|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المرأة السامرية
1- الاستقبال اللقاء بالمسيح يغيّر الحياة. ذهبت امرأةٌ سامريّة عاديّة إلى البئر لتستقي الماء، فإذا بها تلتقي بمَن يملك الماء الحيّ، وأعلمها أنّ العبادة الحقيقيّة ليست مكانيّة إنّما بالروح والحق. تغيّرت حياتها وأصبحت مبشّرة به. كيف تقيّم لقاءاتك بالناس؛ هل تتضمّن بشرى خلاص وسلام، هل فيها أحاديث بنّاءة؟ لماذا أتيتَ إلى الموعوظيّة؛ وما هو اختبارك مع يسوع؟ وأخيرًا، هل تعطي للحج او لزيارة الأماكن الدينيّة مكانة أساسيّة في حياتك، ألا تعتقد أنّ الله موجود في الشرق الأوسط، في أوروبا وفي كلّ مكان، ويرافق خطواتك ويسمعك حين تحدّثه؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في لقائنا اليوم. 2- قراءةُ الإنجيلِ وتفسيرُهُ: لقاء يسوع بالمرأة السامريّة (يو 4: 1-42) 1 ولَمَّا عَلِمَ يسوعُ أَنَّ الفِرِّيسِيِّينَ سَمِعوا أَنَّه اتَّخَذَ مِنَ التَّلاميذ وعمَّدَ أَكثَرَ مِمَّا اتَّخَذَ يوحَنَّا وعمَّدَ 2 مَعَ أَنَّ يسوعَ نَفَسَه لم يكُنْ يُعمِّد بل تَلاميذُه، 3 تَركَ اليَهوديَّة ورجَعَ إلى الجَليل. 4 وكانَ علَيه أَن يَمُرَّ بِالسَّامِرَة. 5 فوَصَلَ إلى مدينةٍ في السَّامِرَةِ يُقالُ لَها سيخارَة، بالقُرْبِ مِنَ الأَرضِ التي أَعْطاها يَعقوبُ لابنِه يُوسُف، 6 وفيها بِئرُ يَعقوب. وكانَ يسوعُ قد تَعِبَ مِنَ المَسير، فَجَلَسَ دونَ تَكَلُّفٍ على حافَةِ البِئر، وكانَتِ الساعةُ تُقارِبُ الظُّهر.2. 1- الشرح لم يكن حديث يسوع مع رجل سامريّ بل مع «امرأة» سامريّة وهذا يعطي قيمة وكرامة للمرأة، كانت مفقودة عند الشعوب القديمة. هذا اللقاء شبيه بلقاءات الآباء الأولين: إسحق برفقة، ويعقوب براحيل، وموسى بصفورة. وإن توبة أهل السامرة في آخر النص هي بمثابة زواج جديد بين الله وشعبه. والحديث بين يهوديّ وسامريّة أمرٌ مُستغرَب بسبب العداوة بين الشعبين تاريخيًّا وإيمانيًّا. يعود تاريخ العداوة بين اليهود والسامريين إلى ما بعد موت سليمان الملك سنة 935 ق.م.، كما أشرنا سابقًا في الفصل الرابع عشر في حديثنا عن مثل السامري الصالح. فقد كان في التاريخ أربعة مفاصل أساسيّة بين الشعبين. أمّا أيام المسيح، فقد اضطهد بيلاطسُ الكثيرَ منهم (لو 13: 1)؛ وبما أنهم شاركوا في الانتفاضة الكبرى ضد الرومان، قُتلوا وذهبوا في مهبّ الريح سنة 67 بعد الميلاد؛ ويُحكى أنّه لا يزال منهم بقيّة باقية في الأرض المقدّسة. وإيمانيًا، كان السامريّون يؤمنون بكتب التوراة الخمسة فقط (وليس بكامل العهد القديم)، يؤمنون بإله واحد، بالشريعة والوصايا العشر، مكان العبادة جبل غريزيم، وحسب رأيهم أراده الله للعبادة وتقديم الذبائح. ويؤمنون بموسى كنبيّ وحيد سيعود، ويدعى «التائب». ضِف إلى ذلك أنّ السفر، جغرافيًا، بين الشمال (الجليل) والجنوب (اليهوديّة)، لا يمرّ إلزاميًّا بالسامرة بين الجبال الوعرة المليئة باللصوص، إنّما هناك طريق سهل قرب نهر الأردن يسلكه الحجّاج. لذلك عندما يقول الإنجيل في الآية 4 كان على يسوع أن يمرّ في السامرة، فبالطبع ليس جغرافيًا، إنّما رسوليًا كان عليه أن يمرّ هناك ليُلقي البشارة. نجد في إنجيل اليوم قسمَين في موضوعَين: أ- الحوار مع السامريّة يدور في الموضوع الأول حول الماء (4: 7-18): الحوار مع المرأة السامريّة هو على مستويين: مستوى بشري مادّي طبيعي، ومستوى ثانٍ روحيّ إلهيّ ذات معنى أهم. الماء الذي يحتاجه الإنسان ليروي عطشه أصبح بالنسبة إلى يسوع ماء حياة يجعل الذي يشربه يتحوّل إلى نبع ماء ينبع حياة أبدية. إلامَ يرمز الماء؟ للماء في الكتاب المقدَّس معانٍ عديدة، فهو يرمز إلى الموت والحياة. إنّه يُحيي النبات والحيوان والإنسان، ولكنّه إذا غمرَنا يقضي علينا. أمّا يسوع فيُعطي الماء الحيّ، أي – طبيعيًّا – المياه الجارية النقيّة، لأنّ الماء الراكِد لا حياة فيه بل يعِجُّ بالأوساخ والجراثيم. هذا بعض ما يرمز إليه هذا الماء الحيّ: في الكتاب المقدس يرمز الماء إلى كلمة الله وتعليمه، وحكمته الأزلية، وشريعته المقدسة. وفي إنجيل يوحنا، يرمز الماء إلى الروح القُدُس عطية الله العظمى بعد القيامة. وفي حياة الكنيسة، يرمز الماء إلى ماء العماد المقدس. فالذي يتقبّل الكلمة يتحوّل إلى نبع يعطي الكلمة. والانسان يتحول إلى مبشّر وإلى مواهبيّ، يفيض نِعمًا في الكنيسة ويقدّس مَن حوله. إنّ كلّ معمّد يستطيع أن يعمّد في حال الضرورة. ب- الموضوع الثاني الأساسيّ مع السامريّة يدور حول العبادة (4: 19-24): هنا أيضا تحدثت المرأة السامريّة عن مكان جغرافيّ للعبادة في جبل غريزيم، أم في أورشليم. أما يسوع فتحدث عن نوعيّة عبادة فقال: «تأتي ساعةٌ يعبد العبادُ الصادقون الله بالروح والحق» (4: 21-23). هنا أيضًا رفع يسوع مستوى الحوار من مستوى سطحيّ أرضيّ إلى مستوى أهمّ. للمسيحيين ليس المكان الذي يشفي لا كنيسة مار فلان ولا مقام سيّدة فلان، فيسوع يتحدّث عن عبّادٍ في القلب: ليس المكان الذي يشفي بل إيمان القلب. من هنا لا فريضة حج للمسيحيين. من التفاسير لعبارة «عبادة الآب بالروح والحق» (آ. 23): عبادة الآب تتم بقوّة الروح القُدُس مع الارتكاز على الحقّ أي يسوع. لكن، بغضّ النظر عن التفاسير اللاهوتيّة، ما يريده يسوع هو عبادة في القلب؛ ليست الديانة المسيحيّة شعائر خارجيّة حتى ولو تتمّ من خلال الرموز والليتورجيا. الأساس في المسيحيّة هو القلب، هو باطن الانسان! 2. 2- التأوين يدعونا إنجيل اليوم أن نبحث في حياتنا عن الماء الحي، يسوع المسيح من خلال كلمته وتعليمه، فمَن يشرب منه لا يعطش أبدًا. لماذا الذهاب إلى الآبار المشقّقة التي لا يشفي ماؤها غليلنا؟ فعندما نرتوي من ماء الحياة، نصبح نبعًا يفجّر حياةً أبدية للآخرين. يكمن معنى حياتنا بالتتلمذ ليسوع وللشهادة له في محيطنا. كما يدعونا إنجيل اليوم أن نعبد الله بالروح والحق؛ لا فريضة حج في المسيحيّة، فالله موجود في كل مكان وزمان، وحضوره فعليّ وخلاصيّ بشكل دائم. 3- التعليمُ اللاهوتيّ والروحيّ: عمل الروح القُدُس يؤمن المسيحييون بالإله الواحد في ثلاثة أقانيم، أي إن الله ليس وحيدًا، بل هو في وحدته أقانيم ثلاثة، لكلّ واحد ميزته ودوره، وهذا ما رأينا له انعكاسات في تاريخ خلاصنا. الروح القُدُس هو الأقنوم الثالث، وكان اسمه مرتبطًا بعمل الله منذ الخلق، فقد «كان روح الله يرفرف فوق المياه». ويشير حضوره في كلّ مرّة إلى خلق جديد سيبدأ. بعد خلق العالم نراه حاضرًا على رأس يسوع عند بداية رسالته العلنية إشارة إلى خلق جديد للعالم. ونراه في العنصرة عند بداية الكنيسة حالاًّ على الرُّسُل. ونؤمن بحلوله في المؤمنين في بدء حياتهم المسيحية، فهو الذي يقبله كلّ واحد يوم عماده وتثبيته. تساعدنا صور كثيرة في الكتاب المقدس على فهم دور الروح القُدُس وبالتالي هويته: هو كالهواء الذي يجعلنا نتنفّس، وكالريح يدفعنا للإنطلاق، وكالزيت