رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما هو تعريف الكفارة والتكفير والإرضاء والإيفاء والنيابة ؟ إن كفارة المسيح هي عمله الذي تم بواسطة طاعته الكاملة اختياراً لمشيئة الله ولأجل خلاص البشر من لعنة الشريعة ومصالحتهم مع الله وتلك الكفارة لم تكن لأجل نفسه بل لأجل جنسنا الساقط كما قيل فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلي الله (1 بط 3 : 18) وقيمة تلك الكفارة مبنية علي كونه ابن الله الأزلي كما قيل هذا هو ابني الذي به سررت (مت 17 : 5). ويصح أن ننظر إلي كفارة المسيح من أوجه مختلفة باعتبار نسبتها إلي الله أي إلي محبته وقداسته وعدله أو باعتبار نسبتها إلي الإنسان أي فعلها فيه ولأجله وقد اصطلح اللاهوتيون علي ألفاظ تعبر عن هذه النسب المختلفة فقيل مثلاً أن كفارة المسيح تكفير عن الخطية وترضية الله وإيفاء العدل حقه وأن المسيح تمم عمله الكفاري بالنيابة عنا. قيل أن كفارة المسيح تكفير عن الخطية وهو تعبير عن مفعول الكفارة في خلاص الخاطئ من لعنة الشريعة ورفع الدينونة عنه. وقيل كذلك أن الكفارة في إزالة غضب الله وعن رضاه بقبول الخاطئ للمصالحة. وقيل كذلك أن الكفارة إيفاء العدل حقه وذلك للتعبير عن كون الكفارة إيفاء كل مطاليب العدل حتي لم يبق شئ يطالب به الخاطئ المؤمن أمام العدل الإلهي. فالإيفاء مأخوذ من الاصطلاحات الشرعية والتكفير من الاصطلاحات اليهودية المختصة بالنظام الموسوي وخدمة الهيكل ويشار بالإيفاء إلي تأدية المطلوب لدي الشرع وبالتكفير إلي ستر النفس المذنبة بدم الذبيحة حتي لا يطالب المذنب بالقصاص لأنه رفع عنه بوضعه علي الحيوان المذبوح لأجله وبالإرضاء أو الاستعطاف إلي تحويل غضب الله إلي رضى بناء علي وساطة المسيح وكفارته كما قيل في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا (1 يو 4 : 10) ولم تكن الكفارة ما حمل الله علي محبة البشر ولكنها فتحت باب المصالحة بينه وبين الخطاة بدون إهانة شريعته المقدسة وهي ذاتها ثمر محبته. فاتضح أن التكفير علة رضى الله فالخاطئ (أو جرمه) مكفر عنه والله مرضي علي أن التكفير ليس علة محبته تعالي لأنه محب قبل التكفير. وبما أنه لابد من القصاص علي الجرم حسب مقتضى عدل الله (لأن القصاص عبارة عن كراهيته تعالي للخطية وحكمه بالعدل عليها) كفر عن جرم الخاطئ بواسطة الإيفاء أي القصاص النيابي. فأرضى الله سبحانه بذلك أي صار موافقاً لطبيعته أن يصفح عن الخاطئ ويباركه. أما راض ومحب فليستا مترادفتين نعم أن الله محبة لأنه أحبنا ونحن خطاة وقبل الإيفاء عنا ولكن الإيفاء أو التكفير لا يحرك المحبة في القلب الإلهي بل يجعله موافقاً لعدل الله أن يبين محبته للذين عصوا شريعته أي يجعله راضياً بذلك. وقد تفلسف البشر في طبيعة الله ونسبته إلي خلائقه الخطاة ولم يصلوا البتة إلي نتيجة كافية ولكن إذا التفتنا إلي تعليم الكتاب المقدس في ذلك سهل علينا فهمه لأنه ورد في العهدين القديم والجديد أن الله عادل بمعنى أن طبيعته تطلب قصاص الخاطئ وأنه لذلك لا يمكن أن يكون غفران بدون تكفير نيابي أو شخصي ومن المعلوم أن طريقة الخلاص علي سبيل التمثيل والرمز في النظام الموسوي والتفسير في كتب الأنبياء والإعلان الجلي في العهد الجديد تتضمن نيابة ابن الله المتجسد عن الخطاة. والمراد بالإيفاء بأكثر تفصيل الإشارة إلي كل ما فعله المسيح ليوفي مطاليب ناموس الله وعدله عوضاً عن الخطاة ولأجلهم. وهذه اللفظة قد اشتهرت بين الاصطلاحات اللاهوتية وكثر التعويل عليها للتعبير عن عمل الكفارة باعتبار نسبتها إلي ناموس الله وعدله. علي أن الإيفاء نوعان متميزان بينهما فرق في حقيقتهما ونتائجهما فالنوع الواحد