|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
امتلاك أورشليم ومدن أخرى: إذ قيل: "أتوا بأدوني بازق إلى أورشليم" [7] قدم بيانًا تفصيليًا عن محاربة يهوذا للإستيلاء على أورشليم وقرية أربع (حبرون) وقرية دبير... الأمر الذي سبق لنا الحديث عنه في مفهومه الروحي بشيء من التفصيل، عند دراستنا لسفر يشوع (الأصحاح الخامس عشر)... لذا أرجو الرجوع إليه، مكتفيًا هنا ببعض الإيضاحات الإضافية. من جهة أورشليم فقد حاربوا أهلها واستولوا عليها، ودخلوا بأدوني بازق فيها كأسير يموت هناك. غير أن الإستيلاء الكامل أو الدائم لهذه المدينة لم يتحقق إلاَّ في عهد داود النبي الملك (2 صم 5: 6-7). إذ يُقال أن اليبوسيين، سكان أورشليم (يبوس) الأصليين رجعوا إلى حصنهم جبل صهيون ونزعوا المدينة عن يهوذا حتى استولى إسرائيل عليها من جديد في أيام داود. ويرى البعض أن يهوذا أخذ المدينة ولم يأخذ الحصن الذي بقى في يد اليبوسيين حتى أيام داود الملك. "وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار" [8]. جاء في العبرية "ضربوها بفم السيف" كناية عن شدة الحرب إذ كان السيف يلتهمهم كفم يبتلع الفريسة فلا توجد. أما إشعال المدينة بالنار فلا يعني حرقها تمامًا وإنما حرق جزء منها، كالقول بأن الثوب احترق، بالرغم من أن الجزء المحترق صغير. والدليل على ذلك أن المدينة بقيت يسكنها اليبوسيين مع يهوذا وبني بنيامين (ع 21، يش 15: 63). إن كانت [أورشليم الأرضية هذه إنما هي ظل أورشليم السماوية(19)] كما يقول القديس أغسطينوس، فإنها تصير مسكنًا ليهوذا إن ضُرب اليبوسيين (الُمُداسون بالأقدام) بفم السيف، أي حُطم في القلب كل ما يستحق أن يُداس بالقدمين، وأن أُشعلت المدينة بنار الروح القدس الذي ينزع عنها البرود الروحي ويلهبها بنيران الحب التي لا تنطفئ. إذ تمتع يهوذا بأورشليم الملتهبة بنار الروح القدس لا يتوقف عن الجهاد الروحي بل ينزل "لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسهل" [9]. هكذا ينزل من أورشليم المدينة المرتفعه حوالي 2593 قدمًا ليحارب "الكنعانيين" التي تعني "الهياج"، فلا يستطيع من يملك أورشليم أن تكون له "رؤية سلام" أو أن يحتمل الهياج الداخلي للقلب خلال الخطية بل يحاربه حتى يكون له السلام الفائق في المسيح يسوع. أما المناطق التي يحاربها فهي: أولًا: سكان الجبل، وقد دعيت هكذا لأن الأرض جبلية، تقع جنوبي أورشليم وتضم بيت لحم وحبرون. ثانيا: الجنوب، تترجم عن العبرية هكذا "الجنوب"، لكنها تعرف بالنجب. كلمة نجب في العربية تعني لحاء الشجر بعد جفافه، أو قشرة ساقه الجافة. وقد دعيت المنطقة بالنجب بسبب إتسامها بالجفاف والقحط، تمتد 70 ميلًا جنوب حبرون حتى تصل إلى التية أو القفر، يحدها شرقًا بحر لوط وغربًا سواحل البحر. ثالثا: السهل وتترجم "هشفلة"، عبارة عن منطقة منخفضة تحت سفح التلال تمتد بين الساحل المنبسط وسلسلة جبال يهوذا، وتتميز بخصوبة أرضها وكثرة أشجارها ونباتاتها على عكس منطقة النجب في عصر القضاة كان الفلسطينيون يشغلون الساحل المنبسط وبنو إسرائيل يشغلون جبال يهوذا، وكانت المعارك تدور بينهما في السهل (هشفلة). لقد حارب بنو يهوذا الكنعانيين في هذه الماطق الثلاث: الجبل والنجب (الجفاف) والسهل، وكأن بني يهوذا الحقيقي - يسوع المسيح - يتعقبون الخطية بالروح القدس لكي يحطموها منطلقين إلى الجبل عاليًا بلا خوف من سكانه، وإلى النجب وسط القفار بلا ارتباك، وفي السهل دون إغراء لخضرتها وثمارها. إنهم تجاهدون في كل المواقع: الجبال والقفار والأراضي الخصبة، لا يحطمهم عنف الخطية وقسوتها ولا تجتذبهم إغراءاتها. أما بخصوص قرية أربع أو حبرون [10] فقد رأينا كيف طالبَ كالب بن يفنة حقه في امتلاكها، وقد طرد بني عناق الثلاثة وقتلهم... وقد حملت أسماء المدينة وبنو عناق معانٍ رمزية سبق الحديث عنها(20). إهتم كالب بامتلاك هذه المدينة بكونها مدينة حصينة يصعب الاستيلاء عليها، لهذا يبدو