الذي يقوّي المصارعين والعدّائين، والنار التي تطهّر وتدفئ من كان باردًا، واليمامة التي تنزل من السماء، والمياه التي يعطينا إياها الرب والتي تتفجر فينا كالينابيع فتسقي من حولنا. لم يشأ الربّ يسوع الممتلئ من الروح القُدُس أن يحتفظ بهذه العطية السامية لنفسه بل أفاضه على رسله. فالروح هو أيضًا روح الشراكة مع الآب والابن، وبحلوله يسكب فينا حياة الله ويجعلنا نقبل القداسة منه. هو بالرغم من قوّته لا يُلزمنا أيَّ خيار، بل يحثّنا من الداخل لكي نختار الأفضل، أي ما يوافق مشيئة الله. هو يحترم حرّيتنا ولا يلغيها، بل على العكس، هو يحرّر حرّيتنا التي ربّما تكون عاجزة عن اختيار الخير، فيعطيها الإمكانية، إذ ينزع عنها كل القيود التي تكبّلها، لتختار ما تريد وترغب. كيف يحرّرنا من الداخل؟ هو إذ يدفعنا لكي نحبّ ويعطينا النعمة لذلك، يجعلنا ننزع من قلوبنا الأنانية التي هي في الوقت عينه باب للخطيئة وفرصة للعبودية. يحثّنا على طلب السلام مع ما ينتج عنه من رغبة في الغفران والمصالحة. هو يعمل فينا من الداخل فيزرع في أعماقنا روح العائلة التي ننتمي إليها، أي مشاعر الله الآب والربّ يسوع الابن. هو يجعلنا ننادي الله: «أبّا، أيها الآب». ومن طبيعة عمله، وبما أنّه روح المحبّة والتسامح والغفران، هو لا يحصر عمله في المسيحيين، بل يعمل في كلّ إنسان. هؤلاء الناس الذين ينفتحون على عمله ولو لم يعرفوا هويّته، هم الذين تسمّيهم الكنيسة «ذوي الإرادة الحسنة». فالروح القُدُس ليس ملكًا للكنيسة يمشي كما تطلب هي منه، بل هو معلّمها الذي يقودها، بإلهاماته، لكي تسير في بحر هذا العالم، علامة على محبّة الله لكلّ الناس. 4- للقراءةِ والتأمُّل: قراءة من القدّيس غريغوريس النّزينزيّ (+390) عمل الرّوح متنوّع إذا سلّمنا بأنّ الرّوح ليس له أن يمجَّد، فكيف يؤلّهني؟ وإذا وجب له التّمجيد، فكيف لا يكون أهلاً للعبادة؟ وإذا كان أهلاً للعبادة، فكيف لا يكون إلهًا؟ كِلا الأمرَين معقودٌ بالآخر. إنّها حقًا لسلسلة ذهبيّةٌ وخلاصيّة. فمِن الرّوح يأتينا التَبنّي، ومن التَّبني نستعيد حالتنا الأولى، ومنها نعرف الذي أعادنا.قيل فيه: روح الله، روح المسيح، روح السّيّد، السّيّد في ذاته، روح التّبنّي والحقَ والحرّيّة، روح الحكمة ومخافة الله. فهو صانع جميع هذه. إنّه مبدأ الكلّ بجوهره، يستوعب الكلّ، يملأ العالمَ جوهرُه، لا يحدّ العالمُ قدرتَه، إنّه صالح ومستقيم ومُرشد، مقدَّس بطبيعته لا بصفةٍ تضاف إليه. يقيس ولا يُقاس، يُشترَك فيه ولا يَشترِك، يملأ ولا يـُملأ، يَحتوي ولا يـُحتوى، يورِث، يتمجّد، يُذكر مع الآب و الابن. هو إصبع الله، هو نار، مثل الله، ليدلّ بحسب إيماني على أنّه مساوٍ له في الجوهر. هو الرّوح الذي يُبرىء كلَّ الخلائق، يجدّد بالمعموديّة والقيامة. إنّه الرّوح الذي يعرف كلّ شيء، يعلّم، يهبّ حيث يشاء، مقدار ما يشاء. يرشد، يتكلّم، يرسل، ينير، يميّز، يغضَب، يمتحن، يوحي، يُلهِم، يـُحيي؛ هو بالأحرى نورٌ وحياة، يجعلنا هيكلَه، يؤلّهنا، يبلّغنا الكمال، حتّى إنّه يسبق المعموديّة، ويتبعُها. إنّ له كلَّ فِعل الله، يقسّم ألسنةً من نار، يوزّع المواهب الرّوحيّة، يصنع رسلاً وأنبياء، إنجيلييّن ورعاةً وملافنة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بئر السامرية حيث التقى المسيح مع المرأة السامرية |
المرأة السامرية |
المرآة السامرية |
المرأة السامرية |
المرأة السامرية |