|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديسة مريم العذراء في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بقلم قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص مقدمة: ما أشهى الحديث عن والدة الله القديسة مريم العذراء! فقد أشبع آباء الكنيسة الميامين سيرتها درساً وتمحيصاً، ونظم الشعراء الكنسيون الملهمون بديع القصائد في تبجيلها، ونحت لها الفنانون الشهيرون أجمل التماثيل، وملأ الرسامون الماهرون الدنيا بصورها الرائعة، وشيّد ا لمؤمنون على اسمها أفخم الكاتدرائيات في العالم. أعيادها: وهذه كنيستنا السريانية الأرثوذكسية منذ فجر وجودها تتغنى بفضائلها، وتطوّبها متشفعة بها، مرددة في صلواتها اسمها الكريم صباح مساء. كما رتّبت لها أعياداً على مدار السنة، ففي الثامن من شهر أيلول تحتفل بعيد ميلادها، والكنيسة عادة تعيّد للشهداء والقديسين تخليداً لذكرى انتهاء جهادهم الروحي على الأرض وانتقالهم إلى السماء، وانضمامهم إلى كنيسة الأبكار، ولكنها استثنت من هذه القاعدة العذراء القديسة مريم ومار يوحنا المعمدان. وكانت تعيّد للعذراء أيضاً عيد دخولها إلى الهيكل. كما يُعيّد لها ثلاثة أعياد لبركة الزرع والسنابل والكروم. وينسب الشعراء السريان المسمّون بالقواقين([1]) وضع هذه الأعياد إلى القديس يوحنا الإنجيلي حيث يقولون ما تعريبه: «رشت أرض أفسس ونضحت بندى وطلّ عندما جاءها مار يوحنا يكتب العذراء التي دوّن فيها وجوب الاحتفال بأعياد العذراء المباركة ثلاث مرات في السنة. ففي شهر كانون الثاني عيدها (لبركة) الزرع، وفي شهر أيار عيدها (لبركة) السنابل، وفي شهر آب عيدها (لبركة) الكروم التي يصور فيها سر الحياة». وهذه الأعياد الثلاثة تقع في اليوم الخامس عشر من الأشهر الثلاثة المذكورة. وقد حلَّ عيد انتقال السيدة العذراء محل عيد بركة الكروم الذي يقع في الخامس عشر من شهر آب([2]). ولقدسية عيد انتقال السيدة العذراء فرضت الكنيسة صوماً يلتزم به المؤمنون استعداداً لاستقباله ويسمى صوم السيدة. وكان سابقاً أربعة عشر يوماً بدؤه في اليوم الأول من شهر آب. وكان المؤمنون يقتصرون في هذا الصوم على أكلة واحدة في اليوم يتناولونها مساءً خالية من لحم كل حيّ، والبيض والحليب ومشتقاته، ويكتفون بتناول: الخضراوات والبقول ويمتنعون عن المسكرات أيضاً. وقد تساهلت الكنيسة في هذا الجيل فخففت هذا الصوم وجعلته خمسة أيام تبدأ في اليوم العاشر من شهر آب. وفسّحت وسمحت بتناول وجبتين أو ثلاث وجبات في النهار وبتناول السمك والحيوانات المائية. وتعيّد الكنيسة أيضاً للعذراء في اليوم الثاني لعيد ميلاد الرب يسوع، عيد تهنئة العذراء بالميلاد، وفي اليوم الثاني لعيد قيامة الفادي من بين الأموات، عيد تهنئة العذراء بقيامة ابنها. كما تعيّد في الخامس عشر من شهر حزيران عيد أول كنيسة بنيت على اسم العذراء. هذا ومن أهم الأعياد في النصرانية عيد بشارة العذراء بالحبل الإلهي ويقع في الخامس والعشرين من شهر آذار. كما خصّصت الكنيسة السريانية في بدء السنة الطقسية ما يسمى بالآحاد السابقة للميلاد، ضمنها أحد بشارة العذراء وأحد زيارة العذراء لنسيبتها اليصابات، وأحد وحي يوسف وهو تطمين الملاك جبرائيل ليوسف خطيب العذراء ببراءتها وكشف السر الإلهي له، إن الذي حُبل به في العذراء مريم هو من الروح القدس. وتفنن آباء الكنيسة في مديح العذراء في الأعياد نثراً وشعراً ونظموا طقوساً ضمتها مجلدات ضخمة سميت بالفناقيث([3]) كما يضم كتاب فرض الصلوات اليومية التي تكرر أسبوعياً المسمى (بالإشحيم)([4]) أناشيد روحية منظومة ومنثورة ترتل يومياً صباح مساء وموضوعها إعلان العقيدة المستقيمة الرأي بالعذراء مريم والإقرار بها، وإظهار مكانة العذراء السامية في قلب المؤمن وفي الكنيسة عامة والتشفع بها والاستغاثة بصلواتها المستجابة. ورأينا أن نقتبس منه في بحثنا هذا شذرات زيادة للفائدة. ففي موضوع أعياد العذراء والغاية من الاحتفال بها نقرأ في صلاة القومة الأولى ليلة الاثنين ما ترجمته[5]) «ليكن ذكرك للبركة يا والدة الله العذراء، فأجيبي سؤل البعيدين والقريبين، ومنّي بالشفاء على المرضى واطلبي (من ابنك) أن يمد المتضايقين شجاعة، واطردي الشرير ممن يعذّبهم، فبقوة صلاتك وطلبتك لتحلّ علينا المراحم هاليلويا ولتعضدنا صلاتك». وفي صلاة مساء الاثنين([6]) نقرأ ما ترجمته: «ليكن ذكر المباركة العذراء والدة الإله مؤبداً لأنها ولدت لنا في بتوليتها المسيح الملك مخلص العوالم كافة هاليلويا فلتكن صلاتها معنا». وفي نشيد يرتل مساء الخميس([7]) نقرأ ما ترجمته: «أيتها المباركة التي صارت أم الله بالطهارة والقداسة ودون زواج، استمدي الرحمة في يوم ذكراك هذا لتكون فيه الراحة للأموات والرجاء للأحياء.. إن كان جسدك بعيداً عنا أيتها القديسة فصلواتك معنا دائماً، فتضرعي إلى القوة الخفية (الابن) الذي هبط من عليائه وحلَّ فيك لكي يغفر لنا». وفي صلاة مساء الجمعة([8]) نقرأ لمار يعقوب السروجي (ت 521) طلبة يقول فيها ما ترجمته: «ما أجمل وما ألذّ يوم تذكار العذراء مريم المباركة التي صارت أماً لأبن الله فبجاه صلواتها يا رب أبعد قضبان الغضب عن كل من يلتجئ إليها مؤمناً». وفي صلاة القومة الأولى من ليلة السبت([9]) يقول مار يعقوب ما ترجمته: «هلم أيها الأفاضل لنبجل يوم عيد الطوباوية (مريم) ونعظمه بمحبة فائقة وإيمان (ويقظة) وسهر طويل، والاستمرار بتقديم الصدقات ورفع الصلوات (فالعذراء) تفي مكرّميها أجراً مضاعفاً».