رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل الخميرة
بعد أن كشف السيّد المسيح عن الدور الإلهي في ملكوت السماوات، ومقاومة العدوّ له، وإمكانيّات الملكوت، يحدّثنا هنا عن دور الكنيسة العملي في إعلان ملكوت السماوات خلال حياة الشركة، قائلًا: "يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبّأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اِختمر الجميع" [33]. لقد شبّه الكنيسة بامرأة تمسك بيديها خميرة تُخبِّئها في ثلاثة أكيال دقيق لتحوّلها إلى خبز تَقدمة للثالوث القدّوس. فإن الدقيق بدون يديّ هذه المرأة العاملة والحاملة للخميرة لا يصلح إلا أن يقدّم للحيوانات، لكنّه بالخميرة التي في يديّ المرأة يصير خبزًا مقدّسًا يُسر به الثالوث القدّوس. ما هي المرأة العاملة هنا؟ وما هي الخميرة؟ وما هي الثلاثة أكيال دقيق؟ أولًا: إن كانت المرأة تمثِّل الكنيسة الأم، فإن رسالتها تتركّز في تقديم السيّد المسيح "الخميرة واهبة الحياة" للدقيق حتى يختمر، فيحمل سمات المسيح فيه. الخميرة في واقعها مأخوذة من الدقيق، لكنها تحمل "قوّة الاختمار"، إشارة إلى السيّد المسيح الذي أخذ جسده منّا، وصار كواحدٍ منّا، ليس بغريبٍ عنّا، لكنّه هو الحياة. أمّا كمّية الدقيق فثلاثة أكيال، وكما يقول القديس جيروم: [أن الكيلة وِحدة قياس في فلسطين تحوي حوالي 3 جالونات. على أي الأحوال كمّية الدقيق ثلاث أكيال لأنه يمثّل الوِحدة بين الروح والنفس والجسد، فالكنيسة إنّما تقدّم السيّد المسيح كسرّ تقديس للإنسان في كليَّته، روحًا ونفسًا وجسدًا.] ثانيًا: يرى القديس هيلاري أسقف بواتييهفي المرأة المذكورة هنا المجمع اليهودي الذي حكم على السيّد المسيح "الخميرة" بالدفن، فقام السيّد واهبًا للدقيق اختمارًا أي "الحياة المقامة"، أمّا رقم ثلاثة هنا يُشير إلى الناموس والأنبياء والإنجيل، ففي المسيح يسوع ربّنا يظهر الثلاثة عجينًا واحدًا. غاية الناموس هو المسيح وهدف النبوّات هو الإعلان عنه. وأما الإنجيل فهو الكرازة بالمسيح يسوع. تظهر وحدة الكتاب المقدّس كلّه بنواميسه ونبوّاته وبشارته المفرحة. في التجلّي أراد بطرس أن يُقيم ثلاث مظال واحدة لموسى ممثلًا الناموس، وأخرى لإيليّا ممثلًا الأنبياء، والثالثة للسيّد المسيح ممثلًا الإنجيل، لكن الله لم يرسل ثلاث مظال، بل سحابة واحدة إشارة إلى هذه الوحدة في المسيح يسوع! رقم 3 يُشير أيضًا إلى الأمم والشعوب التي جاءت عن سام وحام ويافث، أولاد نوح الثلاثة... وكأن الكنيسة الأم تقدّم السيّد المسيح لهذه الشعوب المتفرِّقة فتختمر معًا في وحدة الروح والفكر، تحمل سمات المسيح الواحد! ثالثًا: يرى القديس أغسطينوسفي هذا المثل صورة حيّة لملكوت السيّد المسيح بكونه ملكوت الحب الحيّ العامل في البشريّة، وذلك بدخول المحبّة "المسيح" في الحياة البشريّة لتقديسها لله [الخميرة تعني الحب، الذي يخلق ويلهب الغيرة والمرأة تعني الحكمة، والثلاثة أكيال طعام (دقيق) يعني إمّا الأمور الثلاثة في الإنسان (الخاصة بحب الله) "من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الذهن" (مت 21: 37)، أو ثلاث درجات الإثمار: "مائة ضعف وستون وثلاثون" (مت 13: 8، 23)، أو الثلاث أنواع من الرجال: "نوح ودانيال وأيوب(582)" (حز 14: 14).] رابعًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفمصورة فعّالة لملكوت السماوات، فإنه لا يمكن للدقيق أن يختمر ما لم تُدفن فيه الخميرة أو تحبس في داخله. لم يقل السيّد أن المرأة وضعت الخميرة في الدقيق، بل "خبّأتها"، هكذا إن لم يلتقِ بمضايقيه محتملًا الأتعاب بفرح لا تتحوّل حياة المضايقين إلى الاختمار. وكما يقول القدّيس: [عندما تكونون واحدًا مع من يهاجمكم وتمتزجون معهم تغلبونهم (بالحب والإيمان). وكما أن الخميرة المختفية في عجين لا تهلك، بل بالأحرى تُغيّر طبيعة العجين، هكذا أيضًا في الكرازة بالإنجيل. لذلك لا تخافوا عندما أُخبركم عن الضيقات أنها قادمة، لأن نوركم لا يقدر أحد أن يُطفئه، إنّما يغلب كل البشر .] |
|