النبوات | اعتراضات والرد عليها في سفر طوبيت
النبوات في سفر طوبيا
مقدمة
النبوة الأولى: أورشليم المسبية
النبوة الثانية: نينوى
النبوة الثالثة: بناء الهيكل
النبوة الرابعة: عودة الأمم
أهم الاعتراضات والرد عليها-
* الاعتراض الأول
* الاعتراض الثاني
* الاعتراض الثالث
* الاعتراض الرابع
* الاعتراض الخامس
* الاعتراض السادس
* الاعتراض السابع
خاتمة
الحواشي والمراجع
النبوات في سفر طوبيا:-
مقدمة:
النبوة هي مِنْ أهم مميزات شعب الله بالنسبة للشعوب التي حولهم. وكانت واضحة أشد الوضوح ولا تحتاج إلى أي تأويل أو تفسير، أو أنها تحتمل أكثر من تفسير مثلما كان يحدث عند استشارة الأمم لآلهتهم الوثنية. فمثلًا قام قارون ملك ليديا باستشارة آلهته في أمر الحرب مع كورش الفارسي، فكان ردهم له أنه في الحرب ستهلك مملكة عظيمة دون أي تحديد. وكانت النتيجة دمار مملكة ليديا وانتصار كورش الفارسي في الحرب.
فالنبوة هي الأخبار عن الغيب والمستقبل بالهام من الله، وهي الأخبار عن الله وما يتعلق به تعالى.
فطوبيا من أحد الشخصيات الذين أعلن لهم عن مستقبل أورشليم بكل وضوح. وليس أورشليم فقط بل نينوى أيضًا. ونجد طوبيا يُقَسَّم نبوته إلى نبوات عن خراب أورشليم ونينوى ثم إعادة بناء أورشليم والهيكل ونجد في هذا التقسيم من الادلة الداخلية التي تؤكد كتابه السفر مبكرًا جدًا أي قبل السبي البابلي لأورشليم. وهذا عادةً ما نجده في كتابات الأنبياء الذين كانوا قبل السبي. أما الأنبياء الذين كتبوا بعد السبي كان عادةً محور كتاباتهم هو التشجيع لإتمام بناء الهيكل مثل حجى وزكريا وعزرا ونحميا.
ونجد نبوة طوبيا تُكَوِّن جزءًا من الإصحاح الثالث عشر والرابع عشر. وبالتحديد (13: 11-23، 14: 6-9، 12،13) حسب النسخة التي نعتمد عليها في دراستنا.
النبوة الأولى (طو 1:13، 7:14)
أورشليم المسبية
"يا أورشليم مدينة الله إن الرب أدبك بأعمال يديك (طو 1:13)".
"كل أرضها المقفرة.. وبيت الله الذي احرق.. (طو 7:14)".
نلاحظ هنا أن طوبيا يتكلم بصيغة الفعل الماضي. وهذا عادةً ما كان يتبعه الأنبياء لتأكيد حدث لا مفر منه ولا بد أنه سيتم. ومن هؤلاء الأنبياء نجد داود النبي يقول "قد ثقبوا يديَّ ورجليَّ أحصى كل عظامي (مز 22: 17،16)". ومن المؤكد منه أن داود لم تثقب يديه أو رجليه، وإنما هذه كانت نبوة عن السيد المسيح الذي سيعلق على عود الصليب من أجلنا عن طريق تثبيته بالمسامير في خشبة الصليب، وهذا ما تم فعلًا في المسيح بعد داود بما يقرب من ألف عام.
وأيضًا "لتفرح السموات ولتبتهج الأرض ليعج البحر وملؤه ليجذل الحقل وكل ما فيه لتترنم كل أشجار الوعر أمام الرب لأنه جاء. جاء ليدين الأرض، يَدينُ المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته (مز 96: 11-13)". ومن المعروف أن الله لم يأتِ بعد ليدين الأرض. وانما أتى في الجسد ليفتدي الإنسان وإنما تكرار كلمة جاء في الفعل الماضي فهي للتأكيد أنه سوف يأتي في يوم ما ليدين الأرض.
ونجد إشعياء يقول عن كورش الفارسي - الذي أتى بعده بأكثر من قرنين من الزمان - بلسان الله: "هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق... نطقتك وأنت لم تعرفني (إش 45: 5،1). وهذا ما حدث فعلًا عندما انتصر على البابليين.
وأيضًا زكريا النبي يتنبأ عن المسيح قائلًا: "فقلت لهم إن حَسُنَ في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذي ثمَّنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب (زك 11: 13،12). ولم يحدث ذلك مع زكريا النبي بل مع السيد المسيح الذي أتى بعده بما يقرب من خمسة قرون (قارن مت 26: 15، 27: 3-10).
فهذا الفن الرؤوى معروف لدى الأنبياء ولشعب اليهود أيضًا.
ويشرح الأنبياء الذين كانوا قبل السبي أسباب سبى كل من مملكة الشمال (إسرائيل) ومملكة الجنوب (يهوذا) في عبارات بليغة وقوية منادين لهم بالتوبة، ولكن للأسف لم تكن لهم الآذان التي تسمع فيتوبوا ويرجعوا لتمحى خطاياهم، وبالتالي أسلمهم الله للسبى لكي يؤدبوا عن أعمالهم ويقودهم بطريقته الخاصة للتوبة.
فنجد إرميا النبي يصف حالة أورشليم قبل السبي قائلًا: "آثامكم عكست هذه وخطاياكم منعت الخير عنكم. لأنه وجد في شعبي أشرار يرصدون كَمُنْحَنٍ من القانصين ينصبون أشراكًا يمسكون الناس. مثل قفص ملآن طيورًا هكذا بيوتهم ملآنة مكرًا. من أجل ذلك عظموا واستغنوا. سمنوا لمعوا، أيضًا تجاوزوا في أمور الشر. لم يقضوا في الدعوى دعوى اليتيم، وقد نجحوا، وبحق المساكين لم يقضوا. أ فلأجل هذه لا أعاقب يقول الرب أو لا تنتقم نفسي من أمة كهذه صار في الأرض دهش وقشعريرة، الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحب (إر 5: 25-30)". ولم يكتفِ بذلك بل قال أيضًا: "لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب... اسمعي أيتها الأرض هأنذا جالب شرًا على هذا الشعب ثمر أفكارهم لأنهم لم يصغوا لكلامي وشريعتي رفضوها (إر 6: 19،13)".
