رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سر رخامة القبر التى اشتراها أبيفانيوس قبل مقتله بأسبوع لم يكن الأنبا أبيفانيوس مجرد أسقف ورئيس لدير الأنبا مقار بوادى النطرون، لكنه كان يلعب دورًا كبيرًا فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بل وجميع الطوائف المسيحية المصرية، بعدما نصبه البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، مسئولًا عن الحوار بين الكنائس منذ عدة أشهر. ورغم أن رحيل الأنبا أبيفانيوس - الذى يعد من أبرز تلاميذ الأب الراحل متى المسكين- كان «صدمة» كبيرة، إلا أن الألم صار أكبر عندما تبين مقتله «مغدورًا» بأن ضربه «مجهول» بآلة حادة على رأسه من الخلف، أثناء توجهه فجرًا من مسكنه إلى الكنيسة بالدير، لترؤس القداس الإلهى كيف كان يعيش هذا الرجل؟ وعلى أى حال مات؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه هنا. تنبأ بوفاته قبل أيام من الحادث عظته الأخيرة عن المحبة وطالب بالاستعداد لـ«حرب مقبلة» حسب الراهب شنودة المقارى، فإن «الأنبا أبيفانيوس أعلن اقتراب وفاته لعديد من رهبان دير الأنبا مقار»، مستدلًا على ذلك بـ«اعتكاف أحد آباء الدير، منذ أكثر من أسبوع، عند سماعه كلام الأب الراحل، بقرب نياحته، كدليل على حزنه». وأضاف المقارى: «أحد العلمانيين حمل إلى الدير رخامة، كشاهد جنائزى، به التفاصيل الخاصة بالأب الراحل، لتوضع على باب الفتحة الخاصة بمواراة جسد الأنبا فى الدير، وقال بالحرف: (نيافة الأنبا أبيفانيوس طلب منى منذ أربعة أيام تجهيز هذه الرخامة)». ومن فوارق القدر أيضًا، أن الأنبا الراحل، حمل خلاصة فكره قبل أيام من موته، خلال عظته وحديثه الأخير مع رهبان ديره، حين سأل أحد الرهبان نيافته قائلًا: «كيف نميز فكرا مزيفا وكيف لا ندعه يخدع قلبنا؟». عندها أجاب الأنبا أبيفانيوس، وكأنه يعطى وصيته الأخيرة: «كل فكر يؤدى إلى المزيد من المحبة فكرٌ مقدس، وكل فكر يؤدى إلى الثبات فى المسيح أكثر هو فكرٌ مقدسٌ أيضًا، أما كل فكر يخلق غيرة بينى وبين أخى فهو فكر مزيف مخادع، فلنجعل المحبة هى المصفاة التى نصفى عليها جميع أفكارنا، وسيحفظنا ذلك من حرب العدو، ولكن الحرب آتية لا محالة فلنستعد لها». الأنبا أبيفانيوس ولد فى ٢٧ يونيو ١٩٥٤، فى مدينة طنطا، وتخرج فى كلية الطب، وترهبن فى ٢١ أبريل ١٩٨٤ بدير الأنبا مقار بوادى النطرون باسم الراهب القس أبيفانيوس المقارى، وسُيّم أسقفًا ورئيسًا للدير فى ١٠ مارس ٢٠١٣. قبلها كان يُشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع، بكل لغاتها، فى الدير، باعتباره من الباحثين النشطين، ونشرت له مطبعة الدير أول إنتاجه العلمى وهو «ترجمة من اليونانية القديمة للعربية: سفر التكوين والقداس الباسيلى»، وحينها كان جار نشر مترجمه أيضًا «سفر الخروج والقداس الغريغورى»، وكذا الكتاب التاريخى القديم «بستان الرهبان». وكان الأب أبيفانيوس مهتمًا بمتابعة وحضور المنتديات العلمية المتصلة بالتراث الكنسى والقبطى، وآخرها حضور المؤتمر الدولى العاشر للدراسات القبطية فى روما فى سبتمبر ٢٠١٢، كما أنه أحد المشتركين فى تحرير مجلة مرقس الشهرية، التى يصدرها الدير. أما قصة سيامة الأسقف الراحل رئيسًا لدير الأنبا مقار، فجاءت بعدما أبدى المطران الأنبا ميخائيل رئيس دير الأنبا مقار وقتها، للبابا تواضروس بعد تنصيبه بطريركًا، رغبته فى إعفائه من منصبه، ورسامة أحد الرهبان خليفة له، نظرًا لتقدُّمه فى السن، وتراجع حالته الصحية، إذ كان عمره ٩٣ سنة حينها. وإثر ذلك، أقيم اقتراع سرى بالدير، وفُرزت أصوات الآباء الرهبان به، وعددهم ١٠٠، فى يوم الأحد ٣ فبراير ٢٠١٣، فى حضور سكرتير البابا تواضروس الثانى، القمص أنجيلوس، وجاءت نتيجة الفرز باختيار الرهبان الأب الراهب القس أبيفانيوس المقارى بأغلبية الأصوات. وأيَّد الاختيار الأنبا ميخائيل مطران أسيوط- الذى استمر رئيسًا للدير لـ٦٥ سنة- بتزكية مكتوبة تسلمها الراهب أبيفانيوس باليد من نيافته، وسَلَّمها بدوره إلى البابا تواضروس. وكانت الأسماء المُرشحة