رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أن العصفور موجود في البلاد الشرقية منذ القديم، وأن هذا الاسم كان يطلق على أي طائر صغير، ومن المرجح أن الدوري كان أكثر العصافير وجوداً، وكان ثمنه زهيداً جداً (ثمن الخمسة عصافير - أيام تجسد المسيح - سبعة مليمات)، وكان يوجد في الأماكن المسكونة وفي البراري والحقول، ويبني عشه في أعالي المنازل أو على الشجر أو على الجدران أو على الأرض. ولقد ذُكرت العصافير بكثرة في الكتاب المقدس، وهي بحسب الشريعة من الطيور الطاهرة وسوف نلقي نظرة على ستة مشاهد للعصفور في كلمة الله، لنأخذ منها بعض التعاليم والدروس الروحية:
إنه يطير بكل أمان وسلام، وبينما هو يبحث عن شيء يأكله، إذ به يقع في ما قد نُصب له من شرك. وهو بذلك ينطبق عليه قول الحكيم «كطير يُسرع إلى الفخ ولا يدري أنه لنفسه» (أم7: 23). لكن مَنْ هو الذي يُدبِّر له ذلك؟ إنه الصياد الذي لا يعرف الشفقة، بل والمجرَّد منها نهائياً. إنه يتلذذ بكل صيد يقع في يده. وهذا يذكرنا بأول صياد في الكتاب المقدس «نمرود» الذي كان جبَّار صيد أمام (أو ضد) الرب (تك10: 8). لقد عادى وقاوم الله، كما كان قاسياً ورهيباً. وإن كان نمرود هو أشهر صياد عرفه التاريخ، غير أنه ما كان سوى صورة ورمزاً لصياد أخطر وأعظم .. أعني «الشيطان»، والذي قال عنه الرب إنه كان: «قتَّالاً للناس من البدء» (يو44:8)، والذي تكلم عنه بطرس بأنه «كأسد زائر يجول ملتمساً مَنْ يبتلعه هو»(1بط 5:8). إنه لا يصيد طيراً أو حيواناً، بل يقتنص نفوساً لها أرواح خالدة ليهلكها ويميتها (2تي26:2). إنه عدو كل بر، كما أنه المقاوم والخصم العنيد للرب. وأي مصير تعس ومظلم ينتظر ذلك العصفور الذي وقع في فخ من لا يرحم ولا يشفق؟! ولكن شكراً لله من أجل تحريره وعتقه لنا، إذ صار لنا الآن أن نُرنم تلك الترنيمة الشجية «انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر، ونحن انفلتنا» (مز7:124). من الذي كسر الفخ؟ أيمكن للعصفور الضعيف أن يفعل ذلك؟! إن الصياد قوي ولا قدرة للعصفور على مقاومته، لكن جاء من هو الأقوى (مت29:12)، جاء المحرر العظيم الذي قال عن نفسه «إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً» (يو8: 36). وما عاد للشيطان الآن أي سطوة علينا بعد أن اندحر تماماً في صليب المسيح. وقد عَبًّر المُرنِّم عن هذا المعنى الجميل بالقول: ربي قد بحثت عني فوجدتني هناك في هلاك في ضلال وابتعاد مثل طير في شراك لا أراك فكسرت الفخ حالاً بعد أن أدمت يداك مَنْ سواك ونرى صورة رمزية لذلك فيما حدث قديماً لبني إسرائيل، لقد كانوا تحت نير فرعون القاسي والعاتي (والذي كان صورة ورمزاً للشيطان)، وما كان في استطاعتهم أن يتحرروا منه، ولكن جاء ذلك اليوم، يوم الحرية والعتق، يوم النصر والظفر، يوم أن سمعوا صوت الرب المطمئن والمشجع قائلاً لهم: «لا تخافوا ... فإنه كما رأيتم المصريين اليوم، لا تعودون ترونهم أيضاً إلى الأبد ... ونظر إسرائيل المصريين أمواتاً على شاطئ البحر. ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين» (خر14: 13، 30، 31). 2- العصفور المنسي: نعرف من إنجيل لوقا 12: 6 أن خمسة عصافير تباع «بفلسين»، ونعرف من إنجيل متى10: 29 أن ثمن العصفورين «فلس واحد»، ومن هذا نفهم أنه عند شراء أربعـة عصافير يُعطِي البائع عصفوراً خامساً إضافياً مجاناً. ولكن إن كنا نرى هنا عصفوراً لا قيمة له في نظر البائع، لكن ليس هكذا عند الرب، إنه ليس منسياً، بل وله قيمة وغلاوة عند الرب! وهذا ما يُوَضِّحه الرب نفسه «أليست خمسة عصافير تباع بفلسين، وواحد منها ليس منسياً أمام الله؟ بل شعور رؤوسكم أيضاً جميعها محصاه. فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة!» (لو6:12، 7). هل شعرنا مرة بهذا الشعور المُحبِط بأننا منسيون ومُهمَلون؟ لقد اجتاز داود في مثل هذا الاختبار، إذ كان منسياً من أبيه، ومحتقراً من إخوته، ومجهولاً من الملك؟! عندما دعا صموئيل يسَّى وبنيه للذبيحة، وفهم يسَّى أن صموئيل مزمعٌ أن يمسح أحد بنيه ملكاً، حرص أن يجمع كل أبنائه، ولكنه نسي بل تناسى تماماً الصغير، والذي كان وقتئذ مع الغنم في المرعى! حتى أن صموئيل تحيَّر عندما أجاز يسَّى جميع بنيه ولم يختر الرب واحداً منهم ليجعله ملكاً على شعبه. مما جعله يسأل يسَّى «هل كملوا الغلمان؟»، وهنا تدارك يسَّى الأمر فأجابه «بقي بعد الصغير وهوذا يرعى الغنم»(1صم 11:16). نعم لقد كان داود منسياً من أبيه، الذي ما كان يخطر على باله أن الله سيتجاهل جميع بنيه ولا يختار سوى هذا الصغير ليمسحه ملكاً؟! وعندما أرسله أباه ليفتقد سلامة إخوته في الحرب، وأظهر استعداده أن يُنازل هذا الفلسطيني الأغلف الذي كان يُعَيِّر صفوف الله الحي، وبَّخه أليآب أخوه قائلاً له بغضب واحتقار: «لماذا نزلت؟ وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية؟ أنا علمت كبرياءك وشر قلبك، لأنك إنما نزلت لكي ترى الحرب» (1صم17: 28). ولم يعرف أليآب أن هذا المحتقر في عينيه سيصنع الرب به خلاصاً عظيماً، وهو الذي سيُسكِت تعييرات هذا الفلسطيني المتعجرف، وأنه بعد لحظات ستكون رأس جليات الجبار في يده، وسوف تُنشد له جميع النساء بهجة لنصرته العظيمة (1صم17، 18). وعندما حقق داود هذا النصر العظيم وقتل جليات، نجد شاول الملك يسأل قائد جيشه «ابن من هذا الغلام يا أبنير؟»، رغم أن داود كان معروفاً من شاول، فكثيراً ما كان يُهَدِّئ نفسه عندما كان يبغته الروح الرديء (1صم14:16-23). إذ أن شاول عرف داود كعازف موسيقى، كفنَّان وشاعر، ولكن لم يعرفه كجبار بأس في الحرب. لقد كان مجهولاً بالنسبة له كصاحب النصرة وكرجل الحرب وكرجل الإيمان الذي يعمل مع الله. لكن هل تقدير الناس لداود غيَّر من تقدير الرب له؟ كلا، ليكن تقدير الإنسان ما يكون، غير أن تقدير الرب سيظل ثابتاً لا يتغير. وعندما نعود إلى كلمات الرب في إنجيل لوقا، نجده بعد أن أوضح قيمة العصفور الواحد عنده وأنه غير منسي، يقدم الرب حقيقة ثم نصيحة وأخيراً تشجيعاً. أمافهي أن: «شعور رؤوسنا جميعها محصاة»! مَنْ يعرف عدد شعر رأسه؟ الله يعرف، ومن يتحكم في عدد الشعيرات التي تسقط؟ إنه الله. أليس هذا هو الذي دعا الرسول بولس أن يشجع الذين معه في السفينة، والتي أشرفت على الغرق وقد حسبوا أنفسهم أمواتاً لا محالة، قائلاً لهم: «لذلك ألتمس منكم أن تتناولوا طعاماً، لأن هذا يكون مفيداً لنجاتكم، لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحدٍ منكم» (أع34:27). إذاً علينا أن نتيقن أن كل أمورنا مرتبة بكل عناية من يدي الله القدير والمحب. والنصيحة هي: «لا تخافوا» .. طالما أن هناك من لا ينسانا، ومن يعتني بنا، فلا مجال للارتباك والخوف. «الرب لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي الإنسان؟» (مز6:118). وأخيراً التشجيع: «أنتم أفضل من عصافير كثيرة». ويا له من تشجيع مُسر ومُبهج، ما أعظم المكانة التي لنا في عيني الرب، «إذ صرت عزيزاً في عيني مكرماً، وأنا قد أحببتك» (إش43: 4). لم ينل أحدٌ من خليقته عناية واهتماماً مثلما نال الإنسان .. إننا لسنا فقط أفضل من عصافير كثيرة، بل أفضل من جميع الملائكة، فهم ليسوا سوى «أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص!» (عب14:1)، كما أنه «لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلَّمهم محروسين للقضاء» (2بط4:2). أما بالنسبة لنا فإن «الله لم يُشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، فكيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء؟!» (رو32:8). |
|