وها هو حزقيال النبي يصف حال أورشليم فيقول: "هوذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدم. فيك أهانوا أبًا وأمًا، في وسطك عاملوا الغريب بالظلم، فيك اضطهدوا اليتيم والأرملة. ازدريت أقداسي ونجست سبوتي. كان فيك أناس وشاة لسفك الدم وفيك أكلوا على الجبال. في وسطك عملوا رذيلة. فيك كشف الإنسان عورة أبيه. فيك أذلوا المتنجسة بطمثها. إنسان فعل الرجس بامرأة قريبه. إنسان نجس كنته برذيلة، إنسان أذل فيك أخته بنت أبيه، فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم، أخذتِ الربا والمرابحة وسلبت أقرباءك بالظلم ونسيتيني يقول السيد الرب (حز 22: 6-12)". ولذلك نجد أورشليم تعلن عن سبب تأديبها على لسان باروخ قائلة: "لا يشمتن أحد بي أنا الأرملة التي ثكلت كثيرين فإني قد أوحشت لأجل خطايا بني لأنهم زاغوا عن شريعة الله. ولم يعرفوا رسومه ولم يسلكوا في طرق وصايا الله ولم يسيروا في سبل التأدب ببره (با 4: 13،12).
فيا ليتنا ننصت إلى معلمنا بولس الرسول وهو يقول: "اما تستهين بغنى لطفه - أي لطف الله - وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله (رو 2: 4-6).
نعم يا الله...
فأنت كأب تحب دائمًا أن تؤدب أولادك..
لأن كل من تحبه تؤدبه (عب 6:12).
ولكن أرجوك إجعلنا دائمًا نقبل التأديب..
ونرجع..
حتى تحكم علينا هنا..
لكي لا ندان مع العالم في مجيئك الثاني..
المخوف المملوء مجدًا (أكو 11: 32،31).
النبوة الثانية (طو14: 6)
نينوى
قد دنا دمار نينوى لأن كلام الرب لا يذهب باطلًا (طو14: 6). أما النسخة القبطية تترجمها كالآتي: "وامض يا ولدي إلى مادي لأني متحقق جميع ما تكلم يونان النبي عن نينوى أنها ستخرب وأما في مادي فتكون سلامة نوعًا إلى زمان ما (14: 4)".
اسمعوا لي يا بني لا تقيموا ههنا بل أي يوم دفنتم والدتكم معي في قبر واحد ففي ذلك اليوم وجهوا خطواتكم للخروج من هذا الموضع فإني أرى أن إثمه سيهلكه (طو14: 12، 13)".
كثيرًا ما نجد أنبياء العهد القديم يتنبؤون عن مملكة أشور وخاصة عاصمتها نينوى بالخراب فيقول عنها صفنيا النبي: ويمد-أي الله- يده على الشمال ويبيد أشور ويجعل نينوى خرابا يابسة كالقفر، فتربض في وسطها القطعان كل طوائف الحيوان، القوق أيضًا والقنفذ يأويان إلى تيجان عمدها، صوت ينعب في الكوى. خراب على الأعتاب لأنه قد تعرى أرزيها. هذه هي المدينة المبتهجة الساكنة مطمئنة القائلة في قلبها أنا وليس غيري، كيف صارت خرابًا مربضًا للحيوان، كل عابر بها يصفر ويهز يده (صف2: 13- 15)".
ويتنبأ عنها ناحوم قائلًا: "وحي على نينوى.. الغوغاء جنحت وطارت، رؤساؤك كالجراد وولاتك كحرجله -أي جماعة- الجراد الحالة على الجدران في يوم البرد، تشرق الشمس فتطير ولا يعرف مكانها أين هو. نعست رعاتك يا ملك أشور اضطجعت عظماؤك تشتت شعبك على الجبال ولا من يجمع، ليس جبر لانكسارك، جرحك عديم الشفاء كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم عليك لأنه على من لم يمر شرك على الدوام (نا 1: 1، 3: 16- 19).
ويصف ناحوم النبي أعمال شعبها وملكها والتي كانت السبب في خرابها فيقول: "الأسد المفترس لحاجة جرائه والخانق لأجل لبواته حتى ملأ مغاراته فرائس ومأويه مفترسات.. ويل لمدينة الدماء، كلها ملآنه كذبًا وخطفًا، لا يزول الافتراس.. من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أممًا بزناها وقبائل بسحرها (نا2: 12، 13: 1، 4)".
ومن هذه الأعداد نلاحظ كم كانت نينوى قاسية، ومتعطشة لسفك الدماء، والسطوة الشريرة، والغش في التجارة، حيث أجهدت نفسها لكي تكون كمركز تجاري عالمي. ولذلك عندما يأتي يوم الرب عليها "تئن جواريها كصوت الحمام ضاربات على صدورهن (نا2: 6)". ونجد أن طوبيا يحدد توقيت خراب نينوى أنه سيحل سريعًا، ولكن بعد وفاة زوجته (طو14: 12، 13). ويعتمد في تأكيده هذا على كلام يونان النبي- حسب الترجمة القبطية- الذي قال الرب "قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي (1: 1،2،3: 1،2)".
فكثيرًا ما كان يصدر الرب حكمًا على إنسان أو أمة خاطئة ولكن بسبب توبتها يؤجل هذا الحكم لحين تزايد شرها مرة ثانية ولا تجد التوبة لها مكانًا بين شعبها، وهذا واضح جًدا في موقف أخاب عندما أخطأ وقتل نابوت اليزرعيلي لكي يغتصب كرمه، فيقول عنه الكتاب المقدس عندما سمع حكم الله على فم إيليا النبي أنه: شق ثيابه وجعل مسحًا على جسده وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت. فكان كلام الرب إلى إيليا التشبي قائلًا: "هل رأيت كيف اتضع أخاب أمامي فمن أجل أنه قد اتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه بل في أيام ابنه أجلب شرًا على بيته (1 مل21: 27- 29)".
وأيضًا حدث هذا مع سليمان الذي قال عنه الله لداود أبيه عندما قصد أن يبني بيتًا للرب: "أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت ملكه، هو يبني بيتًا لاسمي وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد، أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك (2 صم 7 : 12- 15).