هلمي أيتها القديسة ووزعي في يوم عيدك الهدايا على جمعنا المتعطش إلى صلواتك وطلباتك، وليكن الرب سوراً لجميع من يكرّمونك، وليصد عنهم الضربات وقضبان الغضب كافة.. إن القوة التي قَوَّتكِ هي التي تقوي جمعنا ليتمكن من تقديم المدح لك. وتدعونا بجاه صلواتك إلى خدور النور وليُحْصِ الرب مع جوقة الملائكة كل من كرم عيدك والتجأ إليك من الأحياء والأموات.. يا رب في يوم عيد أمك ترفع إليك رعيتك التسبيح النقي بنغمة عذبة وتهليل، فارسم بصليبك أبوابها العالية وأبعد عنها الأضرار ولتصعد إليك المجد وإلى أبيك وإلى الروح القدس… وجاء في صلاة صبح السبت([10]) ما تعريبه: «ليكن في الكنائس والأديار ذكر مريم والدة الله النقية والقديسة في بتوليتها وقد حسنت لملك الملوك فهبط وحلَّ في حشاها»… العذراء مريم من خلال نبوات الكتاب المقدس: ففي ميدان دراستنا لتاريخ حياة العذراء القديسة مريم وتأملنا بسيرتها الطاهرة، لا بد أن نستند إلى أسفار الوحي الإلهي وما تركه لنا آباء الكنيسة من دراسات واسعة في تفسير الكتاب المقدس، فبحسب تعاليم هؤلاء الآباء أن عشرات النبوات التي أعلنها الوحي الإلهي ودوّنت في الأسفار النبوية في العهد القديم قد تمت في العذراء مريم، كما أن الآباء رأوا في بعض شخصيات الكتاب المقدس وحوادثه رموزاً وإشارات إليها. فهي المرأة المقصودة بوعد الله تعالى للإنسان بالخلاص بقوله تعالى: «ونسل المرأة يسحق رأس الحية»(تك 3: 15) ونسلها المسيح يسوع الذي حُبل به فيها من الروح القدس وليس من زرع رجل، وهي حواء الجديدة، كما أن ابنها المسيح هو آدم الجديد، وإذا كان الله قد أخذ ضلعاً من جنب آدم وصنع منه حواء المرأة الأولى، ففي تجديد الخليقة ولد الإله المتجسد وهو آدم الثاني من العذراء التي هي حواء الثانية. وهي العذراء التي قال عنها النبي اشعيا (القرن الثامن ق.م) نبوته الشهيرة: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل»(اش 7:14) الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23) وقد تناول الآباء بكتاباتهم هذه النبوات والرموز والإشارات وضم بعضها إلى كتب الصلوات، وإليك جزءاً مما دون في كتاب فرض الصلاة الأسبوعي (الإشحيم) فقد جاء في القومة الأولى من صلاة ليلة الأربعاء([11]) ما ترجمته: «أطلق الصديقون الأولون على مريم ابنة داود، العذراء القديسة، أسماء جميلة وبهية، فحزقيال ابن السبي سمّاها باباً مغلقاً([12]) وسليمان دعاها جنّة موصدة وينبوعاً مختوماً، وداود دعاها مدينة نبت فيها المسيح عشباً، دون زرع، وصار مأكلاً للشعوب. وفي يوم ميلاده حررنا من اللعنة». وفي صلاة صبح الثلاثاء([13]) نقرأ ما ترجمته: «إنَّ العوسجة التي رآها موسى على جبل سينا ترمز إليك أيتها العذراء القديسة، فالعوسجة تمثل جسدك المقدس، وأوراقها التي لم تحترق ترمز إلى بتوليتك هاليلويا وهاليلويا والنار الذي في العوسجة يرمز إلى الله الذي حلَّ فيك…». وفي صلاة مساء الأربعاء([14]) نقرأ ما ترجمته: «إنَّ المركبة التي رآها النبي المختار حزقيال لا تطال جمالك، فالحيوانات المشدودة إليها والكاربيون يباركون. وصور الوجوه الأربعة، أي صورة الأسد والثور والنسر والإنسان يختلف بعضها عن بعض. أما ركبتاك أيتها الأم المباركة فقد صارتا له مركبة، وذراعاك صارتا له عجلة، وفمك يرنّم المجد». وجاء في صلاة مساء السبت([15]) ما ترجمته: «لقد رمز إليك موسى بالعليقة (يا مريم) ورمز إليك أبوك داود بتابوت العهد، وجدعون بالجزة ويعقوب الصدّيق بالسلم الذي ارتقى به الجنس البشري إلى السماء». وجاء في طلبة لمار يعقوب ضمن صلاة صبح الأربعاء([16]) ما تعريبه: طوباك يا مريم فإن تابوت العهد الذي صنعه موسى كمثال، يرمز إليك بصورة سرية، فقد احتوى اللوحين اللذين كتبهما الله، وأما أنت يا مريم فقد حويت خبز الحياة الحقيقي. وفي صلاة صبح السبت([17]) نقرأ ما ترجمته: «لقد رمزت إليك الصخرة التي نبعت منها الأنهر في البرية، أيتها البتول القديسة، فقد أشرق منك للعالم ابن الله الذي هو صخرة الحق على حد قول الرسول بولس.. أيتها العذراء الممتلئة فتنة عنك تنبأ الملك داود قائلاً: إنَّ ابنة الملك قامت (عن يمين الملك) بمجد وقداسة، واشتهى الملك جمالها فنزل وحلَّ في حشاها». هذا وقد رأى بعض الآباء رموزاً أخرى تشير إلى العذراء كالشجرة التي وجدت في جبل موريا وحملت كبشاً خلص اسحق من الذبح، وعصا هارون التي أزهرت وأثمرت لوزاً. وغير ذلك. نسب العذراء: تنتمي العذراء القديسة مريم إلى سبط يهوذا وهي من نسل داود، وتتصل بصلة القرابة مع اليصابات أم يوحنا المعمدان التي تدعى في الإنجيل المقدس نسيبة العذراء (لو 1: 36) ويقال أنها كانت خالتها. كما أنَّ سالومي زوجة زبدي وأم يعقوب ويوحنا هي الأخرى تمّت بصلة القرابة إلى العذراء مريم (مت 27: 56 و 19: 25) وقد وردت في الإنجيل المقدس سلسلة نسب السيد المسيح من ناحية يوسف خطيب العذراء (مت 1: 16 و لو 3: 23 و أع 2: 20 و رو 1: 3) والعذراء ويوسف هما من سبط واحد. فالعذارء مريم إذاً هي سليلة الكهنة والملوك والأنبياء، وهي ابنة داود، ولذلك قال لها الملاك لما بشّرها بالحبل الإلهي: «ستحبلين وتلدين ابناً… يكون عظيماً وابن العلي يدعى… ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد…»(لو 1: 31 ـ 32). العاقران يواكيم وحنة والدا العذراء مريم: ويذكر لنا التقليد الكنسي المستند إلى تعاليم الرسل، أنّ والدي العذراء مريم هما يواكيم وحنة، وأن أبا حنة هو الكاهن متّان من سبط لاوي ومن آل هارون، وأنَّ والدة حنة هي مريم من سبط يهوذا. وأن يواكيم وحنة كانا يقيمان في قرية بالقرب من الناصرة من أعمال الجليل وكانا ميسورين ويوزعان أرباحهما على الهيكل والفقراء، وما تبقى لهما يسدان به حاجتهما. وكانا عاقرين وبارّين أمام الله وسائرين بحسب نواميسه الإلهية، وكان العقر، لدى اليهود يعتبر لعنة من الله، وعاراً أمام الناس، ذلك أنَّ كلَّ فتاة يهودية كانت تطمح وتصلي أن يولد منها المسيح ماسيا المنتظر، فكان يواكيم وحنة يواظبان على الصلاة والطلب إلى الله ليزيل العار عن دارهما، وهكذا بلغا سن الشيخوخة دون أن تستجاب طلبتهما. ويُحكى أن يواكيم أتى مرّة إلى هيكل الرب ليقدم تقدمة فرفض الكاهن التقدمة لأنَّ مقدمها (عاقر) فعاد يواكيم إلى داره مغتمّاً، كسير القلب، ذليلاً، وأكثر من البكاء أمام الله، تشاركه بذلك زوجته حنة، فاستجاب الله طلبتهما ورزقهما ابنة سمياها مريم. وهو اسم سرياني مركب من (مور) و(يام) ومعناها بحر المرارة. وقال بعضهم إنَّ معنى كلمة (مريم) نجمة البحر، وكذلك النور. الحبل بالعذراء مريم وولادتها: لا بدَّ أن نذكر هنا أن الحبل بالعذراء مريم قد تم حسب الناموس الطبيعي، فهي من رجل هو يواكيم وإمرأة هي حنة. وأنَّ العذراء ابنة ا لعاقرين كاسحق وصموئيل ويوحنا المعمدان. وأنها مثل هؤلاء وكسائر الناس قد ورثت عن أبويها خطية أبوينا الأولين آدم وحواء التي تسمى الخطية الأصلية أو الجدية([18])، التي تشمل كل الإنسانية بدءاً من آدم الذي لما أخطأ كان يمثل نسله فاشتركت سلالته بمسؤولية الخطية التي لم يكن بالإمكان محوها من الإنسانية الساقطة إلا بتجسد الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، لذلك يقول الرسول بولس: «بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع»(رو 5: 12) وقال داود: «هاأنذا بالإثم صوّرت وبالخطية حبلت بي أمي»(مز 51: 5) ولم يستثن من إرث هذه الخطية ممن لبس الجسد إلا ربنا يسوع المسيح «الذي أخذ كل ما لنا ما عدا الخطية» والذي صار كفارة عن خطايا العالم «متبرّرين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدّمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله»(رو 3: 23 و 24) وكما بإنسان دخلت الخطية إلى العالم كذلك بإنسان زالت (رو 5: 12 و 15) فالعذراء مريم إذن كسائر الناس ولدت تحت حكم الخطية وقد ولدت على الأرجح في الناصرة. العذراء في الهيكل: لما بلغت العذراء مريم الثالثة من عمرها وفى أبواها نذرهما وقدماها إلى الهيكل، وفي غضون إقامتها في الهيكل توفيا دون أن يعرفا شيئاً عن مستقبل ابنتهما، وقد جاء في الطقس الكنسي رأي آخر للآباء، ففي صلاة صبح يوم الجمعة في كتاب فرض الصلوات اليومية (الإشحيم)([19]) نقرأ ما ترجمته: «صارت مريم يتيمة الأب والأم، لقد مات أبواها وتركاها فنقلها الكهنة إلى بيت المقدس وفقاً لأمر موسى وربّوها، فانحدر رب الأنبياء إليها وباركها وقدسها هاليلويا، فلتكن صلاتها سوراً لنا وحمى» وفي الرأيين نرى أن العذراء ربيت في الهيكل منذ نعومة أظفارها، وصارت لله وحده تعبده تعالى وتخدم في هيكله مع النساء المسنات العابدات مثل حنة النبية بنت فانوئيل التي كانت «لا تفارق الهيكل»(لو 2: 37). وكانت العذراء مريم تدرس أسفار الوحي الإلهي، وتحفظ الناموس. ولا يفهم من نذر مريم أنها نذرت البتولية طوال أيام حياتها، فإن نذر البتولية مدى الحياة لدى الفتيات لم يكن متبعاً لدى اليهود، ولأن كل فتاة يهودية كانت تتوق إلى أن يولد منها ماسيا، لذلك كانت تنتظر يوم زفافها بفارغ الصبر. ولهذا نرى ابنة يفتاح لما علمت بأن أباها نذر بتقديم أول من يخرج لاستقباله بعد عودته منتصراً، محرقة للرب، وكانت هي أول من خرج لاستقباله، وكان لا بد أن يكمل أبوها هذا النذر فيها، ولئن اعتبر النذر ضد شريعة الله (تث 12: 31) طلبت إليه قائلة: «اتركني شهرين فاذهب وانزل على الجبال وأبكي عذراويتي أنا وصاحباتي«(قض 11: 37) لقد كانت الرهبانية معروفة لدى الوثنية ودخلت اليهودية أيضاً حيث تبنّاها (الآسينيون) ولكن ذلك كان خروجاً على تقاليد اليهود الدينية وعلى تعاليم التوراة التي تعتبر سنّة الزواج ضرورة إتماماً لأمر الله تعالى «أثمروا واكثروا»(تك 1: 28). وقد ظهر بعض الأنبياء ممن حافظ على البتولية كإيليا، ويوحنا المعمدان وغيرهما. ولكن ذلك كان لغاية ربّانية، واعتبروا من الشواذ، والشاذ لا يقاس عليه. العذراء تخطب ليوسف البار: لما بلغت مريم الرابعة عشرة من عمرها، ولكونها لطيمة قد فقدت والديها، اعتبر الكهنة بمثابة والديها، وبحسب العادة المتبعة عصرئذ استدعوا أقرب أقربائها وألقيت القرعة عليهم فوقعت على يوسف الصدّيق فاعتبر خطيباً للعذراء مريم. ولقد ارتأى بعض الآباء أن يوسف كان أرملاً وكان له أولاد من زوجته المتوفاة، دعوا فيما بعد أخوة للرب. وقال آخرون إنه كان بتولاً. ومن مجريات الحوادث نعلم يقيناً أنه كان فقيراً مدقعاً، وكان يزاول مهنة النجارة البدائية البسيطة في الناصرة. البشارة: كان المتعارف عليه في ذلك الزمان أن الخطبة تعقد لمدة عام قبل الزواج، ففي الفترة التي كانت فيها مريم مخطوبة ليوسف، أُرسل إليها الملاك جبرائيل من الله وهي في مدينة الناصرة في الجليل، فبشرها بالحبل الإلهي بقوله: «السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك.. ها أنت تحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع.. هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد، ولن يكون لملكه انقضاء» وتسأل مريم ببساطة: «كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً» فيجيبها الملاك: «الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، ومن أجل ذلك، فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله». وتجيب مريم بتواضع «ها أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك» (لو 1: 26 ـ 38). وفي اللحظة التي قبلت مريم أمر الرب حلَّ عليها الروح القدس فطهّرها من الخطية وقدّسها (لو 1: 35) وحلَّ اللاهوت في حشاها وجبل له من دمائها جسداً كاملاً وبدأ بذلك سر التجسد الإلهي بغير زرع بشر (مت 1: 18) وأخذ الإله من العذراء الطبيعة البشرية بكاملها، أي جسداً حقيقياً ذا نفس عاقلة ناطقة (لو 23: 46 مت 26: 38)([20]) وهكذا شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية (عب 4: 15) فالمولود من العذراء سمي قدوساً وابن الله (لو 1: 35). وتعتبر حادثة بشارة العذراء بالحبل الإلهي بدء سري التجسد والفداء، وإكراماً للسيدة العذراء القديسة مريم رتب آباء الكنيسة السريانية أن يتلو المؤمنون، السلام الملائكي عند ختام الصلوات الفرضية صباح مساء، وحتى إذا شاؤوا عند ختام الصلوات الفردية ودونك صلاة السلام الملائكي: «السلام عليك يا مريم العذراء الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك يسوع. يا مريم القديسة، يا والدة الله صلّي من أجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا آمين». وقد جاء في صلاة مساء الثلاثاء([21]) بموضوع البشارة ما ترجمته: «طار جبرائيل بالأجنحة الروحية ووصل إلى مريم وبلّغها السلام الذي أرسل إليها قائلاً لها: السلام عليك، الرب معك، إنَّ مخلص العوالم يشرق منك.. تعجب جبرائيل ببتوليتك يا أم الله، وكتف يديه، وسجد أمامك وحيّاك لأنه رأى ربه قد حلَّ فيك وأنك مثل المركبة تحملين حامل البرايا».. وفي صلاة الساعة الثالثة من يوم الأربعاء([22]) نقرأ أبياتاً شعرية لمار يعقوب السروجي وترجمتها: «إنني أتكلم متعجباً منذهلاً من الدرجة العظمى التي ارتقتها ابنة البشر. فهل أنَّ النعمة أهبطت إليها ابن العلاء أم أنها هي التي أرادت أن تكون أماً لوحيدها!؟ من الواضح أنَّ الله نزل إلى الأرض بالنعمة، وحيث كانت مريم طاهرة كثيراً اقتبلته، وقد نظر إلى تواضعها ووداعتها فحلَّ فيها، إذ يروق للقدوس أن يسكن في المتواضعين… إني لا أسكن إلا في الودعاء والمتواضعين. لقد نظر فرأى أنها الأكثر تواضعاً بين بني البشر مولودي النساء فلم يتواضع منذ البدء أحد قط مثل مريم. ومن الواضح أنه لم يرتفع أحد مثلها أيضاً… المجد للآب الذي اختارها لتواضعها، والسجود للابن الذي بتواضع هبط (من علياء سمائه) وحلَّ فيها، الشكر للروح (القدس) الذي يروق له أن يسكن في المتواضعين المجد للطبيعة الواحدة لثلاثتهم… بصلوات تلك التي حملتك تسعة أشهر، أبعد عنا يا ابن الله قضبان الغضب». العذراء مريم تزور نسيبتها اليصابات: سمعت مريم الملاك يقول لها: «هوذا اليصابات نسيبتك هي الأخرى حبلى في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس للمدعوة عاقراً… »(لو 1: 36) فتبتهج مريم لهذا النبأ العجيب، وتفرح لنجاح القريب، وهذا فعل محبة فائقة. وتغادر مريم الناصرة متّجهة نحو جبل اليهودية لتزور اليصابات زوجة زكريا، فحيّتها اليصابات بأنشودة نبوية جاء فيها: «من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ هوذا عندما وقع صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين في بطني.. طوبى للتي آمنت أن يكون لها هذا من قبل الرب» .. فأجابتها مريم بأنشودة أكثر روعة من أنشودتها وبكلمات نبويّة خالدة تتلوها الكنيسة صباح كل يوم في صلواتها، قالت فيها: «تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته فهوذا منذ الآن تعطيني الطوبى جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتّقونه…» (لو 1: 42 ـ 55) ومكثت مريم مع اليصابات مدة تقرب من ثلاثة أشهر، ويقول بعضهم إنها انتظرت إلى أن وضعت اليصابات ابنها، ويقول آخرون إنها غادرت بيت زكريا قبل أن تضع اليصابات ابنها يوحنا لئلا تقوم السيدة العذراء أم الرب بخدمة نسيبتها أم يوحنا الذي قال بعدئذ إنه لا يستحق أن يحل سير حذاء الرب يسوع. وما أجمل الكلمات التي كتبها الآباء في وصف لقاء العذراء باليصابات ففي صلاة صبح الأربعاء([23]) نقرأ ما ترجمته «إنَّ اليصابات أم يوحنا (المعمدان) ومريم أم يسوع حصنان اختارهما الملك، العقر والبتولية، لقد ارتكض الجنين للجنين، الجديد للقديم، وسلم على سيده قائلاً: هلم بسلام فإنَّ سلامك يؤمن المسكونة» وجاء في صلاة مساء الجمعة([24]) ما تعريبه: «إنَّ مريم واليصابات سفينتان عجيبتان اتجهتا نحو الميناء، فاليصابات ولدت الكارز ومريم ولدت مخلص العالم هاليلويا صلاتهما تعضدنا». وفي صلاة صبح السبت([25]) نقرأ ما ترجمته: «من ترى شاهد جفنتين مغروستين في كرم الرب والمسكونة كلها تتلذذ بخمر عناقيدهما فالجفنتان هما مريم واليصابات والعنقودان هما المسيح ويوحنا، الاشبين والعريس خطيب البيعة المقدسة». شكوك يوسف واطمئنانه: لما عادت مريم إلى الناصرة ظهرت أمارات الحبل عليها فلم يشك فيها أحد سوى يوسف خطيبها، ذلك أنَّ العذراء كان قد عقد لها على يوسف عقد زواج بحسب عادة اليهود، وكان خلال السنة التي تخطب فيها الفتاة للرجل، يحق