مالي أو تجاري والنوع الآخر عقابي أو قضائي. فمتى أوفي المديون بموجب المعنى المالي كل مطلوب دائنه عتق من ذلك بالكلية لأن الإيفاء هو تأدية كل ما يطالب به ولا يمكن أن يكون بعد ذلك منة ولا رحمة ولا نعمة من قبل الداين الذي استوفي دينه. ولا فرق عنده سواء أوفاه المديون نفسه أم شخص آخر عوضاً عنه لأن دعواه إنما هي علي المبلغ المستحق الإيفاء لا علي شخص المديون. أما في الجنايات ففي ذلك فرق لأن الطلب هو علي الجارم وهو نفسه المكلف للعدل. والنيابة في المحاكم البشرية لا ممحل لها في هذه المسألة لأن الأمر الجوهري ليس العقاب بل إجراءه علي المذنب الذي يكابده. قال الله له المجد النفس التي تخطئ تموت. والعقاب ليس من اللازم أن يكون من نوع الجرم بل من النادر أن يكون كذلك لأن كل ما يطلب هو أن يكون جزاءً عادلاً علي قدر الجرم تماماً فعقاب التعدي علي شخص ربما كان جزاءً نقدياً وعلي السرقة القيود في السجن وعلي خيانة الملك النفي أو الموت. ومن أهم ما يقوم به الفرق بين الإيفاء المالي والعقابي هو أن الأول يحرر لا محالة بناء علي كفايته فحالما يوفي الدين يصير المديون حراً تماماً فلا يجوز إبقاؤه تحت القبض ولا وضع شروط لإنقاذه. وأما الجارم المجبر علي الإيفاء العقابي فلا يحق له أن يقيم آخر في مكانه لأن هذا ليس له مثيل في المحكمة البشرية ولذلك لا يستفيد من البدل فإذا قبل القاضي ذلك تترتب حينئذ فائدته علي ما يشترطه القاضي علي البدل وما يتعهد له به فربما والحالة هذه يتم إنقاذ المذنب حالاً بدون شرط أو يتأخر إلي حين شروط معلومة أو يتم بالتدريج لا دفعة واحدة. وبما أن إيفاء المسيح ليس مالياً بل هو عقابي أو قصاصي أي إيفاء عن الخطاة لا عن مديونين ديناً مالياً ينتج ما يأتي : 1 – إنه لا يقوم بتقديم شئ عن شئ مساو له قيمة. وقد تقدم أن عقاب اللص ليس استرجاع المسروق ولا تعويض قيمة المال بل هو غالباً ما يفرق فرقاً كلياً عن حقيقة الجرم كالجلد والسجن. فإن القصاص لأجل الهجوم علي شخص بقصد ضربه ليس إجراء نفس هذا العمل علي المذنب بل قصاص آخر يوازي ذنبه. وكذلك بين قصاص النميمة والخيانة والعصيان مثلاً وتلك الجنايات فرق كلي. فكل ما يطلبه العدل في الإيفاء العقابي أن يكون إيفاءً حقيقياً لا مجرد ما يرضي به القاضي. نعم قد يفرق في النوع ولكن يجب أن يكون ذا قيمة جوهرية تساويه فغرامة إنسان بدراهم قليلة لأجل القتل عمداً ضرب من الاستخفاف ولكن الموت أو السجن الطويل لأجل إعدام الحياة هو إيفاء حقيقي للعدل. والخلاصة أن مفاد تعليم الكتاب أن المسيح أوفي العدل الإلهي عن خطايا البشر هو أن ما فعله وكابده كان مجازاة حقيقية وافية بالعقاب المتروك والفوائد الموهوبة. أي أن آلامه وموته كافية لإتمام جميع الغايات المقصودة بقصاص البشر علي خطاياهم. فهو أوفي العدل الإلهي حقه وجعل تبرير الخاطئ موافقاً له ولكنه لم يتألم بنوع الآلام المفروض علي الخطاة أن يكابدوه ولا كابد ما هو بقدرها غير أن آلامه تفوق ما استوجبوه قيمة إلي غير نهاية. لأن موت إنسان صالح مشهور جداً يفوق إلي الغاية ملاشاة جميع الهوام وكذلك إتضاع ابن الله الأزلي وآلامه وموته يفوق بما لا يقاس قيمة وقوة ما يكابده جميع الخطاة من العقاب. 