وسليمان هذا الذي أخطأ بسبب أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى حكم الرب عليه، ولكن بسبب توبته -والتي يصفها سفر الجامعة- الرب نقل الحكم إلى أيام أبنه قائلًا له: "من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقًا وأعطيها لعبدك. إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك بل من يد ابنك أمزقها. على إني لا أمزق منك المملكة كلها بل أعطي سبطًا واحدًا لأبنك لأجل داود عبدي ولأجل أورشليم التي أخذتها (1 مل11: 11- 13)". وإن كان حكم الموت والخراب لنينوى تأجل بسبب توبتها والتي أشار إليها السيد المسيح له المجد (مت12:41)، ولكن ذلك تحقق بيد البابليين الماديين في أيام حُكم نبو بولاسار وسياجزاس، وكان قائدًا الجيش نبوخذنصر وأحشوريوش سنة 612 قبل الميلاد.
النبوة الثالثة (طو13: 12، 17و 14: 7)
بناء الهيكل
"أشكري لله نعمته عليكي وباركي إله الدهور حتى يعود فيشيد مسكنة فيك ويرد إليك جميع أهل الجلاء وتبتهجي إلى دهر الدهور.. أما أنت فتفرحين ببنيك لأنهم يباركون كافة وإلى الرب يحتشدون (طو13: 12، 17).
وكل أرض -أي أورشليم- المقفرة ستمتلئ وبيت الله الذي أحرق فيها سيستأنف بناؤه وسيرجع إلى هنالك جميع خائفي الله (طو14: 7).
في هذه النبوة نجد أنفسنا أمام نبوءتين لا نبوءة واحدة. الأولى: هي إحراق الهيكل، وطوبيا هو االنبي الوحيد الذي تنبأ بأن الهيكل سيحرق. ولتأكيد ذلك جعل عملية الحرق في الفعل الماضي. وإن كان أرميا النبي يعلن عن خراب الهيكل قائلًا: "اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلوه الذي أسكنت فيه أسمي أولًا وانظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي إسرائيل، والآن من أجل عملكم هذه الأعمال يقول الرب وقد كلمتكم مبكرًا ومكلمًا فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا أصنع بالبيت الذي دعي باسمي عليه الذي أنتم متكلون عليه وبالموضع الذي أعطيتكم وآباءكم إياه كما صنعت بشيلو واطرحكم من امامي كما طرحت كل أخوتكم كل نسل أفرايم (إر7: 12- 15)"،"أجعل هذا البيت كشيلوه وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض (إر26: 5، 6)".
والثانية هي: تجديد الهيكل ورجوع شعب إسرائيل إلى أراضيهم مرة ثانية. ونجد أن هذه النبوءة تمت حرفيًا على يد كورش الفارسي كما تنبأ إشعياء (إش 44: 28). فيذكر كل من كاتب سفر الأخبار الثانية وعزرا الكاهن ذلك قائلين "في السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم أرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس، فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتابة أيضًا قائلًا هكذا قال كورش ملك فارس، جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا. من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل (2 أي 36: 22، 23، عز 1:1- 3).
وعندما تباطأ الشعب في اتمام الهيكل قام كل من حجى النبي وزكريا النبي في أيام داريوس وفي السنة الثانية من ملكه بحث الشعب على إتمام البناء. فلبى الشعب صوت ندائهم (حجى1: 1- 2: 23، زك 8: 1- 17). ونجد أنفسنا أمام كم هائل من النبوات عن العودة من السبي. ولكن من أجمل هذه النبوات واحدة لأرميا عن أنه لا توجد قوة أو عائق طبيعي أو غير طبيعي يقف أمامهم وهم في طريق العودة، فيقول: "هأنذا -أي الله- آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض. بينهم الأعمى والأعرج الحُبلى والماخض معًا، جمع عظيم يرجع إلى هنا -أي إلى ورشليم- بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم. أسيرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها، لأني صرت لإسرائيل أبًا وأفرايم هو بكري أسمعوا كلمة الرب أيها الأمم وأخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا مبدد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراعٍ قطيعه. لأن الرب فدى يعقوب وفكه من يد من هو أقوى منه (إر 31: 8- 11).
وأخرى لإشعياء وهي تصف مجدهم وهم راجعون فيقول: "هكذا قال السيد الرب ها إني أرفع إلى الأمم يدي وإلى الشعوب أقيم رايتي. فيأتون بأولادك في الأحضان وبناتك على الأكتاف يحملن. ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك، بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين إني أنا الرب الذي لا يخزى منتظروه (إش 49: 22- 24)".
ويصف عزرا الكاتب عودة بني إسرائيل فيقول: "فقام رؤوس آباء يهوذا وبنيامين والكهنة واللاويون مع كل من نبه الله روحه ليصعدوا ليبنوا بيت الرب الذي في أورشليم. وكل الذين حولهم أعانوهم بآنية فضة وبذهب وبأمتعة وببهائم وبتحف فضلًا عن كل ما تبرع به... وجميع الآنية -التي بالهيكل- من ذهب والفضة خمسة الآلف وأربع مئة. الكل أصعده سيشبصر عند إصعاد السبي من بابل إلى أورشليم (عز1: 5، 6، 11). قارن أيضًا (عز 2: 64- 70)".
ويصف الشيخ الروحاني مجد التوبة حيث أنها عودة من سبي الخطية والشيطان إلى أحضان المسيح قائلًا(1): "كما أن آدم الجسدي ينجب من حواء أبناء له على شاكلته، لعالمه الجسدي، كذلك المسيح، أبو العالم الروحاني، ينجب لنفسه بالتوبة والعماد أبناء على شاكلته للعالم الروحاني... التوبة تحول الزناة إلى بتوليين. هي تنقي الناريين الذين توسخوا. هي التي تقود من الخمارات إلى البرية من أجل ممارسات ملائكية... هي تدخل إلى بيت الزناة، وتأخذ الفسقة، وتلدهم بتوليين في المسيح تحت جناحيها. هي تعيد الرسالة إلى الخونة(2)...
هي بنفسها لباس التائب وتلبسه لباس مجد يسوع الذي هو النور الحق...
هي اليم الذي يغسل كل نجس والكور الحارق الذي ينقى كل من توسخ".
فأرجوك يا إلهي...
أعطنا توبة حقيقية طاهرة، ونقية..
لكي لا نعيش فيما بعد لأنفسنا بل لك أنت وحدك...
يا من مت لأجلنا ولأجل خلاصنا.
وتحريرنا من كل عبودية مرة وقمت.
