عودة القديس إيلاريون إلى فلسطين
وعند نزوله من جبل الأنبا أنطونيوس إلى الإسكندرية، علم بخبر وفاة والديه، فعاد إلى وطنه وأخذ إرثهما الوفير، ووزعه على الفقراء، واضعاً نصب عينيه -كما يقول جيروم الذي كتب لنا سيرته بالتفصيل- كلمات المسيح له المجد (كذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لى تلميذاً) (لو 14: 33).
وهكذا انطلق إيلاريون إلى مسقط رأسه فلسطين، وهناك مضى إلى برية غزة المقفرة، التي لم تكن فقط مكاناً بلا ماء، وموضعاً غير مسلوك، بل كانت مخبأ لقطاع الطرق واللصوص.
حتى أن كثيرين من محبيه حذروه من المضى إلى هذا القفر ورجوه ألا يذهب، لكنه خرج إليها كجندى للمسيح متسلحاً بالفضائل والقوة الإلهية، وبدأ حياته الرهبانية بجهاد شديد وجدية، فكان يرتدى المسوح على عريه، ومن فوقها ثوباً خشناً، وفوق ذلك كان يلبس الاسكيم الجلد الذي كان القديس أنطونيوس الكبير قد ألبسه إياه، ومع حداثة سنة ونحافة جسمه، أخذ يحتمل بصبر ومثابرة البرد القارس والحر الشديد، ولا ينام ولا يأكل إلا قليلاً مواظباً على السهر المستمر والصلاة الدائمة وعمل اليدين.
وبحسب وصف جيروم المؤرخ لحياة وصفات القديس إيلاريون، نجده وقد عاش في كوخ على شاطئ البحر، على مسافة نحو سبعة أميال من (ماجوما) التي كانت ميناء في غزة على الساحل القريب من مصر، واعتزل في حياة الوحدة، متشبهاً بالقديس أنطونيوس الكبير، مجاهداً حتى الدم ضد الخيالات الشريرة وتجارب العدو.
فكان لباسه كما ذكر جيروم مساحاً واسكيماً، أما طعامه فكان بضعة ثمرات من التين الجاف وكسرة من الخبز يومياً عند غروب الشمس، ثم تدرج مع تقدم العمر، حتى صار حفنة من العدس المنقوع أو قليلاً من البقول غير المطبوخة،وفي شيخوخته، قيل أنه لم يكن يأكل خبزاً البتة، أما مسكنه فكان أولا كوخاً من البوص، ثم بنى بعد ذلك مغارة وصفها جيروم بأنها كانت أقرب إلى القبر منها مسكن لشخص أدمى، فقد كانت في ارتفاعها دون قامته، وفي طولما تزيد قليلاً عن طوله وهو راقد، أما فراشه فكان الأرض والتراب، أو حصيرة من البوص الخشن.
وقسم القديس إيلاريون وقته بين الصلاة والإنجيل وعمل اليدين حسب التسليم الرهبانى القبطى الذي استلمه من القديس الأنبا أنطونيوس.