فيها للرجل أن يعرفها معرفة زواج ولئن كانت لا تزال في دار أهلها، وقبل أن تزف إليه في الحفلة الكبرى فتنتقل على أثرها إلى داره. ولذلك لم يشك أحد بمريم سوى يوسف الذي أراد تخليتها سراً. أما الآخرون فقد ظنوا بأنها حُبلى من يوسف، إذن مريم اعتبرت خطيبة يوسف لأنها لم تكن قد زفَّت إليه بعد، واعتبرت امرأته لأنه كان قد عقد له عليها عقد زواج، ولما طمأنه الملاك بطهرها سماها امرأته قائلاً: «يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأنَّ الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس»(مت 1: 20). العذراء تلد الإله المتجسد: وتُزف العذراء إلى يوسف فتسكن في داره في الناصرة، ويذهبان معاً إلى بيت لحم (لو 2: 4 ـ 20) ليكتتبا بحسب الأمر الذي صدر من أغسطس قيصر. وفي بيت لحم وفي مغارة بسيطة كانت تستعمل كاسطبل، وملحقة بالنزل هناك، وضعت مريم ابنها البكر، وبحبلها به وبولادته منها وبعدهما بقيت بتولاً عذراء كما كانت قبلهما. وكما يجب لجلال هذا الأمر العظيم أي تجسد الإله الكلمة فهي بتول قبل الولادة وعند الولادة وبعد الولادة، وقد ولد الرب منها بأعجوبة، وذلك كما تنفذ أشعة الشمس من الزجاج دون أن تثلمه أو تكسره، وكما دخل الرب بعد قيامته على التلاميذ في العلية والأبواب مغلقة، وكما خرج من القبر وهو مختوم، هكذا خرج بجسم الطفولة والخاتم مصان، فلا عجب إن حافظت العذراء مريم على بتوليتها بعد ولادة ابنها البكر الرب يسوع، وهي التي قالت عن نفسها: «لأنَّ القدير صنع بي عظائم» وهي التي رأت هذه العظائم والعجائب التي صنعها القدير فيها ولها. لذلك دعيت العذراء الدائمة البتولية، وبما أنها ولدت الله الإله المتأنس فقد دعيت أيضاً والدة الله (لو 1: 35 و 43 ـ غلا 4: 4 ـ اش 7: 14). جاء في صلاة القومة الأولى من ليلة الاثنين([26]) ما تعريبه: «لا أعلم بماذا أسمّيك يا بنت داود، ولا أدري أي اسم أطلق عليك يا مريم؟ هل أسميك بتولاً؟ فهوذا ابن يرضع منك! هل أسمّيك أمّاً؟ وبكارتك ثابتة!؟ إذن أدعوك والدة الله وليخز المجادل المماحك الذي يتجاسر بالبحث عن سرِّ ابنك هاليلويا محروم من حاول سبر غور سرّه. وجاء في صلاة القومة الأولى من ليلة الأربعاء([27]) ما تعريبه: «إنَّ العذراء ولدت عجباً فهلم نذهب ونتأمل بمن هو أقدم من الدهور وقد لف بالقمط، الشيخ القديم الأيام قد ولدته العذراء، الجبار الذي يزن الجبال حملته الشابة (على ذراعيها) الذي يمنح الجائعين خبزاً يرضع الحليب مثل طفل. الابن (الأزلي) الذي لا بداية له شاء وصارت له بداية وأتى للولادة وهو (أبدي) لا نهاية له». وجاء في صلاة مساء الأربعاء([28]) ما تعريبه: «قالت مريم (مناجية ابنها): لقد قوّيتني فحملتك، ولما ولدتك في المغارة أظهرت لي مجدك، فهوذا النار تحف بالمذود الصغير، والساروفيون ذوو الأجنحة الستة يرفرفون فوقه فأصدر إليهم أمرك ليرفعوا أجنحتهم (ويفسحوا لي المجال) لأدخل وأسجد لك وأرضعك حليباً نقياً تستحسنه.. قالت مريم إنني فقيرة، فليس لي بيت في الأرض ولا مضجع ولا فراش، فقد لففت بالقمط الأقدم من كل شيء، ووضعتُ في المذود رب الخلائق. لا شريك لأبيه في السماء، ولا مثيل لأمه على الأرض وهو الرب وأنا أمته والكنيسة هي خطيبته».. وفي صلاة القومة الأولى لليلة الخميس([29]) نقرأ: «قالت مريم للمسيح لما ولدته لست أدري، يا بني، بما أدعوك، هل أدعوك طفلاً وأنت أقدم من الدهور؟ أم أدعوك شيخاً وأنت طفل؟ إنني أدعوك شعاعاً أشرق من الآب، وجاء فأضاء الخلائق كلها هاليلويا مبارك ضياؤك ومبارك إشراقك، والسجود لأبيك الذي أرسلك لخلاصنا.. قالت مريم للعذارى رفيقاتها: إنني مبتهجة ومسرورة جداً لأنني أحمل حامل البرايا الذي تخدمه الملائكة، وأناغي من علم اللحن للبشر، فصفوف النورانيين تحيط بجلاله هاليلويا وتهتف له: قدوس قدوس قدوس هو الرب مبارك وقاره». وجاء في صلاة صبح الاثنين([30]) ما ترجمته: «لقد أشرق لنا الرب من الآب، (وولدت) بنت داود المخلص، (ومنحت) بيت لحم خبز الحياة للشعوب التي آمنت به. السجود للآب الذي أرسل ابنه، ومباركة مريم التي ولدته، وطوبى للكنيسة التي اقتبلته وهي ترتل له (ترانيم) المجد.. إنني كنت مارّاً بيت لحم، فسمعت في المغارة صوت مريم وهي تناغي ابنها قائلة له: الطوبى لي يا بني لأني صرت أمك. ولأني أرضعتك الحليب، ولن أقترب منك ما لم تسمح لي بذلك..». العذراء الدائمة البتولية: هذه هي العذراء والدة الله، الدائمة البتولية بكر الأبكار وعذراء العذارى التي ولدت الإله المتجسد وهي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة كما ذكرنا آنفاً. أما العبارة التي يذكرها الإنجيلي متى وهي «لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر»(مت 1: 25) فقد قصد متى من كتابتها أن يثبت لنا أنَّ مريم كانت عذراء قبل ولادتها الرب يسوع وفي الولادة وأنها قد حبلت بابنها من الروح القدس وليس من زرع رجل. أما حالة مريم ما بعد ولادتها الرب فلم يتطرق إليها متى، كما أنَّ النفي بأن يوسف لم يعرف العذراء مريم معرفة زوجية قبل ولادتها يسوع لا يحمل في مضامينه البتة التأكيد بأنه عرفها بعد الولادة، فلفظة (حتى) لا تستعمل دائماً للدلالة على قطع حكم ما قبلها عما بعدها، وإننا نفهم ذلك من استعمالها في الكتاب المقدس في مواضع أخرى، من ذلك قول الكتاب: «ولم يكن لميكال بنت شاول ولد حتى يوم موتها»(2صم 6: 23) فمن يستنتج من ذلك أنها ولدت بنين بعد مماتها؟