لأن لك المجد الدائم إلى الأبد آمين.
النبوة الرابعة (طو13: 14، 15و 14: 8، 9)
عودة الأمم
"يزورك الأمم من الأقاصي بقرابينهم ويسجدون فيك للرب ويعتدون أرضك أرضًا مقدسة لأنهم فيك يدعون الاسم العظيم (طو13: 14، 15)".
"وستترك الأمم أصنامها وترحل إلى أورشليم فتقيم بها وتفرح فيها ملوك الأرض كافة ساجدة لملك إسرائيل (طو14: 8، 9)".
طوبيا هنا مثله مثل أنبياء بني إسرائيل يعلن عن شمولية العبادة لله في أورشليم. وأنهم يأتون إليه بهداياهم، فيقول في ذلك إشعياء النبي: "لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتي إليك غنى الأمم. تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبًا ولبانًا وتبشر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك كباش نبايوت تخدمك. تصعد مقبولة علي مذبحي وأزين بيت جمالي (إش 60: 5- 7).
أما ميخا النبي فيقول: "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتًا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه الشعوب. وتسير أمم كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب (مي 4: 1، 2).
وزكريا النبي يقول: "هكذا قال رب الجنود سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة، وسكان واحدة يسيرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهابًا لنترضى وجه الرب ونطلب رب الجنود، أنا أيضًا أذهب. فتأتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم وليترضوا وجه الرب، هكذا قال رب الجنود في تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودي قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم (زك 8: 20- 23).
ولم تتحقق هذه النبوة إلا بعد قيامة السيد المسيح حيث يحج المسيحيون في الأراضي المقدسة ويتعبدون لله ويذكرون الاسم الحسن الذي للخلاص اسم ربنا يسوع المسيح.
أهم الاعتراضات والرد عليها:-
*- الاعتراض الأول:
يقول المعترض أن سنحاريب بن سرجون الثاني وليس ابن شلمنأسر كما ذكر في سفر طوبيا الإصحاح الأول والعدد الثامن عشر.
كلمة "ابن" تستعمل في الكتاب المقدس بالمعنى الحرفي وبمعنى حفيد مباشر وغير مباشر، كما تستعمل في الزمان مثل ابن عشرين عامًا (عدد1: 20)، وللمكان مثلما نطلقها على شعب ما أنهم أبناء أرض أو بلد معين مثل "بني الكوشيين" (عا 9: 7). (بني أشور حز 16: 18). (بني يهوذا يؤ 3: 6)".
وتستخدم أيضًا للدلالة على الصفات المميزة كما في "بني الإثم (2 صم 3: 34). "بني لئيم تث 13: 13". "بني بليعال 1 صم 10: 27". وتطلق للدلالة على تلاميذ أحد المعلمين أو مريديه مثل "يا أولادي أنا معكم زمانًا قليلًا بعد (يو 13: 33)". "وإلى تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان 1 تي 1: 2"، "أطلب إليك لأجل ابني أنسيموس (فل 10)".
وتستخدم أيضًا للدلالة على الانتماء لطبقة اجتماعية أو فئة من الناس كما في العبارة المشهورة بنو الأنبياء (2 مل 2: 3، 5- 7، 4: 38). ومن هذا المنطلق نجد أن أستير يطلق عليها أنها ابنة مردخاي في حين أنها ابنة عمه (قارن أس 2: 7، 15،4: 14) ومازال إلى وقتنا الحالي يطلق على العم أو الخال لفظ أب في صعيد مصر فيقول أبي فلان. ونجد أن سنحاريب عندما كان يتكلم عن الملوك الذين كانوا قبله في ملك أشور يلقبهم بآبائي (2 مل 19: 12). وهذا ما يؤكد ما نسبه طوبيا لسنحاريب حيث الذين سبقوه في الملك هم سرجون الثاني أبيه، وشلمنأسر الخامس عمه(3) والذي يدعوه سفر طوبيا بأبيه. وتغلث فلاسر
جده(4).
ونلاحظ أيضًا أن إطلاق لفظة ابن في معناها الشامل والواسع في فكر وكتابات الآشوريين أيضًا فنجد شلمنأسر الثالث يكتب على مسلته السوداء عن ياهو بن يهوشافاط بن نمش الذي قضى على بيت أخاب بن عمري واستقل بالمُلك (2 مل 9: 2): "أن ياهو ابن عمري بادر بدفع الجزية"(5). فهنا أطلق الآشوريين لقب ابن على الذي يملك على البلد بعد شخصية قيادية معينة. وهو ما فعله طوبيا أيضًا وبذلك لا نجد أيّ تناقض أو تعارض.
*- الاعتراض الثاني:
* البعض يظن أنه يوجد تناقض بين الآية القائلة: "ضع خبزك وخمرك على مدفن البار ولا تأكل ولا تشرب منهما مع الخطاة (طو 4: 18)". والآية: "لم آكل منه في حزني ولا أخذت منه في نجاسة ولا أعطيت منه لأجل ميت بل سمعت لصوت الرب إلهي وعملت حسب كل ما أوصيتني (تث 26: 14)".
* أننا لو أمعنا النصين المذكورين لا نجد أيّ تناقض بينهما أطلاقًا حيث أنه في سفر التثنية يقول: "متى فرغت من تعشير كل عشور محصولك في السنة الثالثة سنة العشور وأعطيت اللاوي والغريب واليتيم والأرملة فأكلوا في أبوابك وشبعوا تقول أمام الرب إلهك. قد نزعت المقدس من البيت وأيضًا أعطيته للاوي والغريب واليتيم والأرملة حسب كل وصيتك التي أوصيتني بها لم أتجاوز وصاياك ولا نسيتها. لم آكل منه في حزني ولا أخذت منه في نجاسة ولا أعطيت منه لأجل ميت بل سمعت صوت الرب إلهي وعملت حسب كل ما أوصيتني أطلع من مسكن قدسك من السماء وبارك شعبك إسرائيل والأرض التي أعطيتنا كما حلفت لآبائنا أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا (تث 26: 12- 15)".
