رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا
لقد صولحنا مع الله الآب بموت ابنه الوحيد الجنس على الصليب، إذ أنه قد أوفى الدين الذي علينا مقدمًا جسده فداءً وعوضًا عن الجميع. ولكن هذه المصالحة التي تمت بذبيحة الصليب لم تكن واضحة ومعلنة بالنسبة للكنيسة. بل على العكس كان تلاميذ المسيح في حزن وبكاء وحسرة على موت المخلّص وشعروا بالضياع، وربما شعروا أيضًا بتخلي الله عنهم، وغضبه لسبب جريمة صلب ابنه الحبيب، والتي ارتكبتها البشرية في جسارة وقسوة عجيبة!! لذلك كان من الضروري أن يتم إعلان المصالحة بطريقة منظورة ومحسوسة لتلاميذ السيد المسيح ولأحبائه، وذلك بقيامته من الأموات. إن قيامة السيد المسيح قد أعلنت أن الآب قد تجاوز عن خطايانا لأن العدل الإلهي قد استوفى حقه على الصليب، بمعنى أن قداسة الله قد أعلنت كرافض للشر وللخطية وأدينت الخطية بالصليب. أما القيامة فهي تعني عودة الحياة مرة أخرى لبني البشر. إن أجرة الخطية هي موت، ولكن أجرة البر هي حياة أبدية. فالموت الذي ماته السيد المسيح هو لأجل خطايانا، وأما الحياة التي يحياها فيحياها لله، ولسبب بره الشخصي، ولسبب اتحاد لاهوته بناسوته. وكما يقول قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياته- إن السيد المسيح بموته قد حل مشكلة الخطية وبقيامته قد حل مشكلة الموت. ولأن الموت هو نتيجة الخطية فبزواله نفهم أن الخطية قد أزيلت، وقد محيت بالقيامة. فالسيد المسيح بقيامته قد "أبطل الموت وأنار الحياة والخلود" (2تى1: 10). إن أقصى ما يتمناه القاتل إذا ندم على خطيته هو أن يقوم القتيل فيفرح المذنب بقيامة القتيل. ولا يشعر فقط أن جريمته قد عوُلجت، ولكنه يشعر أيضًا أنه قد نال البراءة من تهمة القتل. ولعل هذا ما قصده القديس بولس الرسول بقوله عن السيد المسيح إنه "أقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25). أي أنه قد أقيم من الأموات لكي يزيل عنا جريمة موته التي تسببنا نحن فيها وما تستوجبه من دينونة. ما أجمل ذلك الموقف الذي يدخل فيه القتيل إلى المحكمة لكي يثبت للقضاة أنه حي ولكي يرفع حُكم الإعدام عن القاتل الذي كان نادمًا على خطيته متمنيًا عودة القتيل لإعلان المصالحة. لقد أكّد السيد المسيح أن اكتشاف لاهوته بالنسبة للبشر مرتبط إلى أقصى حد بانتصاره على الموت بالقيامة. لذلك قال لليهود: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو" (يو8: 28). وقد قصد بعبارة "متى رفعتم ابن الإنسان" أي متى صلبتم ابن الإنسان وعلقتموه على خشبة الصليب. فلولا موت الصليب ما كانت القيامة من الأموات والانتصار على الموت. لذلك قصد السيد المسيح أن تخرج بُشرى القيامة من داخل القبر أولًا. أي أعلنت الملائكة عن قيامته من داخل القبر الفارغ قبل أن يظهر هو بنفسه للمريمات وللتلاميذ بعد قيامته. لقد قصد أن نفهم أن القيامة قد نبعت من خلال موت الصليب،وأن الحياة قد تدفقت من خلال الموت. ولفت أنظار تلاميذه إلى هذه الحقيقة حينما قال: "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير" (يو12: 24). ما أعجب حكمة السيد المسيح؛ من الموت تولد الحياة، من الألم يولد المجد، من الاتضاع تأتي الكرامة، من البذل والتضحية بالنفس يأتي امتلاك قلوب الآخرين. وعن هذا قال: "أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت" (يو12: 32، 33) أي متى ارتفعت على خشبة الصليب فسوف يتعلق الجميع بمحبتي. إن القيامة قد أعلنت لاهوت السيد المسيح ومجده الإلهي. لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو1: 4). وقال الرب لتلاميذه بعد القيامة: "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26). لا شك أن القيامة هي مجد. فبعد أمجاد البذل والتضحية والطاعة الكاملة للآب السماوي، جاءت أمجاد القيامة والانتصار على الموت بصورة ساحقة حيث لن يؤثر فيه الموت بعد قيامته. وهذه هي الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا (انظر 1يو1: 2). |
|