رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مهنة النجارة والقديس يوسف النجارة من أقدم الحرف البشرية، لأنها صناعة تحويل الخشب إلى مواد لازمة وصالحة للإفادة منها، ولان الخشب معروف منذ أقدم العهود. ويظن أنها أقدم حِرفة على الإطلاق. وأول ذكر لها في التكوين في قصة بناء فلك نوح. كذلك استخدم اليهود نجارين ماهرين عند صنع أدوات خيمة الشهادة واستخدم كل من داود وسليمان نجارين من صور في بناء القصر والهيكل، وذلك لان صور كانت مركز صناعة بناء السفن، التي هي صناعة خشبية. وقد عرف أهالي لبنان الفينيقي بالمهارة في النجارة لتوافر أخشاب الأرز والسرو عندهم، ولحاجتهم للسفن التي كانت محور نشاطهم التجاري. وكان يوسف، خطيب القديسة مريم، نجار كما اوضحنا. ومن أدوات النجارة القديمة الفأس والمنشار والمسامير والمطارق. من اجل الناس في قرية القديس يوسف فهو ومن المحتمل اقرباؤه كانوا يقوموا بتصنيع الأثاث وبعض الأدوات الأساسية للفلاحة وغيرها من التي تستخدم في المنازل. الحوانيت الصغيرة للنجارة يمكنها ان تقوم بعمل السواقي للري واسوار ومخازن للعلف. عادة مثل تلك القطع الصغيرة تأخذ فقط جزء صغير من وقت النجّار. في المتاجر الكبيرة ربما يتم تكليف الشباب من الاسرة في القيام بالاعمال التي تحتاج لمجهود كبير. مع نمو اعمال هيرودس وانشاءاته لمدن عديدة اصبح الطلب كثير للعمالة اليدوية وخاصة اعمال النجارة والبناء وكانت مجموعات العمل تذهب بعيدا عن قراهم للعمل والعودة. الطلب الشديد على الحرفيين كان متزايد اثناء طفولة يوسف وشبابه والنجارين من اليهودية كانت لديهم الفرص للسفر بعيدا للعمل في البناء ولكن أيضا كانت هناك اعمال كافية بالقرب من أماكن سكناهم. هيرودس الملك كان يقدر مهارات الرجال الذين كانوا يقومون بالعمل في الانشاءات والمباني فهم كانوا أساسيين لأعمال دعايته-ارثه ومكانته الدولية. وكان هيرودس معروفا بسخائه نحو الحرفيين وهناك ادلة ان الحرفي يمكنه ان يصبح غنيا في ذلك الزمن. واحد من معاصرين يوسف كان رجلا اسمه “سمعان باني الهيكل” والذي تم اكتشاف قبره الفخم مؤخرا. في كل واحد من مشروعات اعمال بناء هيرودس كان النجارين مشغولون بأعمالهم قبل ان يلحق بهم الحرفيين الآخرين مثل البنائين وعمال الحفر. كان النجارين هم الذين يبنون العربات والسقالات والرافعات والسلالم والتي تسمح لباقي العمالة في العمل كل في تخصصه ثم يستمر النجارين في العمل في تثبيت القواطع والممرات وغيرها. الحرفيين في عهد هيرودس الملك كان في استطاعتهم عادة التحدث بلغتان واحيانا بطلاقة فلغتهم الاصلية وهي الأرامية وكذلك اللغة اليونانية والتي أصبحت هي اللغة السائدة في التجارة والمعاملات الحكومية في منطقة البحر المتوسط. في فترات سفر هؤلاء الحرفيين من مكان لآخر كانوا يتعرضون لثقافات مختلفة وحضارات تختلف كثيرا عما عاشوه او نشأوا عليها. دعونا الان ان نتخيل ان يوسف ووالده كانا ذا مهارة في مهنتهم ويبدو ان يوسف كان معروفا حتى بعد موته ب “النجّار” ولذا فيفهم من هذا انهم كان لديهم فرص كثيرة للعمل وقيامهم بالتعامل مع العديد من العملاء سواء في قريتهم الناصرة او في المناطق التي قاموا بالعمل فيها. ان السمعة الجيدة تكون ضرورية في العمل الحرفي فالمهارة والتفوق والأمانة تجلب الانتباه وذلك الانتباه يجلب عملاء وضمان دخل للعائلة. على اية حال فالتفوق يجلب أيضا حسد ممن هم اقل مهارة. ان نظام حكم هيرودس كان يعتمد على البنائين والحرفيين ولكن أيضا على الجواسيس والمرشدين. مع ان هيرودس يقدر هؤلاء الحرفيين لكن الامر لا يخلو من الوشايات ضدهم فكان عمل هؤلاء يتأثر كثيرا في جو تلك الوشايات والمؤامرات وكان البعض يخفي مهارته هربا من ذلك الجو