رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مخافة الله
جميع الناس يحتاجون إلي مخافة الله وهي لازمة لهم لتصدهم عن ارتكاب الخطايا والذنوب والآثام: ليس فقط للذين يعيشون في حياة الخطية بكل استباحة واستهتار, ويكسرون وصايا الله بكل جرأة دون أي خوف أو حياء, بل أيضا يثورون علي القيم والمبادئ ويصل بهم الأمر إلي التذمر علي الله.. وإنما المخافة لازمة كذلك للذين يخطئون اعتمادًا علي رحمة الله ومغفرته, ناسين أن الله عادل وأنه قدوس, ضد الخطية بكل صورها. * وعندما خلق الله الإنسان, كان هذا الإنسان لا يعرف الخوف. ولكن الخوف دخل إلي قلبه نتيجة للخطيئة, وأصبح ملازمًا لها: قبل الخطية وأثناءها وبعدها.. فالخوف الأول الذي يسبق الخطية, هو خوف السقوط, وهو يدفع صاحبه إلي الحرص والبعد عن كل أسباب الخطية ومصادرها, إذ أنها أوقعت كثيرين ومنهم من كانوا أقوياء. ولكن الشيطان كثير المكر والحيلة والخداع, والتخوف من خداعه نافع جدا, لأنه يحمي الشخص من السقوط. فإن أخطأ, يقع في خوف آخر, هو خوف الانكشاف. إذ يخاف أن يعرف الناس خطيئته وينكشف, ويقع في الفضيحة والعار, ويتعرض لألسنة الناس التي لا ترحم, وتصبح سمعته مضغة في أفواههم! لذلك يقول علماء النفس أن المجرم كثيرًا ما يحوم حول مكان جريمته, خائفا من أن يكون قد ترك هناك أثرًا يدل عليه.. وهذا العامل النفساني يستغله المحققون. فإن أشاروا إلي شيء من آثار الجريمة, قد يضطرب المجرم أو ينهار. والخطاة يخافون من اليوم الأخير الذي تنكشف فيه الأعمال وتفحص الأفكار والنيات.. فأين يهربون في ذلك اليوم وأين يختفون..؟! وإن كانت خطاياهم لا تنكشف علي الأرض بأسباب وحيل شتي, فلابد أنها ستنكشف أمام الديان العادل وأمام الكل في يوم الحساب. بل إن هناك أمرًا آخر يخاف منه الإنسان الروحي, وهو أن خطاياه قد تكون مكشوفة أمام أرواح الذين انقطعوا عن هذا العالم, سواء أمام أحبابه الذين كانوا يثقون به فيندهشون! أو أمام الذين كانوا ينتقدونه فيرون أنهم كانوا علي حق!! ولعل إنسانًا يسأل: وماذا تراني أفعل إذن؟ والجواب هو أن التوبة تمحو خطاياك, وكأنك لم تفعلها. ولا تعود لك خطايا تخاف أن تنكشف, بعد أن محاها الله بتوبتك. فإن كنت تخاف الانكشاف في اليوم الأخير, تب من الآن. * نوع آخر من الخوف يرتبط بالخطيئة هو خوف العقوبة, أو الخوف من نتائج الخطيئة.. والخاطئ يخاف من عقوبتين: أحداهما أرضية, والأخرى سماوية. والعقوبة السماوية رهيبة وأبدية.. أما العقوبة الأرضية فهي علي أنواع: إما عقوبة من المجتمع: فضيحة واحتقارا, أو نبذ هذا الشخص من المجتمع إن كانت خطيئته بشعة, أو عدم الثقة به في المستقبل.. أو عقوبة من القانون مثل السجن أو ما هو أشد. أو عقوبة يوقعها الله عليه بطريقة ما, أو لعنة.. * وهناك خوف روحي يتابع الخاطئ, أو يخافه الإنسان المحترس من السقوط.. إنه يخاف من غضب الله عليه إذا اخطأ, أو أن تتخلي عنه النعمة.. وتفارقه المعونة الإلهية. ويخاف -إن سقط- أن يأخذ الشيطان سلطانا عليه, ويفقد حرية إرادته. وإذا بالشر الذي ليس يريده, إياه يفعل! وهكذا يخاف -إن سقط- أن يتوالي سقوطه, ويتحول الأمر معه إلي أسوأ.. ويخاف أن يأتيه الموت فجأة, وهو غير مستعد لملاقاة الرب. قال أحد القديسين: إني أخاف من ثلاثة أمور: أخاف من لحظة مفارقة روحي لجسدي. وأخاف من ساعة الوقوف أمام الديان العادل. كذلك من لحظة صدور الحكم علي.. فإن كان القديسون يخافون بالرغم من ارتفاعهم العجيب في حياة الفضيلة, فماذا نقول نحن الضعفاء عن أنفسنا؟! * إن الذي يخاف الله, لا يخطئ. أما الذي يخطئ فإنه شاهد علي نفسه أنه لا يخاف الله.. والذي يخاف الله, لا يعمل شرًا حتى في الخفاء. لأنه يعرف أن الله يري كل شيء, ويسمع كل شيء, ويفحص حتى أعماق القلوب. * ولعل البعض يسأل: ما رأيك إذن فيمن يعمل الشر ولا يخاف؟, والجواب هو أن هذا الشخص قد وصل إلي حالة الاستهتار واللامبالاة. أو أن ضميره مريض أو متعطل عن العمل. أو أن دوامة العالم تجرفه, ولا تعطيه فرصة لمراجعة نفسه ولا للتفكير في أعماله. فهو في غيبوبة روحية: إن استيقظ منها, لا بُدّ سيخاف.. وبعض من أمثال هؤلاء الناس, نراهم في ساعة الموت, أو إذا اقتربوا من الموت, لا بُدّ أن الخوف يرعبهم. لأنهم لم يعملوا لأجل تلك الساعة ولم يستعدوا لها. ويشعرون أنهم قد أضاعوا حياتهم.. هؤلاء يقول عنهم المزمور إنهم لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم.. فإن كنت تريد ألا تخاف في اليوم الأخير, فلتخف الآن. * ونحن نشكر الله الذي منحنا المخافة التي تمنعنا من الخطيئة وبالتالي مما يتبعها.. فمخافة الله توصل الإنسان إلي التوبة وإلي تنفيذ الوصايا.. إنها بداية الطريق الروحي, وهي أيضا سيادة للحياة الروحية حتى لا تعثر ولا تنحرف, فالذي يخاف الله يطيع الله ويعمل كل ما يوافق مشيئته الإلهية. كما أن المخافة تعلم الإنسان الحرص والتدقيق في كل ما ينوي أن يفعله, وتعلمه ضبط النفس حتى لا يسقط. أما إذا لم توجد مخافة الله في القلب, فما أسهل أن ينطبق عليه المثل القائل إذا لم تستح, فافعل ما تشاء!! |
|