فهنا يتكلم عن العشور وليس عن أي أكل وشرب ونلاحظ أن العشور مكرسة لله والأشياء المكرسة والمخصصة لله هي مقدسة ولهذا يقول مقدم العشور: "قد نزعت المقدس من البيت (تث 26: 13)". لذلك ينطبق عليها حكم جميع المقدسات فيجب أن تكون بعيدة عن أي دنس أو نجس وفي العهد القديم كل ما يختص بالموتى كان نجسًا وحتى الإنسان الذي كان يلمسه كان يتنجس ولابد له أن يتطهر (عد 19: 11- 13: 18- 22). وهذا ينطبق على كل الذبائح مثل ذبيحة السلامة وللكاهن ذبيحة الإثم والخطية حيث لا يأكل منهما أحد في حزنه.
والله هنا يعلمهم يجب أن تكون التقدمة ليست على حساب تقدمة أخرى ونلاحظ هذا في تصرف داود النبي والملك حينما أراد أن يشتري قطعة الأرض التي لأرونة اليبوسي وقال له: "بل أشتري منك بثمن ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية (2 صم 24: 24)". والعشور عادة كانت تقدم في مواسم الأعياد والأفراح. فالله لا يريد أن تتحول الأعياد إلى حزن وذلك بتذكار الذين رقدوا من ذويهم والترحم عليهم. وخاصة كان الله يعتبر هذه الأعياد هي أعياده هو.
ونجد أن تقديم القرابين من أجل الموتى هو تقليد قديم حتى عند قدماء المصريين منذ زمن بعيد ومازالت هذه العادة موجودة حتى وقتنا الحالي، وكانت موجودة لدى اليونانيين، والرومانيين، وحتى عند اليهود أيضًا كانت موجودة ولذلك نجد يهوذا المكابي يقدم قرابين وذبائح عن الموتى. ولم يعترض أحد الكهنة (2 مك 12: 38- 46).
وواضح من سفر إرميا النبي أن المأكولات التي كانت تقدم من أجل الموتى كانت تقدم كنوع من أنواع التعزية. ولأن الله كان لا يريد أن يعزي هذا الشعب في ذلك الوقت -أي قبل السبي البابلي مباشرة- يقول لإرميا النبي: "لا تدخل بيت النوح ولا تمضى للندب ولا تعزهم لأني نزعت سلامي من هذا الشعب يقول الرب الإحسان والمراحم فيموت الكبار والصغار في هذه الأرض، لا يدفنون ولا يندبونهم ولا يخمشون -أي يجرح وجهه- أنفسهم ولا يجعلون قرعة -أي حلق الرأس بطريقة تعلن عن الحزن- من أجلهم. ولا يكسرون خبزًا في المناحة ليعزوهم عن ميت ولا يسقونهم كأس التعزية عن أب أو أم (إر 16: 5- 7)".
وبذلك لا يوجد أيّ تناقض بين الآيتين المذكورتين.
* الاعتراض الثالث:
*- البعض يظن أن كل ما يتعلق بالملاك رافائيل خيال وأنه شخصية خرافية.
*من الواضح لنا جيدًا من خلال الكتاب المقدس وسير الآباء أن عمل الملائكة الأساسي والخاص بالبشر هو خدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14). ومن هذا المنطلق نجد أن الملائكة تأخذ صورة بشر -أيّ تتجلى بصورة بشر- وتظهر لأناس قديسين لإبلاغهم رسالة معينة أو لمعونتهم في عمل ما وهذا ما نلاحظه من المواقف الآتية:
في قصة هلاك سدوم وعمورة نجدهم يتجلون مع السيد الرب لإبراهيم أب الآباء فيقدم لهم طعامًا وشرابًا على أساس أنهم أناس غرباء. وبعد الغذاء ذهب الملاكان إلى لوط ابن أخي إبراهيم في سدوم وعمورة وأنقذوه دون أن يعلم أنهم ملاكان. ونلاحظ أن الملاكين قضيا ليلة كاملة مع لوط وأسرته. وعندما توانى عن الخروج هو وأسرته أمسكا بأيديهم وأخرجوهم خارج المدينة (تك 18: 1- 19: 26).
وعندما كان جدعون يخبط الحنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين ظهر له ملاك الرب في هيئة إنسان وشجعه على التحرر من نير المديانيين (قض 6: 11- 23).
ونفس الوضع تكرر مع منوح وامرأته عندما بشرهم بميلاد شمشون (قض 13: 2- 23).ومن هذا المنطلق نجد القديس بولس الرسول يشجع على إضافة الغرباء متعللًا بأن في إضافتنا للغرباء أننا نضيف ملائكة دون أن نعلم فيقول: "لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون (عب 13: 1)".
ونجد أن الملائكة ظهرت لهاجر جارية سارة زوجة إبراهيم مرتين. وشجعتها على العودة إلى بيت مولاتها عندما هربت منها، وأعلمتها عن مستقبل ابنها (تك 16: 7- 3). وأنقذت حياتها وحياة ابنها من الموت عندما تاهت في برية بئر سبع (تك 21: 14 - 19).
وظهر أيضًا لدانيال مرات عديدة ليعلن له عن أمور ستحدث في المستقبل منها إنهاء فترة السبي والممالك التي ستسود العالم حتى مجئ السيد المسيح في الجسد، وحدد وقت مجئ السيد المسيح في الجسد أيضًا (دا 7، 8، 9، 10، 11، 12).
ولزكريا (لو1: 11- 20). وليوسف الشيخ (مت1: 20، 23، 2: 13، 14، 19، 20) وللسيدة العذراء (لو1: 26- 28). فظهر الملائكة على مر كل هذه العصور والسنين أمر يفوق الحصر. فالملائكة تدافع عنا وتعلن للبعض عن بعض الأمور التي ستحدث في المستقبل. وترفع أعمال الرحمة والصدقة وصلواتنا وطلباتنا وتشكراتنا لدى الله. فواضح مما سبق أن الاعتراض على شخصية الملاك رافائيل بأنها شخصية غير حقيقية ليس له ما يثبته.
* الاعتراض الرابع:
* البعض يعترض على السفر ويقول كيف إنسان يهودي أن يُربي كلبًا وهو من الحيوانات النجسة. ويحاول أن يؤكد كلامه فيستشهد ويذكر الآية التي تقول "لا تدخل أجرة زانية ولا ثمن كلب إلى بيت الرب إلهك عن نذر ما لأن كليهما رجس لدى الرب (تث23: 18)".
