رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديسة مريم المصرية
حب الرئاسة “من أراد أن يصير فيكم أولا يكون للجميع عبداً” إن المسيرة الأخيرة للسيد نحو مدينة أورشليم كانت مؤثرة ليس على السيد فقط بل وعلى مرافقيه. “وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ” (مر32:10) السيد يسير والتلاميذ يرافقونه خائفين. وكلما اقتربت ساعة آلام المسيح ازداد حديثه عنها وعن موته. حدّثهم عن كأس الموت وعن معمودية الدم. أوضح لهم كيف أن مسيرتهم ستشابه مسيرته وخاصة بنهايتها. خاف التلاميذ. حتى تلك اللحظة لم يستشهد أي منهم، لكن خلال هذه اللحظات اثنان من تلاميذه طلبا منه أن يجلسا الواحد عن يمينه والآخر عن يساره، أما السيد فأجابهما الذي يريد فيكم أن يكون أولاً يجب أن يكون للكل خادماً وعبداً. تواضع المسيح: المسيح “ملك القوات السماوية” قَبِلَ أن يولد كطفلٍ في مغارة، أن يعيش في منزل نجّار فقير، أن يعتمد على يد إحدى خلائقه، وأن يصلب بطريقة وحشية، هو بذلك علّمنا ما هي الطريق المؤدية لملكوت السموات أي التواضع. تكلّم المسيح عن الجهاد الروحي أما عقل التلاميذ، كنموذج للبشرية، فكان مشدوداً نحو المجد الشخصي وكأنهم يحلمون به في كل لحظة. يمكننا أن نكون تلاميذ المسيح ولكن إذا لاحظنا أننا لا نثمر في حياتنا الروحية والأرضية فإنما يعود ذلك إلى الأهواء المسيطرة علينا، وأننا قد أضعنا الهدف، فيمكننا أن نرتقي في حياتنا نحو الأعلى، اجتماعياً، علمياً، مالياً،… ولكن ما النفع إذا بقت أهوائنا حيّةً فينا؟. كل الارتقاء نحو الأعلى، وحتى لدرجة أن نكون من تلاميذ المسيح، لا يكون حقيقياً، كما أراده وعاشه المسيح على الأرض، بدون تواضع، بل زائفاً أساسه أهوائنا. يقول آباء الكنيسة إذا أردنا أن نعيش حياة مسيحية حقّة ونتخلص بنعمة الروح القدس من خطايانا وأهوائنا فلا يكون ذلك بدون تواضع، ومن جهة ثانية الشخص الذي يحاول أن يكون أولاً هذا يعني أن يدفع الجميع من حوله نحو الأسفل، هذا خارج نطاق عمل الروح القدس، وبالنتيجة يصبح مكروهاً ومنبوذاً من كل من حوله. مثلاً الشيطان أراد أن يكون الأول في كل شيء ولكنه سقط وأصبح آخر الجميع. الذي يستحق المجد ليس الذي يسعى له بل الذي يتجاهله. يشبه المجد ظل الإنسان بقدر ما يلاحقه بقدر ما يبتعد عنه. دواء حب المجد: على جروح حب الرئاسة والمجد الباطل يضع السيد التواضع كدواء، فإذا كان خالق الملائكة، أي المسيح، قد تواضع بهذا المقدار فما علينا إلا نسير في دربه، “وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ” (فل 8:2). يشدد بولس الرسول ويقول إنَّ تواضع السيد هو من لحظة ميلاده على هذه الأرض ولكن هذا التواضع يتضّح أكثر عند موته على الصليب من أجل البشر، فبقدر ما يرتفع الإنسان بقدر ما يجب عليه أن يواضع ذاته فلا يتكبر، هذا ما علّمنا إياه السيد. مكانة الإنسان يأخذها لا ليفتخر بها بل ليخدم بها الآخرين. مع التواضع فقط نتغلّب على حب الرئاسة ونقترب من الآخر، وتصبح علاقتنا معه صحيحة، أما علاقتنا مع الله فتكون صحيحة عندما يكون أساسها التواضع وليس الأولية بين الناس. اليوم الجميع من قادة وحكّام، رجال أو نساء، كهنة أم علمانيين، هم في خطر أن يصبحوا، أو أن يجعلوا أنفسهم، آلهة عند الآخرين. القادة الحقيقية لا تجرح بل تداوي الجراح. المهم أن يتدربوا على التواضع للوصول إلى نتائج إيجابية في مساعدة الآخرين لا تحطيمهم. بالنسبة لنا المسيح تواضَعَ لكي نرتفع نحن إلى السماء و هو الطريق الآمن نحو السماء. فالتواضع هو الدواء لحب الرئاسة. |
|