2 – إن إيفاء المسيح هو من النعمة. لأن الآب لم يكن مضطراً أن يقدم بدلاً عن البشر الساقطين ولا الابن كان مضطراً أن يتخذ تلك الوظيفة وإنما الله سبحانه من مجرد النعمة وقف إجراء عقاب الشريعة وقبل الآلام النيابية وموت ابنه الوحيد. والابن من محبة لا نظير لها ارتضى أن يتخذ طبيعتنا ويحمل خطايانا ويموت عنا البار عن الأثمة ليقربنا إلي الله. وكل ما يزاد للخطاة من الفوائد بسبب إيفاء المسيح هي عطايا مجانية وبركات لا حق لهم بها. 3 – إن الإيفاء يؤكد منح البركات الناتجة عنه لشعب الله المؤمن في المسيح وذلك من قبل العدل أيضاً لسببين: أولهما: أنها قد وعد بها لهم (أي المؤمنين) جزاء لطاعة المسيح وآلامه والله عاهد المسيح أنه إذا تمم الشروط المشروطة عليه إتماماً للوساطة (أي إذا أوفي عن خطايا شعبه) يبارك علي كل المؤمنين به للخلاص. والثاني: إن ذلك من خواص الإيفاء فإذا أوفيت مطاليب العدل لا تطلب بعد وهذه هي المشابهة بين عمل المسيح وإيفاء الدين المعتاد. 4 – إن إيفاء المسيح مبني علي العهد المقطوع بين الآب والابن ولذلك تتعلق فوائده بشروط ذلك العهد. فإن شعب الله يولدون في الخطية كبقية البشر ويبقون في حال الدينونة إلي أن يؤمنوا وحينئذ يتبررون وتسبغ عليهم كمال فوائد الفداء بالتدريج أي أن المؤمن ينال منها شيئاً فشيئاً في هذه الحياة إلي أن تكمل له في الحياة الأبدية. أما النيابة فتشير إلي أن المسيح قام مقام غيره في عمل الفداء والمراد بالقصاص النيابي ليس الآلام التي تقاسى لأجل خير الآخرين فقط لأن آلام الشهداء ومحبي أوطانهم وصانعي الأعمال الخيرية تكابد لأجل خير الكنيسة والبلاد والجنس البشري ولكنها ليست نيابية لأن النيابة حسب استعمالها تشمل معني البدل. فالآلام النيابية هي ما يكابدها شخص عوضاً عن آخر وتقتضي بالضرورة تحرير المكابد عنه إذا تمت جميع الشروط لذلك. والنائب هو البدل أو من يأخذ مكان الآخر ويعمل عوضاً عنه. وبهذا المعنى يزعم البابا أنه نائب المسيح علي الأرض ويدعى أنه يعمل أعمال المسيح الخاصة به. فما يعمله العوض لأجل من يقوم في مكانه هو عمل نيابي وهو يحرر المناوب عنه من ضرورة عمل ذلك الشيء أو مكابدة ذلك الألم. وعلي ذلك يكون المراد بآلام المسيح النيابية ما احتمله عن الخطاة أي أنه قام مكانهم وعمل ما يجب عليهم ليوفي العدل الإلهي حقه وما فعله وكابده يغنيهم عن القيام بما يطلبه الناموس لأجل التبرير. وهذا الاعتقاد بالتعويض والطاعة والآلام النيابية جار في كل أديان العالم وهو مثبت من كلمة الله ومتضمن في التعاليم المعلنة فيها وذلك يبرهن أنه ليس بشرياً محضاً بل أنه ناشئ من مصدر إلهي وأنه موافق ليس لعقل الإنسان فقط بل لعقل الله أيضاً. ولا يليق أن نستعمل كلمات بمعنى لا يوافق معناها المقرر فلا يصح مثلاً أن نقول أن آلام المسيح نيابية بمعنى أنها استخدمت لخير الجنس البشري فقط لأن ذلك يمكن أن يقال عن الآلام المكابدة لأجل خير الجمهور. أما المراد بنيابة آلام المسيح فهو كالمراد بنيابة إنسان عن آخر ليخلصه من العقاب الذي يستوجبه وكالمراد بنيابة موت ذبائح العهد القديم عن موت المذنب. وهذا هو المعني الذي يجب أن يخصص بحكمة النيابة في هذا المقام. والحاصل مما سبق أن لفظة الكفارة تستعمل عند علماء اللاهوت للتعبير عن عمل المسيح الذي أتممه لأجل خلاص البشر والتكفير عن ستر الخطايا برش دم الذبيحة كما جرت العادة في ذبائح العهد القديم (لا 17 : 11 ورو 3 : 25 وعب 2 : 17 و 1يو 2 : 2 و 4 : 10) والإرضاء للتعبير عن تحويل غضب الله وعوده تعالي إلي الرضى عن الخاطئ بناء علي وساطة المسيح علي أن الرضي هنا يمتاز عن المحبة لأن محبة الله لا تتوقف علي الكفارة خلاف رضاه والإيفاء للتعبير عن إيفاء العدل حقه والنيابة للتعبير عن قيام المسيح مقامنا أمام الشريعة الإلهية (1بط 3 : 18 وعب 7 : 25). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أراد قايين الاقتراب إلى الله والتكفير عن خطاياه |
“فُرجت” والإخفاء |
الصوم والتكفير |
التجنيس المشبوه .. سلاح قطر لنشر التخريب والتكفير |
أخرهم سالم عبدالجليل.. بعض شيوخ التطرف والتكفير |