* نعم الشريعة لا تطالب بنذر أجرة الزانية ولا ثمن الكلب حيث المقصود به هنا هو الرجل الشاذ جنسيًا - أي المأبون - حيث كانت تنتشر هذه العادات كجزء من عبادة الأوثان. ولذلك أطلق لفظ رجس ولم يقل الكتاب المقدس نجس. فكلمة نجس تطلق على ما يقال في المستقذر (عقلًا وشرعًا)(6). أما كلمة رجس تطلق على ما يقال في المستقذر (طبعًا)(7)، فحيث أنها من منطلق العادة القذرة لذلك سماها الكتاب المقدس رجس لدى الرب ولذلك جاءت ترجمة هذه الآية في الترجمة الحديثة للكتاب المقدس هكذا: "لا يكن من بنات بني إسرائيل ولا من بنيه بغي أو مأبون في هياكل العبادة لا تدخلوا إلى بيت الرب إلهكم أجرة بغي - زانية - ولا مابون - كلب - لنذرٍ ما ولأن كليهما رجس لدى الرب إلهكم (تث23: 18، 19)"(8).
أما إطلاق أسماء بعض الحيوانات كصفة للبعض فهذا واضح جدًا على مستوى الكتاب المقدس وفي الحياة العامة ويكفي لذلك عندما قال السيد المسيح للمرأة الكنعانية: "ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين -أي الإسرائيليين- ويُطْرَح للكلاب -أي للأمم- (مت 15: 26، مر 7: 27)". وقال عن هيرودس: "أذهبوا وقولوا لهذا الثعلب (لو 13: 32)".
والشريعة أيضًا كانت تسمح بتربية الحيوانات النجسة ويقدم عن أبكارها فدية ويوضح ذلك سفر اللاويين حيث يقول: "وإن كان بهيمة نجسة مما لا يقربونه قربانًا للرب يوقف البهيمة أمام الكاهن فيقومها الكاهن جيدة أم رديئة فحسب تقويمك يا كاهن هكذا يكون. فإن فكها يزيد خمسها على تقويمك (لا 27: 11- 13). وفي سفر العدد يزيده إيضاحًا فيقول: "كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك -أي لهرون رئيس الكهنة- غير أنك تقبل فداءه -وفداءه من ابن شهر تقبله حسب تقويمك فضة خمسة شواقل على شاقل القدس. هو عشرون جيزة (عدد 18: 15، 16)". أما لو لم يفتديه يكسر عنقه فيقول في ذلك: "أما بكر الحمار فتفديه بشاة. وأن لم تفديه تكسر عنقه (خر 13: 13)". ويؤكد هذا الكلام مرة ثانية فيقول: "لي كل فاتح رحم. وكل ما يولد ذكرًا من مواشيك بكرًا من ثورٍ وشاةٍ. وأما بكر الحمار فتفديه بشاة. وإن لم تفده تكسر عنقه، كل بكر من بنيك تفديه. ولا يظهروا أمامي فارغين (خر 34: 19، 20)".
ومن هذا المنطلق كان الشعب يربي بعضًا من الحيوانات النجسة ولكن لا يقدم منها للرب تقدمات أو بكور أو نذور ولهذا كان الشعب يستعمل هذه الحيوانات ولم تكن تنجسه مثال ذلك:-
السيد المسيح نفسه ركب على أتان وجحش ابن أتان ودخل إلى الهيكل مباشرة ولم ير في ذلك أي نجاسة هو أو الكهنة المسئولين عن الهيكل (قارن مت 21: 1- 17 ومر11: 1 ولو 28- 46).
وكان قضاة بني إسرائيل يركبون على أتن صُّحُر (قض 5: 10، 10: 4، 12: 14).
وعند تمليك داود الملك وأقام وليمة الملك كانوا يأتون بالخبز على الحمير والجمال والبغال والبقر (أي 12: 40) ومن ضمن قطعان مواشي داود الملك نجد الجمال والحمير (1 أي 27: 30).كان لدى سليمان قرودًا وطواويس وخيال وبغال (1 مل 10: 22، 25).
وكان من عادة الرعاة تربية الكلاب للحراسة حيث يقول في ذلك أيوب الصديق: "وأما الآن فقد ضحك عليًّ أصاغري ايامًا الذين كنت أستنكف من أجعل آباءهم مع كلاب غنمي (أي 30: 1)"، وإشعياء النبي يقول: "مراقبوه عمي كلهم لا يعرفون كلهم كلاب بكم لا تقدرون أن تنبح (إش 56: 10)".
ولذلك نجد الكلاب التي لحست دم نابوت اليزرعيلي (1 مل 21: 19) ودم أخاب ملك إسرائيل (1 مل 22: 38) والكلاب التي أكلت جثة إيزابل عند مترسة يزرعيل (2 مل 9: 35- 37). والكلاب التي كانت تلحس قروح لعازر المسكين (لو16: 21). ومن المستحيل أن تكون كل هذه الكلاب كلاب ضالة.
وبالإضافة إلى كل ذلك نجد الأنبياء كثيرًا ما يأخذون بعض الاستعارات والتشبيهات من الكلاب. فكيف يستطيع العامة فَهْم ذلك لو لم يكن يرونها دائمًا؟!
ومع أن الناموس كان يسمح بتربية الحيوانات النجسة إلا أنه لم يكن يسمح إطلاقًا بأكل لحمها. وبذلك لا نجد أي خطأ في تربية كلب لدى طوبيا واصطحابه معه في رحلاته.
* الاعتراض الخامس:
* البعض يظن ما فعله طوبيا من حرق كبد السمكة ما هو إلا سحر ومن هذا المنطلق يعترضون على صحة السفر.
* مِن الحماقة أن نظن أو نعتقد أن الشيطان يستطيع أن يقدم أي خير للإنسان فكيف للظلمة أن تهب النور؟! وكيف للشرير أن يقدم خيرًا؟! وعندما قيل عن السيد المسيح لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين فعلم السيد المسيح أفكارهم وقال لهم: "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته (مت 12: 24- 37)". وكلام السيد المسيح هنا ينطبق على موقف طوبيا أيضًا.
فطوبيا كإنسان يهودي وعاش في بيت إنسان يعيش حسب البر الذي في الناموس يعلم جيدًا عقوبة من يقوم بهذا العمل وهو الرجم (خر 22: 18، 1 صم 28: 9). وكيف لسارة أن تسمح لزوجها أن يمارس عمل السحر وهو الأمر الذي لم تلجأ إليه من قبل. فالشيطان لا يريد شيئًا سوى عبودية الناس له ويحاول بكل الطرق أن يستعبد الإنسان فكيف له أن يُطرد من مسكنه إن لم يأتِ القوى ويطرده؟ فالشيطان يريد المزيد من عبودية الناس له فهل بهذه البساطة يتخلى عن الذين تحت قبضته؟!
