|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تذكار الموت المنشغل بالحياة الحاضرة لا يبكى. بل قد يقول مثل الغنى الغبى: "أهدم مخازنى وأبنى أعظم منها، وأجمع هناك جميع غلاتى وخيراتى. وأقول لنفسى: يا نفسى لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة فاستريحى وكلى واشربى وافرحى" (لو 12: 18، 19) إن متع الدنيا تلهبيه عن أبديته، فلا يبكى، بل يفرح ويتمتع!! أما الإنسان الروحى، فإن يضع أبديته أمامه في كل حين، ويدرك أن يوم الرب قد يأتى كلص (رؤ 16: 15)، تراه يستعد لهذه الأبدية، وما تستلزمه من حياة التوبة والجهاد والكمال المطلوب والقداسة.. وإذ يذكر الموت يبكى.. لأنه ليس مستعدًا له.. ولا يزال أمامه جهاد طويل، لم يسرفيه خطوه واحدة.. إن أرسانيوس العظيم، رجل الوحدة والصمت والصلاة، كان يبكى لتذكار الموت.. إن كان الإنسان الروحى يبكى لتذكار الموت بصفة عامة.. فكم يكون بكاؤه إن كان الموت متوقعًا لسبب واضح يوحى به! إن البكاء وحدة ليس هو كل شئ. وليس هو بسبب مفارقة الأهل والأحباب وأو مفارقة ملاذ الدنيا، كما يفعل أهل العالم ومحبوه! إنما هو بكاء مصحوب باستعداد روحى، استعداد لمقابلة الله. وهكذا كان القديسون ينصحون بتذكار الموت، وبزيارة المقابر. إن القديس الأنبا أنطونيوس تأثر روحيًا بوفاة أبيه بالجسد، وزهد الدنيا وخرج منها بإرادته، قبل أن يخرجوه كارها.وموكب موت شاهده الأنبا بولا ترك تأثيره أيضًا، فترك العالم والمال والقضايا، وصار أول السواح وكان القديس أبا مقار الكبير يضع أحيانًا جمجمة تحت رأسه تذكره بالموت. وأبا مقار الأسكندرانى زار إحدى المقابر. والقديس أنطونيوس الكبير في بدء حياته الرهبانية سكن في مقبرة.. تذكار الموت له فوائده العديدة، الدموع واحدة منها.. تذكار الموت يوقف الإنسان أمام حقيقة نفسه، وأنه مجرد بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل (يع 4: 14)، وأنه "كزهر الحقل كذلك يزهر. لأنن ريحًا تعبر علية فلا يكون، ولا يعرفه موضعه بعد" (مز 103: 15، 16). ولذلك حسنًا قال داود النبى: "عرفنى يا رب نهايتى، ومقدار أيامى كم هى، لأعلم كيف أنا زائل" (مز 39: 4). وقال أيضًا "إنما كل إنسان قد جعل. إنما كخيال يتمشى الإنسان" (مز 39: 5، 6). بتذكار الموت، يتضع الإنسان وينسحق. والإتضاع والإنسحاق يجلبان الدموع. |
|