الخطر. انه كان من الخطورة ان تعرف انك من سلالة الملك داود ولذا فكلا من يوسف وابوه كان معرضون للخطر. وشاية قد تصل لأسماع هيرودس حتى وهما ذا مهارة يدوية قد تودي بهم للهلاك. كان داود مع كل هذا راعيا للغنم عندما صموئيل النبي فرزه ودهنه ولكن في عصر هيرودس كان العمل يمثل تحديا بالغ الخطورة لسلالة داود. المجامع اليهودية والقديس يوسف ان عالم القديس يوسف كان ليس مشابها عالمنا في معظم الاحوال ولكن الاكثر التفاتا ربما في وحدة الحياة. الدين لم يكن مجزأ والنشاط الديني لم ينزل الي مكان خاص او يوم معين من الاسبوع ولكن بدلا من هذا كان على نطاق واسع يلمس كل جانب من جوانب الحياة في المنزل وفي العمل. من المؤكد انه كان هناك مجمع في الناصرة والخدمة كانت تقدم هناك في يوم السبت والليتورجيا تتضمن الصلوات وقراءات من الناموس والأنبياء وبعدها تفسير للكتب المقدسة من معلّم. طقوس مهمة تاخذ مكانها في المجمع ففي اليوم الثامن لميلاد الطفل الذكر يتم ختانه هناك وعندما يقدر الصبي على القراءة يُسمح له ان يقرأ لأول مرة من كتاب التوراة وبينما هو يقرأ ملعقة من العسل توضع على فمه حتى ان ذكرى تلك القراءة للناموس دائما تبقى حلوة. في عمر الاثنا عشر او الثالثة عشر الولد يفترض قيامه بكل واجباته الدينية التى جاءت في شريعة موسى من صوم وصلاة وحج ونشاط داخل المجمع. يخدم المجمع ايضا كمكان للتجمع وفندق للمسافرين اليهود. الذي يحكم هذا المجمع ويديره كانوا الشيوخ والكهنة وعادة قائد واحد يقوم بأعباء ادارة المجمع في اعماله اليومية. في عالمنا الحديث اليوم يختلف المجمع كثيرا اعتمادا على الانتماء الطائفي- ارثوذكس او محافظين او غيرهم. في العالم القديم كانت المجامع ايضا تختلف من قرية الى قرية اعتمادا على الحركة الدينية المنتشرة في تلك القرية سواء من الفريسيين او الصدوقيين او الغيورين. كانت العبادة قبل السبي تؤدي في هيكل أورشليم فقط وبعد السبي أصبحت العبادة في أورشليم مستحيلة وغير ممكنة في ذلك الوقت فنشأت فكرة المجامع في بابل ولقد أقيمت لا لتكون مكانًا للذبائح وإنما للتعليم الكتابي والصلاة فالذبائح كانت تقدم فقط في اورشليم فلا يوجد مكان آخر على الأرض يمكن ان تقدم عليه ذبيحة مقبولة الى اله اسرائيل. وكان المجمع في قرية عدد أصحاب بيوتها 120 فصاعدًا مؤلفًا من ثلاثة وعشرين شخصًا، وفي القرى الصغيرة من سبعة قضاة ولاويين أو ثلاثة أعضاء فقط. كان الرجال الذكور ملزمين بالحج ثلاث مرات في السنة الي اورشليم في الأعياد الكبرى عندما كان هناك الهيكل. لكن الصلوات الشخصية كانت تقدم في البيت أيضا بجانب المجمع وكانت قواعد التوراة هي التي تتحكم في نظام الاسرة والعمل واوقات التسلية وحتى في العلاقات الجنسية ما بين المتزوجين. ان حكم هيرودس الكبير -الغريب بدرجة كافية-تزامن مع فترة الاحتفالات الدينية في البلاد. كان هناك معلمين يهود عظماء هما Hilled and Shammai احياء ونشطاء في اورشليم، ومع علمهما وتقواهما كانا مثالا لليهود في كل الأجيال وحتى ما بعدهما. مع إعادة بناء هيكل اورشليم جاء تجديد عظيم في الحياة الليتورجية – و تكثيف لخبرة الحج والذهاب لهيكل اورشليم كما تتطلب الشريعة. الفريسيون اظهروا ثباتا في أيام حكم Hasmoneans وكانوا بلا خوف في معارضة للإساءات الدينية من الملوك واستمروا بشكل متقطع ان يكونوا مزعجين لهيرودس الملك. اما الغيورين وجدوا افضلية عند هيرودس فالمعلم الذى كان يعلمه وهو صغير كان من ضمن حركة الرهبان من تلك الطائفة وكان هيرودس يقربه اليه كمستشار له اثناء حكمه. ظل الغيورين متطرفين ورفضوا مشروعية كل رؤساء الكهنة منذ بداية hasmoneans ورفضوا ان يعترفوا باي تغييرات طقسية قاموا بها هؤلاء الكهنة