وسفر طوبيا لم ينسب إطلاقًا إلى طوبيا عمل السحر أو طرد الشيطان عن سارة.
ولكنه يؤكد تمامًا على أن الملاك هو الذي قام بعملية طرد الشيطان من سارة. فيقول على لسان طوبيا الابن: "وهو -أي الملاك- كف عنها الشيطان -أي عن سارة- وفرح أبويها (طو 12: 3)". وقيل أيضًا على لسان الملاك نفسه: "فإن الرب قد أرسلني لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان (طو 12: 14)". وقيل أيضًا: "فذكر طوبيا كلام الملاك فأخرج من كيسه فلذة من الكبد وألقاها على الجمر المشتعل حينئذ قبض الملاك رافائيل على الشيطان وأوثقه في برية مصر العليا (طو 8: 2، 3). أما حرق فلذة الكبد فهي تشير إلى ذبيحة الشكر والسلامة حيث يحرق زيادة الكبد (وهو الفص الصغير من الكبد)، مع الكليتين، وكل الشحم الموجود بالذبيحة، وعندما قام طوبيا بعملية حرق فلذة الكبد أشتمها الله ذبيحة رضا ومسرة -كما سبق الشرح- والشيطان لن يحتمل رضا الله على هذه الأسرة ولذلك فر من المكان فقيده الملاك رافائيل بحيث لا يعود مرة ثانية إلى (مر 9: 25).
وبهذا أتضح لنا أن ما قام به طوبيا لم يكن به أي نوع من أنواع السحر، وبالتالي لا يجب الاعتراض على صحة السفر.
* الاعتراض السادس:
* يقول المعترض كيف للشيطان أن يقتل أزواج سارة السبعة؟ ومن أين له السلطان بذلك؟
* الشيطان قوته محدودة وفي ذلك يقول القديس يعقوب الرسول: "قاوموا إبليس فيهرب منكم(يع 4: 7)"، وبالتالي لا يستطيع أن يأتي بعمل ما إلا بعدما يأخذ الإذن والسماح من الله ففي معجزة خروج لجيئون من مجنون كورة الجدريين لم يستطع الشيطان أن يدخل الخنازير إلا بعدما سمح له السيد المسيح بذلك (قارن مر 5: 9- 13). ونجد ذلك أيضًا في تجربة أيوب البار فالله هو الذي سمح بتجربة أيوب وقال للشيطان: "هوذا كل ما له في يدك وإنما إليه لا تمد يدك (أي 1: 12)". وعندما لم ينجح الشيطان في زعزعة ثقة أيوب بالله وحاول تجربته مرة ثانية قال الله للشيطان: "ها هو في يدك ولكن أحفظ نفسه (أي 2: 6)". ولذلك يقول بولس الرسول عن الله: "لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون (1 كو 10: 13)".
أما عن قتله لأزواج سارة يجب علينا ألا ننسى قول السيد المسيح عن الشيطان أنه: "كان قتالًا للناس من البدء (يو 8: 44)".
وتوجد أمثلة كثيرة عن قتل الشيطان للإنسان في الكتاب المقدس منها:
تجربة أيوب البار تظهر مدى تعطش إبليس لسفك دماء البشر. فعندما سمح له الله بتجربة أيوب نجد أن الشيطان يعمل بأساليب متعددة فمرة يرسل نارًا لتحرق الغنم وغلمان أيوب، ومرة يرسل ريحًا شديدًا فتصدم البيت ويسقط على أولاد أيوب فيموتون جميعًا مع كل الذين معه في البيت وحتى عندما أرسل السبئيون والكلدانيون يقول عنهم الكتاب المقدس أنهم ضربوا الغلمان بحد السيف ولم يأخذوهم كعبيد أو أسرى (أي 1: 13- 19)، وأما عن أيوب يقول الله للشيطان: "أحفظ نفسه (أي 2: 6)".
فما معنى أحفظ نفسه سوى أن لا يقتله كما قتل أولاده وعبيده وبعضًا من مواشيه. وفي معجزة إخراج لجيئون من مجنون كورة الجدريين عندما سمح السيد المسيح للشياطين أن تدخل في قطيع الخنازير نجده دفعها من على الجرف إلى البحر فاختنقوا جميعًا وكانوا نحو ألفين (مر 5: 13).
وعندما أراد الله أن يعاقب أخاب ملك إسرائيل يقول الكتاب المقدس على لسان أحد أنبياء الله وهو ميخا بن يمله: "قد رأيت الرب جالسًا على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. فقال الرب من يغوى أخاب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا. ثم خرج الروح -أي الشيطان الروح الذي أصبح نجسًا- ووقف أمام الرب وقال أنا أغويه. وقال له الرب بماذا فقال أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه. فقال إنك تغويه وتقتدر فأخرج وأفعل هكذا (1 مل 22: 19- 22)". وفعلًا خرج الشيطان وكان روح كذب على أفواه جميع أنبياء أخاب واستطاع أن يقنعه بدخوله الحرب فجرح أخاب بها ومات (1 مل 22: 1- 38).
ونجد أن الشيطان يتسبب بصورة مباشرة في قتل الناس أيضًا عندما وقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى الشعب (1 أي 21: 1) وأنساه الشيطان أن يجمع الفدية من كل المعدودين والتي كانت توجبها الشريعة (خر30: 12)، فضرب الشعب بالوباء نتيجة لذلك فمات منهم سبعون ألف رجل (1 صم 24: 15، أي 21: 14).
وبهذا نجد أن سفر طوبيا جزء لا يتجزأ من فكر وتعاليم الكتاب المقدس.
* الاعتراض السابع:
* يقول المعترض أن المسافة بين أحمتا وراجيس تبلغ 165 ميلًا (250 كيلومتر تقريبًا) ولقد قطعها الإسكندر الأكبر في أحد عشر يومًا والبعض الآخر يقول في خمسة عشر يومًا فكيف يستطيع طوبيا قطعها في يومين.