أن داود جعلها عاصمة لمملكته قبل إستيلائه على أورشليم. وكان لهذه المدينة قدسيتها عند اليهود، ودعيت بالخليل تذكارًا لإبراهيم خليل الله الذي ضرب خيامه فيها، وفيها دفن مع سارة امرأته (تك 25: 7-11)، وقد صارت من مدن الملجأ (يش 21: 11- 13). أما دعوتها "قرية الربع"، فيرى بعض معلمي اليهود أنها دعيت هكذا لأن فيها دُفن أربعة آباء: آدم وإبراهيم وإسحق ويعقوب مع زوجاتهم (تك 23: 19؛ 25: 9؛ 49: 30، 31)، كما سكن فيها أربعة المشاهير: إبراهيم وعابر وأشكول وممرا. لكن الكتاب المقدس ينسب إسمها إلى "أربع الرجل الأعظم في العناقيين" (يش 14: 5)، وقد دعى "أربع" أبي عناق (يش 15: 13). بعد الاستيلاء على حبرون أو قرية أربع وقتل بني عناق انطلق يهوذا إلى دبير أو قرية سفر، حيث أعلن كالب بن يفنة أن من يضربها يعطيه عكسة ابنته امرأة... هذه التي تمتعت بالينابيع العليا والينابيع السفلى كهبة من أبيها بعد أن تزوجت بعثنيئيل فاتح قرية سفر أو دبير. "دبير" من أصل عبري يعني "يقرأ"، أما دعوتها "قرية سفر" أو "كتاب"، أو "قرية سّنة" (يش 15: 49) أي ما يحويه الكتاب من شريعة أو سنن، فيُظهر أنها كانت مركزًا للعلم والدين عند الكنعانيين. ظن كثيرون أن مكانها الآن قرية الظهرية التي تبعد حوالي 13 ميلًا جنوب غربي حبرون، لكن الآن يرجح أن مكانها تل أبيب مرسيم التي تبعد غربًا نحو 13 ميلًا جنوب غربي حبرون وعلى بعد ثلاثة أميال شمال غربي شامير(21). رأينا أن كلمة "عثنيئيل" تعني (استجابة الرب)، فلا يستطيع أحد أن يغتصب قرية الكتاب المقدس إلاّ من يوهب له من قِبل الله أو يُستجاب لطلبته، عندئذ يتزوج عكسة ابنة كالب أي يلتصق بالحياة المقدسة ويتعرف على أسرارها لا كقرية يسكنها وإنما كعروس يتزوج بها، أما نزول عكسة عن الحمار لتطلب من أبيها الينابيع العيا والينابيع السفلى كهبة منه لابنته، إنما يُشير إلى النفس التي تنزل عن اهتمامات الجسد الحيواني (الحمار) لتطلب من أبيها السماوي ينابيع المياه الحية، أي ثمار الروح على مستوى سماوي عالٍ، كما تنعم بالثمر الذي تعيش به هنا على الأرض (الينابيع السفلى)(22). يتحدث بعد ذلك عن التصاق بني القيني (وفي الترجمة السبعينية بنو حوباب القيني)، أي أبناء إخوة زوجة موسى، ببني يهوذا إذ صعدوا من مدينة النخل أي أريحا التي خربت ولعنت لذا لم يذكر هنا إسمها، وانطلقوا إلى برية يهوذا إذ كانوا لا يحبون سكنى المدن كسائر أهل البدو (إر 35: 6-7)، في جنوبي عراد (تبعد 17 ميلًا جنوبي حبرون) وسكنوا مع شعب هذا الموضع أي عماليق! وهكذا إختطلت الحنطة بالزوان! اشترك السبطان يهوذا وشمعون في ضرب "صفاة" ودعوها "حرمة"، والتي هي في الغالب "تل السبع". كلمة "حرمة" تحمل معنيين: "موضع مقدس، خراب"؛ فقد حطموها تمامًا وضربوها بسبب ما قاسوه فيها من مرارة في حرب العمالقة (عد 14: 45). أما المدن "غزة وأشقلون وعقرون" [18]، من عواصم الفلسطينيين الخمس، فقد أخذها الفلسطينيون لكنهم لم يبقوا فيها زمانًا طويلًا، لذلك جاءت الترجمة السبعينية (لم يأخذها يهوذا أي لم يرثها)... "لم يُطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات من حديد" [19]، كان ذلك مع بدء ظهور العصر الحديدي، وقد إحتكر الفلسطينيون صناعته حتى لا ينتفع به الإسرائيليون (1 صم 13: 19-22)، ولكن نصرة داود على الفلسطينيين كانت بداية لاستخدام الحديد كسلعة عامة في إسرائيل. وسط هذه الانتصارات المتتالية أعلن الكتاب تهاون هذا الشعب: "وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيين سكان أورشليم، فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم" [21]. وكما يقول العلامة أوريجانوس: [إذ نسمع في الإنجيل بأن الحنطة تنمو مع الزوان، بنفس الطريقة يوجد في أورشليم أي الكنيسة اليبوسيون الذي يسلكون بحياة رديئة، هؤلاء الفاسدون في إيمانهم كما في أعمالهم وكل طريقة حياتهم. من المستحيل تتنقى الكنيسة بالكلية طالما هي على الأرض |
|