([31]). وقد يكون معنى «لم يعرفها» أي لم يعرف جليل قدرها، ومكانتها الروحية لدى الله حتى ولدت ابنها البكر، فرأى يوسف أعاجيب الميلاد وشاهد الملائكة حول المذود.. الخلاصة أنَّ يوسف لم يعرف العذراء مريم معرفة زواج البتة، وأنها دائمة البتولية. الابن البكر: أما عبارة «ابنها البكر» التي وردت أيضاً في إنجيل لوقا (2: 6 ـ 7) فهي لا تعني أنَّ العذراء مريم ولدت أولاداً آخرين بعد يسوع، وبالتالي ليست دائمة البتولية، لأنَّ لفظة البكر تطلق على أول الأولاد سواء كان له بعده أخوة أم لم يكن، وهذا هو مفهوم الكتاب المقدس حيث أمرت الوصية بأن يتم فداء البكر ولم يكن ينتظر حتى يتبعه أخوة ليشهدوا له بالبكورية، ومما لا شكَّ فيه أنه لو كان ليسوع أخوة لسلّم إليهم أمه، ولما كان استودعها تلميذه يوحنا الحبيب. وقد دعي المسيح بكراً بمعانٍ كثيرة، فهو بكر الآب السماوي، وبكر مريم، وبكر الراقدين والخ… ([32]). إخوة الرب: أما الذين دعوا في الإنجيل المقدس أخوة الرب (مت 13: 55) فهم أقاربه أي أبناء عمومته أو أبناء خؤولته، لأنَّ الوحي الإلهي يطلق لفظة (اخوة) على الأقارب وأفراد العشيرة الواحدة (تك 31: 37 وخر 2: 11) ولأجل ذلك دعا ابراهيم لوط ابن أخيه، أخاه. والدة اللّه: وقد أطلقت الكنيسة المقدسة على العذراء القديسة مريم تسمية (والدة الله) كما مرَّ بنا، ذلك أنها ولدت الإله بالجسد. ولكن نسطور بطريرك القسطنطينية في القرن الخامس أنكر على العذراء هذه التسمية الشريفة فحرمه المجمع المسكوني الثالث الملتئم في أفسس سنة 431 المؤلف من مئتي أسقف أقروا بأن المسيح هو أقنوم واحد وطبيعة واحدة بعد الاتحاد، بدون اختلاط، ولا امتزاج ولا استحالة، ثم وضعوا مقدمة دستور الإيمان التي تثبت أن القديسة مريم هي والدة الله قائلين: «نعظّمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت مخلص العالم كلّه»([33]). لا غرو فإنَّ لقب «والدة الله» هو ملخص عقيدة التجسد السمحة وقد استعملته الكنيسة المقدسة منذ العصور الأولى للمسيحية وذكره الآباء الأولون في كتاباتهم ثم أقرّه وأثبته مجمع أفسس سنة 431 فقد قال القديس كيرلس الكبير: «وهذا هو التعليم الذي تفرضه الأرثوذكسية في كل مكان بكل تدقيق، وإلى هذا الحد كان يتمسك به آباؤنا القديسون، لذلك كانوا واثقين في تلقيبهم العذراء القديسة مريم بـ والدة الله (ثيئوتوكس) ليس لأن طبيعة الكلمة أو اللاهوت أخذ بدايته من العذراء القديسة، ولكن بما أن جسده المقدس الحاوي نفساً عاقلة قد ولد منها، وهذا الجسد كان متحداً بشخص الله الكلمة لذلك، قيل عنه أنه ولد جسدياً»([34]) فتسمية العذراء بوالدة الله (يلدة ءلؤا) (ثيئوتوكس) ليست لتكريم العذراء إنما هي عقيدة لاهوتية تثبت أنَّ المسيح المولود من العذراء هو لاهوت وناسوت متحدان في أقنوم واحد، وطبيعة واحدة. لذلك يحق لنا أن نسمي العذراء والدة الله وهي قد ولدت الجسد، بما أن ذلك الجسد هو ذو نفس عاقلة وهو متحد باللاهوت بطبيعة واحدة وأقنوم واحد وشخص واحد. وكما أننا نسمي أم أي إنسان والدة فلان، وهو مركب من جسد ونفس خلقها الله ولم تلدها تلك المرأة، ولكننا نسميها والدته لأن نفسه وجسده متحدان بطبيعة واحدة وشخص واحد لذا تسمى والدة ذلك الشخص. وكذلك العذراء مريم تدعى والدة الله. وجاء في صلاة صبح الأربعاء([35]) ما ترجمته: «ليكن محروماً كل من لا يؤمن أن مريم ولدت الله، وإن من لا يعترف أنَّ المولود هو الله وابن الله فهو يكفر به (وينكره). فقد ولد من الآب أزلياً وأشرق في آخر الأزمنة من مريم: فالمولود من الآب ومن مريم هو واحد أحد يسجد له ويمجد. فمحروم المماحك الذي يحاول سبر سره» .. وقال القديس غريغوريوس النزينزي (329 ـ 389 +): «إن كان أحد لا يؤمن أن القديسة مريم هي والدة الإله (ثيئوتوكس) فهو غريب عن الله». مريم تربي ابنها يسوع: وقد توالت سلسلة من الحوادث بعد الميلاد رأينا فيها العذراء مريم والدة الله الأم التي تصنع إرادة الرب وتربي ابنها بحسب ناموسه تعالى، فقد كان حقاً ينمو في القامة والنعمة لدى الله والناس. ففي اليوم الثامن من ميلاده اختتن الصبي، وبعد أربعين يوماً من ميلاده قدّم في الهيكل، وقامت مريم بفروض التطهير بحسب شريعة موسى (لو 2: 22 ـ 39) وحمله الشيخ سمعان وقال لمريم أمه، إنَّ سيف الحزن يغوص في قلبك. وهذه النبوة تمت بحذافيرها في حياة مريم الأم الحزينة. … وجاء المجوس فزاروا الطفل المولود وسجدوا له مقدمين هداياهم ذهباً ولباناً ومراً… وانكشفت نوايا هيرودس الخبيثة الذي أراد أن يهلك الصبي. الهروب إلى مصر: فأمر الملاك يوسف أن يهرب بالطفل وأمه إلى مصر ففعل… ومن القصص الطريفة التي تحكى عما جرى للعذراء وهي هاربة بابنها إلى مصر مع يوسف البار، أنهم مرّوا بفلاح يبذر الزرع فباركت العذراء الأرض فنما الزرع وارتفع، ولما غادروا المكان جاءت ثلة من جنود هيرودس تريد إلقاء القبض عليهم فلم يجدوهم، ولما سألوا الفلاح فيما إذا مرّ به رجل وامرأة ومعها طفل، أجابهم نعم قد مرّوا من هنا، وسألوه متى كان ذلك؟ أجابهم يوم كنت أبذر الزرع، فلما رأى الجند أن الزرع قد نما وارتفع ظنوا أن العائلة قد مرّت قبل شهور فعادوا أدراجهم يائسين من ملاحقتهم. ويحكى أيضاً أن العائلة المقدسة قبل وصولها إلى مصر تعرّض لها لصوص حاولوا التعدي على العذراء وابنها ومار يوسف سلباً وضرباً، فمنعهم زعيمهم فكافأه الله، وأهّله بأن يصلب عن يمين الفادي ويؤمن به، تائباً، واستحق أن يسمع من الفادي كلمة وعد «اليوم تكون معي في الفردوس». هذا ويقول بعض الآباء إن أصنام مصر تحطّمت حيثما مرّ موكب يسوع الطفل بهياكلها. وبدخول الرب مصر رفع اللعنة عنها وتمّ ما قد كُتب على لسان الرب «مبارك شعبي مصر». السكن في الناصرة: ولما هلك هيرودس، بعد سنة من هروب العذراء مريم بابنها إلى مصر، ظهر الملاك بالحلم ليوسف وأمره بالعودة إلى فلسطين فعاد إلى الناصرة وتمّت النبوّة القائلة: «من مصر دعوت ابني» (هوشع 11: 1) وسكنت العائلة المقدسة في الناصرة. العذراء المرأة الفاضلة والأم الرؤوم: وكانت العذراء مريم في حياتها اليومية تسير سيرة النسوة الفاضلات المدبرات بيوتهن حسناً، وتمّ فيها ما قاله سليمان: «امرأة فاضلة من يجدها إنّ ثمنها يفوق اللآلئ» (أم 31: 10)، وكان يوسف خطيبها يعمل في مهنة النجارة لتحصيل العيش، «وكان الطفل يسوع ينمو في القامة والنعمة عند اللّه والناس» ولا بد أنه درس مع أطفال البلدة الناموس والنبوات، ومارس مهنة النجارة في حانوت يوسف الذي اعتبر أباً له. ورأينا العذراء مريم تمارس الفروض الدينية بموجب شريعة موسى فكانت تزور اورشليم لحضور عيد الفصح سنوياً (لو 2: 41) ولما بلغ الصبي يسوع الثانية عشرة من عمره أخذاه إلى الهيكل حيث يعتبر بهذه السن حسب تقليد اليهود «ابن التوراة» أي ملزماً بجميع وصايا الناموس من صلاة، وصيام، وزيارة لهيكل الرب (تث 16: 16). وبعد انقضاء أيام العيد الثمانية في تلك الزيارة رجعوا إلى الناصرة مع معارفهم وأصحابهم الذين رافقوهم إلى اورشليم، وكانت كل فئة من رجال ونساء تسير وحدها، ويلتقي الجميع عند المغيب في المحطة التي يتفق عليها للمبيت. ولما دنا المساء وقد وصلت القافلة بلدة قيل أنها (البيرة) للمبيت فيها، افتقد يوسف ومريم بعضهما مطمئنين بوجود الصبي مع أحدهما، ولكن لم يجداه، وفتّشا عنه لدى الأصدقاء فلم يعثرا عليه، فعادا إلى اورشليم فوجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل جالساً في وسط علماء الناموس يحاججهم، فقالت له أمه: «يا بني لماذا صنعت بنا هكذا هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك مُعذَّبَين»(لو 2: 48) فقال لهما: «ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي»(لو 2: 49). العذراء الشفيعة في قانا الجليل: وتزداد مسؤولية العذراء مريم لما بدأ يسوع تدابيره الإلهية جهراً وهو في الثلاثين من عمره، ففي عرس قانا الجليل سمعناها تقول له: «ليس عندهم خمر» فيجيبها: «ما لي ولك يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعد» وتلتفت مريم إلى الخدام قائلة: «مهما يأمركم به فافعلوه» علماً منها أنه لا يخيب لها أملاً، وهكذا اجترح الرب أولى معجزاته أمام تلاميذه بناء على طلب والدته، فحوّل الماء خمراً. وكان موقف مريم من رسالة الرب يسوع واضحاً، فهي مؤمنة بابنها وهل يمكن أن تشكّ به، وقد أعلن لها الملاك عندما بشّرها عن مركزه الإلهي، فهو «قدوس وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد». فلما نقرأ في الإنجيل المقدس أن أقرباءه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا أنه مختل (مر 3: 21) لا يعني أن أمه جارت هؤلاء وتنكّرت لابنها. ونقرأ أيضاً ما كتب مرقس قائلاً: «فجاء حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه، وكان الجمع حوله، فقالوا له هوذا أمك وإخوتك خارجاً يطلبونك، فأجابهم قائلاً، من أمي وإخوتي، ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال، ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة اللّه هو أخي وأختي وأمي»(مر 3: 31 ـ 35). وبهذا الكلام لا يريد السيد المسيح أن ينتقص من كرامة أمه، إنما يريد أن يرفع المؤمنين به، وخاصة تلاميذه الذين كان قد اختارهم لتوّه، أن يرفعهم إلى درجتها الروحية السامية. ولا غرو فقد ذكر الإنجيل المقدس عن أمه «أنها كانت تحفظ الكلام مفتكرة به في نفسها» فكل تلميذ وكل مؤمن من الجنسين يحفظ كمريم كلام اللّه ويعمل به ينال ما نالته من نعمة. ويذكر الإنجيل المقدس أيضاً (لو 11: 27 ـ 28) أن امرأة في اورشليم رفعت من الجمع صوتها قائلة ليسوع: «طوبى للبطن الذي حملك، وللثديين اللذين رضعتهما». أما هو فقال: «بل طوبى للذين يسمعون كلام اللّه ويحفظونه» وهذه الآية أيضاً تتضمن مديحاً للعذراء. العذراء عند الصليب تسلّم إلى يوحنا الحبيب: وقد تبعت العذراء مريم ابنها يسوع إلى الجلجلة، وتحت الصليب تحققت فيها النبوة التي فاه بها سمعان الشيخ وهي: «يجوز في نفسك سيف الحزن» فقد رأت ابنها البار القدوس معلقاً على الصليب. بل رأته ميتاً، واشتركت بدفنه، ثم رأته قائماً من بين الأموات. ولا بدّ أنها كانت مع تلاميذه في جبل الزيتون فرأته صاعداً إلى السماء. وذكر سفر أعمال الرسل (1: 14) العذراء مريم مع التلاميذ وإخوة الرب تواظب على الصلاة، وكانت معهم يوم الخمسين في العلية، حيث حلّ عليهم الروح القدس. ويوم الخمسين هذا يعتبر يوم ميلاد الكنيسة، فقد آمن ثلاثة آلاف شخص على أثر خطاب هامة الرسل بطرس، واعتمدوا، ولضرورة المعمودية للخلاص بحسب قول الرب: «من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدنْ»(مر 16: 16)، يتساءل بعضهم هل نالت العذراء مريم سرّ المعمودية؟ لقد سكت الكتاب عن ذلك حتى لم يذكر عن الرسل أنهم اعتمدوا أم لا؟ وفي الكنيسة السريانية يذكر مار إيوانيس الداري (ت 860) في معرض بحثه تقديس الميرون على أيدي الرسل، أن العذراء اعتمدت، وقصده بذلك إعطاء موضوع المعمودية والميرون أهمية كبرى، ولم نعثر في التقليد على نص آخر يؤيّد رأي الداري، على كل حال ليس هذا الأمر عقيدة قررتها الكنيسة، إنما هو مجرد رأي خاص لأحد الآباء. ولا نعلم بالضبط أين سكنت العذراء بعد أن أخذها يوحنا الحبيب إلى عنده، ويرجّح أنها مكثت في اورشليم، وارتأى بعض المؤرّخين أنها زارت أفسس برفقة يوحنا ومكثت فيها مدة، ثم عادت إلى اورشليم. انتقال العذراء إلى السماء: وكانت العذراء تتوق إلى أن تنطلق إلى السماء لتكون مع ابنها يسوع، وقد رقدت بالرب بسلام، ولم يتّفق المؤرّخون على سنة وفاتها، وكم بلغت من السنين، ويُرجّح أنها انتقلت إلى السماء سنة 56 للميلاد، وقد بلغت السبعين من عمرها، كما أن موضوع انتقالها إلى السماء نفساً وجسداً لم تقرّه الكنيسة السريانية كعقيدة إيمانية، إنما هو تقليد أبوي إيماني، نستند به خاصة إلى قصة مار توما الرسول السريانية الموضوعة، وفيها نقرأ عن اختطاف الرسل بالروح واجتماعهم في اورشليم لتجنيز العذراء مريم وتأخّر توما، ومقابلته العذراء في الهواء وهي صاعدة إلى السماء، وأخذه منها زنارها الذي أتى به إلى الرسل، وطلب منهم فتح ضريحها، ولما فعلوا ولم يجدوا جسدها الطاهر، أعلن لهم توما حقيقة صعودها إلى السماء بالجسد الممجّد، وأنه رأى موكبها، وأخذ منها زنارها كشهادة لذلك، فصدّقوه. ويحدّثنا التقليد السرياني عن الزنار الذي أخذه الرسول توما معه إلى الهند. وإن توما استشهد على أيدي كهّان الوثنية. وعندما نُقِلَ رفاته إلى الرها في القرن الرابع نقل معها الزنار، وأخيراً وصل إلى كنيسة العذراء في حمص التي دُعيت منذ ذلك التاريخ كنيسة أم الزنار، واكتشف الزنار عام 1852 على عهد مطرانها مار يوليوس بطرس (بعدئذ البطريرك مار إغناطيوس بطرس الرابع) ووضع في موضعه في المذبح، واكتشف ثانية على يد المثلث الرحمات البطريرك أفرام الاول برصوم عام 1953، وهو الآن موضوع في تلك الكنيسة في حمص يتبرّك منه المؤمنون. إمكانية انتقال العذراء إلى السماء: قلنا أنَّ التقليد يذكر أنها انتقلت إلى السماء، فهل انتقلت بروحها إلى الفردوس كسائر الأبرار والأتقياء؟ أم أنها انتقلت نفساً وجسداً إلى السماء؟.. إن انتقالها إلى السماء بالجسد الممجّد ليس غريباً عن روح الكتاب المقدس والحقائق الإيمانية المسيحية السمحة. فإذا كان أخنوخ قد أخذه الله إلى عنده لأنه سار مع الله (تك 5: 24) وإذا كان إيليا النبي قد صعد حياً إلى السماء بمركبة نارية (2مل 2: 11) فهل كثيراً على والدة اللّه مريم التي حملت الإله تسعة أشهر في حشاها، وولدته وأرضعته لبنها، أن يحفظ جسدها بلا فساد؟ وأن يتحول إلى جسد روحاني؟ وان تصعد السماء نفساً وجسداً لتتنعم مع ابنها الحبيب الرب يسوع المسيح؟ قال مار يعقوب السروجي الملفان (521+) في ميمره السرياني في وفاة العذراء: «ولما دنت وفاة العذراء انحدر إليها بأمر اللّه الملائكة والأبرار والأنبياء والآباء، وقدم الرسل الإثنا عشر والمبشّرون… ودفنوها في مغارة صخرية، وعمّ المجد السماء والأرض، حينما شاهد الملائك نفسها صاعدة، وطائرة إلى المنازل النورانية([36])». وجاء في الكتاب المنسوب([37]) إلى ديونيسيوس الأريوباغي أسقف أثينا (ت 95): «إنه عند وفاة مريم اجتمع جميع الرسل بسرعة من جميع أقطار الأرض حيث كانوا يبشّرون، إلى أورشليم إلى بيت هذه المباركة، وحينئذ أتى يسوع مع ملائكته. وأخذ نفسها وأحضرها إلى ميخائيل رئيس الملائكة. وفي اليوم التالي وضع الرسل الجسد في القبر وحرسوه منتظرين ظهور الرب. فظهر المسيح ثانية ونقل جثتها المقدسة إلى السماء على سحابة، وهناك اتحد أيضاً الجسد بالنفس، وفاز بالسعادة الأبدية»([38]). شفاعة العذراء: إن الكنيسة السريانية تتشفّع بالسيدة العذراء مريم، وإن العجائب التي اجترحتها العذراء للكنيسة وللمؤمنين، لا تحصى. أما زنارها فهو موضع تكريم ومصدر بركة، ولا عجب فإذا كانت الثياب توضع على جسم الرسول بولس ثم تؤخذ فتوضع على المرضى فينالون الشفاء، فكم بالحري زنار سيدتنا العذراء الذي نسجته بيديها الطاهرتين، وتمنطقت به، بل على الأغلب قد لامس أيضاً جسد الفادي بالذات!؟ لا نعبد إلاّ اللّه: قلنا إننا نتشفّع بالعذراء وقد مرّ بك ترجمة بعض الصلوات التي ترفع إلى اللّه وتتضمّن الشفاعة بالعذراء مريم ولكننا لا نعبدها، بل لا نعبد إلاّ اللّه وحده. ونستنكر خرافة عبادة مريم، فليس في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض اسم سوى اسم يسوع، له تجثو الركب كافة، لأنه مخلّص العالم. أما العذراء فهي بشر، ومن عبدها كفر (أع 14: 11 ـ 16) وهي تقول عن نفسها: «تبتهج روحي باللّه مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته فهوذا منذ الآن تعطيني الطوبى جميع الأجيال، لأن القدير صنع بي عظائم»(لو 1: 49) فعلينا أن نطوّبها بالاقتداء بفضائلها بحفظ كلام اللّه والتفكّر به في قلبها بصلاة عقلية حقيقية، فهي المثال الصالح للبتوليين والبتولات والمتزوّجين والمتزوّجات، وللآباء والأمهات بتربية الأولاد التربية الصالحة، بالمحافظة على شريعة الرب والقيام بفرائضه، فليبارك الرب كل من تشفّع بالعذراء مريم واقتدى بسيرتها الطاهرة. وإن خير ما نختم به حديثنا عنها طلبة لمار يعقوب السروجي القائل ما ترجمته: «صلاتك معنا أيتها المباركة، صلاتك معنا. إن الرب يستجيب إلى صلواتك ويغفر لنا. فتضرعي أيتها الممتلئة نعمة والتمسي ممن هو مملوء رحمة ليرحم النفوس التي تطلب الرحمة([39]) آمين». |
|