حياة الإنسان الأرضية المحدودة ، إذا ما قيست بالأبدية غير المحدودة ، فإنها تزول إلى صفر كأنها لا شئ 00
ومع ذلك فالناس يهتمون بحياتهم على الأرض ، كما لو كانت هى كل شئ بالنسبة إليهم 00 يهبونها عواطفهم ووقتهم وجهادهم ، ويضعونها فى المكان الأول من قلوبهم 0
سواء كانت حياتهم هم على الأرض ، أم حياة أحبائهم ، أو أقربائهم أو أصدقائهم أو معارفهم 00
وفى كل هذا ينسون أبديتهم ، وأبدية هؤلاء 0
لكى تهتم بالأبدية ، لابد أن تقتنع بها وتفكر فيها ، وتعمل من أجلها بكل جهدك ، وتجعلها تشغل قلبك 0
إن الكنيسة المقدسة تجعل هذه الغاية أمامنا فى صلوات الأجبية ، وبخاصة فى قطع النوم ونصف الليل وأيضا فى قطع الغروب ، وفى كثير من المزامير المستقاة 0
كل هذا ، ليكون هذا الموضوع فى ذاكرتنا باستمرار 0
هذا الذى من أجله قال السيد المسيح : ( ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟! )
وقال بولس الرسول : ( ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التى ترى ، بل إلى التى لا ترى 0 لأن التى ترى الآن ، عاش آباؤنا القديسون فى حياة التجرد ، وفى الموت عن العالم ، وركزوا كل قلوبهم وعواطفهم فى محبة الله وحده ، مشتاقين إليه وإلى الحياة الدائمة معه 0 وهكذا بدأوا طريقهم نحو الأبدية والانطلاق من هذا العالم ، ونالوا مذاقة الملكوت 0
الذى يعمل لأبديته ، لا يحب العالم ولا الأشياء التى فى العالم ، موقتا أن العالم يبيد وشهوته معه 0
والذى يعمل لأبديته ، يسلك دائما بتدقيق فى كل شئ ، لئلا يفقد إكليله ، بخطأ أو تهاون 0
والذى يعد نفسه للأبدية ، يفكر كثيرا فى العالم الآخر ، فى الله وملائكته وقديسيه ، فى مسكن الله مع الناس ، فى أورشليم السمائية ، فى انطلاق الروح من ثقل الجسد ، ويرى أن هذا أفضل جدا 00 فيشتاقه 000