لرئاسة الدير من رهبان دير أبومقار: الراهب إيسيذوروس والراهب بترونيوس والراهب أبيفانيوس، وثلاثتهم من أفاضل الرهبان وشيوخ الدير والمتمرسين فى الحياة الرهبانية والنشيطين فى الأعمال اليومية فى الدير. وفى المقابلة الأولى للراهب إبيفانيوس المقارى مع البابا تواضروس الثانى، فى ٢٦ فبراير ٢٠١٣، ثانى يوم صوم يونان، بعد إبلاغه باختياره لرئاسة دير القديس الأنبا مقار، أوصاه البابا بوصية محددة، وهى: «أن يعيد للدير صورته المُشرقة الأولى، ويلمَّ الشمل داخله». وأجرى البابا تواضروس الثانى، الأحد ١٠ مارس ٢٠١٣، الذى وافق «أحد رِفاع الصوم الأربعينى»، سيامة ٧ آباء رهبان إلى أساقفة، وكان من بينهم الأنبا أبيفانيوس، فيما احتفل بـ«التجليس» عشية عيد الصليب يوم ١٨ مارس ٢٠١٣. تلميذ وفى لتعاليم متى المسكين وحامل رسالته فى الانفتاح على باقى الطوائف يُعرف الأنبا أبيفانيوس بأنه أبرز تلاميذ الأب متى المسكين، رئيس دير الأنبا مقار الأسبق، لذا كان كثيرًا ما يتحدث فى عظاته ومناقشاته عن تعاليم أستاذه، ويصر دائمًا على إحياء تذكار أستاذه الراحل وخلال التذكار العاشر لنياحة الأب متى المسكين (توفى ٨ يونيو ٢٠٠٦)، خصص الأنبا أبيفانيوس عظة عن حياته وتعاليمه. وخلال كلمته تلك، وجاءت بعنوان: «الأب متى المسكين والانفتاح على الكنيسة الجامعة»، قال الأنبا أبيفانيوس: «أبانا متى المسكين هو المعلم الذى تتلمذنا على يديه وتعلمنا منه الكثير وما زلنا كل يوم نتعلم من كتاباته وسيرته التى تركها لنا زخرًا للكنيسة الجامعة، فقد ترك ميراثًا روحيًا وإنسانيًا، لا ندعى أننا استطعنا أن نستوعبه كله أو حتى ندرك أبعاده». وأضاف الأنبا أبيفانيوس: «أشعر أن لكتابات الأب متى المسكين أكبر الأثر فىّ، ومن الصعب على غير الدارسين لتاريخ الكنيسة القبطية فى العصر الحديث أن يدركوا مدى الأثر الذى تركه فى نظرة الأقباط للكنائس الأخرى، أو مدى تأثيره فى الحياة الرهبانية وفى حقل الدراسات الإنجيلية والآبائية فى مصر». وأوضح: «فى النصف الأول من القرن العشرين بدأت فى مصر حركة مدارس الأحد التى كان يقودها الأرشيدياكون حبيب جرجس، وكان كل ميراث هذه الحركة يتمثل فى كتابات جدلية وكتابية واردة من الكنائس الأخرى، ولم يكن هناك أى دراسات آبائية معروفة أو تفاسير الكتاب المقدس فى يد القارئ القبطى باللغة العربية، سوى بعض الكتب المترجمة عن كُتاب من الكنائس البروتستانتية، ومن هذه الكتابات وأكثرها شيوعًا تفاسير ماثيو هنرى، وعلى هذه الكتابات تتلمذ معظم قادة الكنيسة فى هذا الوقت». وأضاف الأسقف الراحل فى ذكرى أستاذه العاشرة: «وفى حقل الدراسات اللاهوتية، لم تكن الكنيسة تعرف سوى كتاب علم اللاهوت، تأليف القمص ميخائيل مينا، الذى كتبه فى ١٩٣٨، وكان يتبع اللاهوت الغربى، لكن بين عامى ١٩٥١ و١٩٥٣، صدر للأب متى المسكين كتاب (حياة الصلاة الأرثوذكسية)، وهو أول كتاب يصدر له بعد تكريس حياته للرهبنة بثلاث سنوات». وتابع: «وكان لهذا الكتاب صدى واسع عند الناطقين باللغة العربية داخل مصر وخارجها، حتى إن المطران جورج خضر، بجبل لبنان للروم الأرثوذكس، قال إنه أول كتاب فى العصر الحديث لكاتب قبطى يتتلمذ عليه رهبان الروم، إذ لم يكن هذا الكتاب مجرد بحث فى أصول الروحانية الأرثوذكسية، بل كان نافذة أطل منها الأقباط على ماضى حياتهم الروحية والرهبانية والآبائية، وكان له تأثير بالغ فى حياة الأقباط، الذين صار منهم قادة للكنيسة بعد ذلك، وتمت ترجمته للإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأوكرانية»، وفق الأسقف. وأشار إلى أن هذا الكتاب «ذكر أقوالًا لقديسين من غير الأقباط، أى من الكنيسة الجامعة، مثل القديس جريجورس الكبير والقديس يوحنا الدمشقى، ما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى، والتى كنا ننظر إليها لسنوات طويلة على أنها كنائس معادية لنا، فإذا بنا نقرأ سير قديسيها وأقوالهم ونتمثل بحياتهم، وكان هذا إيذانًا بقبولنا الآخر، الذى لم تستطع المجامع المسكونية حتى الآن أن تحققه». هذا الخبر منقول من : الدستور |
|