرية كلها، وبمعنى آخر تقدم لنا الله ليس منعزلًا عن البشرية وإنما محبًا عاملًا فيها لخيرها، يصادق الناس ويحتضنهم ويرفع معاناتهم لكي يرفعهم إليه يشاركونه مجده الأبدي. وهذا هو منتهى الحب الإلهي للإنسان. وتُعتبر القراءات الكنسية جزءًا لا يتجزأ من العبادة الكنسية، فهي ليست فصولًا تُقرأ فحسب بل هي عبادة تمارس بالنغمة واللحن المناسب لكل موسم كنسي (سنوي – كيهكي – حزايني – فرايحي) ويشملها الجزء الأول من القداس ويسمى قداس الموعوظين أو ليتورجية التعليم. ومن خلال هذه القراءات تقدم الكنيسة لأبنائها فكرًا متكاملًا عن محبة الله وعمله الخلاصي، مع وجوب الالتزام بالإيمان والتوبة والجهاد الروحي لكي يكونوا مؤهلين ومستحقين لهذا الخلاص، كذلك عن التأمل في السماويات مع قبول الآلام بفرح وممارسة الأسرار الإلهية مع التمتع بكلمة الله من العهدين، وكل هذا يوصلنا إلى الشركة مع الله الآب في ابنه الوحيد بروحه القدوس، فنستعد للأبدية السعيدة التي تنتظرنا والملكوت المعد لنا منذ تأسيس العالم. يُشَبِّه بعض الآباء القراءات التي تتلى في قداس الموعوظين بوليمة الخمس خبزات وسمكتين التي أشبع بها الرب يسوع الجموع الجائعة (لو9). + الخمس خبزات هي القراءات الخمس من الكتاب المقدس: البولس، الكاثوليكون، الإبركسيس، المزمور، الإنجيل،والرب يسوع المسيح قال: "فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ»" (إنجيل متى 4: 4). + أما السمكتان فهما السنكسار cuna[arion والعظة. وهذه القراءات مجتمعة تكّون وجبة روحية دسمة فيها كل عناصر الغذاء الروحي الكامل الذي يقوي الروح وينعشها، منها نأكل ونشبع ونجد فيها دواء للنفس وشفاء لجراحات الخطية، وحلًا لكل المشكلات التي تصادفنا في مسيرة الحياة. فلنهتم بحضور هذه القراءات ولا نتأخر عنها، بل نسمعها باهتمام ونضعها في قلوبنا قائلين مع المرنم "خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ" (سفر المزامير 119: 11) نضعها في الثلاث أكيال دقيق التي لدينا وهي الجسد والنفس والروح حتى يختمر العجين كله، وتتقدس وتتنقى كل الحواس والأفكار حسب قول مخلصنا الصالح "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (إنجيل يوحنا 15: 3). ولهذه الأسباب تصر الكنيسة على أن المؤمنين الراغبين في التناول من الأسرار المقدسة يجب أن يحضروا ليتورجية التعليم (قراءات قداس الموعوظين) وبالأخص الإنجيل، حتى يتغذوا بكلمة الله المقروءة والمسموعة حسب قول النبي "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي" (سفر إرميا 15: 16) حتى يكونوا مستعدين للأكل من جسد ودم المسيح كلمة الله المتجسد لخلاصنا، فيستفيدون من التناول وينمون في النعمة، على عكس الذي يأتي متأخرًا ويتجاسر على التقدم للتناول كما لقوم عادة، فإنه لا يستفيد من التناول بل قد يكسب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب ودمه. ويقول العلامة أوريجانوس: في قداس الموعوظين (القراءات) تخطب النفس للرب يسوع، وفي قداس المؤمنين ترتبط معه برباط الزيجة والاتحاد الكامل.. ولا توجد زيجة بدون خطبة. ولكل قراءة من قراءات القداس هدف سامٍ يتعلم منه القارئ والسامع شيئًا هامًا ولازما. فمثلًا: البولس : يبين عمل النعمة في الحياة. الكاثوليكون : يبين الجهاد الروحي للمؤمن والسلوك المسيحي المنضبط. الأبركسيس : يبين عمل الروح القدس في الكنيسة كجماعة وكأفراد. السنكسار : يبين الإنجيل معاشًا في حياة القديسين الذين هم نماذج صالحة نقتدي بها. ننظر إلى نهاية سيرتهم فنتمثل بإيمانهم وبأعمالهم. المزمور : يبين نبوات عن المسيا وعمله الخلاصي، يظهر ذلك حينما نقرأ المزمور على ضوء معطيات العهد الجديد "لأن شهادة يسوع هي روح النبوة" (رؤ19: 10). الإنجيل : هو البشارة المفرحة بالخلاص والوعود الإلهية الصادقة. العظة : يبين كيف أحيا رسالة الإنجيل كما عاشها القديسون واختبروها وتكلموا عنها، ويا حبذا لو كانت العظة مدعمة بأقوال الآباء حتى نرى الإنجيل مشروحًا بالآباء معاشًا في حياتهم فتكون له قوة في حياتنا وسلوكنا. + يظن غير العارفين بالروح الكنيسة أن تكرار هذه القراءات كل عام يورث العابدين الملل والرتابة، والحقيقة أن ينبوع هذه القراءات المتدفق يخرج لنا جددًا وعتقاء. فقط تحتاج القراءات الكنسية إلى آذان روحية مدربة صاغية وقلوب مستنيرة واعية ومعلمين ووعاظ فاهمين لمقاصد الآباء وحكمتهم من وضع هذه القراءات بترتيبها العجيب ويكشفون للسامعين الخط الرفيع الذي يربط بين هذه القراءات، فيكتشفون كنوزًا ويستفيدون استفادة عظمى.+ وللقراءات الكنسية خط روحي ولاهوتي عام على مدار السنة القبطية. + يوجد في السنة القبطية 52 أسبوعًا (أحدًا) كالتالي: شهرًا آحاد + الأيام الخاصة (التي لها قراءات) في الأيام السنوي هي 55 يومًا فقط والباقي أيام محالة.أحد النسيء 12 × 4 = 48 + 1 = 49 بعض الشهور يكون فيها أحد خامس 3 ــــــــــ 52 أحدًا + كل الآحاد لها قراءات خاصة وليس فيها احالات. + فترة الصوم الكبير والخماسين أيامًا وآحادًا كلها لها قراءات خاصة وليس فيها إحالات، كذلك سواعي أسبوع البصخة. قمت بهذا المجهود المتواضع لفائدة أبناء كنيستي المحبوبة حتى يستفيدوا من حضور القداسات والاستماع إلى القراءات. وأعترف بأنني استفدت استفادة كبرى من كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة للأرشيدياكون بانوب عبده، واستعنت به كثيرًا. وإني أصلي إلى الله أن يجعل هذا الكتاب سبب بركة لكل من يقرأه ويستعمله ويحاول أن يستفيد منه، بشفاعة أمنا العذراء القديسة الطاهرة مريم، وكل صفوف الملائكة والرسل والشهداء والقديسين، وبصلوات أبينا الطوباوي البابا الأنبا شنودة الثالث. ولإلهنا المجد في كنيسته إلى الأبد آمين. الأنبا متاؤس الأسقف العام الخماسين المقدسة 1991 |
|