* لم يقل المعترض هل إسكندر الأكبر قطع هذه المسافة أثناء حربه مع داريوس إمبراطور مملكة فارس أم بعدها. فإذا كان الإسكندر قطعها أثناء حربه فله الحق وكل الحق أن يفتخر بذلك فهو كغازي - مستعمر-
أولًا: لابد له من مقاومة ومحاربة من يتصدى له من أهل هذه البلاد والنصرة عليهم.
وثانيًا: لابد له في أثناء هذه المسافة من ترتيب جيوشه حسب الخطط التي تستجد بالنسبة لظروف الحرب.
ثالثًا: عليه أن يختار الطريق الذي يناسبه في تحقيق طموحاته بأقل قدر ممكن من الخسائر التي يتكبدها حتى يصل إلى الحرب الفاصلة، واحتلال عاصمة الإمبراطورية الفارسية. ولهذه الأسباب لابد من الوضع في الحسبان أن هذه المدة يتخللها بعض الوقت لتنظيم الجيش، أو التعوق لأسباب عسكرية، أو سياسية، أو بسبب مقاومة أهل البلاد له باعتباره عدوًا يريد احتلال بلادهم، وبهذا تستغرق هذه المسافة مدة من الزمن أكثر من وقتها الطبيعي.
أما لو كان بعد الحرب فهناك فرق شاسع بين الإمبراطور الجديد وهو يتفقد البلاد، وبين إنسان ليس له أي صفة سياسية، فنجد أن تقام بعض الاحتفالات على طول الطريق لكي يظهروا له الطاعة والخضوع والولاء. وقد نجد الإمبراطور يكرم البعض ويعاقب البعض الآخر أمام الكل لكي يكونوا عبرة لمن يحاول التمرد. أو إقامته في بعض الأماكن لتقديم فروض العبادة وشكر الإلهة التي ساعدته، ومنها آلهة أهل هذه البلاد لكي يكسب رضا وود سكان هذه المقاطعات، أو التعوق للاستجمام في بعض الأماكن التي قد تروق له، وبالتالي هذه الرحلة تستغرق وقت أكثر من إنسان عابر في طريقه لا يهتم بشئ سوى أن يصل إلى هدفه.
فهذه المسافة - 250 كيلومتر - حسب قوانين الكشافة لا تستغرق أكثر من أربعة أو خمسة أيام، حيث أن الجوال يستطيع قطع مسافة طولها 60 كيلو متر في مدة اثنتي عشر ساعة. مع العلم أن الإنسان الشاب يستطيع أن يمشي على أقدامه لمدة ثمانية عشر ساعة في خلال اليوم الواحد. ولهذا نجد بعض التجار كانوا يقطعون المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية قبل وسائل المواصلات الحديثة في يومين أو ثلاثة على أكثر تقدير. ومازال للآن نجد بعضًا من عامة الشعب قد ينذرون أن يذهبوا إلى أماكن العبادة مشيًا على الأقدام. وأعرف من هؤلاء مجموعة من مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا يذهبوا إلى دير السيدة العذراء بجبل الطير التابع لمركز سمالوط، ويقطعون هذه المسافة والتي تتجاوز الستة وخمسون كيلو مترًا في مدة من الزمن تقترب من اثنتي عشر ساعة
ولابد من ملاحظة أخيرة وهي تعدد الطرق وبالتالي اختلاف الزمن. فعلى سبيل المثال:
يوجد عدة طرق بين ديري القديسين العظيمين الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس فإحداهما تقطعه السيارة في ساعة تقريبًا وبسرعة 100 كيلومتر في الساعة تقريبًا، ويوجد طريق آخر كان الرحالة يقطعونه في ثلاثة أيام، ويوجد طريق آخر يتم قطعه في مدة لا تتجاوز ثلاثة عشر ساعة سيرًا على الأقدام مع أن مكان الدير ثابت ولكن عندما اختلف الطريق اختلف الزمن أيضًا. فطوبيا أخذ الطريق القصيرة بين راجيس وأحمتا حتى لو كان هذا الطريق في نظر البعض وعر ومحفوف بالمخاطر.
ونلاحظ في رحلة عودة طوبيا عندما ترك زوجته سارة مع عبيدها وممتلكاتها وصل قبلها بسبعة أيام مع أنه نفس الطريق (طو 11: 18). وبهذا يسقط هذا الاعتراض أيضًا.
خاتمة
بهذه الدراسة والتأملات نرى أن الله يظهر لنا أهمية السِفْر وقانونيته، وأن لغته الأصلية هي لغة سامية عبرانية كانت أَمْ آرامية وليس اليونانية كما يظن البعض. وبه تعليم إنجيلية هي من صلب وحدة الكتاب المقدس، فهو سفر تعليمي من الدرجة الأولى، فهو يوضح لنا أهمية الهيكل والعبادة به، وعدم الاختلاط بالعالم والتزاوج منه، والصدقة والبكور والعشور، ويتكلم أيضًا عن أثقال الناموس من الرحمة والحق والعدل وليس عن حرفيته، والعلاقة بالله من خلال كتابه المقدس والحديث معه في صلاة وتسبيح
- ويحق أن يقال عن هذا السفر هو سفر الصلة بالله لما فيه من صلوات وتسابيح، والثقة به واستجابته لصلواتنا ولماذا يسمح الله بالتجربة، ولما هي حتميتها وفوائدها، وأن التدين الحقيقي هو تطبيق الوصية ومعايشتها بطريقة عملية، كما أنه يعطي فكر عن الملائكة وعدد رؤساءهم وعملهم وإرساليتهم. وليس سفر تعليمي فقط ولكنه نبوي أيضًا، إذ يحتوي على أربعة نبوات.
ونأمل أن تكون هذه الدراسة سبب بركة لكل من يقرأها راجيًا أن يستغلها إلهنا الصالح لمجد اسمه وانتشار ملكوته.
_____
الحواشي والمراجع
(1) الرسالة الثالثة والأربعون من مجموعة الرسائل الروحية نقلها عن الرسريانية الأب سليم دكاش اليسوعي.
(2) تلميح إلى توبة القديس بطرس الرسول.
(3) دائرة المعارف الكتابية الجزء الرابع تحت كلمة:"سرجون".
(4) دائرة المعارف الكتابية الجزء الرابع تحت كلمة: "شلمناصر"
(5) دائرة المعارف الكتابية الجزء الأول تحت كلمة: "أشور".
(6) المعجم العربي الأساسي.
(7) معجم محيط المحيط.
(8) اصدرتها دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط الطبعة الأولى سنة 1993 ميلادية.