ومع هذا احتفظوا بنتائجهم واعيادهم ومواعيدها وطقوسها حسب طريقتهم. وجعلوا الحج الى اورشليم ولكنهم لم يشتركوا في الذبائح التى كانت تقدم في هيكل اورشليم. عدد من طائفة الغيورين كانوا يعيشون في تجمعات في الصحراء بجوار البحر الميت، وكانت تلك التجمعات تتبع نظام نسكي متشدد وكان يشمل كلا من البتوليين والمتزوجين. عدد كبير من الباحثين يعتقدون ان اسرة يسوع كانت على اتصال بهؤلاء الغيورين. القديس يوحنا المعمدان قد قضى بعض الوقت في الصحراء وشارك تطلع فئة الغيورين في البتولية وانتظار المسيّا. يوسف ومريم اقتربا ايضا في ارتباطهما بطريقة تبدو متفقة مع فكرة البتولية عند الغيورين. ان اجابة مريم للملاك في البشارة تبدو مقبولة فقط اذا ما كانت قد قررت ان تحفظ بتوليتها طيلة حياتها ولذا فهي قالت:” كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلا”. بمراجعة ادلة بعض علماء الأثار جاء بان اسرة يوسف لها ارتباط قوي ووثيق مع حركة الغيورين وايضا وصل لنفس النتيجة John Bergsma في كتابة عن يسوع ومخطوطات البحر الميت. انه من المؤكد ان يوسف قد كبر مع الوعي الشديد بقرب قدوم المسيّا مع احتمالية ان المسيّا سوف يأتي من عائلة يوسف خاصة، وايضا قد نما مع خيارات مهنية عليه ان يفاضل بينهم ويختار لنفسه. في سن المراهقة المبكرة كان من المتوقع ليوسف ان يعيش ايمان الكبار ومن المحتمل ايضا انه كان له حصة في دخل العمل الذى كان يدعم الاسرة. حتى مع العمل للشباب الذى كان لستة ايام بمشقة كل اسبوع مع راحة يوم واحد وهو يوم السبت والذى كان مراقب بصرامة شديدة، فهذا اليوم كان محفوظ بكامله للصلاة واوقات فراغ تأملية ولا شيئ يسمح لأي عمل او شبه عمل. كان الزواج مرتب بواسطة الوالدين مع نصيحة من اقارب بالغين مع الحصول على موافقة المختارين للزواج لكي يرتبطوا. لقد أكد Samuel Sandmel في كتابه بدايات اليهودية والمسيحية ان هناك فرق مابين فكرة الزواج في القديم والحديث فبين اليهود في القرن الاول الميلادي ينظر للزواج على انه ارتباط رسمي مرتب ما بين العريس والعروس وعائلاتهم. الحاخامات اليهود في القديم كانوا ينصحون للرجال بالزواج عن عمر 18 سنة والبنات ان يتزوجن بعد فترة قصيرة من بلوغهن. عادة يتم اختيار الشريك من الاقارب او من القرية وهذا يؤكد التشابه الاساسي للنظم والتقاليد والعادات والقيم والمفهوم الديني في قرية صغيرة مثل الناصرة كل الناس الشباب يعرفون بعضهم البعض جيدا و عندما يبلغون اكبر سنا يتزوجون وعدد السكان في ذلك الوقت كان قليل لا يقارن بأيامنا الآن. احيانا يقوم الأهل بترتيبات الزواج عندما يكون اطفالهم صغارا وبعد عدة سنوات يبدأوا في اجراءات الزواج والذى يبدأ بحفل الخطوبة. العائلات المتداخلة في ذلك الارتباط سوف يكتبون شروط رسمية وتحديد الهدايا والممتلكات التى تتضمن في عقد الارتباط. بعد الخطوبة هذا الارتباط يمكن حله بالطلاق. الزواج يكون نهائي وعادة يكتمل فقط بعد احتفال يسمى kiddushin او المقدسات. انه من المحتمل ان يوسف ومريم قد عرفا منذ شبابهما انهما مخصصان لبعضهما البعض، وايضا من المحتمل انهما كانا متأثران ببتولية جماعة الغيورين وانهما قد قررا البقاء في تلك البتولية حتى اذا ما ارتبطا بالزواج. وهكذا فلا يوجد على السطح يظهر أي شيئ غير عادي عن حياة مريم فهي امرأة صغيرة ومخطوبة لرجل من بيت داود وتحيا مع عائلتها في قرية صغيرة غير معروفة هي الناصرة في منطقة الجليل. بهذا اعطانا انجيل لوقا معلومة إضافية عن مريم يمكن ان يكشف كيف ان هناك شيئا ما يحدث تحت السطح والذي يظهر على السطح على انه شيئ بسيط لحياة عادية، ان الله يعمل شيئا غير عادي ليعد مريم الي رسالة مهمة للغاية في تاريخ البشرية. |
|