لماذا لم يكلف الله موسى رئيس الأنبياء بتقديم ذاته فدية عن أبيه آدم؟ أو لماذا لم يكلف الله رئيس الملائكة الجليل ميخائيل لحل مشكلة البشرية الساقطة؟
ج : بالنسبة للنبي أو رئيس الأنبياء ينطبق عليه بعض شروط الفادي دون الأخرى، فمثلا هو إنسان ولكنه ليس بلا خطية، وإن قدم نفسه بإرادته فهو مخلوق لا يملك نفسه هذه، لو سمح الله له بتقديم نفسه فهو لا يستطيع أن يستردها ثانية، وهو محدود فلا يقدر أن يفي عقاب خطية غير محدودة، ولذلك قال الكتاب "الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه" (مز 49: 7) وقِس على ذلك الملاك أو رئيس الملائكة الذي ليس هو من طبيعة الإنسان، وإن كان بلا خطية فهو لا يملك نفسه حتى يقدمها فدية، وهو أيضًا محدود.. إلخ.
ويقول القديس أثناسيوس " كما أن المخلوقات لم تُخلَق بواسطة مخلوق بل بواسطة الكلمة الخالق، هكذا فهو وحده الذي يستطيع أن يجددها، لأن المخلوق لا يستطيع أن يخلص مخلوقًا على الإطلاق، وكيف تحصل المخلوقات على أية معونة من مخلوق مثلها هو نفسه يحتاج إلى الخلاص" (الرسالة إلى ادلفيوس 8) (1).
وقال أيضًا " أن الذي بذل ذاته عنا لم يكن إنسانًا عاديًا، فكل إنسان هو تحت حكم الموت كما قيل لآدم، " انك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19) ولا كان هو واحدًا من المخلوقات الأخرى" (الرسالة إلى مكسيموس 3) (2).
وقال الربان زكا بشير عيواص نائب كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس (سابقًا) في المؤتمر الذي عُقِد في القدس يومي 15، 16 مارس 1959 لبحث موضوع طبيعة المسيح ومجمع خلقيدونية " وإذ كانت تلك المعصية غير متناهية لأنها موجهة مباشرة إلى اللامتناهي، لذلك كان غير ممكن للملائكة والآباء والأنبياء المتناهين أن يقدموا الكفارة عنها، ويفوا العدل الإلهي حقه، حتى ولا الناموس لموسي، إلاَّ الله وحده غير المتناهي، إذ لا يوجد شيء في هذا الكون إلاَّ وهو متناه "(3).
وما أجمل قول القديس غريغوريوس في ليتورجيته "وعندما سقط (الإنسان) بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدَّسة وأردت أن تجدّده وترده إلى رتبته الأولى، لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس أباء ولا نبي ائتمنتهم على خلاصنا، بل أنت بغير استحالة تجسَّدت وتأنست وأشبهتنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها".